ليس مقالى هذا محاولة لكتابة التاريخ عن لبنان وإنما لقراءته وتحليل أحداثه والتنبؤ بالمستقبل الغامض والخطير للمنطقة العربية.. فلبنان يشكل أرضا ملائمة لتنامى كل أشكال الصراع وكل ألوان الانقسامات الطائفية.. ولذلك وقع عليه الاختيار ليكون بؤرة التوتر والقلق فى المنطقة العربية التى تعوق توحد الإرادة العربية وتهدد الأمن القومى العربى.. ومما لا ريب فيه أن القوى الأجنبية وإسرائيل تعرف جيدا كيف تستغل البيئة اللبنانية المهيأة بظروفها السياسية والاجتماعية والدينية والنفسية والفكرية بين الطوائف والأحزاب والميليشيات اللبنانية لتستمر حالة الصراع والتناحر والعداء والقلق فى عقولهم الواعية والباطنة بما يخدم مصالح وأهداف هذه القوى الأجنبية فى المنطقة العربية.
لقد كان لبنان منذ القدم تعبيرا جغرافيا يطلق على الجبال الغربية فى البقاع المطلة على البحر المتوسط، ولم يتعين المدلول السياسى إلا سنة ١٩٢٠ فى حدوده الحالية على يد السلطة الفرنسية الحاكمة فى هذا الوقت.. وبعد استقلال لبنان عام ١٩٤٣ انتخب الشيخ بشارة الخورى أول رئيس للجمهورية واستمر حتى عام ١٩٥٢ حيث انتخب الرئيس كميل شمعون الذى حاول إيقاظ الفتنة الطائفية وتحريك أزمة النفس المسيحية والإسلامية بين الطوائف اللبنانية ما أدى إلى حدوث انقسام طائفى مدمر ونشوب ثورة ضده حسمت بتدخل الأسطول السادس الأمريكى عام ١٩٥٨.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هى صاحبة المصلحة من وراء هذه الحرب الطائفية.. وإذا كان المثل الفرنسى يقول ابحث عن المرأة لتكتشف سبب المشاكل فإنى أقول ابحث عن إبليس -أى أمريكا- لتكتشف أسباب المصائب والنكبات والصراعات والحروب فى كل بقعة من بقاع الأرض.. فقد كانت الولايات المتحدة وراء هذه الحرب الطائفية التى واكبت إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا كنواة لمشروع نظام عربى شامل سعى إليه جمال عبدالناصر حتى صار واقعا عربيا يهدد الاستعمار والرجعية والإقطاع، وبالتالى كان لا بد من ضربة أو تحجيم دوره فى المنطقة على الأقل.. وكما هو وارد كان هناك فى لبنان حالة تناحر دائم بين رئيس الجمهورية «مسيحى»، ورئيس الوزراء «مسلم سنى»، لأن الأول هو الذى يعين رئيس الوزراء ويختار الوزراء والمساعدين، ولأن رئيس الجمهورية هو المسيطر على الأغلبية البرلمانية ولو أنه لا يوجد حزب أغلبية نظرا لتعدد الأحزاب التى تصل إلى ٢٣٤ حزبا تصاغ بالتبعية الطائفية فى الداخل أو التبعية الأجنبية فى الخارج.. وهذه الأوضاع الشاذة أدت إلى عدم وجود أى انتماء قومى أو توجه عام، وتتفرع الأحزاب إلى محورين يسار إسلامى ويمين انعزالى مسيحى وتأثير المحور الإسلامى على الطبقات الفقيرة فكريا وإنسانيا ونفسيا والحرص على المطالبة بمزيد من العدالة الاجتماعية والحقوق الشرعية لهم واضح.. حيث ظهر حزام البؤس حول بيروت مكوناته: برج حمود والنبعة شمالا وبرج البراجنة والشياح جنوبا ومخيم تل الزعتر شرقا والكرانينة غربا.
وراء هذا يعيش عمال يتسمون بالفقر الشديد فى ظروف معيشية وصحية غاية فى التدنى والانحطاط.. وهذه الشريحة من المجتمع اللبنانى تنظر وتتألم وتغلى وتحقد على سكان بيروت الذين كانوا يعيشون حياة الرفاهية والمتعة والمجون.. وقد شكل حزام الفقر أوضاع سياسية واجتماعية ونفسية خطيرة جسدتها القوة الأجنبية وكانت بمثابة القنبلة الزمنية شديدة الانفجار صنعتها تلك القوى لتفجيرها فى الوقت المناسب لتحقيق أهدافها فى المنطقة العربية لخدمة إسرائيل.. ولا بد أن نعترف أنه ما كان لإسرائيل أن تحقق هذا النجاح التكتيكى المتعدد الوجود إلا بسبب حماقات وضيق أفق الأطراف اللبنانية العربية عموما.. لأن كل فريق لبنانى داخلى يتوهم أنه يستطيع تجنيد واستخدام قوة إقليمية خارجية لتحقيق مصلحته ولكن ينتهى الأمر به دائما أن يكون هو المستخدم والمستعبد والخاسر.. وهذه هى المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية اللعينة.. فالمؤامرة ليست خفية المعالم إلا بقدر تجاهلنا أو جهلنا بحقيقة وضع القوى الخارجية الباغية وهذه القوى هى التى جسدت حجم التناقضات فيها إلى المدى الذى جعل من المشكلة اللبنانية بؤرة معقدة خطيرة يصعب حلها بما يهدد الأمن العربى القومى..
فعندما مثلت الحركية الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية أسلوبها فى التصدى للمخطط الاستعمارى الأمريكى الصهيونى أسلوب الكفاح الشعبى المسلح خطرا جسيما على الأطماع الإسرائيلية فى المنطقة وعلى النظم الرجعية وعلى القوى الانعزالية فى لبنان التقت الإرادات الأربع لهذه الأطراف على ضرورة ضرب وتصفية التيار الوطنى اللبنانى الفلسطينى وسط العالم العربى وإزالة هذا العائق المزعج والعنيد وإحداث توازن مفتعل داخل لبنان يسمح باستيلاء حزب الكتائب العنصرى على السلطة، وذلك عن طريق توجيه ضربة للمقاومة الفلسطينية عنيفة وإخراج قواتها الموجودة فى لبنان وللحركة الوطنية اللبنانية التى ساندت المنظمة وانتفضت لرفع الظلم عن الشرعية المهمشة المقهورة التى عزلها حزام الفقر حول بيروت..
وكانت وجهة نظر الولايات المتحدة أن الوضع بعد خروج القوات الفلسطينية يحتاج إلى التواجد المستمر للقوات الإسرائيلية على أرض لبنان لتحقيق التوازن بين الأطراف من أجل العمل على استكمال تصفية الحركة الوطنية اللبنانية وبقايا المقاومة الفلسطسنية على أرض لبنان واحتلت إسرائيل جنوب لبنان تمهيدا لإقامة نظام طائفى بقيادة الكتائب والإطاحة بأى بقايا شرعية فى لبنان ولذلك بذلت أمريكا والقوى الأجنبية المعادية قصارى جهدها لمساعدة الكتائب من خلال التوازنات الداخلية فى لبنان ولو شكليا لوقف التطور التاريخى الطبيعى للبنان نحو إقامة نظام وطنى ديمقراطى مستقل.
وتدخلت سوريا عسكريا فى لبنان إلى جانب الانعزالية وباتفاق مع الولايات المتحدة وهو خطأ تاريخى وقعت فيه سوريا بقصد أو بدون قصد واستفادت من ورائه الولايات المتحدة وإسرائيل وتسارعت الأحداث وتطورت الحرب الأهلية فى لبنان لتستمر سنين عدة ثم تنسحب سوريا من لبنان بأوامر وقرارات أمريكية وغربية ليس حبا فى لبنان ولكن نكاية فى سوريا وبشار الأسد الذى واجه الولايات المتحدة وهاجمها لتدخل لبنان فى الحلقة الجهنمية للإجهاز عليها لتحقيق أمن إسرائيل ومساعدتها فى تنفيذ استراتيجياتها التى كانت تعتبر أن خط الدفاع الأول بالنسبة لها هو لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، هذا الخط يجب أن يكون تحت سيطرة إسرائيل تماما.
ولذلك نجد أنه منذ الخمسينيات من القرن الماضى كانت بيروت بؤرة النشاط الواسع المدى الذى راح يمد خيوطه فى كل مكان.. فقد اختارت أمريكا والدول الأوروبية فى ذلك الوقت بصفة نهائية بيروت لتكون مركزا خلفيا لعمليات البترول الأمريكى فى شبه الجزيرة العربية والخليج، وأيضا لتكون مركزا لنشاط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى الشرق الأوسط والجهاز السرى الأمريكى للعمل فى هذه المنطقة الاستراتيجية لمحاربة الأنظمة الوطنية التحررية وضرب الوجود السوفيتى الذى أصبح يتمتع بقبول ورضاء ووضع متميز فى الوطن العربى، وأيضا العمل على إسقاط جمال عبدالناصر باعتباره رمزا للحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية.. واليوم تقوم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بتنفيذ نفس السيناريو الذى تم فى لبنان منذ منتصف القرن الماضى فجعلت من لبنان بؤرة صراع دموى خطير وبيئة مناسبة جدا لتنامى كل أشكال الإرهاب ونشر الفوضى والحروب الأهلية بين الطوائف اللبنانية والأحزاب والميليشيات العسكرية وحزب الله.. وأصبحت لبنان مركزا لعمليات أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية والإيرانية والتركية والقطرية.. وضاعت لبنان هوليوود الشرق فليس له رئيس ولا نظام ولا توجه ولا أمن ولا هوية.. كل ذلك بسبب أمريكا التى شعرت بالقلق وبدا لها أنه ظهر على مسرح الأحداث فى المنطقة العربية زعامات تشبه جمال عبدالناصر فيها ملامح عبدالناصر وتقاطيعه وتحمل مشروعا قوميا لخدمة المصالح العربية ونهضتها والحفاظ على أمنها القومى وسيادة أراضيها.
إن استمرار الحرب الأهلية معناه تدمير لبنان واستنزاف دماء اللبنانيين وهو ما يعنى الوبال على العرب أجمعين خصوصا أن بعض عناصر الصراع المسلح مع إسرائيل يمثلون تيارات فكرية ببعض الأنظمة العربية والإقليمية متورطة فى الأزمة ما جعل لبنان أرضا للألغام وهذا يعنى إضعافا دائما للعرب فى مواجهة عدوهم الحقيقى الذى لا يزال يحتل أراضى عربية ويرفض كل فرص السلام العادل والدائم فى المنطقة فى إطار قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية فى هذا الشأن.
لقد كان لبنان منذ القدم تعبيرا جغرافيا يطلق على الجبال الغربية فى البقاع المطلة على البحر المتوسط، ولم يتعين المدلول السياسى إلا سنة ١٩٢٠ فى حدوده الحالية على يد السلطة الفرنسية الحاكمة فى هذا الوقت.. وبعد استقلال لبنان عام ١٩٤٣ انتخب الشيخ بشارة الخورى أول رئيس للجمهورية واستمر حتى عام ١٩٥٢ حيث انتخب الرئيس كميل شمعون الذى حاول إيقاظ الفتنة الطائفية وتحريك أزمة النفس المسيحية والإسلامية بين الطوائف اللبنانية ما أدى إلى حدوث انقسام طائفى مدمر ونشوب ثورة ضده حسمت بتدخل الأسطول السادس الأمريكى عام ١٩٥٨.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هى صاحبة المصلحة من وراء هذه الحرب الطائفية.. وإذا كان المثل الفرنسى يقول ابحث عن المرأة لتكتشف سبب المشاكل فإنى أقول ابحث عن إبليس -أى أمريكا- لتكتشف أسباب المصائب والنكبات والصراعات والحروب فى كل بقعة من بقاع الأرض.. فقد كانت الولايات المتحدة وراء هذه الحرب الطائفية التى واكبت إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا كنواة لمشروع نظام عربى شامل سعى إليه جمال عبدالناصر حتى صار واقعا عربيا يهدد الاستعمار والرجعية والإقطاع، وبالتالى كان لا بد من ضربة أو تحجيم دوره فى المنطقة على الأقل.. وكما هو وارد كان هناك فى لبنان حالة تناحر دائم بين رئيس الجمهورية «مسيحى»، ورئيس الوزراء «مسلم سنى»، لأن الأول هو الذى يعين رئيس الوزراء ويختار الوزراء والمساعدين، ولأن رئيس الجمهورية هو المسيطر على الأغلبية البرلمانية ولو أنه لا يوجد حزب أغلبية نظرا لتعدد الأحزاب التى تصل إلى ٢٣٤ حزبا تصاغ بالتبعية الطائفية فى الداخل أو التبعية الأجنبية فى الخارج.. وهذه الأوضاع الشاذة أدت إلى عدم وجود أى انتماء قومى أو توجه عام، وتتفرع الأحزاب إلى محورين يسار إسلامى ويمين انعزالى مسيحى وتأثير المحور الإسلامى على الطبقات الفقيرة فكريا وإنسانيا ونفسيا والحرص على المطالبة بمزيد من العدالة الاجتماعية والحقوق الشرعية لهم واضح.. حيث ظهر حزام البؤس حول بيروت مكوناته: برج حمود والنبعة شمالا وبرج البراجنة والشياح جنوبا ومخيم تل الزعتر شرقا والكرانينة غربا.
وراء هذا يعيش عمال يتسمون بالفقر الشديد فى ظروف معيشية وصحية غاية فى التدنى والانحطاط.. وهذه الشريحة من المجتمع اللبنانى تنظر وتتألم وتغلى وتحقد على سكان بيروت الذين كانوا يعيشون حياة الرفاهية والمتعة والمجون.. وقد شكل حزام الفقر أوضاع سياسية واجتماعية ونفسية خطيرة جسدتها القوة الأجنبية وكانت بمثابة القنبلة الزمنية شديدة الانفجار صنعتها تلك القوى لتفجيرها فى الوقت المناسب لتحقيق أهدافها فى المنطقة العربية لخدمة إسرائيل.. ولا بد أن نعترف أنه ما كان لإسرائيل أن تحقق هذا النجاح التكتيكى المتعدد الوجود إلا بسبب حماقات وضيق أفق الأطراف اللبنانية العربية عموما.. لأن كل فريق لبنانى داخلى يتوهم أنه يستطيع تجنيد واستخدام قوة إقليمية خارجية لتحقيق مصلحته ولكن ينتهى الأمر به دائما أن يكون هو المستخدم والمستعبد والخاسر.. وهذه هى المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية اللعينة.. فالمؤامرة ليست خفية المعالم إلا بقدر تجاهلنا أو جهلنا بحقيقة وضع القوى الخارجية الباغية وهذه القوى هى التى جسدت حجم التناقضات فيها إلى المدى الذى جعل من المشكلة اللبنانية بؤرة معقدة خطيرة يصعب حلها بما يهدد الأمن العربى القومى..
فعندما مثلت الحركية الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية أسلوبها فى التصدى للمخطط الاستعمارى الأمريكى الصهيونى أسلوب الكفاح الشعبى المسلح خطرا جسيما على الأطماع الإسرائيلية فى المنطقة وعلى النظم الرجعية وعلى القوى الانعزالية فى لبنان التقت الإرادات الأربع لهذه الأطراف على ضرورة ضرب وتصفية التيار الوطنى اللبنانى الفلسطينى وسط العالم العربى وإزالة هذا العائق المزعج والعنيد وإحداث توازن مفتعل داخل لبنان يسمح باستيلاء حزب الكتائب العنصرى على السلطة، وذلك عن طريق توجيه ضربة للمقاومة الفلسطينية عنيفة وإخراج قواتها الموجودة فى لبنان وللحركة الوطنية اللبنانية التى ساندت المنظمة وانتفضت لرفع الظلم عن الشرعية المهمشة المقهورة التى عزلها حزام الفقر حول بيروت..
وكانت وجهة نظر الولايات المتحدة أن الوضع بعد خروج القوات الفلسطينية يحتاج إلى التواجد المستمر للقوات الإسرائيلية على أرض لبنان لتحقيق التوازن بين الأطراف من أجل العمل على استكمال تصفية الحركة الوطنية اللبنانية وبقايا المقاومة الفلسطسنية على أرض لبنان واحتلت إسرائيل جنوب لبنان تمهيدا لإقامة نظام طائفى بقيادة الكتائب والإطاحة بأى بقايا شرعية فى لبنان ولذلك بذلت أمريكا والقوى الأجنبية المعادية قصارى جهدها لمساعدة الكتائب من خلال التوازنات الداخلية فى لبنان ولو شكليا لوقف التطور التاريخى الطبيعى للبنان نحو إقامة نظام وطنى ديمقراطى مستقل.
وتدخلت سوريا عسكريا فى لبنان إلى جانب الانعزالية وباتفاق مع الولايات المتحدة وهو خطأ تاريخى وقعت فيه سوريا بقصد أو بدون قصد واستفادت من ورائه الولايات المتحدة وإسرائيل وتسارعت الأحداث وتطورت الحرب الأهلية فى لبنان لتستمر سنين عدة ثم تنسحب سوريا من لبنان بأوامر وقرارات أمريكية وغربية ليس حبا فى لبنان ولكن نكاية فى سوريا وبشار الأسد الذى واجه الولايات المتحدة وهاجمها لتدخل لبنان فى الحلقة الجهنمية للإجهاز عليها لتحقيق أمن إسرائيل ومساعدتها فى تنفيذ استراتيجياتها التى كانت تعتبر أن خط الدفاع الأول بالنسبة لها هو لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، هذا الخط يجب أن يكون تحت سيطرة إسرائيل تماما.
ولذلك نجد أنه منذ الخمسينيات من القرن الماضى كانت بيروت بؤرة النشاط الواسع المدى الذى راح يمد خيوطه فى كل مكان.. فقد اختارت أمريكا والدول الأوروبية فى ذلك الوقت بصفة نهائية بيروت لتكون مركزا خلفيا لعمليات البترول الأمريكى فى شبه الجزيرة العربية والخليج، وأيضا لتكون مركزا لنشاط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى الشرق الأوسط والجهاز السرى الأمريكى للعمل فى هذه المنطقة الاستراتيجية لمحاربة الأنظمة الوطنية التحررية وضرب الوجود السوفيتى الذى أصبح يتمتع بقبول ورضاء ووضع متميز فى الوطن العربى، وأيضا العمل على إسقاط جمال عبدالناصر باعتباره رمزا للحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية.. واليوم تقوم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بتنفيذ نفس السيناريو الذى تم فى لبنان منذ منتصف القرن الماضى فجعلت من لبنان بؤرة صراع دموى خطير وبيئة مناسبة جدا لتنامى كل أشكال الإرهاب ونشر الفوضى والحروب الأهلية بين الطوائف اللبنانية والأحزاب والميليشيات العسكرية وحزب الله.. وأصبحت لبنان مركزا لعمليات أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية والإيرانية والتركية والقطرية.. وضاعت لبنان هوليوود الشرق فليس له رئيس ولا نظام ولا توجه ولا أمن ولا هوية.. كل ذلك بسبب أمريكا التى شعرت بالقلق وبدا لها أنه ظهر على مسرح الأحداث فى المنطقة العربية زعامات تشبه جمال عبدالناصر فيها ملامح عبدالناصر وتقاطيعه وتحمل مشروعا قوميا لخدمة المصالح العربية ونهضتها والحفاظ على أمنها القومى وسيادة أراضيها.
إن استمرار الحرب الأهلية معناه تدمير لبنان واستنزاف دماء اللبنانيين وهو ما يعنى الوبال على العرب أجمعين خصوصا أن بعض عناصر الصراع المسلح مع إسرائيل يمثلون تيارات فكرية ببعض الأنظمة العربية والإقليمية متورطة فى الأزمة ما جعل لبنان أرضا للألغام وهذا يعنى إضعافا دائما للعرب فى مواجهة عدوهم الحقيقى الذى لا يزال يحتل أراضى عربية ويرفض كل فرص السلام العادل والدائم فى المنطقة فى إطار قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية فى هذا الشأن.