يبدو أنه مكتوب على مصر فى وقت الشدة، أن تعانى من نسبة كبيرة من نخبتها السياسية التى تتخبط يمينا وشمالا، بحثا عن المصالح بطرح كل ما هو شاذ من أفكار، وبخلق حالة من الشجار والنباح الزاعق بينها وبين نفسها، وبينها وبين خصومها، فيقرر الشعب استرداد أدواته الأصيلة ويتحول إلى قائد ومعلم ويعطى هذه النخبة، دروسا فى الوطنية واليقظة والانتباه ويلفظها مكشوفة عارية، وقد سقطت عنها أوراق التوت.
ويبدو أنه مكتوب على مصر فى وقت الدعوة للبناء والانطلاق، أن تعانى من نسبة أكبر من فساد إعلامييها، وانحراف أخلاقهم الذين تطفلوا على المهنة وكسروا أبوابها، ودخلوا بيوت المشاهدين بلا استئذان، فكان منهم الممثل والممثلة والمهندس والطبيب، ولاعب الكرة والمحامى والشيخ والناشط وكلهم بارت تجارتهم، وكسدت، فقرروا البحث عن تجارة أخرى تضاعف أرباحهم فى مقابل التنازل جزئيا أو كليا عن الأخلاق والضمائر.
كما تعانى مصر من قدرة هؤلاء على ابتزاز المشاهدين وإشاعة الأباطيل بينهم بكل الطرق والوسائل، بحثا عن نسب مشاهدة عالية تفتح شهية المعلنين لرعاية برامجهم، والإعلان على شاشات محطاتهم التى يعملون فيها، ولتسقط كل معايير الإعلام الهادف، ولتذهب كل مواثيق الشرف الإعلامى - حتى وإن لم تكن مكتوبة - إلى الجحيم!
ففى الوقت الذى تجرى فيه عملية سياسية لانتخاب مجلس نواب مصر، وبعد كل الفضائح والسقطات التى وقعوا فيها من تسرع واستعجال فى الحكم على الإقبال ونسب المشاركة، وتخويف الناخبين بالدعوة للحشد حتى صاروا أضحوكة الشعب المصرى، فسقطت مصداقيتهم فى الوحل، وفى الوقت الذى كان فيه الرئيس يجرى مباحثات فى دول الإمارات والهند والبحرين حاملًا على عاتقه ملف مصر الاقتصادى باحثا عن فرص استثمار لمصر يخرج علينا بعض هؤلاء الإعلاميين «مجازا» بموضوعات لا علاقة لها بما يجرى، يتيحون فيها مساحات هواء للجدل حولها «وهات لت وعجن وفضائح»، فى الوقت الذى لا تحظى فيه قضية مهمة تخص الوطن بمثل هذه المساحة، ويتفرغ هؤلاء الإعلاميون للردح والخناق فيما بينهم على الشاشات دون أدنى مسئولية تجاه المشاهد والوطن، وينبرى بعض من النخبة لعمل استقطاب بين المشاهدين..«من مع النحنوحة ومن ضدها، ومن مع هذه القضية ومن ضدها؟».
لكن دائما ما يوجد ضوء فى آخر النفق، ونرى فى وقت العتمة شمعة قادرة على إضاءة مساحة لا بأس بها فى هذا الظلام الإعلامى، ففى الوقت الذى كانت تعلن فيه فضائية عن حوار مع المذيعة صاحبة المشكلة لتبييض وجهها، مما يجعل المحطة تحوز نسبة مشاهدة جديدة لاستكمال إفساد الذوق العام نجد الإعلامى المتميز أسامة كمال يخرج بمهارة من دائرة هذا العهر الإعلامى، منذ بدأ برنامجه القاهرة ٣٦٠ ليؤكد أن الإعلام الجاد يستقطب المشاهد الجاد، وربما هذا يكفيه من نوعية المشاهدين، فبينما كانت الشاشات مشغولة بفتاة «المول» وبمذيعة الحلقة الأزمة، كان أسامة كمال يستضيف المهندس سامح نعمانى المتخصص فى طاقة الرياح وتوليد الكهرباء منها، وأدار معه حوارا يستحق المشاهدة والمتابعة.. حوارا لمصر ومستقبل مصر.. حوارا يبحث عن حلول لمشاكل مصر وليس حوارا لخلق مشاكل لمصر كما يفعل دخلاء مهنة الإعلام.
أسامة كمال أطلق فى نهاية الحلقة رسالة مهمة كما فهمتها أنا، فقال للمشاهدين وهو يختتم الحلقة فيما معناه «كان يمكن أن نتحدث عن فتاة المول لكن أزعجناكم بموضوع ثقيل يتعلق بالطاقة ومستقبل مصر»، أعتقد أن المشاهدين فهموا الرسالة جيدا.. لكن للأسف لن يفهمها من أعنيهم من أنصاف وأرباع الإعلاميين الذين تخصصوا فى الفضائح تحت راية حرية التعبير والرأى.
الرئيس فى كلمته الأخيرة وجه العتاب بأدب، ونحن فى انتظار كلمة المشاهدين لمثل هؤلاء..هل ينتبهون قبل فوات الأوان؟