السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نخبة الخيبة القوية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كنت متابعا للمشهد العام، بقدر من الموضوعية المجردة، الموضوعية البعيدة تماما عن العاطفة والأهواء الذاتية، وما تحمله تلك الأهواء من انحياز مطلق لسلطة الحكم، أو كراهية بغيضة لها، سوف تصل لقناعة لا تقبل الشك، مفادها أننا جميعا نقف مثل «كومبارس» على هامش سيناريو عبثى، أبطاله الحقيقيون ليسوا فى الصورة، لكنهم يجيدون أساليب تحريك العرائس على المسرح من بعيد، أما السبب وراء ذلك فهو إرباك الخريطة السياسية.
أتحدث عن الدعوات التى خرجت مؤخرا من أطراف سياسية، مجملها يحمل وصاية على المجتمع، فمنها دعوات رامية للبحث عن بديل لنظام الحكم القائم، فضلا عن الترويج لإجراء مصالحات مع قتلة ومجرمين يريدون السطو على الدولة ومقدراتها، وأخرى ذهبت لإعلان الوصاية على البرلمان بدعوى حماية الدستور، هؤلاء يفعلون ذلك دون أدنى مسئولية لعواقب ما ينادون به، أو يطرحونه فى المؤتمرات الصحفية للظهور على المسرح، ودون إدراك منهم للحقائق التاريخية، التى تدحض ما يرمون إليه من أطروحات، خرجت بالأساس من كواليس دوائر صناعة القرار فى البيت الأبيض الأمريكى، فالحقائق التاريخية التى أقصدها، هى قدرة الشعب المصرى على تحديد مستقبله عبر صندوق الانتخاب، وهو ما جرى بالفعل، وهو وحده أيضا الذى سيدافع عن الاستقرار مهما كانت التكلفة. لكن إذا عرف السبب وراء ترويج تلك الأطروحات بطل العجب، فالمعلومات تؤكد أن بعض المراكز البحثية التابعة للإدارة الأمريكية، أعدت مجموعة من الأبحاث والدراسات، توقعت فيها نشوء حالة من الغليان فى الشارع المصرى، جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفشل الحكومة فى السيطرة على الأسواق وضبط الأسعار، الأمر الذى سيترتب عليه من وجهة نظرهم، أو حسبما تدور أمنياتهم، تنامى مساحة الغضب الشعبى ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى، بما ينذر بثورة جديدة. على أثر ذلك، اعتبر بعض المحسوبين على النخبة السياسية، من رجال البرادعى فى مصر، أن التوقعات الأمريكية بمثابة إشارات مرسلة إليهم، على غرار ما حدث مع الرئيس الأسبق «مبارك»، بما يعنى بالنسبة لهم وحسب نظرتهم الضيقة للأمور، أن الإدارة الأمريكية بكل أدواتها، ستمارس ضغوطها ضد السيسى عبر ابتكار الأسباب الرامية لحصاره دوليا، بما يتيح لهم القفز على السلطة. 
الإشارات ذاتها تلقفها «سعد الدين إبراهيم» الذى فوض نفسه من تلقاء نفسه، وذهب إلى تركيا للحديث والتشاور مع قيادات الإرهاب فى إسطنبول بغرض التصالح مع الدولة، لإعادتهم للمشهد مرة أخرى، تاركا مساحة الجدل تتسع حول الدور الذى يقوم به لصالح الأجندة الأمريكية. 
كل هذه التصرفات تحمل معانى محددة، مفادها الخصم العمدى للطرف الرئيسى والأصيل فى المعادلة برمتها، وهو الشعب، الذى جرى الاستهتار به وإعلان الوصاية عليه، سواء من جانب التصورات الوهمية للأمريكان، أو من جانب قلة لا يتجاوز عدد أفرادها ركاب عشرة ميكروباصات من التى تمر ليل نهار فى شوارع العاصمة، كما أن التصرفات ذاتها تثبت أن هؤلاء مهووسون بالشهرة، ولا ينطبق عليهم سوى مصطلح «نخبة الخيبة القوية» التى ابتلينا بها عبر السنوات القليلة الماضية، فهؤلاء يرتدون دوما ثياب المعارضة، دون إدراك أو فهم حقيقى لدور المعارضة التى تسعى للبناء وليس الهدم، باعتبار أن المعارضة تعبير عن المشاركة فى القضايا الوطنية وتوجيه الانتقادات للسياسات الخاطئة، والمنافسة على السلطة بطريقة ديمقراطية، وليس على طريقة أحمد السقا فى فيلم «الجزيرة» «من النهارده مفيش رئيس.. أنا الرئيس». من دواعى العجب فى الأمر برمته أن بعضا من هؤلاء، المقصود «مهاوويس الشهرة» والزعامة الوهمية، ينتمون حسب المفهوم الدارج فى الأوساط السياسية إلى النخبة، بما يعنى أن لديهم معرفة تامة بكل ما يحاك ضد هذا البلد، من مؤامرات، ويدركون مخاطر تداعياتها، لكنهم يريدون الظهور على المسرح، ولو جاء ظهورهم فى إطار التوجهات الأمريكية عبر طرح أنفسهم بدلاء للسلطة الحاكمة، وفى هذا السياق لا أعلم هل غرر رجال البرادعى بأحد الشخصيات المؤثرة فى الحياة السياسية ودفعوا به للصدارة فى مشهد «الهرتلة»، أم أن الطموح الشخصى فى «أنا الرئيس» دفعه للمشاركة. 
على أى حال، هذه الدعوات أصبحت هزلية من كثرة ترديدها وتكرارها بمناسبة وبدون مناسبة، فضلا عن أنها، وهذا هو الأهم، تصدر عن فئة لا تحمل أى رؤية، أو هدف يمكن الالتفاف حوله، فقط توجيه الانتقادات وترويج الاتهامات، ومغازلة قوى هزيلة ثبت يقينا تورطها فى الحصول على تمويلات خارجية، بما يعنى أنهم ثائرون بأجر.
لو أن هؤلاء وغيرهم يدركون تداعيات ما يروجون له، لتوقفوا على الفور عن ترديد تلك الدعوات المهيئة للفوضى والخراب، خاصة إذا علمنا أن التحريض الذى أعقب زوال حكم مبارك، كان كارثيا وسببا رئيسيا فى تردى الأوضاع الاجتماعية والأمنية والاقتصادية، جراء المطالب الفئوية التى أنهكت خزينة الدولة وبددت الاحتياطى النقدى وخلقت شلة من المنتفعين على حساب استقرار البلد.
الغريب أنهم يتحدثون عن الديمقراطية، ويتبارون فى فرض رؤاهم البعيدة تماما عن مفهوم الديمقراطية، يروجون لشعارات تطالب بالحرية، لكن شريطة أن تكون الحرية على هواهم، فاختلطت المفاهيم ولم تعد لديهم فروق واضحة بين الحرية والفوضى. 
هؤلاء راحوا يمارسون أبشع أساليب الديكتاتورية لفرض وجهات نظرهم على سلطات الحكم، عبر التجاهل العمدى لصاحب الحق الأصيل فى فرض رغبته على نظام الحكم والمعارضة على حد سواء، فهو وحده الذى يقرر ما يريد ويختار من يريد، وهو وحده بحكم الواقع، يعلم الفروق الجوهرية بين الحرية والفوضى.
إن أفراد هذه الفئة، يظنون أنهم احتكروا الحقيقة وحدهم، ولهم دون غيرهم الحق فى توجيه سياسة الدولة والإبقاء على النظام الحاكم أو المطالبة برحيله وقتما يريدون. 
فى هذا الإطار لا يمكن إغفال حقيقة أخرى، هى أيضا لا تقبل الشك، مفادها تورط الدولة بكل مؤسساتها فى هذا العبث، باتباعها لأساليب المواءمة أمام دعاوى التخريب فى وقت البناء، والصمت على الدعاوى الرامية لإهدار أحكام القضاء عبر مطالب الإفراج عن بعض المحكوم عليهم فى قضايا جنائية وإرهابية تحت مزاعم المصالحة.
ألم يكن هذا قمة العبث باستقرار الدولة؟