فى أعقاب ترويج مقطع فيديو لشخص مجهول على شبكة التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، تلقيت العديد من الاتصالات الهاتفية الغاضبة من الفوضى الإعلامية والعزف على أوتار الفتنة، جراء استباحة أعراض أشرف نساء الأرض وأعلاهن قيمة ومكانة.
تضمن الفيديو عبارات خادشة للحياء ومحرضة على الفحشاء والرذيلة، وتهدف إلى إثارة الاقتتال بين أبناء المجتمع، خاصة إذا علمنا أن قضية العرض والشرف لدى الصعايدة لا تقبل أنصاف الحلول أو المواءمات أو وجهات النظر، فهى بالنسبة لهم لا تخضع لحرية التعبير، لأنها من المحرمات.
هنا سأتوقف أمام أساليب التضليل الإعلامى، وقيام بعض مقدمى البرامج بارتكاب أخطاء فادحة تصل إلى حد الجرائم والخطايا، عبر استضافتهم «نكرات» لا وزن لهم، للإدلاء بآرائهم فى بعض القضايا الشائكة ذات الحساسية، دون إدراك للعواقب والتداعيات السلبية الكارثية، للمعلومات المغلوطة التى يروجونها تحت لافتة حرية التعبير، فراحوا يمارسون أبشع أساليب الانحطاط على «فيسبوك»، دون دراية بالفروق الجوهرية بين حرية الرأى وإثارة الفوضى وارتكاب الجرائم الأخلاقية فى حق المجتمع.
حفزنى الغضب على الانضمام إلى المئات الذين قرروا رفع دعاوى قضائية ضد المدعو تيمور السبكى، الذى اتهم بلا حياء أو خجل نساء الصعيد بالخيانة، فأشعل نيران الغضب لدى الملايين ممن يقيمون بالداخل وغيرهم الذين فرضت عليهم ظروف الحياة داخل البلد للانتقال والعمل فى العديد من البلدان.
سألت أحد المحامين عن كيفية رفع الدعوى بطريقة صحيحة، فأكد ضرورة أن يكون اسم المدعى عليه ثلاثيا كنوع من الاستكمال الشكلى.
لا أستطيع إنكار صدمتى من هذا الإجراء، فأنا لا أعرف عنه سوى ما جرى تداوله فى الأيام القليلة الماضية أن اسمه «تيمور السبكى»، وعلى هذا الأساس بدأت رحلة البحث عنه، فازدادت الأمور تعقيدا، حيث تبين لى أن لقب السبكى هو اسم شهرة فقط، ربما يكون لصيقا بعائلته أو غير لصيق بالأساس، واستعاره لكى ينسب نفسه إلى عائلة مشهورة، لكن الحقيقة التى يعرفها الكافة، أنه لا يمت بأى صلة من قريب أو بعيد إلى عائلة السبكى المعروفة «بصناعة السينما».
كل الذين التقيت معهم فى محاولة من جانبى للوصول إلى اسم أبيه أو جده، لا يعرفون شيئا عنه، سوى أنه أدمن صفحة على «فيسبوك» اسمها «زوج مطحون» معنية بالخلافات الزوجية.
سرح خيالى وتساءلت هل تعرض لخيانة جعلته يهتم بمثل هذا النوع من القضايا لمناقشتها فى العالم الافتراضى، وإجراء حوارات مع شخصيات مجهولة وأسماء مستعارة؟
لكن بعيدا عن هذه الزاوية التى انطلقت منها الأسباب النفسية، التى ربما كانت دافعا رئيسيا فى تبنيه تلك القضايا، حاولت معرفة انتماءاته العرقية، أى العائلية، فلم أجد أى معلومات تقود للوصول إلى اسم أبيه الحقيقى، بهدف استكمال الشكل فى رفع الدعوى، الأمر الذى دفع بعض الذين تحدثت معهم فى هذا الشأن إلى أن يطلبوا منى تقديم بلاغ إلى النيابة العامة، وعلى أجهزة الأمن أن تتولى البحث عن أصله وفصله، باعتبار أن لديها خريطة كاملة فى الأحوال المدنية ودفاتر ملاجئ اللقطاء ممن لا توجد معلومات عن آبائهم الحقيقيين.
لا أنكر فى هذا السياق أن صدمتى كانت كبيرة من استضافة الإعلامى خيرى رمضان هذا النموذج الموتور، الذى اعتبر نفسه خبيرا فى علوم الاجتماع، فأطلق الاتهامات العشوائية، وأشعل فتيل الفتنة، خاصة أن رمضان من الوجوه المحببة، فكيف صمت على هذا الجرم من شخص أحمق؟
لذا لم أجد وصفا يليق بهذه الادعاءات والبذاءات سوى أنها نوع من تسهيل ممارسة الدعارة فى وسائل الإعلام عبر استضافة تلك النماذج، ولى فى ذلك أسباب أرى أنها موضوعية، باعتبار أن جميع الرذائل تخرج من برامج الـ«توك شو» تحت لافتة مشروعة يطلق عليها حرية الرأى والتعبير، وهى بعيدة كل البعد عن تلك المسميات.
الأمر الذى جعل كثيرين يصفون بعض القنوات الفضائية أنها أشبه ببيوت البغاء، باعتبار أن ما يخرج من استديوهاتها لا يخضع لأى معايير أخلاقية أو ثوابت وطنية، فضلا عن دهس ميثاق الشرف الذى يحدد الإطار المهنى لتلك القنوات، فمع غياب الرقابة الذاتية «الأخلاقية» إلى جانب الرقابة الرسمية، لم يكن غريبا أن تصبح البرامج الفضائية ساحة مفتوحة على البحرى أمام مجهولى النسب، لكى يتباروا فى قذف المحصنات وتزييف الحقائق الخاصة بهم، وإهانة العقل، وتضليل الرأى العام بإحصائيات ناتجة عن إدمان «البانجو».
أعلم أن وصف البغاء والدعارة الإعلامية ربما يكون قاسيا، لكننى أرى أنه ملائم لما حدث فى حق ما يربو على ٢٠ مليون سيدة طاهرة عفيفة، خاصة إذا علمنا أن بيوت الدعارة تدار فى سرية وبعيدا عن العيون وليست على الملأ، مثلما يحدث من بعض الفضائيات، فبرامجها تداهم البيوت.
مثل هذه النماذج تجاوزت كل الحدود المتعارف عليها فى موروثنا الأخلاقى، وهى الحدود التى وضعت معايير الشرف الوطنى قبل المهنى، لكن فى بلادنا أصبح كل اللقطاء من مهاويس «فيسبوك» خبراء فى كل شىء وقادرين على فعل أى شىء، دون إحساس بأن رائحة آرائهم صارت كريهة، بل تحوم حولهم الشبهات من كل جانب، فالنوايا التى تحرك تصرفاتهم جزء من حروب تشتيت العقل لدهس الثوابت.. هم يصنعون الأكاذيب ويطلقون الشائعات دون أدنى مسئولية.
ما حدث حفزنى على استدعاء مقولة «جوبلز» وزير إعلام النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، فهو عبر عن كل تلك الهرتلات بمقولة عبقرية فى دلالتها، قال «أعطنى إعلاما بلا ضمير.. أعطك شعبا بلا وعى»، هو يقصد أن الأكاذيب والشائعات، تلعب دورا مهما فى تضليل الرأى العام، بما يصنع حشدا داعما لترويج الباطل.
بالعودة مرة أخرى إلى رحلة من البحث الشاق عن أب تيمور، أعلن أننى لم أستطع التوصل لاستكمال الشكل فى قضيتى، لذا سألقى الكرة فى ملعب البرلمان الذى يضم ٩٠ نائبة، ليثأرن إلى جانب زملاءهم نواب الصعيد من حماقات اللقطاء.