استسمح أصحاب الجلالة والفخامة ملوك ورؤساء الدول العربية فى هذه الرسالة، التى لا محل لدفعها بالتشاؤم أو التجاوز، إذ إن غرضها المعلن والخفى هو التقدير والاحترام لجلالتهم وفخامتهم ومحاولة تبيان أوجه الخطر فى الواقع العربى الراهن، الذى أصبح من الوضوح بمكان، وعلى درجة من الحرج والخطورة يوجب التركيز عليها قبل أن نجد أنفسنا فى غمار موجة من المد والجزر عاتية شديدة لم نحسب لها حسابا ولم نحددها وبالتالى لا نستطيع أن نوجهها.
كما أن غرض الرسالة الأهم هو محاولة إلقاء الضوء على مقومات وخصائص وموارد الوطن العربى الفريدة والقوية، وأدوات وأسلحة الضغط والقوة التى يمتلكها لطرح مطالب استعادة التوازن الاستراتيجى للوطن العربى ولصالح أمن واستقرار ومصالح ومستقبل الشعوب العربية.
وهذه الأسلحة والأدوات لا يمكن أن تستخدم بغير موافقة أصحاب الجلالة والفخامة، كما أن أى استراتيجية عربية لا يتم إعدادها وتنفيذها إلا عن طريقهم، وهم لا يتأثرون فقط لقدراتهم الشخصية وتطلعاتهم ورغبتهم أو بالخلفيتين الداخلية والخارجية التى يعملون فى إطارها.. ولكن أيضا بمجموعة القواعد والمحددات والتهديدات التى تفرضها طبيعة المرحلة،
وفى هذا الإطار فقد أصبح صعبا لأى دولة عربية اللعب منفردة على التناقض بين القوى الفاعلة فى النظام الدولى سواء على المستوى الدولى أو على المستوى الإقليمى للحصول على مزايا وضمانات تسهم فى تحقيق أمنها القومى أو بناء قدرتها الذاتية مع الحفاظ على استقلال نسبى كما كان الأمر فى نهاية الخمسينيات فى القرن الماضى، حيث كانت الآلية التى استخدمتها بعض الدول العربية هى التهديد باللجوء للمعسكر الآخر، ولم تعد هذه الآلية متاحة بالقدر المطلوب الآن، وذلك لا يعنى مطلقا أن نتحدث عن أى استقطاب دولى أو إقليمى أو تحالف أو الاعتماد على أى قوى أجنبية، فالدول العربية تعرف ما تضمره هذه القوى من شر وحقد وأطماع للوطن العربى للسيطرة عليه وتفكيكه وتقسيمه واستنزاف موارده.
وفى هذا الإطار أستأذن أصحاب الفخامة والجلالة أن أطرح أهم ملامح التحولات الكيفية الخطيرة فى المشهد العربى المتأزم الآن حتى يمكن إعادة التوازن الاستراتيجى للوطن العربى والتحكم فى المشهد، خاصة بعد الحادث الإرهابى العنصرى الشنيع الذى ارتكبته إيران باعتدائها على سيادة السعودية وحرق قنصليتها وسفارتها فى إيران وسرقة الوثائق والمعلومات وأسرار الدولة فى عمل إجرامى يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية والمواثيق الدولية ويهدد الأمن والسلم العالمى، ولا يمكن أن نغفل أن إيران لا يمكن لها أن ترتكب هذه الحماقة إلا باتفاق ضمنى مع الولايات المتحدة لتنفيذ مخططها الأمريكى اللعين بإشعال النار فى المنطقة ونشر الفوضى والدمار وإسقاط الدول العربية وإعادة تقسيمها، وأيضا سحب إيران إلى صراع قد يتطور إلى حد الصراع العسكرى لاستنزاف قدرتها العسكرية وتحطمها هى أيضا، فأمريكا ليس لها صديق أو حليف.
وتأسيسا على ذلك فإنى أعرض بعض أدوات وعناصر القوة التى يمكن استخدامها لمواجهة هذه المخاطر والتهديدات:
أولا: البدء فورا فى تفعيل القوة العربية المشتركة التى تم الاتفاق على إنشائها لمواجهة التهديدات والمخاطر الموجودة التى استحدثت عقب الاعتداء الإيرانى السافر على الشقيقة السعودية واستمرار تلويحها بالتهديد لاحتلال الدول الخليجية ودعمها القوى للإرهاب فى المنطقة.
ثانيا: عدم إقحام مشاكل المنطقة وربطها فقط بالصراع الأيديولوجى «السنة والشيعة» والذى تقف وراءه الولايات المتحدة والغرب حتى لا تدخل دول المنطقة فى دوامة عنيفة ودائرة جهنمية ستدمر الجميع.
ثالثا: عدم السماح لأى قوة غير عربية أن تدخل طرفا فى الصراع الدائر بأى شكل من الأشكال، سواء كان فى شكل تحالف أو تعاون استراتيجى أو عسكرى.
رابعا: إعادة النظر فى السياسات الاقتصادية للوطن العربى وبالتحديد الدول الخليجية حتى يصبح البترول مرة أخرى سلاحا استراتيجيا حاسما فى المشهد العربى وتقليل العرض من النفط ليزداد الطلب عليه ليرتفع السعر الذى وصل إلى ٤٠ دولارا بدلا من ١٣٠ دولارا، لضرب المخطط الأمريكى الذى يسعى إلى تقليل فاعلية سلاح البترول العربى.
خامسا: وضع خطة لسحب بعض من إيداعات عائدات النفط والأموال العربية التى تقدر بمئات المليارات من الدولارات الموجودة فى بنوك أمريكا والغرب والتى تعتبر إحدى ركائز الاقتصاد الأمريكى والأوروبى وإعادة استثمارها فى المشروعات العربية لتحقيق التنمية داخل الوطن العربى وأيضا لحماية هذه الأموال من أى تصرف قد تلجأ إليه أمريكا والغرب لسبب أو آخر مثل التحفظ أو التجميد فى ظل هذا المشهد المأسوى فى العالم كله.
سادسا: التأكيد على أن الأمن العربى لا يتحقق كاملا إلا بصناعة عسكرية قوية ومتطورة، والعرب يملكون مقومات هذه الصناعة، ومصر وبعض الدول العربية بدأت فى هذا المجال منذ الخمسينيات من القرن الماضى ونحن لدينا مصانع لإنتاج الطائرات والمصفحات والمدراعات والدبابات والعربات العسكرية والمدافع والأسلحة والذخيرة وغيرها، وإلى جانب بعض الصناعات العسكرية، فإن العرب ينفقون على شراء السلاح المليارات من الدولارات، ومع ذلك الإنفاق الرهيب فإننا لا نضمن استمرار بيع السلاح لنا دون العديد من القيود والاشتراطات والمعوقات أحيانا، لأن الحصول على السلاح من الولايات المتحدة والغرب ليس مجرد عملية بيع وشراء، فهو يندرج تحت متطلبات سياسية وأمنية وخبراء ومستشارين وقطع غيار، وأهم من كل ذلك القدرة على المنح والمنع، وقد ظهر ذلك بوضوح فى الحروب العربية منذ الخمسينيات من القرن الماضى وحتى اللحظة.
أصحاب الجلالة والفخامة
إن الخيمة العربية قد أصابها التصدع ولا نريد تقويضها.. إن النجمة الأخيرة لا نريد أن نقول إنها خبت إلى حين تمور الأرض بأثقالها.
إن الشمس ستشرق إن شاء الله، والغد سيكون أكثر إشرقا وتألقا ولامعا لأننا نملك كل عناصر القوة ومقومات النصر والتقدم.