الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تكنولوجيا المعلومات والبيئة النفسية لاتخاذ القرار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد اتخاذ القرار السليم فى القضايا المصيرية هو الاختيار التاريخى الوحيد المطروح على الناس وعلى السلطة فى مصر وبلدان الوطن العربى، وصولا لمستقبل أفضل، أو على الأقل منعا لتواصل التردى إلى هاوية سحيقة.
والمعلومات هى أساس صنع القرار، حيث إن صنع القرار معناه عملية الاختيار بين البدائل وتكلفة كل بديل والعائد الإيجابى لكل بديل، وهذا لا يتأتى إلا بتوافر المعلومات.
ولقد جرى تطوير المجتمعات فى تاريخ البشرية كلها عبر ثلاثة عصور مقرونة بثلاث ثورات، الثورة الأولى ثورة العصر الحجرى الجديد التى كانت خطوة حاسمة فى تاريخ البشرية نحو الانتقال بها من الشكل المشاع للمجتمعات إلى المجتمع الطبقى.. أما الثورة الثانية فهى الصناعية التى أدت إلى تكوين المجتمع الرأسمالى وتطويره.. والثورة الثالثة التى تمر بها البشريه الآن فهى الثورة العلمية والتكنولوجية، أو قل الثورة المعلوماتية والمعرفية والاتصالات، وقد أفضت هذه الثورة إلى تكوين نظام شامل ممتلئ بحيوية ونشاط سمتهما الأساسية هى أن التطور العلمى أصبح أسرع من التطور التكنولوجى، وأهم مميزاته أنه عصر الأقمار الصناعية والفضاء والاتصالات والإلكترونيات الدقيقة التى تخدم على عمليات صناعة وإنتاج المعرفة واستخداماتها التى سوف تصبح أساس الثروة والقوة فى مجتمع الغد، وأن العلم والتكنولوجيا هما البوابة الذهبية لدخول حلبة المنافسة الشرسة واستمرار البقاء.
وإذا كان تاريخ تطور التكنولوجيا هو تاريخ تطور البشرية، فإن تكنولوجيا القرن الـ٢١ وما سيعقبها من تقدم فى الألفية التالية أصبحت تهدد الدول النامية ومن بينها مصر، حيث إنها تتركز فى الدول المتقدمة، مما يؤدى إلى تهميش دور مصر وتقليص حجم إنتاجها، إذا لم تنتبه إلى هذا الوضع الجديد لمواجهته بأسلوب علمى وصياغة استراتيجية فاعلة ومنطقية وقابلة للتطبيق.
ذلك أن التطور المذهل الذى حققته العلوم التطبيقية خلال حقبة قصيرة يضعنا أمام احتمالات ضخمة قد تكون لها انعكاسات عملية على مجمل توجهاتنا نحو مستقبل أفضل، مما جعل مفكرى المستقبل يعتقدون بالإجماع أننا نعيش الآن عصر المعلومات الذى بات يعتمد على الكمبيوتر وأنظمة التحكم الآلى، وأن المدخل إلى التقدم الآن هو التنظيم السريع لتدفق المعلومات والتعرف على طرق استخدامها، فالمعرفة الإنسانية ستتضاعف كل عشر سنوات بصورة مذهلة. ولذلك زاد الاهتمام فى مصر بنظم المعلومات بهدف أساسى لتحقيقها سهولة ودقة وسرعة استقبال وتخزين واسترجاع وتحديث البيانات والمعلومات لخدمة صناعة القرار.
فلم يعد الأمر بسيطا كما كان فى الماضى، لأن هناك عناصر ومتغيرات وعوامل عديدة متشابكة ومتداخلة ومتقاطعة تدخل الآن فى صناعة المعلومة بالسرعة والدقة المطلوبتين لخدمة صناعة القرار التى لا يمكن للعامل البشرى أن يقوم بها.
وفى إطار التقدم الهائل فى التكنولوجيا فإن الحاسب الجديد سيخترق الزمن وسيعتمد على أنظمة بيولوجية، مثل العقل البشرى بالتعاون مع علماء الطب فى جراحات المخ والأعصاب، وذلك لمضاعفة سرعته عدة مرات ليصل إلى مليون ونصف المليون كيلو متر فى الثانية، بدلا من سرعته الحالية، وهى نحو ٤٠٠ ألف كيلو متر فى الثانية (أسرع من الضوء).
ولكن ماذا نقصد بالنظام.. النظام هو مجموعة من العناصر المرتبة التى تعمل فيما بينها كوحدة واحدة لتحقيق هدف محدد، فالإنسان يعيش فى نظم، والكون نظام، واقتصاد الدولة نظام، والمؤسسه العسكرية نظام، وأى منشأة صغيرة نظام، والإنسان نظام، ونظام المعلومات هو نظام هام لخدمة صنع واتخاذ القرارات الاستراتيجية، فهو مجموعة العناصر المادية والبشرية التى تعمل كوحدة واحدة للحصول على البيانات ومعالجتها وتحويلها إلى معلومات، وتنظيمها فى معرفة صناعة القرار وتوصيلها إلى متخذ القرار فى الوقت والمكان والتكلفة والجودة المناسبة.
إن المعلومات هى جوهر وجود الدولة، وهى الوقود الذى يحركها ويسير نظامها ويحدد استراتيجيتها بما يحقق أهدافها الوطنية فى التنمية والاستقلال وفى صيانة أمنها القومى ووحدة وسيادة أراضيها. فمن الأمور الهامة فى اتخاذ القرار معرفة قوة الدولة، بمعنى أن الدولة لا تتصدى لتحقيق أهداف تفوق قوتها الحقيقية، وفى نفس الوقت تعرف قوة الدولة المعادية، أى تتوفر لديها المعلومات الحقيقية عن قوة العدو التى لا تقتصر هنا على قوة العدو الذاتية، ولكن يضاف إليها قوة الدولة الحليفة مثل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهى أيضا المحدد الحاسم للعلاقات بين الدول أو توازن القوى بين الدول. ولعل المثل الواضح هنا ما أعلنه الرئيس السادات رحمة الله عليه (إننى لا يمكن أن أحارب أمريكا) حينما تدخلت الولايات المتحدة بطريقة سافرة لمساعدة إسرائيل، وأرسلت المعدات والأسلحة والذخائر بل والطيارين الأمريكين خلال جسر جوى، لأن الجيش المصرى قد وصل إلى مشارف تل أبيب، وهنا تدخلت لإنقاذ إسرائيل من هزيمة منكرة، وأعطت لها قبلة الحياة لأن الرئيس السادات قد قيم الوضع وعرف أنه لم يعد يحارب إسرائيل، بل يحارب أمريكا وإسرائيل معا.
وينسحب هذا الوضع على ما يجرى فى سوريا وفى اليمن، على سبيل المثال يخطئ من يعتقد أن قوات التحالف العربى تحارب الحوثيين وقوات عبدالله صالح، ولكن الحقيقة أنها تحارب هؤلاء ومعهم الولايات المتحدة وبريطانيا وإيران.
ولكن الذى يضعف كثيرا من قوة الدولة ويحد من حرية اتخاذ القرار بعد غياب المعلومات الصحيحة هو البيئة النفسية التى يصنع فيها القرار، بمعنى هل الدولة تملك حرية اتخاذ القرار، أى أنها تعتمد على تحقيق برامج تنميتها أو تسليح قوتها المسلحة على القروض والمنح من دولة بعينها، فإن كان الوضع كذلك فمن الطبيعى لهذه الدولة أن يكون قرارها له طبيعة خاصة. لأنه فى هذه الحالة تكون هذه الدولة تابعة للدولة التى تساعدها. هذه التبعية الاقتصادية لها بعد سياسى، أى دور أجنبى فى صنع القرار والتأثير على نوعه، فقد يكون هذا الدور مباشرا، بمعنى أن تتدخل الدولة الكبيرة فى صنع واتخاذ القرار بتعليمات أو أوامر، أو شكلا سلميا بمعنى أن الدولة نفسها تأخذ قرارا يأخذ فى الاعتبار موافقة ورضا الدولة التى لها مصالح معها.. والحمد لله أن الرئيس عبدالفتاح السيسى استطاع أن يكسر القيد الذى طالما كان يكبل مصر ويحد من حرية اتخاذ القرار.
وإلى جانب كل هذه الاعتبارات هناك ما يسمى بشرعية النظام والتوجه العام والمزاج العام للجماهير ومدى ارتباطها بالأهداف القومية، واقتناعها بالقيادة السياسية التى تقود العمل وتسير النظام. كل هذه العناصر تكون البيئة النفسية التى يولد فيها القرار أو يصنع، وهذه البيئة النفسية آثارها خطيرة للغاية، فهى التى تؤثر على نفسية وفكر متخذ القرار، بحيث تجعله مترددا فى وقت معين ومكان معين، وبالتالى فتأثيرها على اتخاذ القرارات المصيرية للشعوب تأثير قوى وفعال سلبيا وإيجابيا.
وإذا كان صنع القرار أساسه المعلومات الدقيقة، فإن صحة القرار تعتمد إلى جانب تلك المعلومات والبيئة النفسية التى يولد فيها القرار على نفسية وشخصية متخذى القرار. فالمعلومات لا تنطق بذاتها، ولكن ترتبط بشخصية متخذ القرار.. علمه وخبرته الذاتية ورؤيته ومزاجه واتزانه العقلى والنفسى وقيمه ومبادئه وخلفيته الثقافية، فالمعلومات الصحيحة تكملها شخصية سوية ورؤية شاملة لمتخذى القرار. إن اتخاذ القرار عملية غاية الصعوبة والدقة والخطورة، وهذه الرسالة أرسلها إلى كل أفاك لعين.. إلى عناصر الإعلام الفاسد.. وإلى من يسمون أنفسهم التيار المدنى للتغيير.. وإلى عناصر الطابور الخامس الخائن الأثيم، ليعرف الجميع حجم المجهود والمعاناة التى يتحملها الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما يتخذ أى قرار.