مدينة الأقصر تبدو لمن يزورها للمرة الأولى
أنها فقدت كل عاداتها وتقاليدها الأصيلة وأن كثرة اختلاط أهلها بالسائحين من جميع أنحاء
العالم، جعلهم يتخلون عن تلك العادات، خاصة أن معظمهم يتقن عددا من اللغات بحكم التعامل
الدائم مع جنسيات مختلفة.
إلا أن أهل الأقصر حافظوا على تراثهم الأصيل
وتقاليدهم التي كانت دائما حاكمة لهم، فكما كانت المعابد سببا في جذب السائحين إلى
المدينة، فإنها أحاطت المدينة وأهلها بخصوصية لا تحظى بها كثير من المدن المصرية.
وتزخر مدينة الأقصر، بعدد من العائلات
الكبرى التي تنتمي إلى أصول سامية، والتي تنتمي بعض قبائلها إلى سلالات مصرية قديمة،
وبعضها يرجع إلى سلالات عربية وفدت من شبه الجزيرة العربية، خاصة أيام الفتح الإسلامي
واستمر تدفقها إلى مصر طوال القرون الماضية.
ولا يزال أهالي الأقصر يتمسكون بالنظام
القبلي الذي يحترم كبار السن من ذوي النسب وأصحاب العقول الراجحة، والأخلاق الحسنة
والسمعة الطيبة والذين يؤخذ برأيهم في حل المشكلات وفي فض المنازعات ورد الحقوق لأصحابها.
كما يتميزون بالولاء والانتماء لعائلاتهم
وبوقوفهم بجانب بعضهم في أوقات الشدائد وفي الأفراح، كما تبقي بعض القرى والمراكز متمسكة
بمنهج العائلة والقبيلة والأعراق والأنساب وتختلف عادات وتقاليد الأقصر من قرية إلى
قرية فكما يوجد بعض القري التي تتمسك بنظام شيخ القرية والعمدة توجد أيضا بعض القرى
التي انتهى بها عصر شيخ البلد أو العمدة وأصبح دوره مقتصرًا فقط على تواجده داخل قسم
الشرطة ليؤدي دوره شأنه شأن أي موظف عادي وما بين قرية وقرية عادات وتقاليد وتحزبات
وقبليات.
ومن أشهر القبائل التي سكنت الأقصر خاصة
الكرنك والمنشأة والعوامية قبائل "الفهدية" وهي قبيلة عربية ترجع في أصولها
إلى فهد بن جبل القرشي الهاشمي الذي يمتد في نسبه إلى العباس بن عبد المطلب، كما سكنت
الأقصر ونجوعها قبائل أخرى عديدة وفدت من مكة واليمن والعراق وتركيا والأندلس إضافة
إلى الأقباط الذين عاشوا بها، فضلا عن وجود ذريات وسلالات يرجع نسبها إلى الفراعنة
واليونان والرومان.
البداية كانت من مدينة الزينية التي تقع
شمال الأقصر، والتي تعد إحدي المدن المثيرة للجدل بسبب العصبيات والقبليات الزائدة
عن الحد التي تصل في بعض الأحيان إلى درجة القتال والمعارك كما حدث بين عائلتي القرينات
والمحاريق وكثيرًا ما دارت معارك راح ضحيتها شباب بسبب التعصب الأعمى.
ويعد السيد الادريسي من أكثر المرشحين
فوزا بمنصب عضو مجلس الشعب حيث فاز لمدة أربع دورات بالمقعد ثم دخل رضوان أبو قرين
تدعمه عائلته وبعض عائلات الزينية ليصبح عضوًا لمدة شهرين في دورة تكميلية لمجلس الشعب
تلاه يحيى شعلان ابن مدينة الزينية وصاحب العلاقات الوطيدة بعائلاتها ليحتل الكرسي
ثم يخرج من المجلس بقضية تزوير تأشيرات الحج.
وتعتبر عائلة "الزمبيلي " والتي
تتمركز في مدينة الزينية إحدى أشهر العائلات بالأقصر، حيث استقروا منذ أكثر منذ قرن
من الزمان بصعيد مصر بقرية الزينية بحري بعد نزوحها من شبه الجزيرة العربية وتولى كبيرهم
إبراهيم الزمبيلي العمودية آنذاك وتعتبر هذه العائلة هي العائلة الوحيدة بقرية الزينية
التي التزمت بالمصالحة ولم تدخل بصراعات دموية أو قبلية على الرغم من انتشار العصبية
القبيلة وحوادث الثأر كما أن العائلة قد وجهت كل كيانها الفكري إلى العلم ونأت بنفسها
عن عادات خاطئة من تلك التي تتنشر بالقرية.
ثم تنتقل العضوية من الزينية إلى المنشآة
وذلك بعد سنوات من استحواذ مدينة الزينية على مقعدي مجلس الشعب بالأقصر بسبب حشد العائلات
وأهالي الزينية للدفاع بكل ما هو غالي ونفيس للحصول على المنصب وعدم خروجه من مدينة
الزينية ومما ساعد على ذلك التربيطات والتكتلات الحزبية والقبلية.
وتعد عائلة " العماري " من أكبر
عائلات الأقصر حيث ينتشرون في منطقة الكرنك ومنشأة العماري التي سميت باسم جدهم، حيث
نزح " العماري " من شبة الجزيرة العربية إلى مصر مع سيدي عبد الرحيم القنائي
،واستقر القنائي في قنا واستقر " العماري بالأقصر، ومن مشاهير العائلة، الطاهر
خليل العماري، عضو بمجلس النواب عن حزب الوفد، وعبد الحق بحر العماري، عضو بمجلس النواب،
والدكتور محمد أبو المجد خليل العماري عضو بمجلس الشعب 2005 وغيرهم.
أما في مدينة إسنا جنوب الأقصر، فهذه المدينة
تحكمها العائلات وليس القانون أو الدولة فهناك البندر وبه آل حزين ومنهم العضو السابق
طاهر حزين والبتايتة وآل مجاهد ومنهم خالد فراج مجاهد عضو الشورى السابق ويوجد عائلات
أخرى كآل راجح وعائلة المساعيد والسلمانية بالمطاعنة التي تضم التراكي والسلامات والحواسر
والجوادلة والحسيرات والنواجي والدفش والخلفلات وغيرها من العائلات صاحبة النفوذ والتحكم
داخل إسنا التي تحكمها التحالفات القوية والعصبية المعروفة بها.
وتتميز إسنا بالفصل بين الأمور السياسية
والعلاقات الاجتماعية بالرغم من التناحر السياسي بين عائلاتها إلا أن أواصر المحبة
لا تنقطع بين العائلات بسبب خلاف سياسي وعندما تنتهي الانتخابات يزول معها كل خلاف،
كما أن إسنا تعتمد على المجالس العرفية في حل النزاعات ويحتكم إلى كبير العائلة ويعد
حكمه نافذا وتتسع صلاحياته لتمتد إلى حل المشاكل والقضايا التي قد تصل إلى القضاء كما
يوجد ما يسمي ب "حق العرب" في حالة عدم تنفيذ الحكم.
وفي أرمنت، فأن الوضع يختلف تماما حيث
توجد أرمنت الوابورات وأرمنت الحيط وكل بلدة لها عائلاتها وعاداتها وأبرز العائلات
بأرمنت الوابورات عائلة الرشايدة والمواضي والخلفاء والزعايمة وهم الأكبر من حيث العدد
والجذور.
وكانت أرمنت قبل انضمامها إلى الأقصر من
المدن الهادئة في انتخابات مجلس الشعب السابقة حيث كان المقعدان يتراوح بين أشخاص ذوي
عائلات وذات قوة عددية، فالعضو السابق عبدالله القريفاني كانت المريس بكل عائلاتها
تسانده والعضو السابق على الباسل ابن عائلة الزناتات بالضبعية وبهجت الصن صاحب الشعبية
الكبيرة بارمنت الحيط والنوبي وفتحي ومحمد عبد العليم الضبعاوي عضو الشورى السابق وغيرهم
من الأعضاء الذين كان قوة نفوذهم وعائلاتهم الكبيرة والتعصبات القبلية المتمثلة في
"الفوز بالكرسي" أو كما كان يسمي مقعد البرلمان باسم الشخص نفسه، من أهم
أسباب فوزهم في مجلسي الشعب والشوري.
وبعد انضمام ارمنت إلى الأقصر اشتعلت المعركة
الانتخابية بسبب تغيير الدوائر الانتخابية ودارت المعركة الشهيرة بين بهجت الصن الذي
اعتمد على العائلات الضخمة وانتمائه للحزب الوطني وضياء رشوان الذي أطلق على نفسه مرشح
التغيير.
وإذا نظرنا إلى التربيطات والتدابير الانتخابية
بين عائلات الأقصر نجد أن عائلة الشلالين والتماسيح وأبو عصبة والنجع الطويل وبدران
والسيالة وبعض العائلات الأخري بالكرنك تتقارب كثيرا مع عائلات العماري وعطيتو والديابات
بالمنشآة وبينهم أنساب واختلاطات وكذلك الأشراف الادارسة والطرابيش والقرينات وآل الزمبيلي
بالزينية ونجوع الحبيل والخولة والشيبانية وبقية العائلات بالبياضية وكذلك العوامية
وقري المدامود والعشي مرورًا بحجازة تتشابه بينهم العادات والتقاليد إلى حد كبير في
إقامة الأفراح وسرادق العزاء والدواوين والاحتفالات والموالد وتعد أوجه الخلاف في العادات
والتقاليد بسيطة جدا إلا أنهم يجمعون بين صفة مشتركة وهي العصبية القبلية خاصة في انتخابات
مجلس الشعب الذي يمثل للجميع الوقار والهيبة لعائلته والتباهي بحصول عائلته على المنصب.
ولا نستطيع أن نذكر عائلات الأقصر ونغفل
عائلة الحجاجية، حيث تعد عائلة " الحجاجية " أحفاد القطب الصوفى العارف بالله
أبو الحجاج الأقصري، هي أكبر وأقدم عائلات الصعيد عامة والأقصر خاصة، ويرجع نسلهم إلى
العارف بالله أبو الحجاج الأقصري، الذين حضر واستقر في الأقصر علاوة على مريديه الذين
استقروا معه غرب وشرق الأقصر بالكرنك والزينية والمطاعنة وإسنا والضبعية والمريس والبعيرات
وجميع قرى الأقصر، وتختلف هذه العائلة عن باقى العائلات العربية الأخرى في صعيد مصر
حيث يقوم أبناء عائلة الحجاجية بتزويج بناتهم إلى جميع العائلات فلا توجد عائلة بالأقصر،
مهما كانت كبيرة أو صغيرة إلا وتوجد بها فتاة أو شاب ينتسب إلى عائلة الحجاجية، كما
أنهم قاموا ببناء أكبر وأقدم مسجد آثري في صعيد مصر وهو مسجد أبو الحجاج الأقصري، كما
تقيم مدينة الأقصر احتفالا سنويا بذكرى ميلاد أبو الحجاج الأقصرى تستقبل فيه ما يقرب
من مليون ونصف زائر من كل محافظات وقرى مصر للاحتفال بالليلة الختامية لمولد العارف
بالله أبو الحجاج الأقصرى حيث تظل بيوت الأقصريين مفتوحه في هذه الليلة حتى الصباح
لاستقبال الغرباء وتوفير وجبة العشاء لهم أما سيدات كل شارع على حده في منطقة الأقصر
القديمة.
وبالرغم من وجود كل تلك العائلات إلى أن
خبراء التراث يؤكدون على أن بندر الأقصر طغت عليه الثقافة الغربية إلى حد كبير خاصة
في الملبس والمأكل والتعامل حيث توجد بعض الفئات التي تقلد الغرب وساعدهم على ذلك انتشار
الثقافة الأوربية الواردة من أوربا ودول الغرب مع الوفود السياحية ولكن تظل العادات
والتقاليد في عدد كبير من القرى.