الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بلد خبراء صحيح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زمان قال الفنان عادل إمام «دسوقى أفندى» جملته الشهيرة فى مسرحية «أنا وهو وهى» «بلد شهادات صحيح»، وكان دسوقى أفندى كاتب محام، وكان يتصور أنه يفهم فى القانون أكثر من المحامى الذى يعمل عنده «فؤاد المهندس».. بل أخذته العزة بالنفس، فكان يأنف أن يطلق عليه كاتب محام.. تفاصيل المسرحية تعرفونها وتعرفون تفاصيلها جيدا، ولعلنا توقفنا كثيرا أمام الجملة الشهيرة التى أطلقها فؤاد المهندس «القانون ما فيهوش زينب»، وهذا بيت القصيد.. القانون فيه فقط مواد قانون لا تعرف العاطفة ولا تعرف لغة السياسة والمناورات، القانون يقوم على قواعد أساسية وثابتة تصلح للفصل فى النزاع الذى ينشأ بين الأفراد وبعضهم، وبين الأفراد والدولة، وبين الدول وبعضها فى كل الحقوق المتنازع عليها.
الآن أصبحنا «بلد خبراء صحيح»، وما أكثر تنويعات الخبراء لدينا.. يمكن أن نقبل فكرة خبير فى التجميل، وفى الديكور، وفى السياسة وفى الطبخ، وفى الإدارة، وفى الإعلام.. وقواعد الهنك والرنك بشرط توافر بعض القراءة والبحث فى هذا المجال أو ذاك، وساعتها نقول والله هذه وجهة نظر.. لكن -وبشكل شخصى- أنا لا أقبل فكرة خبير فى الطب أو الهندسة أو القانون أو السياسة الدولية، بحيث إذا قال كلاما قبلت به دون أن يكون متخصصا وباحثا علميا فى تخصصه وله دراسات وأبحاث مقدرة وموثقة شهد له بها المتخصصون أمثاله وذوو الشأن.
وبما أننا فى بلد الخبراء أو بلد الخبير فى كل شيء لدرجة أن هؤلاء لا يستحون أن يطلق عليهم الإعلام هذه الصفات بلا وعى أو تقدير أو حتى تصحيح من هذا الذى يدعى الخبرة، باتت أزماتنا ومشاكلنا نهبا لهؤلاء يلوكون فيها بألسنتهم كما يلوكون «اللبان» فى أفواههم دون خجل أو قليل من الاستحياء!
خبراء هذا الزمن صاروا عبئا على كل شيء، ولو أنهم تريثوا قبل النطق بما لا يعرفون أو يتأكدون لتغير كثير من الأمور، ولوجدنا حلولا لكثير من القضايا العالقة والشائكة دون أن يقع بين الجميع خلاف لا أساس منطقى أو عقلى له، ولكن يبدو أن فى الأمر شهوة لا يستطيع هؤلاء الخبراء مقاومتها!
هل تقع المسئولية فى هذه الحالات فقط على هؤلاء الخبراء الذين يتسببون فى إثارة جدل يصل فى أحيان كثيرة إلى إحداث شروخ فى المجتمع وتكدير لحالة السلام الاجتماعى بين الناس أم أن هناك مسئولية.. ومسئولية كبيرة على أجهزة الدولة المعنية بسبب حالة الفراغ الكبير الذى تتركه ينهب ويبتز عقول الناس.. ومسئولية مضاعفة تقع على الإعلام بشقيه العام والخاص الذى ترك الناس فريسة لإعلام دولة لا يقدم شيئا مفيدا ولديه قيودا تكبله وتكبل خطواته فى مواجهة مثل هذه القضايا التى يناقشها بحسابات الموظفين فى الدولة، وفريسة لإعلام خاص يريد «جنازة يشبع فيها لطم الخدود وشق الجيوب» بلا مهنية أو ضمير وطنى؟ فهو بين إعلام فتنة وإشعال حرائق، وبين إعلام تشكيك وهدم الثقة بين الدولة والمواطن، وبين إعلام يمارس الابتزاز لحساب ملاكه على حساب الوطن، وهؤلاء تحديدا يرفعون شعار حرية التعبير والرأى مهما كان الرأى مبنيا على جهل أو أسانيد مغلوطة باعتبارها حقائق ثابتة!
مشكلتنا الأساسية التى يجب أن نواجهها بصراحة هى إعمال قواعد الشفافية طالما ليس لدى السلطة ما تخفيه، وأهمية تقدير الخسارة التى تقع على الدولة من التأخير فى الرد أو الوصول للمواطن الذى وقع فريسة بين أكاذيب وأضاليل من يدعون الخبرة فى كل شيء، وهذه مسئولية الدولة فى المقام الأول!
أما فيما يتعلق بالجدل الدائر حول جزيرتى تيران وصنافير فأعتقد أننى لست مهيأ للخوض فيه أو إبداء الرأى قبل أن يضع المختصون كلمتهم الأخيرة، ولذلك أقول لنفسى ولغيرى ارحموا نفسكم شوية.. تعيين الحدود البحرية مسائل فنية وقانونية ليس فيها كلام عاطفى ولا كلام مناسبات وطنية والمكتوب فى كتب التاريخ المدرسى ليس دليلا ولا حجة.. كل الناس بتكتب التاريخ على مزاجها وهناك فرق بين ترسيم الحدود البرية والبحرية.. اتركوا الأمر للفنيين والمختصين وبلاش مزايدات وشعارات وتربص، لن يقبل أحد وخصوصا الرئيس وقواتنا المسلحة التفريط فى شبر من الأرض، عقيدة عسكرية ووطنية لا تقبل الشك أو المزايدة.. لكن إذا لم تكن الجزر من حقنا فلا داعى للمكابرة والمكايدة.