الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإعلام والرأي العام وصناعة القرار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كانت معرفة الرأي العام مسألة مهمة للقيادة السياسية فى كل الظروف والأوقات فإنه بالنسبة للظروف الصعبة والأوقات العصيبة تزيد أهمية معرفة الرأى العام على حقيقته حتى تتواءم القرارات التى تتخذ مع حجم القضايا الساخنة والمصيرية وأولوياتها.. فالرأى العام فى أى دولة هو أحد المحددات الرئيسية التى تشكل القرارات السياسية والعسكرية والاقتصادية، خاصة وقت الحرب أو عند الأزمات والمشاكل الحادة أو القضايا التى تمس الأمن القومى.
وتواجه مصر اليوم ظروفا غاية فى الصعوبة والحدة فهى تحارب الإرهاب الدولى المتمثل فى الجماعات الإرهابية المتطرفة بتشكيلاتها المختلفة وانتماءاتها المتعددة فى سيناء بتشجيع وتخطيط ودعم أمريكى تركى قطرى صهيوني، وأيضا تواجه الإرهاب الداخلى السافر فى ربوع الوطن والذى يقوده بكل فجاجة وانحراف عناصر من الإعلام وأصحاب القنوات الفضائية المرتبطين بالخارج.. وفى الوقت نفسه تواجه أزمة اقتصادية صعبة وتحاول الدولة مواجهتها وحل مشاكل الجماهير واحتياجاتها الملحة والمتنوعة والمتجددة.
بمعنى أن مصر تعيش حالة الحرب وحالة الأزمة معا، ويصير من المهم أن تقف الجماهير خلف قيادتها بالمساندة والعمل والصبر، وأن يقوم الإعلام بتحمل مسئوليته الوطنية ورسالته النبيلة نحو القيام بدوره المهم والخطير فى تشكيل الرأى العام المساند للدولة من خلال توعية الجماهير بالأوضاع الصعبة والدقيقة التى تمر بها البلاد وإلقاء الضوء على الإيجابيات التى تحققها الدولة، والسلبيات التى تحاول حلها، والدور المنوط للجماهير القيام به لمساندة الدولة وتحمل أعباء المرحلة لمواجهة المشاكل والتحديات، وكلها أمور تعمل على تشكيل رأى عام داعم للدولة يمثل عناصر قوة للقيادة السياسية فى صناعة القرار واتخاذه سواء بالنسبة لصنع السياسة الخارجية أو صنع السياسة الداخلية.
ويقصد بالرأى العام التعبير عن آراء مختلف القطاعات الجماهيرية إزاء القضايا العامة أو المشاكل والقضايا الحادة والمصيرية فى فترة معينة، بمعنى أن الرأى العام يتناول قضايا تهم المجتمع ككل، كما أن هذا الرأى يتميز بالعمومية لا بمعنى اجتماع كل القطاعات الجماهيرية عليه ولكن بمعنى وجود أغلبية تدافع عن الرأى وأقلية قد لا تشارك الرأى ولكنها على استعداد للتعايش معهم، وهذا ما يميز بين الرأى العام والمزاج العام، فالمزاج العام هو تعبير عن الاتجاهات والمشاعر الثابتة للقطاعات الجماهيرية والتى تتميز بنوع من الاستمرارية النسبية عن فترة طويلة نسبية، ولعل أشهر أمثلة المزاج العام هو المزاج الشعبى الانعزالى تجاه جماعة الإخوان الإرهابية أو تجاه قضية التطبيع مع الكيان الإسرائيلى، فالمزاج العام إذًا هو تعبير عن توجهات أقصى ديمومة وعمومية بينما الرأى العام هو تعبير عن الموقف من قضايا محددة فى فترة محددة وهذا الموقف له خصائصه ومقوماته ويتضمن تفاعلا بشأن مسألة أو مشكلة ذات أهمية حقيقية. 
ويكتسب الرأى العام أهميته ومغزاه الحقيقى من تأثيره على صانع القرار وعلى مختلف العمليات الاجتماعية والسياسية، ويصبح الرأى العام بلا معنى إذا لم يؤثر فى الواقع السياسى والاجتماعى، وإن كان الدور الذى يلعبه الرأى العام فى عملية صنع السياسة الخارجية يختلف عن ذلك الدور الذى يلعبه فى عملية صنع السياسة الداخلية، لأن الرأى العام المتعلق بالسياسة الخارجية لا يكاد يعرف الحقائق الأساسية المتعلقة بتلك السياسة فى دولته، ولذلك فإن تأثير الرأى العام فى عملية صنع واتخاذ القرار للسياسة الداخلية أقوى منه فى السياسة الخارجية وعادة ما يؤيد الرأى العام القائد السياسى فى مسائل السياسة الخارجية أكثر مما يؤيده فى مسائل السياسة الداخلية، نظرا لأن السياسة الخارجية تتضمن التعامل مع أعداء خارجيين، ما يولد لدى الرأى العام إحساسا بضرورة التضامن خلف القائد السياسى لمواجهتهم بعكس الوضع بالنسبة لقضايا السياسة الداخلية التى تتضمن التعامل مع احتياجات الجماهير. 
فتأييد الرأى العام هو أحد الموارد السياسية المتاحة لصانع السياسة الخارجية كما أن معارضة الرأى العام للسياسة الخارجية لا شك يشكل قيدا مهما على فرص نجاحها أو فشلها، فحتى إذا كان الرأى العام غير مهتم بالسياسة الخارجية وأن دورهم فى عملية صنع السياسة الخارجية أقل من دوره فى صنع السياسة الداخلية، إلا أن هذا لا يعنى أن الرأى العام لا يؤثر فى الصناعة الخارجية. 
ولا محل على الإطلاق لأن تقوم الصفوة من المثقفين والإعلاميين مقام الأمة فى طرح تصورات المستقبل وإنما قد تعبر الصفوة بشفافية عن الأمة إذا تمازجت معها كيانا ومصيرا، ونضيف أن خيبة الأمل فى النخبة القائمة يجب ألا تقضى بنا إلى إفراغ الدور التاريخى للنخبة الشريفة من محتواها وقد يصح أن الصفوة الحالية بتكوينها ونمط سلوكها قد فات وقتها وانكشف غطاؤها وظهر وجهها الحقيقي، ولكن يبقى أن للطليعة من المثقفين والإعلاميين الشباب الأنقياء دورا تاريخيا فى عملية التغيير المجتمعى ذاتها التى تتصدى لها قوى أرسخ وأعتى وإنما يبقى هذا الدور مهما فى تجلية وعى الجماهير تحضيرا للتغيير وفى اقتراح مضمون التغيير، والمساهمة فى تحقيقه ولا يتحقق ذلك الدور بفاعلية إلا على أساس من الرؤية الصافية والضمير الحى والقصد المستقيم، فهل الإعلام المصرى وأقصد هنا تحديدا بعض البرامج الفضائية مؤهل لتحمل هذا الدور الشريف وأن يقوم مقدمو هذه البرامج بإعلان توبتهم إلى المولى عز وجل ويتقوا الله فى الوطن والشعب، وأيضا هل أصحاب هذه القنوات الفضائية المعروفة للدولة والشعب يمكن أن يتركوا طريق الضلال والخيانة الذى يسيرون فيه لتنفيذ المخطط «الصهيو-أمريكى» فى إسقاط الدولة وتقسيمها مقابل حفنة من الدولارات؟ إننى أشك فى توبتهم بعد أن اعتاد هؤلاء الخونة على الخيانة والكسب الحرام من دماء الشعب الفقير، إن قضاياهم معروفة وتصرفاتهم مرصودة من أجهزة الدولة المعنية وأموالهم معروف مصدرها، والغريب أن الدولة بالرغم من ذلك لم تتخذ ضدهم أى إجراء قانونى، ولكن الجماهير غاضبة من هذه الفئة المنحرفة وأخشى أن يتحول الغضب إلى غليان ويتصاعد الغليان حتى يصل إلى نقطة الانفجار وعند إذ سيندم الجميع، ووقتها لا ينفع مال ولا نفوذ ولا سلطان.
ومن الأهمية بمكان ونحن نتناول قضية الرأى العام أن نتعرف على حقيقة الرأى العام وكيفية قياسه، فإذا افترضنا على سبيل التقريب أن نصف عدد من ينبغى له أن يناقش القضايا المطروحة ومن ثم يسهم فى تشكيل المحصلة النهائية للآراء أو قل تشكيل الرأى العام.. نفترض إجمالا أن نصفهم من الأميين والنصف الآخر من المتعلمين بمستوياتهم التعليمية المختلفة، فهل لنا أن نتصور إذًا طبيعة التفاعل القائم بين هذين النصفين. هذا إذا كانت هناك قابلية للتفاعل أصلا، هل ينقاد ذلك النصف من الأميين من النصف الآخر من المتعلمين، وإذا حدث فهل هذا الانقياد عن وعى أم بغير وعي، أم هل ينطوى ذلك النصف من الأميين على نفسه مشكلا ما يسميه البعض الرأى العام الكامن، وإلى متى يظل هذا الرأى العام كامنا؟ 
وإذا وجهنا السؤال لمن يتصدى لقياس الرأى العام فى أى دولة فهل هو يقيس فعلا الرأى العام كمحصلة للتفاعل بين آراء الجماعات الوظيفية ومنها الأميون والمتعلمون.. أم هو يكتفى فعلا بعينة من المتعلمين وهم الأسهل فى تطبيق وسائل القياس ثم تعمم النتائج؟ .
إن إعاقة بلورة الرأى العام بالطريقة السليمة التى تقلل أيضا من كفاءة القياس الموضوعى له لا يساعد على اتخاذ القرارات السليمة؟ فالرأى العام هو «الترمومتر» الذى يتعرف من خلاله القائد السياسى على حقيقة وأولويات القضايا التى ينشغل بها الشعب ومدى استعداده للإسهام بجهود معينة لتحمل الأعباء التى تفرضها الأوضاع السياسية والاقتصادية.