الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السقوط الأمريكي المقبل وغياب الهوية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ شروقاً متألقاً وأصبحت قوة عظمى فاعلة فى النظام الدولى.. ومع بداية التسعينيات من القرن الماضى انهار الاتحاد السوفيتى وتفكك فاحتلت أمريكا عرش النظام الدولى وأصبحت القطب الأوحد فيه وتحكمت فى إدارته وسياساته وقراراته.
واليوم تشهد الولايات المتحدة حالة من التراجع والضعف بسبب انفجار الصراع القيمى والاجتماعى بين فئات المجتمع المتباينة أصلاً والمختلفة فى المشارب والأهداف والأصول والقيم وفى اللغة والدين والعرق والثقافة بعد أن التقت طلائع المستوطنين الأولين الذين وفدوا من مختلف بقاع العالم بالأرض الجديدة منذ نحو أربعة قرون ليكونوا الدولة الأمريكية، الأمر الذى أدى إلى غياب الهوية التى هى أساس وجود الدولة واستمرار بقائها وإلى جانب كل عوامل الضعف التى تعانى منه أمريكا الآن يأتى عامل هام للغاية المتمثل فى كراهية وغضب معظم دول وشعوب العالم تجاه سياسات أمريكا العنصرية الاستعمارية المخربة، وبات الأمر ينذر بالخطر فقد أفلت الزمام من بين أيدى ربانيها ولم تعد هى القطب الأوحد فى النظام الدولى وصاحبة الأمر والنهى فى تسيير وتوجيه شئون العالم بل تشاركها اليوم أقطاب قوية أشد بأساً منها وأقصد هنا بالتحديد روسيا والصين اللتين تتمتعان بجانب قوتهما العسكرية والنووية والاقتصادية الهائلة تتمتعان بحب وصداقة وقبول من معظم دول العالم.
ونعود إلى غياب الهوية الأمريكية نجد أن الكثير من الأمريكيين قلقون من مستقبل تركيب مجتمعهم.. إن الولايات المتحدة التى كانت تفخر بكونها «بوتقة صهر» هذا يعنى أن الناس يفدون إليها من مختلف البلدان ومن مختلف الخلفيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. لكن ما أن يحطوا رحالهم فيها حتى ينخرط الجميع على اختلافهم فى «بوتقة الصهر» الأمريكية ليتحولوا كما لو بسحر ساحر إلى مواطن المجتمع الجديد.
واليوم على أى حال لم يعد «المصهر» يعمل فقد راح ليحل محلة «سلاطة البار» و«سلاطة البار» هى مزيج من طعام بارد وساخن تعرضه مختلف المطاعم فى الولايات المتحدة.. وبوسع الزبون أن يختار وينتقى ما يحب ويشاء.. وأصحاب المطاعم لا يمزجون المكونات بل إن كل صنف يحتفظ بمذاقه وهويته.. أما فى «سلاطة البار» الاجتماعية فالأمر يختلف فنجد أن التوصيف المفضل لدى السود الآن هو الأفارقة الأمريكان والهدف من ذلك توكيد الأصول التاريخية والعرقية للسود فى البلاد التى يشكلون ١٥ فى المائة من إجمالى السكان.
لقد ولدت التسمية الجديدة أصداءها المناظرة مثل العرب الأمريكان والأيرلنديين الأمريكان والإسبان الأمريكان والأمريكان الأصليين والهنود الحمر.
إن الأثر التراكمى لهذه التسميات هو خلق الانطباع بأن لا وجود لهوية أمريكية واحدة وأن الولايات المتحدة هى نوع من برج بابل تعيش فيه أعراق وأقوام مختلفة معاً ولكن دون أن تندمج ببعض.. وهناك مؤشرات جديدة تبين أن حوالى ربع إجمالى الأمريكيين لا يعرفون إلا القليل من اللغة الإنجليزية.. أو لا يعرفونها البتة.. وفى أرجاء من كاليفورنيا وفلوريدا استعيض عن الإنجليزية باللغة الإسبانية كلغة أساسية.
إن الجاليات الصغيرة تتحد متماسكة بقوة وعبارة الهوية التى شاعت فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى أدت إلى خلق آلاف من المدارس الخاصة التى تعلم فيها أكثر من ١٢٠ لغة بما فيها مثلاً اللغة الإبخارية واليوم يستطيع المرء أن ينجز دورة دراسية كاملة تبدأ من رياض أطفال وتنتهى بالجامعة دون الحاجة إلى اللغة الإنجليزية.. وهناك تقديرات بأن الولايات المتحدة قد تصبح أمة تضغى فيها اللغة الإسبانية فى منتصف القرن الحالى.. إن العديد من الأعمال الآن ذات طابع ثنائى اللغة والأهم من ذلك حقيقة أن الإدارات الحكومية بدأت هى الأخرى باستخدام حزمة واسعة من اللغات الأجنبية.. وفى كاليفورنيا وفلوريدا تجد الإسبانية مستخدمة على نطاق واسع.. وفى بعض مدن الداخل يحاول المثقفون السود إدخال مختلف اللغات الإفريقية وخاصة السواحلية. بل إن المهاجرين من ذوى الأصول الأوروبية لم يعودوا يرغبون فى القفز إلى «مصهر» اللغة الإنجليزية.
إن التصورات الرومانسية المثالية حول التناغم والانسجام التى سادت الأدب الأمريكى لفترة طويلة من الزمن قد أخلت مكانها لتصورات جديدة حافلة بالشك والكراهية والصراع القيمى الاجتماعى وغياب الهوية.. وهى مقدمة لسقوط أمريكا.
وللحديث بقية.