الجمعة 27 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"البوابة" تحقق في سر انتشار الأمراض الوبائية بالدلتا

كارثة تهدد 10 ملايين مواطن

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
8 مصارف تلقى مخلفاتها في النيل.. ومليون فدان تروى بـ«مياه ملوثة».. «التيفويد» والفشل الكلوى والكبدى أخطر الأمراض المهددة للمواطنين.. وزيادة نسبة «الأمونيا» في المياه تهدد الصحة العامة.. «كتشنر» يصب نواتج 38 مصنعًا أبرزها «الغزل والنسيج بالمحلة» و«طنطا للكتان» و«الإسكندرية للزيوت والصابون» في النهر أهالي: أطباء الوحدات الصحية يرفضون كتابة تشخيص «التيفويد» تنفيذًا لتعليمات الحكومة
مياه الشرب تحتوى على نسب «أمونيا» مرتفعة جدًا بسبب اختلاط المياه بالصرف الصحي والنتيجة انتشار التيفويد والفشل الكلوي
مصانع كفر الشيخ والدقهلية التي تستخدم مواد الصباغة والصابون والزيوت ومصانع الحوامدية ومصانع الصعيد تلقى بمليار متر مكعب سنويا من مخلفاتها السامة في النيل

أكثر من مليون فدان من أجود الأراضى الزراعية بالدلتا تروى بمياه الصرف الصحى والصناعى بعلم الحكومة، وتحت بصرها، بل رعايتها، على الرغم من المطالبات بالحيلولة دون ذلك.
ليس الآن فحسب، لكن «الجريمة» بدأت منذ سنوات قد تتخطى الرقم «10»، من دون أن تشعر الحكومات المتعاقبة أن هناك أمراضًا خطيرة ستنتج عن اختلاط مياه الصرف بمياه الري، ويبدو أنها بمختلف اتجاهاتها اعتمدت «منهج التسول» لعلاج صمتها المريب، الذي ربما يكون لصالح شركات الأدوية، فها هي إعلانات التبرع لمرض السرطان، وبقية الأمراض الفتاكة الناتجة كلها من التلوث الذي ترعاه الحكومة بمنطق: «ترك المريض لينال حصته من المرض، ثم علاجه عبر سيل التبرعات التي تصب كلها في صالح هذه الشركات».
مسالك المرض معروفة، وخريطته معلومة، حيث المصارف تلقى بالمخلفات في النيل مباشرة، فيما تصب أخرى أمراضها في الأرض الزراعية، لتروى ما يتناوله الإنسان، موجهة إياه إلى «غياهب المرض» ثم إلى الموت في أغلب الأحيان.
ما جمعناه من معلومات، يكشف أن هناك ٨ مصارف تصب مخلفاتها في نهر النيل علنًا في الوقت الذي نتسول فيه نقطة مياه من إثيوبيا، ونصرخ طلبا لـ«نجدة العالم» من أضرار «سد النهضة».
هذه المصارف تمثل السبب المباشر في انتشار الأوبئة والأمراض بين الملايين التي تقطن الدلتا، مثل: التيفويد، والفشل الكبدى والكلوي، والملاريا، فضلًا عن زيادة نسب «الأمونيا» في مياه الشرب، نتيجة اختلاطها مع المياه الملوثة.
المصارف الصناعية والزراعية في الدلتا «كارثة»، ومن أخطرها مصرف: «كتشنر» الصناعى الذي يبلغ طوله نحو ٦٨٣ كم، ويبدأ من محافظة الغربية بطول ٢٢٣ كم حتى محافظة كفر الشيخ، وصولا إلى البحر المتوسط، وتلقى به مخلفات نحو ٣٠ مصنعًا، أهمها: شركات الغزل والنسيج في مدينة المحلة، وأبرزها (النصر للغزل والنسيج)، وطنطا للكتان والصابون، والإسكندرية للزيوت والصابون.
هناك أيضًا مصرف المنصورة، وهو صرف زراعى وصحى، يخترق محافظتى الدقهلية والشرقية، ليصل إلى بحيرة المنزلة، وتروى منه أكثر من ٥٠٠ ألف فدان، تزيد قليلًا في فصل الصيف، أو في فترة «السنة الشتوية» عندما تكون المياه قليلة أو منعدمة في الترع، وتصرف فيه قرى ومدن محافظتى الدقهلية والشرقية، مثل: تلبنت، ونوسا الغيط، وميت بدر خميس، والمنصورة، وشبرا البهو، والسبخة.
المصرف الثالث هو مصيف «منية سمنود»، والرابع هو «مصرف البهو»، وتروى منه قرى كثيرة، مثل: الشرقاوية، والعزبة الشرقية بنوسا الغيط، والخامس هو «مصرف ٢»، وهو مصرف كبير، تطل عليه أراض تقدر مساحتها بـ ١٥٠ ألف فدان، ويروى منه الفلاحون، ثم السادس «مصرف ٨»، وهو مصرف يبلغ طوله أكثر من ١٠٠ كيلو متر، والسابع مصرف «جنبية نقيطة».
وجوه معظم الأهالي في مناطق الدلتا تظهر عليها أعراض المرض، ويرتسم عليها الإرهاق، وتبدو دموعهم أقرب من ابتسامتهم.
عم أحمد مواطن من قرية «نوسا الغيط» يقول: «السنة اللى فاتت العيال جالهم التيفويد، والسنة دى الإصابة رجعت لهم مرة تانية».. هكذا تحدث الرجل الأربعيني الذي لا يملك سوى الشكوى من الحال الذي وصل إليه الغلابة في «ريف مصر».
أما أحمد جنيدي، شاب من مدينة أجا بالدقهلية، فيقول: «العام الماضى انتشر وباء التيفويد بين الأطفال في المدارس، فقدمنا شكوى من المياه الملوثة، فجاءت لجنة من شركة المياه، وأجرت تحليلا المياه، وقاموا بعمل محطة تنقية ونزع شوائب»، ويضيف: «لكن هذا لم يمنع انتشار المرض مرة أخرى.. الكارثة أن المدارس ترفض الاعتراف بإصابة أبنائنا بالتيفويد، فخطاب إجازة ابنى من المدرسة بسبب (نزلة معوية)، ومع ضغطى وإلحاحى على المسئولين بالمدرسة كتبوا بالخطاب اشتباه تيفويد».
ويواصل: «أطباء الوحدة الصحية رفضوا تشخيص حالة ابنى على أنها إصابة بالتيفويد، وعند سؤالى عن السبب، همس أحدهم في أذني: (الحكومة ووزارة الصحة يمنعان كتابة ذلك المرض، لأنه وباء)».
ويقول الفلاحون: إن مياه الشرب تحتوى على نسب «أمونيا» مرتفعة جدًا، بسبب اختلاط المياه بالصرف الصحي، لأن مواسير الصرف تسير بجانب مواسير مياه الشرب، والنتيجة هي انتشار التيفويد والفشل الكلوي، وأمراض الكبد التي أصبحت نسبتها كبيرة جدا في محافظة الدقهلية. الدكتور على إبراهيم، استشارى وخبير التنمية الزراعية، يقول: إن رى المحاصيل بمياه الصرف الزراعى والصناعى والصحى خطر جدًا على صحة المواطن، لأنها تحتوى على نسب عالية جدا من الزنك والسيانيد والكادميوم، مضيفًا: من خلال تحليل بعض المنتجات الزراعية في وزارة البيئة وجدت أن تركيز عنصر الزنك أكثر من ١٥٠ جزءا في المليون، والكادميوم ١٠ أجزاء في المليون بدلا من نسبة ٠٠١ في المليون، وتركز عنصر المنجنيز بنسب أكثر من ١٢٣ جزءا في المليون، مخالفا النسب المصرح بها دوليًا، فضلا عن زيادة ملوحة التربة جراء ريها بمياه، بها نسب تتجاوز ٥٠٠ جزء في المليون.
أما الدكتور محمد إسماعيل، وكيل وزارة البيئة المسئول عن إدارة المخلفات الخطرة، فتبرأ من الأمر، مشيرًا إلى أن الملف من اختصاص وزارتى الصحة والزراعة.
ويقول «إسماعيل»: إن مياه صرف هذه المصانع تحتوى على مواد الصباغة والنسيج والزيوت والصابون، إضافة إلى مواد خطرة أخرى نتيجة المبيدات الكيماوية التي يستخدمها الفلاح في أرضه، مضيفًا: كل هذا يؤدى لموت البكتيريا النافعة التي تحلل تلك المواد، وتكسر المواد العضوية، ما يؤدى لعفونة المواد العضوية، والإصابة بأمراض لا حصر لها.
الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، يقول: «إن هناك ٥٠٠٠ حوض تجميع لمياه الصرف الصحى تلقى بملوثاتها في النيل، و١٠٢ مصنع تلقى مخلفاتها مباشرة دون معالجتها»، مضيفًا: أن «كل محافظات الصعيد تلقى مخلفاتها مباشرة في النيل، والحكومة مسئولة عن ذلك، لأنها لا تنفذ القوانين، ولا تنشئ محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي».
٧ مليارات متر مكعب من المخلفات يتم إلقاؤها في النيل مباشرة دون معالجة، ما يتسبب في انسداد فرعى رشيد ودمياط، ونفوق الاسماك، وهى ظاهرة انتشرت خاصة في الآونة الأخيرة، ولعل مصانع كفر الشيخ، والدقهلية التي تستخدم مواد الصباغة، والصابون، والزيوت، ومصانع الحوامدية، ومصانع الصعيد، التي تلقى بمليار متر مكعب سنويا من مخلفاتها السامة في النيل، تحتوى على الزنك، والكادميوم، والرصاص، ومادة البروم، التي تسبب السرطان والعقم، بحسب «نور الدين».
تلك المخلفات أدت إلى تلوث المياه وانتشار «البكتيريا القولونية أو البرازية»، بنسب أكبر بكثير من النسب المسموح بها، فنسبة البكتريا في مياه الشرب تكون ٢٠٠٠ خلية، و٥٠٠٠ خلية جراء استخدامها للري، ولكنها تزيد عن «المليون وحدة»، ما يؤدى للإصابة بأمراض الفشل الكلوى والكبدي، كما أن نسبة موت الأطفال دون الخمس سنوات أكثر من ٣ إلى ٥ أضعاف النسبة العالمية.
أما الدكتور محمد كامل، الأستاذ بالمركز القومى للبحوث وتنقية مياه الشرب، فيرى أن سلوكيات الفلاحين تحتاج إلى تعديل وتطوير، لأنهم يلقون كل قمامتهم في المياه، ما يتسبب في تلوثها، مشيرًا إلى أن هناك أمراضا مستوطنة تنتشر في وسط الدلتا بسبب السلوكيات الخاطئة، مثل: التيفويد، والفشل الكلوي، والفشل الكبدي.
الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى تستخدم فلاتر ومرشحات وتغيرها كل عامين، لكن هذا لا يكفى، لأن شبكة مياه الشرب والمواسير المستخدمة في توصيل المياه إلى المنازل متهالكة بعض الشيء، وتحتاج إلى تغيير وتركيبات أخرى جديدة لوجود بعض الريم المتجمع في المواسير، أو الأتربة، فضلًا عن أن مواسير المياه تسير بمحاذاة مواسير الصرف الصحى ما يتسبب في حدوث تسريبات ونشوع، بحسب «كامل».
من النسخة الورقية