الأحد 29 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

جبران خليل جبران.. صاحب "النبي"

جبران خليل جبران..
جبران خليل جبران.. صاحب "النبي"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من بين الكثير من شُعراء المهجر، يبقى اسم جبران خليل جبران لامعًا، فهو من أعمدة القصيدة النثرية في الكتابة العربية، وفنانًا من طراز فريد، استمرت كلماته ورسومه حتى يومنا هذا بعد أكثر من ثلاثين عامًا بعد المائة من استقبال الحياة لصرخته الأولى، وأربعة وثمانين عامًا من لحظة رحيله عن عالمنا.
ولد جبران لعائلة لبنانية مارونية تمتاز بالتدين، وكانت أمه كاملة رحمة -والتي أصبح اسمها كاميليا- في الثلاثين من عمرها عندما أنجبته بعد زواجها من خليل جبران بن ميخائيل بن سعد، زوجها الثالث بعد وفاة زوجها الأول وبطلان زواجها الثاني؛ ولكن كان من المُقدّر للأسرة التي استقبلت ابنها الثالث في السادس من يناير 1883 أن تحيا في الفقر بسبب كسل والده وانصرافه إلى السكر والقمار، ولذلك لم يستطع جبران الذهاب للمدرسة، واستعاض عن ذلك بكاهن القرية، الأب جرمانوس الذي كان يأتي لمنزل جبران.
وسرعان ما أدرك جرمانوس جدية جبران وذكاءه، فأنفق ساعات في تعليمه الأبجدية والقراءة والكتابة، مما فتح أمامه مجال المطالعة والتعرف إلى التاريخ والعلوم والآداب ويعلمه الإنجيل والعربية والسريانية، كذلك تعلم الكثير على يد الطبيب الشاعر سليم الضاعر، وفي عام 1891 تم سجن والده بتهمة الاختلاس وصودرت أملاكه، وعقب إطلاق سراحه قررت والدته الهجرة مع أخيها إلى أمريكا، وتحديدًا نيويورك، مصطحبة معها كلًا من جبران وأختيه، ماريانا وسلطانة، وأخيه بطرس؛ وبفضل أمه تدرب على الرسم والموسيقى، ولمّا لاحظت ميل الرسم لديه زوّدته بألبوم صور لـ ليوناردو دافنشي، الذي بقي مُعجبًا به.
"إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة الأم، وأجمل مناداة هي يا أمي، كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف، وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة، الأم هي كل شيء في هذه الحياة"..
سكنت عائلة جبران في بوسطن بالخطأ، وبدأت أمه العمل كخيّاطة متجولة، كما فتح أخوه بطرس متجرًا صغيرًا، وذهب جبران للمدرسة في فصل خاص للمهاجرين لتعلم الإنجليزية؛ كما التحق كذلك بمدرسة فنون قريبة من المنزل، التي نمّت مواهبه الفنية وشجعتها فيها فلورنس بيرس معلمة الرسم، وكان من حظه كذلك أن من أعضاء هذه المدرسة الآنسة دجيسي بيل، التي كتبت إلى صديقها المثقف الغني فريد هولاند داي، فشّجع جبران ودعمه عندما شاهد محاولاته الإبداعية، فكان يعُيره الكتب التي أثرت في توجيهه الفكري والفني، كما استخدم فريد بعض رسومات جبران لأغلفة الكتب التي نشرتها دار "كويلا آند داي".
"الجود أن تعطي أكثر مما تستطيع، والإباء أن تأخذ أقل مما تحتاج إليه"..
في سن الخامسة عشرة عاد جبران مع عائلته إلى بيروت ليدرس في مدرسة إعدادية مارونية، ثم معهد تعليم عال يدعى الحكمة، وهناك بدأ مجلة أدبية طلابية مع زميل دراسة، ثم تم انتخابه شاعر الكلية، وكان يقضي العطلة الصيفية في بلدته مُتجاهلًا والده الذي تجاهل مواهبه بدوره، فكان يُقيم هناك مع ابن عمه نيقولا؛ وفي لبنان وجد عزاءه في الطبيعة، وصداقة أستاذ طفولته سليم الضاهر، وهناك أيضًا نشأت علاقة حب بينه وبين حلا الضاهر التي استوحى منها قصته "الأجنحة المتكسرة"، وبقي جبران في بيروت عدة أعوام قبل أن يعود إلى بوسطن عقب وفاة أخته سلطانة بالسل، وزاد من أحزانه أن توفي بطرس بنفس المرض، ثم توفيت أمه بسبب السرطان، ولم يتبق من عائلته سوى أخته ماريانا التي بقيت معه، واضطرت للعمل في محل خياطة، ورغم أنه كان سريع البديهة ويشتهر بالتواضع والطموح، ولكن ظهرت أنانيته عندما مات أخوه وأمه، فلم يبق إلى جانب أخته الباقية ليواسيها، بل تابع حياته الاجتماعية وكأن شيئًا لم يكن.
"أين تبحثون عن الجمال وكيف تجدونه إن لم يكن هو الطريق والدليل"..
كان جبران دائم الشك، يتميز بالطموح، والمثالية، وكان يتصور أنه يستطيع إعادة تكوين العالم، وسعى إلى إقناع الآخرين بأفكاره ونظرياته حول الفن والطبيعة، وكان في كتاباته اتجاهان، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على عقائد الدين، والثاني يتتبع الميول، ويحب الاستمتاع بالحياة النقية، ومن أكثر كتاباته التي أبرزت كلا الاتجاهين هي قصيدة "المواكب"، والتي غنتها المطربة اللبنانية فيروز باسم "أعطني الناي وغنّي"؛ وكان بشكل كبير مُتفاعلًا مع قضايا عصره، وكان من أهمها التبعية العربية للدولة العثمانية والتي حاربها في كتبه ورسائله، وحتى لا يتهمه البعض بالعنصرية بسبب انتماؤه إلى خلفيته المسيحية، كان حريصًا على توضيح موقفه بكونه ليس مُناهضًا للإسلام الذي يحترمه ويتمنى عودة مجده، بل هو صاحب موقف واضح ضد تسييس الدين، سواء الإسلامي أو المسيحي.
"إن أطفالكم ما هم بأطفالكم، فقد وَلَدَهُم شوقُ الحياة إلى ذاتها. بكُم يخرجون إلى الحياة ولكن ليس منكم، وإن عاشوا في كَنَفِكُم فما هُم مِلْكُكُم"..
كان لجو بوسطن الذي نشأ فيه جبران بالغ الأثر في إذكاء ثورته على التقاليد والنظم البالية في المجتمع الشرقي، وكان واسع الثقافة فقد قرأ لشكسبير وللشعراء الرومنسيين ولا سيما بليك كيتس، شلي، ونيتشه، وبدا واضحًا أثر الفلسفة الأفلاطونية في رومانسيته وتصوفه، كما ظهر أثر الإنجيل بارزًا في أعماله، حيث خصّ المسيح بكتابة "يسوع ابن الإنسان"؛ كما تأثر بالتصوف الشرقي الهندي سواء المسيحي أو الإسلامي منه، فآمن بوحدة الوجود والتقمص، وبأن بالحب وسيلة لبلوغ الحقيقة، وكانت من أهم أعماله في خدمة الأدب تأسيس الرابطة القلمية مع كلِّ من ميخائيل نعيمة، عبد المسيح حداد، ونسيب عريضة؛ وكانت فكرة الرابطة القلمية لتجديد الأدب العربي، وإخراجه من المستنقع الآسن.
توفي جبران خليل جبران في نيويورك في العاشر من أبريل عام 1931، وهو لم يزل في الثامنة والأربعين من عمره، وكان سبب الوفاة هو تليف الكبد والسُّل، وكانت أمنيته أن يُدفن في لبنان، وقد تحقق له ذلك عندما تم نقل رفاته في العام التالي، وتم دفنها في صومعته القديمة في لبنان، فيما عُرف لاحقًا باسم متحف جبران.