تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أنظر إلى ما فات فأخاف مما هو آتٍ. كانت تجرُبة رجال الأعمال المصريين فى البرلمان مريرة، موجعة، كثيرة الزلات، متنوعة السقطات. دخل كثيرون مُمثلين لأصحاب الأعمال ومجتمع الصناعة، لكنهم لم يُقدموا شيئا إيجابيا للاستثمار، ولم يُغيروا شيئا ذا بال. كان جُل اهتمام هؤلاء مصالحهم الشخصية واستخدمت الحصانة فى تأمين بعضهم من الخضوع للتحقيق أو الاستجواب فى قضايا غير سياسية. ولا ينسى أحد أن واحدا منهم نجح فى لى ذراع الحكومة نفسها عندما اعترض على تعديل لقانون مواجهة الاحتكار وحشد أعضاء البرلمان، لتُصبح الصياغة مُناسبة ولائقة لوضعه ووضع شركاته.
ذاك عهدٌ مضى، ولا يعنى بأى حال أن ترشح رجال أعمال وصناعة لمجلس النواب يحمل دلالات سلبية. رُبما هُناك أجيال جديدة من رجال الأعمال والمستثمرين تؤمن بضرورة الإصلاح من خلال مؤسسة التشريع الأولى، ورُبما هُناك البعض الذين لا ينتظرون الوجاهة أو الحصانة ويدخلون إلى البرلمان بطاقات العمل العام التى تدفعهم إلى إنجاز خطوات واضحة فى خدمة الآخرين. ورُبما هُناك مَن يعتقدون أن آراءهم وتصوراتهم ومُقترحاتهم حول الأوضاع الاقتصادية لا تصل إلى صناع القرار، وأنه لا بد من منصة واضحة لتوجية تلك الرؤى.
كُل هذا منطقى وسليم، لكننا فى حاجة ماسة إلى وضع مطبات تهدئة أمام ظاهرة تدفق رجال الأعمال إلى البرلمان. أصحاب مصانع، وورش، ومراكز خدمات، وتُجار وسماسرة ووسطاء ومصرفيون قدموا أوراق الترشح. بقالون وأصحاب مزارع ومطابع ومدابغ، ومستثمرو سياحة مروا بسلك الإجراءات الضرورية السابقة للدخول إلى الانتخابات.
كُل هؤلاء نُريد أن نعرف منهم كيف نُصلح اقتصادياتنا ونُعظم مواردنا ونُحدث هياكلنا الصناعية؟ كيف نطور بيئتنا الاستثمارية ونُحسن تشريعاتها؟ نريد مُنهم إعلانا واضحا بتجنب شراء الأصوات، واستغلال حاجات الناس. ومن الدولة والجهات الرقابية ننتظر صرامة وحزما فى التعامل مع تدفق أصحاب الأموال.
إن خطر مثل هذا التدفق أنه يُعرقل العملية الانتخابية ويحولها من عملية اختيار شخص المفترض فيه إلمامه بقواعد التشريع والإدارة إلى صفقة شراء مُسمى ومكانة مرموقة. مَن يملك المال يُنفق بسخاء عمَن لا يملك سوى الكلام والبرامج الانتخابية. وفى مُجتمع مثل المُجتمع المصرى، فإن الأثرياء يدخلون البرلمان أسرع وأيسر كثيرا من الخطباء.
المال يلعب فى السياسة المصرية مُنذ عشرينيات القرن الماضى، لكن اتساع استخدامه، والاعتماد عليه بشكل أوسع يُهدد فكرة الديمقراطية نفسها. وفى ظنى وليس كل الظن إثم فإن الديمقراطية فى بلادنا لم تعد تعنى اختيار الأفضل أو الأصلح، وإنما صارت تعنى اختيار الأكثر إنفاقا أو الأكثر دفعاً. هُنا ينهار الحُلم فى وطن مُتحضر وبلد ناهض قادر على إسعاد أهله.
هكذا أرى ورأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب. والله أعلم.
عندما حانت لحظة الحساب لم يجد مرشحو الأحزاب الهشة طريقًا لإنقاذ أنفسهم من الغرق سوى التنصل والعمل بصورة فردية عبر التنسيق مع المرشحين المستقلين الرافضين لهذه الأحزاب