الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

القصاص.. القصاص

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وراء كل شهيد يسقط من الجيش والشرطة، قصة تدمى القلب وتخلع الروح من الجسد، وداخل كل بيت من بيوت الشهداء حكاية.. وربما حكايات تدمع لها العيون لحظات، ثم تجف الدموع، ويبقى الأمل أن تشاهد ساعة القصاص العادل، حتى تهدأ النفوس وتستقر القلوب الملتاعة فى الصدور، وتسكن الأرواح الحائرة.. دماء الشهداء لن تنتظر طويلًا كى يأتيها القصاص!
حادث حلوان الأخير الذى سقط فيه ٨ شهداء من رجال الشرطة بدم بارد برصاص الغدر لن يكون الأخير، وربما وأنا أكتب هذه الكلمات يحصد الإرهاب أرواحًا طاهرة غدرًا وغيلة، وربما وأنت تقرأ هذه السطور تقرأ بجوارها خبرًا عن شهداء جدد من خيرة أبناء مصر من الجيش والشرطة سقطوا فى ميدان الشرف من أجل الوطن.
بين كلمات الشجب والإدانة والاستنكار من الناس، وتصريحات المسئولين من الأمن التى تقول فى كل مرة إن تلك الحوادث لن ترهبنا، ولن تفت فى عضدنا، ولن تثنينا عن مواصلة الطريق حتى نجتث الإرهاب من جذوره، وبين كلمات النخبة على شبكات التواصل الاجتماعى، التى تتحدث عن الأسف لما يحدث وضرورة التوحد لمواجهة الإرهاب، إلى الصرخات المكتومة فى صدور الآباء والأمهات والزوجات والأخوة والأخوات والأبناء من أهالى الشهداء، إلى الألم النفسى الذى يعيشون فيه، وهم ينتظرون لحظة قصاص عادل يشفى الغليل ويضمد الجراح، لا تأتى فى الوقت المناسب، وربما لا تأتى مطلقا، إلى حالة أدعو الله ألا يأتى فقدان ثقة فى تحقيق هذا القصاص!
رغم كل ما سبق، ورغم ما نقوله ونشعر به بعد كل حادث إرهابى خسيس يتحول الشهداء إلى رقم فى خبر، ويصدمنا الخبر مع كل نهار وليل، وبعد وقت قصير تسكن الأخبار الأرشيف كما تسكن الأجساد الطاهرة القبور، ولا يبقى غير ساعة تكريم للشهيد وأهله وينتهى الأمر بالنسبة لنا.. لكنه بالقطع لا ينتهى بالنسبة لأهالى الشهداء الذين يتجرعون مرارة الفراق، وفقدان العزيز الذى كان الأمل والسند عند الحاجة والضرورة، وألم العجز وهم لا يملكون سلطة تحقيق القصاص العادل من قاتليهم، فلا يعرف مرارة هذا الأمر إلا من جربه، ولا يعرف ألم الدمع الذى يحرق الخدود إلا من يكابده.
القصاص مجرد شعار لم يعد له معنى، طالما لا أثر له على الأرض، ولعل الكثير من أهالى الشهداء أدركوا هذا المعنى، ورفعوا أكف الضراعة إلى السماء راجين القصاص من رب السماء قائلين وداعين: حسبنا الله ونعم الوكيل.
بعد حادث حلوان الأخير سمعت أصوات أهالى الشهداء فى مداخلات تليفزيونية.. أمهات وزوجات وأبناء وبنات بلسان صدق يقولون: لا تحدثونا عن قصاص من القتلة لأنه لن يأتى.. فقدنا الأمل فى قصاص عادل وناجز وسريع.. فقدنا الأمل فى أن نراه، وإلا بماذا نفسر أحكام إعدام صادرة بحق قتلة لا تجد طريقها للتنفيذ؟ لماذا يظل عادل حبارة المتهم بقتل جنودنا فى رفح بدم بارد والمعترف صراحة متباهيًا بما فعل.. لماذا يظل حيًا حتى الآن؟ كيف نتحدث عن قصاص والقتلة يحاكمون لسنوات ينعمون فيها بالحياة التى سلبوها من شهدائنا؟ لماذا ينعمون بالنوم والطعام والشراب ونحن خاصمنا النوم وأبت بطوننا الأكل والشراب؟ كيف ينعم من منعوا عنا الراحة ويقدم لهم العلاج والحياة الآدمية فى السجون وتضيع حقوقنا فى القصاص؟
تعهد الدولة بالقصاص لضحايا الشرطة والجيش فى تقديرى، يعنى سرعة إنجاز القضايا والفصل فيها، وسرعة تنفيذ الأحكام، وإذا كان هناك ما يسبب أى تأخير للقصاص، فلدينا الآن برلمان لا يجب أن يكتفى بالإدانة والاستنكار لسقوط الأبرياء، لكن عليه أن يسرع فى تغيير القوانين التى تبطئ سير العدالة، ويسن قوانين تقصر أمد التقاضى ولا تطيله، ويسد الثغرات التى يستغلها ويعمل عليها محترفو المحاماة لصالح القتلة والمجرمين.
القصاص يعنى تحويل كل قضايا قتل الضباط والجنود من الجيش والشرطة إلى القضاء العسكرى، بلا خوف أو اعتبار لأحد فى الداخل والخارج حتى يتم تعديل القوانين التى تسمح بتحقيق عدالة ناجزة.
القصاص من القتلة فى أسرع وقت يحقق الردع ويشفى غليل أهالى الشهداء «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون».. صدق الله العظيم آية ١٧٩ سورة البقرة.