الإعلام نجح فى تبنى قضية سيدة المطار وفتاة المول وكلب الهرم، حتى صاروا نجوما يشار إليهم بالبنان.. سطر فى مقال مهم للأستاذ محمد أبو كريشة نشرته مجلة حريتى.. وأزيده من الشعر أبياتا.. والإعلام نجح عندما تبنى عرض حلقات مطولة عن العلاقة الحميمة، وممارسة العادة السرية، وعن المتحولين جنسيا واندفع بقوة للحديث فى مشاعر المتحول والمتحولة، وعن الجن والعفاريت وأصول الشعوذة المقيتة، وعن تكريس الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، وعن الخيانة الزوجية والعلاقات المحرمة، وعن زنا المحارم بكل صوره وأشكاله.
الإعلام نجح فى إظهار القبح فى كل شيء، حتى أصبحنا لا نرى شيئا جميلا حولنا، ونجح فى فرض جهلاء اقتحموا علينا حياتنا، وصاروا يعبثون فى كل شيء حتى ثوابت الدين، وجعل كل من استضافتهم شاشات هذا الإعلام نجوم مجتمع، اقتحموا علينا بيوتنا، وهتكوا ستر الأسرة المصرية، وفضوا بكارة أطفالنا واغتالوا براءتهم بقصد وسوء نية بسبب ما يسمعونه من ألفاظ خارجة ومسفة تكفى عددا من قواميس السفه والانحطاط.. الإعلام يفعل كل ذلك ويناقش ويطرح الأسئلة.. لماذا تدهور الذوق العام ولماذا انحرفت الأخلاق؟ يقتل القتيل ثم ينعاه ويسير فى جنازته!!
الإعلام نجح فى غسل سمعة الكثيرين عن طريق مذيعين ومقدمى برامج من أنصاف وأرباع المثقفين، وفتح المجال أمام النصابين وأصحاب السوابق لغسل سمعتهم، كما يتم غسل أموال المخدرات وتجارة البغاء، وكله بثمنه.. والثمن غالٍ حيث تنتفخ الجيوب وتتمدد الحسابات البنكية ويتنوع الاستثمار!
الإعلام فشل بامتياز فى ترقية الذوق العام للمشاهد وهذه وظيفة من أهم وأقدس وظائفه، وفشل فى تحويل المجتمع إلى حالة من البهاء والجمال، وفى تقديم القدوة الصالحة والنموذج الذى يحتذى، وفى عرض الدين والتدين بشكل مبسط وصحيح، وتجاهل الدين المسيحى ومشاكل الأقباط الحقيقية، واكتفى بما يؤجج الفتنة والخلاف، وبدلا من أن يساهم فى رفع الزبالة من الشوارع.. ألقى بالزبالة فى عقول الناس فزادهم تضليلا وأفقدهم القدرة على الاستنتاج والفرز!
سقط الإعلام عندما تحول إلى ساحة حرب شخصية ومنصة لإطلاق النيران، واغتيال السمعة وتصفية الحسابات فى قضايا ومشاكل ليس للمواطن فيها ناقة ولا جمل، وسقط عندما اعتدى على حق المشاهد وأقحمه فى الخلافات بين أصحاب القنوات والدولة، وبين أصحاب الشاشات وبعضهم البعض، للفوز بأكبر مساحة للسيطرة وكسر إرادة الآخر.. ووصل الأمر إلى الردح الفضائى بألفاظ سوقية بين مذيعين، وعندما يختلف اللصوص ينكشف المستور ويظهر المسروق، ونعرف أن ما خفى أعظم وأكثر هولًا وبشاعة.. كل فرد منهم ماسك على زميله زلة.. وكل منهم يلوح للآخر.. سيب وأنا أسيب!، وعندما يصل الأمر لحافة الهاوية وكشف المستور تتراجع الأطراف وتقول.. كان الشيطان بيننا، وعفا الله عما سلف !! الله يعفو عما سلف فى حقه.. فهو القادر الأعظم على العفو والغفران لأنه الخالق.. لكن العفو فى حقوق الناس فقد تركها الله للناس تعفو أو لا تعفو، ويبقى الذنب معلقًا إلى يوم الدين.
سقط الإعلام عندما حول قضايا الحق إلى باطل، مثل الدعوة للاصطفاف الوطنى.. البعض منهم فهم الرسالة بشكل صحيح لكنه لم يستطع توصيلها للناس، والأكثرية حولوها عن عمد إلى طريق آخر.. الاصطفاف يعنى الوقوف خلف الرئيس، ويعنى العودة إلى الماضى التعيس.. الفكر الواحد، والرؤية الواحدة واللون الواحد، وتغييب المعارضة «غير الموجودة أصلا»، ورغم أن الإعلام لم ير أو يستوعب المعنى الواضح وراء الدعوة للاصطفاف خلف الوطن وليس شيئا آخر، ومن المؤكد أن المشهد الفرنسى ماثل أمام أعينهم، ويكاد يعمى أبصارهم عندما اصطف الشعب الفرنسى بكل أطيافه وألوانه السياسية وراء الدولة ولم يخرج منهم من يطلب إقالة وزير أو عمدة أو يوجه اللوم لأحد..لأنهم ببساطة فى حالة حرب ومواجهة تستدعى تجاوز أى خلاف.. فالدولة ليست وجهة نظر.. كلها تحولت فى هذا الظرف إلى لون واحد وتوجهت إلى هدف واحد هو حماية الجمهورية الفرنسية.
فى حروب الجيلين الرابع والخامس الإعلام هو سلاح المقدمة، ورأس الحربة ومنصة الصواريخ الموجهة.. لذلك لا عجب عندما يسعى رجال المال والأعمال لامتلاك الفضائيات والسيطرة على الإعلام، لأنه السلاح الأشهر والأمضى فى كسب الحروب وتربية وتسمين من يدافعون عنهم بالباطل.
يا إعلاميي القبح وغسل السمعة.. اختشوا على دمكم وتوقفوا قبل أن تدهسكم عجلات الشعب وتطفئ أنوار كشافاتكم وتغلق عدسات كاميراتكم.