الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الأزمة الاقتصادية العالمية وأمريكا وخراب العالم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتكلم الفكر الاجتماعى الحديث عن الحقيقة التى مفادها أن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة التى سببها الولايات المتحدة الأمريكية ليست إلا فصلا جديدا من فصول الصراع العنيف بين أنصار التوازن الذين يريدون الإبقاء على النموذج الرأسمالى بغض النظر عن عيوبه وسلبياته وبين أنصار الصراع الذين يريدون إعادة الصياغة الجذرية لهذا النموذج فى ضوء علاقة متوازنة بين واجبات الدولة فى الرقابة على الاقتصاد وحرية السوق المطلقة، أو ما يمكن أن يكون بين اقتصاد السوق الحرة وبين اقتصاد السوق المنضبطة أو الرأسمالية الاجتماعية التى تميل قليلا نحو الاشتراكية.
عند هذه النقطة لن يكون تطبيق هذا الفكر المتوازن نزهة بين رياض الجنة وفى أنهارها فى صحبة حور العين، وإنما كما كانت الرأسمالية أرقى من الإقطاع على الرغم مما جلبته هذه الرأسمالية من كوارث وحروب وأوقعته من آلام بضحايا الاستغلال الرأسمالى من أدنى إلى أعلى مراحلها، فإن نظام الرأسمالية الاجتماعية أو اقتصاد السوق المنضبطة أو السوق الاجتماعية أرقى وأفضل بما لا يقاس بالرأسمالية المستغلة التى لا هم لها ولا هدف إلا الربح واستغلال الإنسان للإنسان وهرس الطبقات الفقيرة والكادحة نتيجة لحرية إطلاق أسعار السلع والخدمات فى المجتمع الرأسمالى دون ضبط أو رقابة للدولة ودون النظر للبعد الاجتماعى للمجتمع.
لقد صنعت كارثة الأزمة المالية أو بالأدق الأزمة الاقتصادية التى كانت الولايات المتحدة الأمريكية السبب الرئيسى لها والتى بدأت منذ بداية هذا القرن بمتغيرات حادة على مستوى العلاقات بين دول العالم، وتهدد اليوم لتغييرات وخلافات عاصفة بين دول التكتلات الاقتصادية الكبرى وفى مقدمتها دول الاتحاد الأوروبى لأنها تهدد الركائز والدعائم الرئيسية التى ينبنى عليها التجمع الواحد وفى مقدمتها فكرة السوق الواحدة الدعامة الرئيسية لقيام وتوسيع الاتحاد الأوروبى حتى أصبح يضم ٢٧ دولة من ضمنها دول المعسكر الاشتراكى السابق وانضمام سويسرا، حيث دفعت الضغوط الحادة والقاسية للأزمة الاقتصادية العالمية إلى مقدمة الأحداث التقليدية بالحفاظ على الاقتصاد الوطنى وتأمينه لاتخاذ خطوات حمائية مباشرة من قبل الحكومات لتأمين صناعتها الوطنية من مواجهة المنافسة الصناعية الوافدة عبر الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد الأوروبى، وتصاعدت حدة الحماية لربط المساعدات الحكومية بشروط الحفاظ على العمالة الوطنية وعدم تسريحها بعد أن ارتفع حجم البطالة فى دول الاتحاد الأوروبى إلى ما يقرب من ١٥٪ من قوة العمل وهو مؤشر خطير يمكن أن نربطه بتنامى الإرهاب فى بعض دول الاتحاد الأوروبى، وقد تبنت الإدارة الأمريكية مؤخرا نفس المنهج الأوروبى وأصدرت قانون خدمة الاقتصاد الأمريكى والبالغ قيمته ٧٨٧ مليار دولار، حيث ألزم القانون الشركات والمؤسسات الأمريكية المستفيدة من المساعدة بعدم تعيين غير الأمريكيين فى الوظائف الجديدة وتم بالفعل تعديل إعلانات الوظائف بما يتوافق مع الالتزامات الجديدة.
فى هذا الإطار سارعت ألمانيا بتقديم مشروع قانون يسمح للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بتأمين البنوك ورفضه البعض باعتباره تراجعا عن الرأسمالية، على الرغم من أن تاريخ ألمانيا الرأسمالى يوصف دائما بالاعتدال والتوازن وتوصف تطبيقاته دائما بنموذج اقتصاد السوق الاجتماعية بما يوفره من ضمانات ومساندة اجتماعية واضحة وملموسة للأقل دخلا والأقل ثروة وغنى، وجاءت تلك الاحتجاجات الرافضة على الرغم من أن بريطانيا بلد الأصولية الرأسمالية المحافظة بأبشع صورة تطبيقا لليمين المحافظ الأصولى الأمريكى قد خرجت من عباءة أمريكا وأممت العديد من البنوك تأميما كليا وجزئيا، وكان الرد الحاسم أن قوة الأزمة الاقتصادية أسقطت القوالب الجامدة والأكثر أهمية وخطورة، وأن عجز الحكومة الألمانية على امتداد الفترة الماضية لاتخاذ قرار التأمين يعطل مواجهة الأزمة ولا يوفر الفرص الحقيقية للإصلاح وكان النموذج الفج محل النقاش بنك هايبو ريل إستيت العملاق الذى حصل بالفعل على ١٠٠ مليار يورو فى صدور ضمانات من الدولة ومصارف أخرى ولكن وضعه ما زال متعسرا مهتزا ويهدد بالإفلاس ما يكرر تجربة بنك لمان برازرز الأمريكى الذى أشهر إفلاسه.
تأسيسا على ذلك فإن الأزمة الاقتصادية التى تعصف بالعالم اليوم سواء وصفها الأمريكيون بأنها أزمة مالية أو وصفها المفكرون الاقتصاديون بأنها أزمة اقتصادية فهى بكل المقاييس أزمة عالمية، وذلك لأنها تعدت حدود الاقتصاد الأمريكى مؤثرة سلبا فى اقتصاديات العالم شرقه وغربه، وشماله وجنوبه، فقد مست فى الصميم دول أوروبا والصين واليابان وأيضا الدول النامية وأيضا الدول العربية التى تعانى أصلا من سيطرة الرأسمالية المنحرفة والتى وصلت إلى حدودها العليا فى عهد جورج دابليو بوش الإرهابى العنصرى المتطرف البغيض وامتدت حتى اللحظة، هذا الإرهابى الذى دفع بالعالم إلى الحرب والدمار وزرع بؤر الإرهاب فى الشرق الأوسط لكى يحقق مصالحه وكان تبريره أن أمريكا لا بد أن تتزعم العالم وتتحكم فيه وتفرض سطوتها وأيديولوجياتها على الجميع بالقوة فى الألفية الثالثة، وأن فلسفته المريضة تؤمن بأن الطريق للسيطرة على العالم هو السيطرة على قلب العالم ويعنى بذلك منطقة الشرق الأوسط وفى القلب منها مصر.
وشهدنا جميعا ما فعله بالعراق وأفغانستان وكل دول المنطقة، واليوم تسعى أمريكا بكل قوة لتفكيك الاتحاد الأوروبى وفعلا ظهر الخلاف داخل دوله، فقد عارضت كل من ألمانيا وفرنسا الغزو الأمريكى للعراق بينما ساندت بريطانيا بوش ووقفت واتحدت معه لضرب العراق.
أعود وأكرر أن استراتيجية الولايات المتحدة اليوم تهدف إلى تفكيك الاتحاد الأوروبى بأى وسيلة، ولا أدرى هل الاتحاد الأوروبى منتبه لهذه السياسة أم لا، ولعل ما يجرى اليوم فى منطقة الشرق الأوسط ترجمة حقيقية لعقيدة واستراتيجية الولايات المتحدة المنحرفة والبغيضة، حيث تفرض الولايات المتحدة الصراع والصدام بين دول المنطقة، والصراع إذا ما كان فوضويا قد يعارض أى فكرة تتعلق بثبات السلطة واستقرار النظام وتوازن المصالح وفرض الأمن.
هذه البيئة الفاسدة والجو المسموم دفعا العالم أجمع إلى اتخاذ إجراءات حمائية غير أخلاقية تتصف بالأنانية وعدم مراعاة ظروف الشركاء الأكثر فقرا، الأمر الذى سيفجر الغضب والتمرد والصراع بين بعض الدول الأكثر فقرا فى الاتحاد الأوروبى من المعسكر الاشتراكى الأعضاء فى هذا الاتحاد وبين الدول الغنية والصناعية الكبرى من المعسكر الغربى، وهى أيضا أعضاء داخل الاتحاد، وكلها أمور ستؤدى حتما إلى تفكك الاتحاد الأوروبى، وبذلك تنجح استراتيجية الولايات الأمريكية فى هذا الخصوص.
هذه الإجراءات الحمائية ترتبط فى مقدمتها بمسئولية كل دولة عن إصلاح أحوالها وأوضاعها وتحمل فاتورة التكاليف والأعباء والخسائر، كما ترتبط بالحقائق الثابتة على أرض الواقع الأليم، وأنه حتى فى نطاق التكتلات والتجمعات الاقتصادية بما فيها النماذج التى توصف بالنجاح الباهر فإن دول أوروبا الشرقية التى انضمت تتصارع فيها تداعيات الإعصارات المالية والاقتصادية وتعانى الكثير من سلبيات الكارثة، ولا تملك بحكم أوضاعها الاقتصادية الأقل تقدما قدرات كبيرة لتمويل خطط إنقاذ طارئة، ومع ذلك فإن باقى دول الاتحاد الأوروبى المتقدمة والغنية لم تسارع بمساعدتها ولم تتخذ فى نطاق الاتحاد الأوروبى ما يلزم من خطوات وإجراءات لوقف انهيار عملاتها وغيرها من المشكلات الاقتصادية المتصاعدة والمرتبط جانب مهم منها بعودة العمالة فى الدول الغنية الأوروبية إلى دولهم الأصلية وما تعانيه من غياب التحولات الخارجية وانخفاضها بدرجة حادة والضغوط المستجدة على سوق العمل لتوفير فرص عمل ليس لها وجود فعلى، وما تعانيه من أزمة بطالة حادة تتصاعد حلقاتها فى دول أوروبا الشرقية أعضاء الاتحاد الأوروبى وتطول العالم كله غنيه وفقيره.
لقد وضعت الولايات المتحدة العالم أمام مشكلة اقتصادية حادة وفجرت الصراعات والتوترات والفوضى فى كل مكان على وجه الكرة الأرضية وأدخلت الدول الغربية والآسيوية والإفريقية فى نفق مظلم وقذفت ببعض دوله فى جوب عميق سحيق ليس له من سبيل للخروج منه.
ألا يوجد بين دول العالم قادة عظام يتمتعون بالقوة والشجاعة والحنكة ويعرفون كيف يخططون لتحطيم هذا العدو البغيض والقضاء عليه لتهدأ البشرية وينتهى الصراع بين الدول ويعيش العالم فى أمن واطمئنان وسكينة... سلام عليك يا زعيم كوريا الشمالية حينما ترصد من آن إلى آخر صواريخك التجريبية المرعبة لتقذف فى قلوب أمريكا الرعب والفزع والمذلة.