يبدو أن حالة السيولة التى يعيشها الإعلام الخاص لن تنضبط قريبًا، ويبدو أن بعض المذيعين والإعلاميين استمرأوا فكرة الحرية غير المسئولة التى تصنع منهم أبطالًا من ورق، وأصنامًا من رمال سرعان ما تحطمها موجات الغضب الشعبى وتذيبها فى الماء.
البعض منهم تصوروا أنهم فوق القانون، وفوق النقد طالما يجلسون خلف الميكروفونات، ويطلون على المشهد العام من الشاشات التى تعطيهم حصانة زائفة، وهم ربما لا يعرفون أن المشاهدين قد ينقلبون عليهم فجأة فيصبحون نسيًا منسيا!
مشكلة بعض المذيعين والإعلاميين ومقدمى برامج «الهنك والرنك» أنهم لا يدركون أن الشعب المصرى يعيش حالة خاصة، خلقها لنفسه، ورسم صورتها، وتعايش معها بإرادته الحرة.. فهذا «الشعب» خرج فى ثورة شعبية كاسحة، ليسترد دولته المخطوفة لحساب الجماعة الإرهابية وقوى الشر الخارجى، وهو من استدعى الفريق أول عبدالفتاح السيسى ليكون رئيسًا لمصر، وأعطاه الثقة بنسبة غير مسبوقة فى انتخابات الرؤساء بدون تزوير، وهو من خرج للاستفتاء على الدستور بنسبة عالية، وهو من جاء بنواب برلمانه، وأعطاهم الثقة وفرصة تحت الاختبار لتكتمل مؤسسات الدولة الدستورية والقانونية.
باختصار.. الشعب المصرى -إلا القليل منه- حدد اختياراته وأولوياته وفرض رؤيته.. وطرح جانبًا كل ما يتعارض مع هذه الرؤية.. لكن يبدو أن بعض من يركبون حافلة الإعلام يصرون على قيادتها، وهم يجهلون قواعد القيادة والطريق الذى يسيرون فيه!
منذ أيام استضاف وائل الإبراشى مرشح الرئاسة الخاسر «لا أعرف له وظيفة أو تعريفا آخر» حمدين صباحى، وأفسح له ساعات من هواء برنامجه، وتركه يصول ويجول فى الفضاء الواسع ويطلق عبارات قديمة متهالكة تجاوزتها المرحلة كان يرددها وقت أن كان شعار حملته «واحد مننا»، ليدغدغ مشاعر البسطاء ويلوى أعناق الحقائق!
تحدث حمدين كثيرًا.. انتقد كل شيء فى مشهد تمثيلى، وكأنه كان يجتر الماضى فلم تجاوز الكلمات حدود حنجرته.. أفرغ شحنة بضاعته التى أتلفها الشعب قبل أن يتلفها الهواء، ولم يقدم حلًا لمشكلة أو رؤية لواقع الحال فى مصر، والمنطقة بعد أن خرج من شعار «واحد مننا» إلى واحد منهم، فقدم البرادعى فى صورة القديس والملهم، وكاد صوته يحتبس وهو يتحدث عن قتلى اعتصام رابعة وضحايا الجماعة الإرهابية، ولم يذكر شهداء الشرطة والجيش الذين سقطوا فى كل ميادين مصر وشوارعها يوم فض الاعتصام المسلح.. الذاكرة لم تسعفه ليقول شيئا عنهم.. وتذكر فقط المحبوسين فى قضايا حرق وتخريب وقتل.. وحسنا فعل، وقام الإبراشى بدور السنيد فى الحوار إما مبتسمًا وإما صامًتا، لا يعلق على كلامه فى إشارة واضحة لتأييده!
الإبراشى يعلم أن ظهور صباحى فى هذا التوقيت غير مناسب، ويعلم أنه سيقول كلامًا يثير حفيظة الغالبية العظمى من الناس، ويعلم أن ردة الفعل عند الشعب المصرى ستكون عنيفة، وقد سمعنا فى كل البرامج ما يؤيد ذلك.. الإبراشى لا يعنيه كل ذلك.. ما يعنيه هو إثارة حالة من اللغط يرى فيها شهرة أوسع، خصوصًا بعد سقطات كثيرة وقع فيها برنامجه!
ومع ذلك قال الإبراشى: إنه سيواصل هذه الحلقات مع صباحى اقتناعا منه، ولا أظن أن ذلك يصب فى مصلحة المواطن، وأن المعارضة البناءة الوطنية علاج لأى نظام!
المعارضة عند الإبراشى قضية حق يراد بها باطل، لأن ما قدمه لم يصب فى خدمة المواطن أو الوطن، وعند صباحى هى باطل على طول الخط لأنه عندما يقول إن القيادة السياسية لا تملك رؤية فإن ذلك هو الباطل بعينه.. اللعبة متفق عليها وكوب الشراب المسموم، لم يشربه الشعب المصرى وألقاه على الأرض.
رسالة صباحى والإبراشى وصلت ورد عليهما الشعب اليقظ بما يستحقانه، وقد اختار كل منهما نهايته التى يستحقها.. الشعب هو المعلم وهو صاحب القرار، ولم يعد فى السوق زبائن لهذه البضاعة الفاسدة.. مجرد جرس إنذار.