لا سبيل إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية الناجحة من غير أن يكون للدولة دور فعال ومؤثر داخل الاقتصاد المتخلف، خاصة إذا كان هذا الاقتصاد يعانى من حالة انهيار ويواجه تحديات ومشاكل خارجية وداخلية قوية، كما هو الحال في مصر، بحيث يتيح هذا الوضع للدولة في نهاية الأمر أن تشارك القطاع الخاص في قيادة عملية الاقتصاد القومى بأسره بوعى، خاصة بالنسبة للمشروعات والأنشطة التي لا يرغب القطاع الخاص الدخول فيها على الرغم من أهميتها للمجتمع، حتى لقد أصبح من المسلمات أنه وإن يكن الهيكل الاقتصادى المتخلف ينطوى على التعدد في الأنماط الاقتصادية وكثرة في القطاعات المنعزلة أو المتشابكة بفعل تفاوت مستويات النمو الاقتصادي، فإن التطور إنما يتم أساسا بفضل نشاط قطاع الدولة الذي ينهض بأغلب مهام التخطيط والتوجيه والرقابة ومتابعة التنفيذ وحماية المستهلك والسوق من الاستغلال والغش التجارى، ومنع الاحتكارات المدمرة للتنمية في إطار فلسفة اقتصاد السوق الاجتماعية التي تتبناها مصر والتي تتبناها دول متقدمة عديدة من بينها ألمانيا وبريطانيا. وتعتبر المشكلة الجوهرية أمام أغلب البلدان النامية ومصر من بينها هي الحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية والمحلية بدرجة كبيرة لا من أجل توليد الطلب الفعال كما هو الحال في البلدان الرأسمالية، وإنما من أجل التعجيل بتوسيع الطاقة اللازمة للتصنيع وإقامة البيئة الأساسية اللازمة لعمليات التنمية الاقتصادية متمثلة في إنشاء شبكة من الطرق تربط مواقع التصنيع والإنتاج بموانئ ومنافذ التصدير والتجارة الخارجية.
وفى هذا الإطار فقد كانت رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى الثاقبة هي خلق البيئة الاقتصادية الجاذبة للاستثمارات الخارجية والداخلية، بعد أن تم إنشاء قناة السويس الجديدة وتخطيط المناطق الصناعية المرتبطة بها وتوصيل خدمات البنية الأساسية لها وعلى التوازى الاهتمام بتأسيس حزمة من التشريعات والقوانين الجاذبة للاستثمارات والمشجعة لرجال الأعمال بما يتولد لديهم من انطباع بضمان حماية مشروعاتهم وأموالهم وتقديم التسهيلات والمزايا والحوافز التي تكون حالة من الرضا والأمن للاستثمار في مصر، إلى جانب إعداد الكوادر الفنية والعلمية والعمالة الماهرة المطلوبة في تشغيل المشروعات وتدوير العملية الإنتاجية الهائلة وهو ما يجرى تنفيذه في اتجاه التطور الاقتصادى، ويبقى أن الاستثمارات الأساسية في عملية التنمية الاقتصادية بل معدل النمو محكومة كلها بعاملين هما: «حجم الفائض الاقتصادي، وأسلوب استخدامه» ومعنى ذلك أن التراكم، أي ذلك الفائض الاقتصادي، المعبئ للاستثمار إنما يتوقف في النهاية على درجة تطور القوى المنتجة وعلى طبيعة وهيكل العلاقات الإنتاجية السائدة، وهنا تكمن مشكلة مصر والدول النامية، الأمر الذي يوجه إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكومة.
ولم تكن القيادة السياسية بعيدة عن قضية اختيار التكنولوجيا المناسبة لرفع إنتاجية كل من العمل ورأس المال، سواء في قطاع الصناعة أو قطاع الزراعة، أو غيرهما، وفى العادة تطرح هذه المشكلة كمشكلة نقل التكنولوجيا من الخارج باعتباره واقع التخلف الداخلى، لكن الدولة ترى المسألة معكوسة، فالمطلوب في الواقع هو خلق التكنولوجيا المناسبة لنقلها، وهذا الخلق إنما يبدأ بتطوير التكنولوجيا المحلية جنبًا إلى جنب مع خلق الوسط الاجتماعى والثقافى والتكنولوجى الذي تستطيع فيه القوة العاملة المحلية أن تستعيد قدرتها على الخلق التكنولوجى، إنها عملية حضارية شاملة وليست مجرد استيراد لمنجزات الحضارة الأجنبية، ومن هذه الحدود يمكن أن نطعم التكنولوجيا المحلية بما يناسبها محليا مع التكنولوجيا المتطورة سواء كانت هذه الأخيرة كثيفة العمل أو كثيفة رأس المال.
وفى هذا الإطار فإنه من ضمن المشروعات العملاقة التي يجرى إنشاؤها على أرض الوطن نجد أنها تعتمد على التكنولوجيا المتطورة للغاية مطعمة بالتكنولوجيا المحلية لمشروعات الطاقة وإنشاء محطات الكهرباء العملاقة التي يتم إنشاؤها بالاعتماد على أعلى تكنولوجيا مستخدمة في العالم ومشروعات الأنفاق ووسائل الحفر والتبطين وغيرها، ومشروعات حفر الآبار اللازمة لمشروع النهضة الزراعية وزراعة مليون ونصف المليون فدان والذي تم الاحتفال بباكورة إنتاجه من القمح في الفترة الأخيرة، ومشروع حفر وإنشاء قناة السويس الجديدة الذي تم بالاعتماد على أعلى أنماط التكنولوجيا المتطورة في العالم مدعومة أو مطعمة بالتكنولوجيا المحلية، ولعل إعادة تشغيل مصانع الحديد والصلب بطاقة إنتاجية كبيرة، والصناعات الثقيلة الأخرى، والاهتمام بالمشروعات الكبيرة العامة كصناعة الرخام والأسمنت الجارى تنفيذها الآن، يعكس الدور المهم للدولة في عمليات التنمية.
في الوقت الذي نجد فيه أن المشروعات التي تجرى على أرض الوطن الخاصة بالإسكان الاجتماعى، ومشروع إسكان العشوائيات الذي أمر الرئيس بالانتهاء منه خلال عامين فقط ويخدم نحو مليون مواطن يعيشون في نحو ٣٥٠ منطقة عشوائية منتشرة في ربوع مصر، هذه المناطق في حالة يرثى لها، غير آدمية بالمرة، وهذه المناطق موجودة في بيئة منحطة وسيئة للغاية، لم يفكر أو يخطر على بال أي مسئول من قبل أن يهتم بها ولا بالمواطنين الذين يقطنونها ومن بينهم أعداد كبيرة من الشباب الشريف القانع والقابل، عن طيب خاطر، بهذا الوضع المتدنى وغير الآدمى دون أن يغضب أو يتمرد أو يثور أو يثير الفتن والقلاقل أو يتظاهر ويعتدى على القانون، والذي إن فعل ذلك لكان له بعض الحق.
إن شباب العشوائيات هم الشباب الشريف الطيب الذي يحتاج إلى من يحنو عليه ويأخذ بيده، وليس الشباب الذي تدافع عنه إحدى مقدمات البرامج الفضائية.. ما هذا الهراء؟ أتطلبين من الرئيس العفو عن الشباب المحبوس بحكم قضائى وهو الذي اعتدى على رموز الدولة وعلى الرئيس ذاته وعلى القوات المسلحة والشرطة، هؤلاء الشباب هم الذين رفعوا شعار جماعة الإخوان ووقفوا معهم على سلم نقابة الصحفيين يهتفون هتافات قذرة سافلة مستخدمين ورافعين إعلام داعش، وقد عطلوا وسائل النقل ومصالح المواطنين وحرضوا وشجعوا على قتل الرئيس ورجال الجيش والشرطة والقضاء.
ويبقى السؤال ما هذه النغمة التي تطالب بالإفراج عن الشباب المحكوم عليهم والذين صدرت ضدهم أحكام بالحبس؟؟.. إن الشباب الذين يستحقون الحنو والرعاية هم الشباب الذين يعملون في الحقول والمصانع وأمام أفران الحديد والصلب وأمام أفران المخابز، الشباب الذين يستحقون الحنو والرعاية هم الجنود الأبطال الواقفون في سيناء تحت الشمس المحرقة يحاربون الإرهاب ويحمون أمن الوطن وسلامة أراضيه، ورجال الشرطة الساهرون على حماية أرواحنا وأملاكنا وأمننا ومؤسساتنا. نحن يا سيادة مقدمة البرنامج الفضائى نعمل في مصر على تحقيق دولة القانون والعدالة الاجتماعية، ولعل السيدة المحترمة مقدمة البرنامج قد تابعت زيارات الرئيس الأخيرة ورأت بعينها حجم المشروعات التي تم إنجازها والذي يؤكد الرئيس أنها موجهة أساسا للشباب ولتحقيق العدالة الاجتماعية. وفى هذا الإطار نود أن نعرض أهم ما تم في تجاه تطبيقها..
إن حل مشكلة العشوائيات التي بدأتها الدولة وستنتهى منها خلال عامين فقط لأهلنا البسطاء ومحدودى الدخل هو عنصر هام من عناصر العدالة الاجتماعية.
- بطاقات التموين بشكلها الجديد ومميزاتها الكبيرة إنجاز للعدالة الاجتماعية.
- تطبيق مشروع الإسكان الاجتماعى للشباب محدودى الدخل من خلال إنشاء مئات الآلاف من الشقق هو إنجاز للعدالة الاجتماعية.
- المشروعات العملاقة التي يجرى تنفيذها ويعمل بها آلاف من الشباب إنجاز للعدالة الاجتماعية.
إن تطبيق قانون الحدين الأدنى والأعلى للأجور هو تطبيق للعدالة الاجتماعية.
- معاملة الشرائح الفقيرة من المواطنين ومحدودى الدخل بالنسبة لتعريفة استهلاك الكهرباء والمياه من خلال تخفيض التعريفة لهم قمة العدالة الاجتماعية.وأيضا حينما تخصص الدولة من خلال البنوك المصرية نحو ٢٠٠ مليار جنيه للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للشباب وبتسهيلات ائتمانية ونسبة فائدة نحو ٥ ٪ فقط فإن هذا قمة العدالة الاجتماعية. ومن ناحية أخرى فليس من العدالة الاجتماعية التي يتشدق بها البعض أن يحصل بعض مقدمى البرامج الفضائية على رواتب تصل أحيانا إلى مليون جنيه في الشهر ولمدة ٤ أيام عمل في الأسبوع.. ولا أدرى ما هي العبقرية الفذة أو المادة الإعلامية الخرافية التي تساوى هذا الراتب؟.. اللهم ثبت عقلنا يا رب وبعد عّنا وساوس الشيطان الرجيم ومتعنا بالرضا والقناعة وراحة البال.