الصراع بين البشر موجود ومستمر ما دامت هناك حياة، ولكن ينبغى ألا يصل الصراع إلى درجة الصدام أو الحرب، لأنه فى هذه الحالة يصبح صراعا عسكريا ويقضى على الحياة ذاتها، وإذا كان الصراع موجودا فإنه يزداد حدة فى المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، وبالتالى نجد التركيز الآن فى المنطقة العربية وبصفة خاصة مصر والخليج العربي، حيث الأهمية الجيوبوليتيكية كنقطة اتصال بين آسيا وأوروبا، حيث الموارد الاقتصادية الهائلة والثروات الطبيعية الكبيرة، وأيضا حيث السوق الاستهلاكية الواسعة والمتجانسة.
ولكن الخطورة الشديدة أن كل الصراعات التى تفجرت فى المنطقة العربية تحولت إلى صراعات عسكرية وصدام مسلح وحرب ضروس شرسة، تشد إليها جميع الدول العربية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتستنزف فيها موارد بشرية ومالية بغير حدود.
وزاد الموقف صعوبة وخطورة أن كل هذه الصراعات والحروب تقف وراءها دول عظمى وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، التى تحصل من وراء ذلك على أرباح هائلة نتيجة رواج صناعتها العسكرية والتى باتت أحد أهم مواردها المالية.
وهنا يتضح مدى العلاقة القوية والوثيقة بين تجارة السلاح والسياسة، ومؤسسات صناعة السلاح فى أمريكا من أقوى جماعات الضغط السياسى بها، وتؤثر بل تتدخل إلى حد كبير فى صناعة واتخاذ القرار الأمريكى وأكثر من ذلك لها دور كبير فى اختيار الرئيس الأمريكى نفسه من خلال الأموال الطائلة التى تنفقها على حملات الدعاية فى الحملة الرئاسية وأيضا مساهمتها فى تشكيل الرأى العام الأمريكى وسيطرتها على وسائل الإعلام، وينطبق هذا الدور على ما يجرى بالنسبة للدول الغربية المنتجة للسلاح.
ومن المعلوم أنه بعد انتهاء الحرب الباردة والحروب التقليدية كان على المؤسسات الصناعية العسكرية أن تبحث لها عن بؤر جديدة للمحافظة على أرباحها الكبيرة من مبيعات السالح، ولم يكن ذلك ممكنا إلا عن طريق خلق أشكال من المخاوف والتهديدات فى مناطق العالم وخاصة فى المنطقة العربية، وكانت هذه التهديدات تتمحور حول الشيوعية ثم بعد هزيمة الشيوعية تم طرح ما يسمى بالأصولية الإسلامية ثم الإرهاب والفوضى الخلاقة، وأخيرا بدأت أمريكا تطرح قضية الصراع المذهبى.
وبنظرة فاحصة نجد أن الأخطار المحدقة بدول المنطقة العربية يكمن بعضها فى أعماق كل دولة على حدة، وهى أخطار لا يمكن التنبؤ بمدى تحققها، وكذلك يكمن البعض الآخر فى صراعات عسكرية أو حروب بعضها يتم الآن بالوكالة، كما يجرى على أراضى سوريا والعراق واليمن وليبيا، وبعضها قد يتفجر بشكل مباشر نتيجة لأى خطأ فى تقدير الموقف بالدقة المطلوبة لأى طرف من أطراف الصراع، فلم يتصاعد الإرهاب فقط بل تفاقمت سلالات منه هى الأعنف على مر التاريخ والأفضل تسليحا والأعلى تمويلا والأصعب فى مواجهتها.
وخريطة السلاح على هذا الوضع تعكس مدى الخطر والتهديد وتوجيه إصبع الاتهام إلى الدول العظمى التى تصنع السلاح وتصنع فى الوقت نفسه الفتن والصراعات وتشعل نيران الحروب فى المنطقة لكى تضمن سوقا للسلاح ورواجا لتجارة الدمار والخراب، فأطراف الصراع فى المنطقة يحصلون على السلاح من نفس المصدر تقريبا، وأصبحت مؤسسات الصناعات العسكرية هى أحد محددات السياسة الخارجية للولايات المتحدة والغرب، وتعمل بالتنسيق والتعاون مع أجهزة المخابرات بهذه الدول.
ولم يكن غريبا أن تجد الولايات المتحدة والغرب يسعيان بكل وسيلة لضرب العلاقة القوية والتحالف الاستراتيجى القائم بين مصر والدول الخليجية، وذلك عن طريق خلق صراعات وحروب جديدة فى المنطقة ونشر الشائعات والأكاذيب، وقد اختارت قطر لكى تصبح بؤرة هذا النشاط الواسع الذى راح ينسج خيوطه فى كل مكان وقد وقع الاختيار بصفة نهائية على العاصمة القطرية لتكون مركزا خلفيا لعمليات أجهزة المخابرات التركية والأمريكية فى شبه الجزيرة العربية والخليج، وكذلك بؤرة التوتر والشقاق بين مصر وأشقائها العرب، وأصبحت الدوحة مركز التدريب والإمداد والتموين والتمويل للتنظيمات الإرهابية المختلفة وفى مقدمتها تنظيم داعش.. وأيضا نقطة التنصت والتجسس والمراقبة.. وهيأت الدوحة حياتها بالليل لكى تروح عن المجهدين من عناصر الإرهاب الموجودين فيها عناء النهار، وفى هذا الإطار فلا يمكن أن نغفل أن الولايات المتحدة والغرب يدفعان بقوة كى تنزلق المنطقة إلى حروب مذهبية، بما يؤدى إلى تدمير المنطقة تماما.
وفى ظل هذه الظروف والمتغيرات لا بد أن يحضر فى الذهن كل العوامل المفقودة التى تؤكد استحالة استمرار العرب بدونها أى بدون إعادة التوازن الاستراتيجى العربي، وأن المخاطر والأهوال اللتين تواجهان الأمة العربية وحالات الصراعات المتفجرة فى أكثر من بلد عربي، وكامنة تحت الأعماق إنما هى أمر مزعج وخطير فأجراس الخطر تقرع وتدق بشدة وتنبه الجميع بأن الهدف القومى غير واضح والإرادة العربية غير مفعلة بالقدر اللازم والمطلوب، والتحرك العربى بطيء لا يتناسب مع حجم المخاطر وتسارعها..إن طريق النضال شاق وطويل يسقط عليه آلاف الشهداء وآلاف الضعفاء، ويبقى بعد ذلك آلاف أخرى من المؤمنين بقضيتهم وسوف تنتصر ما دام الشعب العربى مؤمنا بالوحدة والحرية، ويرفع شعار التحدى لكل المتآمرين وأعوانهم، ولن يتسامح فى حالتين اثنتين: التآمر على الأرض، وإراقة الدماء العربية مهما كانت الأسباب والتبريرات، أما فى الأمور الأخرى فالتسامح جائز ما دامت الإرادة قوية والقصد شريف والراية مرفوعة، لأن التكلفة المادية على الرغم من فداحتها لا تساوى قطرة دم لمواطن عربى تهدر بيد عربية.
ولم يبق إلا أن أقول إن الديك يصيح عندما يرى مطلع الفجر.. ولكن الفجر لا يمكن أن ينتظر صياح الديك.. الفجر يطلع دائما.