تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كثيرا ما طالبت- وما زلت أطالب - بأن تكون مصر قادرة على الفعل، ولا تكتفي برد الفعل الذي تمارسه في أحيان كثيرة في غير موضعه، وكثيرًا ما كتبت وطالبت بأن يعلو صوت مصر الرسمي وهي تواجه أي خطر أو تطاول أو تهديد لسيادتها أو لشعبها أو لأمنها القومي، وأن يكون الرد على قدر مصر وقيمتها بين الدول، وأن يتناسب الرد مع ماضيها وحاضرها ومستقبلها الذي تسعى إليه.
المبادءة بالفعل ليس كرد الفعل، ومجرد التلويح باستخدام القوة يغير في موازين المعادلة كثيرًا، فهو يضع الخصم الذي يضغط عليك في موقف الدفاع ويستنزف وقته وجهده في الرد والتبرير وغالبًا ما يستجيب لما تقول ويأتي إليك طالبًا الحوار أو التفاوض، وفي هذه الحالة تستطيع أن تفرض وجهة نظرك عليه.
عند التلويح باستخدام القوة - أو أوراق الضغط التي لديك- في الوقت المناسب تستطيع أن تحقق نصف النجاح الذي تسعى إليه، وتستطيع أن تقلل الخسائر المحتملة التي قد تتعرض لها، وفي كل الأحوال التلويح باستخدام القوة في عالم تسوده المصالح الاقتصادية والسياسية، وتطغى عليه سياسة التكتلات الدولية، تؤدي غالبًا إلى نتائج إيجابية لمن يستطيع استخدامها بذكاء في الوقت المناسب.
منذ متى وأزمة السلاح النووي الإيراني تشغل بال العالم ولا تجد حتى الآن حلا أواتفاقا؟ فما زالت أمريكا تهدد وتتوعد إيران وما زالت إسرائيل مرعوبة وخائفة من امتلاك إيران لسلاح نووي وتهدد بضرب إيران، حتى وإن لم تسمح لها أمريكا بذلك! ومع ذلك لم تستطع أن تفعل لأن إيران دائمًا تلوح باستخدام القوة في ضرب إسرائيل وضرب المصالح الأمريكية في المنطقة! وحتى الساعة لم تضرب إسرائيل إيران ولم تنفذ أمريكا تهديدها ولم ترد إيران على أي منهما، لكن إيران تسير بخطى سريعة لتدخل النادي النووي – إن لم تكن قد أدخلته بالفعل – وأمريكا ما زالت تراوح مكانها بين التهديد بالضرب أو فرض عقوبات أو اللجوء إلى طاولة المفاوضات للبحث عن حل سلمي للأزمة.
أزمة التلويح بضرب سوريًا مؤخرا، دليل على أهمية فكرة التلويح باستخدام القوة في أي شكل من أشكالها فقد أعلنت أمريكا عن نيتها في توجيه ضربة عسكرية خاطفة لشل القدرة العسكرية للجيش السوري، على خلفية استخدامه لأسلحة كيماوية محرمة دوليا، لكنها لم تستطع الحصول على موافقة مجلس الأمن لتوجيه الضربة بسبب تلويح روسيا والصين باستخدام حق الفيتو لتعطيل القرار ومنعه من الصدور، فلم تستطع أمريكا المغامرة بالقيام بهذه الضربة خوفًا على مصالحها في المنطقة من تهديد إيران وحزب الله واحتمال تصعيد الأمر ليصل إلى حرب إقليمية تهدد وجود إسرائيل وتضع أمريكا في مأزق صعب.
الأطراف جميعًا استخدموا أوراق الضغط التي لديهم ولوحوا بها، فذهبوا إلى طاولة المفاوضات بمبادرة روسيا الخاصة بالأسلحة الكيماوية، ما قد يمهد الطريق لحل الأزمة السورية بعد بيان كثير من الحقائق فيما يتعلق بما يجري على الأرض في سوريا.
النماذج كثيرة على أهمية التلويح باستخدام القوة في أزمات لم يكن يبدو لها حلولًا في الأفق، والتلويح باستخدام القوة لا ينسحب فقط إلى القوة العسكرية لكنه يشمل القوة الاقتصادية والقدرة الدبلوماسية، والقوة الناعمة للثقافة، والفنون، وأخيرًا الإرادة الشعبية الكاسحة كما حدث في مصر، وفي تقديري إنها القوة الأهم والأخطر على كل متخذي القرار، وهي الحالة التي تمر بها مصر الآن وإلى جانب ذلك لدينا من القوة وأوراق الضغط الكثير، مما لو أحسنا استخدامها لكان الوضع مختلفًا في كثير من القضايا، فالمصريون أسقطوا نظامين في 30 شهرًا، ولم تسقط الدولة، ولم يتهاوَ اقتصادها إلى الحضيض، فما زال المصريون يأكلون ويشربون ويلبسون ويتعلمون ويسافرون ويبيعون ويشترون ويفعلون كل شيء يعينهم على الحياة.
صحيح هناك معاناة صعبة لكن للحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية أثمان باهظة لا بد من دفعها.
مصر الآن تمر بمرحلة هامة ومفصلية في تاريخها المعاصر، وتعيش ظرفًا أظن أنه لن يتكرر حدوثه قريبًا وهو حالة الالتفاف الشعبي حول القضية الوطنية في مشهد ربما لم يحدث في تاريخ مصر كثيرًا ومن ثم يجب التقاط هذه الحالة والعض عليها بالنواجذ، وتحقيق أعلى مكاسب وأهداف لهذا الوطن ولهذا الشعب.
مصر لديها الكثير لتقوله للعالم، ومصر تستطيع أن ترفع صوتها وتستخدم أدواتها لتحقق أهدافها في هذا الوقت.