لم يعد هناك إلحاح على تأكيد المؤامرة التى تتعرض لها مصر، فقد كنا ننبه إليها من قبل من واقع ترتيبات وخطط أمريكا وبعض الدول الأوروبية التى تأتمر بأوامرها، والتى كانت فى متناول الجميع، بل صرح بها ساستهم فى مناسبات عديدة فى مقالات وندوات ومؤتمرات، وفى وثائق يستطيع كل من ينكر وجودها الرجوع إليها، بل إن بعض من ينكرونها كانوا من أوائل من تحدثوا عنها ورصدوها.. لكن سبحان مغير القلوب! منذ غزو العراق تحت راية «نموذج جديد للديمقراطية فى الشرق الأوسط»، وتفكيك جيشها كأولوية أولى، وما تلا ذلك من محاولات طمس الهوية وتغيير التاريخ وتصعيد الانقسام العرقى والطائفى، مصحوبًا بالكلمة السحرية «الفوضى الخلاقة»، أصبحت المؤامرة واقعًا لا يقبل الشك ومن ثم فإن مناقشة.. هل ما يحدث مؤامرة على المنطقة أم لا؟.. هو نوع من العبث أو قُل التغييب المتعمد لشعوب المنطقة!، ومع تحول شكل الهيمنة والاحتلال السافر إلى تفكيك الدول وإخضاعها بالاستعانة بأهلها من الداخل فقد نجحت الخطة فى العراق و سوريا واليمن وليبيا ولبنان التى يغيب عنها منصب الرئيس منذ ثلاث سنوات. استطاعت مصر أن تنجو من محاولات التفكيك، واستطاعت أن تحتفظ بوحدة جيشها «قلبها الصلب»، فصنعت ٣٠ يونيو الذى أوقف الخطة وهدد أصحابها ووضعهم فى خانة «اليك»، فارتبكت حساباتهم وكان من الضرورى إعادة المحاولة تلو الأخرى، فتدفقت الأموال باعترافهم تحت بنود كثيرة أملًا فى تحقيق نصر على مصر يعوض ما فات من وقت. فى تقديرى أن الخطة ستسير إلى منتهاها.. لذلك من يقولون لا توجد مؤامرة وهم يعلمون يضعون أنفسهم ضمن أدواتها، ومن يقولون وهم لا يعلمون يعتبرون أنفسهم وقودًا احتياطيًا يتم استخدامه عند الحاجة. المخطط الأمريكى الصهيونى الغربى تجاه الشرق الأوسط وتحديدا مصر واضح تؤيده الوثائق وواقع الحال على الأرض، لكن الأخطر الذى يهدد الوطن هو حال البعض من أبنائها من المثقفين والنخبة ورموز «يناير» الذين ينكرون كل شيء، ويتعامون عن كل ما يجرى على أرض الوطن، وينتقون من بين كل ما يجرى ما ينتقدونه ويتكلمون عنه، ولا يرون شيئا ذا قيمة غير الحديث عن قضايا حقوق الإنسان، وليتها تشمل الجميع.فحقوق الإنسان عندهم هى للناشطين من الشباب والمتهمين فى قضايا قيد المحاكمات، والمحكومين بأحكام واجبة النفاذ، والذين يحبون التجاوز على القانون واختراقه، والمولعين باستمرار الثورة إلى مالا نهاية. التدليل على المؤامرة يلحظه ويفهمه المواطن العادى الذى جمع أجزاء المشهد، ووضعها إلى بعضها البعض، فأجابت عن سؤاله: هل ما يحدث لمصر صدفة أم وراءه خطة وهدف؟ تقول محاولات ضرب العلاقات المصرية مع روسيا وقبلها الإمارات والسعودية وإيطاليا وفرنسا بعد نموها الكبير بهذا الشكل، وبعد وقوفها إلى جانب مصر فى إطار من الشراكة والندية وتحقيق مصالح الطرفين أن مصر تستعيد نفسها وتستجمع قواها وتبنى اقتصادها وتقوى جيشها، وتؤكد شرعية مؤسساتها.. لذلك لا يجب أن تستمر مصر فى هذا الطريق وتجب عرقلتها ولو بشكل غير مباشر. محاصرة مصر تجرى على قدم وساق، وتقليم أظافرها هدف استراتيجى يبدأ من تشكيك بعض أبنائها فيها، ولو بكلمات بسيطة وسهلة على اللسان لكنها ثقيلة فى حسابات المؤامرة مثل «هى فين المؤامرة اللى بتتكلموا عنها.. إحنا مش شايفين مؤامرة.. إحنا شايفين فشل فى الإدارة.. الحكومة تتكلم عن أعداء وهميين.. الحكومة مشغولة بفخ المؤامرة»، وهكذا كلمات وجمل بسيطة تنطلق من منصات إعلامية مصرية أو عبرها لأفراد وشخصيات لا ترى فى مصر أى إنجاز حقيقى، كل وظيفتهم ودورهم هو صناعة اليأس والإحباط وتقديمه للشعب المصرى.. مثل أحدهم الذى قال تعليقًا على فاجعة طائرة مصر للطيران: «وبالنظر إلى أية رهانات على تنشيط السياحة فإننا نبتعد عن أى شاطئ أمان بأى وقت منظور» هل هناك دعوى لليأس أكثر من تلك؟
فى فرنسا وقفت المعارضة خلف الحكومة فى الأزمة حتى تنتهى، واشتغل الإعلام على مصالح فرنسا وعدم الإساءة لها، ويحاول جاهدًا إبعاد المسئولية عن مطار ديجول، الفرق فى التعاطى مع الأزمة بيننا وبين فرنسا كبير وليتنا نتعلم.