فجرت إقالة المستشار أحمد الزند وزير العدل حالة من الجدل بين الناس النخبة منهم والعامة، وبين الوسط القضائي الذي أسمع منه وعنه الكثير دون رتوش أو تجميل أو حسابات في حوارات جانبية تخلو من حساسيات كثيرة، وتتسم بالصدق والموضوعية ليس هنا مجال الحديث عنها لأنها خاصة ولا أملك البوح بها، فليس كل ما يعرف يقال، وإذا قيل فلابد أن أختار بعناية الوسيلة التي أقول من خلالها!
هذه مقدمة وصفية للحال الذي أظن أنه سينتهي قريبًا جدًا، ليس بسبب الركون إلى قناعات محددة أو استيعاب العقل الجمعي لخطورة الحالة التي نعيشها، لكن لأن مصر حبلى بكثير من القضايا، وتوشك أن تلد أزمة جديدة صناعة محلية أو خارجية تلهينا وتشغلنا وتدخلنا في جدل كبير وعقيم، وما أكثر الأزمات، وما أتفه الكلمات التي تصدر عن البعض فيتلقفها إعلام التلبيس والتدليس وينصب لها السيرك في برامجه التافهة والمغرضة كما يفعل مذيعو الإثارة وإشعال الحرائق.
إقالة الزند تطرح الأسئلة الصعبة.. هل الإقالة فعلا بسبب زلة اللسان أم لأسباب أخرى؟ هل الإقالة جاءت بهذه السرعة استجابة لضغط السوشيال ميديا - وهي لا تعبر عن مجمل الرأي العام الحقيقي - أم كان لدي الحكومة قناعة بأن الرجل تكلم الكثير ولم ينجز إلا القليل؟ هل الإقالة كانت بسبب حالة الإرباك التي سببتها تصريحاته للحكومة خلال الفترة الماضية باعتباره عضوا في الحكومة والمسئولية فيها تضامنية؟ وهل الإقالة جاءت ردًا وحسمًا على بعض الكلام الذي يتم تداوله هنا وهناك عن وجود صراع أو مراكز نفوذ قوية له في الحكومة اعتمادا علي مساندة البعض له والتفاف القضاة حوله كما يزعم من يقولون ذلك؟
الأهم هو الأسئلة المسكوت عنها.. هل يصلح كل من أدى دورًا سياسيًا أو وطنيًا في وقت ما أو دورًا مهنيًا أن يكون وزيرًا؟ وما هي المعايير التي يتم بموجبها اختيار الوزير وما هي معايير الإقالة؟ هناك وزراء أطلقوا تصريحات غير مسئولة ولم تتم إقالتهم أو محاسبتهم! هل هناك توصيف دقيق لخطورة تصريحات الوزراء والمحافظين على الأمن القومي وسمعة مصر وهيبة الحكومة، ومتى يكون هذا التصريح أو ذاك مسموحًا به أو ممنوعًا؟
متى يتم تعيين الوزير السياسي بعد فشل الوزير المهني أو التكنوقراط؟ وإذا كان هناك ضرورة لتعيين وزير مهني للعدل أو للصحة أو للتعليم.. ما هى معايير التفضيل بين قاضٍ وآخر وبين طبيب وآخر ليكون وزيرًا؟
هل تخضع الحكومة وطريقة إعفاء الوزراء لابتزاز السوشيال ميديا أو إعلام الإثارة؟ وهل يكون حل القضايا وقفًا على ذلك أم هناك حسابات واعتبارات أخرى لا نعرفها يتم اتخاذ القرار على أساسها؟
الحقيقة أن الأسئلة المسكوت عنها زادت وتكاثرت كما تتكاثر الخلايا السرطانية، وأصبح من الضروري مواجهتها بكل وضوح وحسم وشفافية؛ لأن تركها أسئلة حائرة دون إجابة - مهما كانت الإجابة - يحولها إلى أسلحة وسهام فتاكة ومسمومة تخترق كل مؤسسات الدولة بالشائعات المغرضة الهدامة!
لماذا لا تسرع الحكومة بتقديم مشروع تداول المعلومات من جهاتها الرسمية بدلا من التأويل والاجتهاد في التفسير، وبدلا من خروج الوزير أو المحافظ أو المسئول فيكون صيدا سهلا لوسائل الإعلام يقع في شباكها برعونة وعدم انتباه؟
هل نملك رفاهية تضييع الوقت في الجدل والخناق بين مؤيد ومعارض لتعيين وزير أو إقالة وزير؟ وهل يتوقف تجار الكلام والمزايدون أمام الشاشات عن إشعال الحرائق تعصبا لفلان أو فلان؟
المستشار الزند قبل أن يدخل لعبة السياسة من باب الوزارة، وللعبة السياسة قواعدها، وكان عليه أن يفهم قواعد اللعبة، ويسد الثغرات ونقاط الضعف المعروفة عنه مع الإعلام فلا ينزلق ولا يسمح لأحد أن يستفزه، لعبة السياسة تختلف عن قواعد العمل القضائي ومنصة المحكمة ، وكان يجب أن يتبين موضع قدمه ويبتعد عن قشر الموز الذي فرشه الإعلام في طريقه!
هل نجد إجابات عن الأسئلة التي فجرتها إقالة الزند؟ ربما في يوم ما.