بحمد الله وتوفيقه فاقت ردود أفعال مبادرة إنقاذ الإعلام المصرى كل التوقعات، وتحولت من مجرد مناقشات فكرية عن حال الإعلام المصرى الذى وصل إلى مستوى من عدم المسئولية والإسفاف والاستهتار، تم تداولها مع الأصدقاء والزملاء الإعلاميين على مواقع التواصل الاجتماعى إلى فكرة أينعت فى الذهن عندما طلب منى الصديق العزيز اللواء محمود متولي مؤسس الصالون البحري المصري إلقاء محاضرة عن الإعلام بين الواقع والمأمول لأعضاء الصالون، وتناقشت مع الصديق الصحفى سيد زهيرى فى إمكانية تحويل الفكرة إلى مبادرة من خلال موقع أحوال مصر الإلكترونى الذى يرأس تحريره، وأعلنت المبادرة فى الصالون خلال المحاضرة التى شاركنى فيها اللواء طارق مهدى الذى كان مشرفا على اتحاد الإذاعة والتليفزيون بعد ثورة يناير، واقتربت من فكره خلال عملى رئيسا لقطاع الأخبار فى ذلك الوقت الصعب الذى كانت تمر به مصر، وعندما كنت فى الصالون الآخر الداعم للمبادرة وصاحبه الصديق الشاعر الكبير د. أحمد تيمور اقترح إطلاق المبادرة فى أمسيته الشعرية بساقية الصاوى، بعد إلقائه قصيدة عن حال الإعلام، وبالفعل ووسط حضور كوكبة من مثقفى وإعلامى وفنانى مصر قمت بقراءة البيان التأسيسى لمبادرة إنقاذ الإعلام المصرى الذى أوضح أهدافها والآليات المقترحة لتنفيذ هذه الأهداف التى يمكن القول إنها حركت الماء الراكد، والحقيقة أن استخدام كلمة «إنقاذ» كان صادما للبعض، لكنه كان مقصودا، فمازال لدينا الوقت للأخذ بيد الإعلام من مستنقع «التفاهة والسفاهة»، كما قال شاعرنا الكبير د. تيمور فى قصيدته التى كشفت بأبياتها الصادرة من قلب وطنى يعشق تراب مصر عورة إعلام مريض فى النزع الأخير، وتلك الحقيقة المرة التى آن الأوان للتعامل معها بعقل واع إذا أردنا العبور بالوطن إلى بر الأمان، وكفانا صمتا -إزاء إعلام يئن من جراحه- نحن من نطلق على أنفسنا النخبة المثقفة ونستغرق الوقت والفكر والجهد فى حوارات بيزنطية نقلب فيها الدنيا ولا نقعدها فى الحديث عن قضايا تدخلنا فى دوائر مفرغة، ولا تزيد الأمر إلا سوءا، ومن هنا كان من الضرورى أن نفكر بهدوء فى إنشاء ما يمكن تسميته مستودعا فكريا أو «THINK TANK»، وهو وسيلة تعين صانع القرار على الاختيار بين البدائل المختلفة لحل المشكلات أو الأزمات وموجودة فى كثير من دول العالم المتقدم، وقلت لنفسى لماذا لا تنفذ هذه الفكرة فى مجال الإعلام؟ الذى يعانى أزمة حقيقية ناجمة عن غياب آليات تنظيمه، وترتبت عليه فوضى وانفلات غير مسبوقين، ما أدى إلى تفشى نوع من الأمية، أسميتها الأمية الإعلامية سواء عند المتلقى بسبب عملية ممنهجة لتجربف وعيه أظهرتها ثورة ٢٥ يناير، لكن كانت تتم منذ أكثر من ثلاثين عاما قبلها، بعبارة أخرى فقد الإعلام دوره التنويرى وانجرف إلى مسارات تحكمها اعتبارات أخرى لم يكن فيها بناء العقل الجمعى وتشكيل الرأى العام، وكذلك يعانى صانع وناقل الرسالة الإعلامية هو الآخر من أمية إعلامية نتيجة غياب القيم الأخلاقية والمعايير المهنية، وأهم القيم من وجهة نظرى المحاسبة الذاتية الأمر الذى أدى إلى عدم اتساق الخطاب الإعلامى مع هوية المجتمع.
لهذا تم تدشين مبادرة إنقاذ الإعلام المصرى، وتنطلق من المجتمع المدنى ولكن كان لا بد أن تتحول المبادرة إلى كيان له إطاره القانونى، لتكتسب أنشطتها المشروعية وتتعدى مرحلة المبادرة إلى مرحلة المثابرة من أجل وضع الأفكار على مسار البحث، وتقديم النموذج لحل أزمة الإعلام خاصة فى لغة الخطاب والمحتوى، ولن ينجح أحد فى تحقيق أى إنجاز إلا إذا تفاعل مع الآخرين، ولذلك جاء فى ختام البيان التأسيسى للمبادرة أن المؤسسين لمبادرة إنقاذ وحماية الإعلام المصرى يدعون كل الغيورين على الإعلام والحريصين عليه من مثقفين وخبراء إعلاميين ومهتمين بالإعلام ومنظمات المجتمع المدنى والنقابات المهنية والعمالية والجمعيات والروابط الخاصة بالإعلام للانضمام للمبادرة، لنتمكن جميعا فى المساهمة للارتقاء بالإعلام المصرى، وتمكينه من استرداد مكانته، والارتقاء برسالته فى تنوير وتثقيف وتنمية المجتمع بحرية وتجرد ونزاهة.
وبناء على ذلك، استلزمت مرحلة المثابرة تحول المبادرة إلى منتدى فكرى فى إطار مؤسسة أهلية، وبذلك تكتسب المبادرة صفة الاستمرارية، وتنطلق إلى آفاق جديدة لدعم وحماية الإعلام من خلال عملية تواصل مجتمعى مع كل المؤسسات الإعلامية الخاصة والعامة من خلال لقاءات وحوارات تقدم فيها مقاربات تحلحل مشكلات الإعلام، وتتعامل معها بشكل واقعى، ويمتد الحوار أيضا إلى قادة الرأى والمؤسسات الثقافية والتعليمية والروحية والفنية خاصة المسئولة عن الحفاظ على الهوية والشخصية المصرية.
وقد رأينا اتخاذ هذه الخطوة بعد استشعارنا كمبادرة بالمسئولية تجاه الوطن، وعليه كان الحرص على دعم إعلام الخدمة العامة، وتعظيم دوره المجتمعى والسعى لسرعة إصدار التشريعات المنظمة للإعلام والعمل على تحقيق التكامل بين منظومة الإعلام الوطنى المصرى (عام وخاص) فى إطار المنافسة المشروعة وصياغة رؤية مجتمعية داعمة للإعلام الوطنى، بما يحقق الأمن القومى المصرى وتعزيز الدور التنموى للإعلام، ليصبح داعما رئيسيا فى إعادة بناء الدولة المصرية، وضمان تفعيل الضبط الذاتى داخل المؤسسات الإعلامية، بما فى ذلك إعادة صياغة العلاقة بين الملكية والإدارة والفصل بين الإعلام والإعلان، بما يضمن استقلالية المحتوى الإعلامى.