الجمعة 01 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أربعة عقود داخل طب المنصورة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ذكريات طب المنصورة لا تنتهي، فمنذ التحاقي بطب المنصورة في أكتوبر سنة ١٩٨٢، لم يمر يوم واحد، وعلى مدار أكثر من ٤١ سنة، إلا وكان لطب المنصورة ذكرى أو موقف أو تجربة. مرت السنوات بسرعه، وها أنا أصل إلى سن التقاعد بعد أسابيع قليلة. بصوت اعرفه، تلقيت إتصالًا من موظفة قسم المعاشات والتأمينات بطب المنصورة، تطلب التوجه للقسم لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحويل الصفة من أستاذ عامل إلى أستاذ فوق السن (المعاش). ما إن انتهى الاتصال، حتى وجدتني أتذكر رحلتي في طب المنصورة، منذ أن كنت شابًا قرويًا، من الطبقة المتوسطه، وهو يحمل حقيبته ويودع أسرته بابتسامه وفخر، ليسافر الى المنصورة للالتحاق بطب المنصورة. لم أكن أحلم طوال طفولتي بأي شيء سوى التحاقي بطب المنصورة. كان خالي الدكتور يحيى فراج (رحمه الله)، هو القدوه والمثل الأعلى بالنسبة لي، وكان كل أملي منذ ان كنت طفلًا أن أكون طبيبًا مثل خالي. تركت القرية الهادئة آلة المنصورة المتوهجة، لأسكن مع أختي الكبري لحين الالتحاق بالمدينة الجامعية، والتي سكنت فيها طوال سنوات الدراسة.

أول يوم دراسة، ذهبت إلى الكلية، وسألت عن مدرج سنة أولى، قالوا لقاء عميد الكلية د. محمد الشبراوي علي (رحمه الله) الساعه ١٠ في مدرج حندوسة. جاء العميد ومعه إدارة الكلية للترحيب بالطلاب الجدد، وكنا أقل من ٣٠٠ طالب وطالبة. كانت كلمات العميد تهز اعماقي  وتلهب أفكاري. قال "أهلًا بكم في طب المنصورة، كليتنا اليوم عمرها ٢٠ عامًا، حيث بدأت الدراسة بالكلية سنة ١٩٦٢، ترتيبنا الخامس في مصر، وسبقتنا كليات طب القاهرة والإسكندرية وعين شمس وأسيوط، وبدأنا مع طب طنطا في نفس القرار سنة ١٩٦٢. نعتز بكم ونتمني لكم كل التوفيق، وكما استلمنا الكلية من الأستاذة المؤسسين لطب المنصورة، فسوف نسلمها لكم لكي تسلموها الى الأجيال القادمة."

هذه الكلمات الرصينة، ما زلت أتذكرها كأنها قيلت بالأمس. وسنة بعد سنة كنت أعيش داخل جدران كلية الطب ومستشفيات جامعة المنصورة، بشغف وحب واستمتاع، ولم أتغيب يومًا واحدًا عن الذهاب للكلية. كل ثقافتي وانتمائي الوطني تعلمته من أساتذة طب المنصورة، ومن الندوات الثقافية التي كانت تنظمها طب المنصورة كل يوم اثنين الساعة الثامنة مساءً. كانت حوارات ومناقشات وزيارات نجوم الأدب والفكر والثقافة والأحزاب والفن تشبع رغباتنا وتُوسع مداركنا وكنا في بداية حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وكان هناك انفتاح على كل التيارات داخل المجتمع المصري. 

تعرفت علي شخصيات عامة كثيرة من مدرجات طب المنصورة، وكان إعجابي الشخصي بالدكتور محمد غنيم، وبمركز أمراض الكلى والمسالك البولية لا يُوصف، ولم أترك ندوة مسائية واحدة إلا وشاركت فيها. كنت طالبًا مجتهدًا، أعشق الكلية، لا يمر يوم واحد دون حضور ساعات الكلية، ثم العودة إلى المدينة الجامعية الملاصقة للكلية، ومذاكرة الدروس وتدوينها ليلًا، ولساعات طويلة قد تزيد على ٨ ساعات يوميًا.

حصلت علي تقدير عام ممتاز طوال سنوات الدراسة الست، وكنت من أوائل دفعتي. ثم قضيت سنة الامتياز في مستشفيات جامعة المنصورة، وبعد الخدمة العسكرية، بدأت التدريب كطبيب مقيم في قسم النساء والتوليد لمدة ٣ سنوات، حصلت خلالها على الماجستير بتقدير عام ممتاز. ثم استلمت عملي كمعيد في نفس القسم الى ان تم ترشيحي إلى بعثة خارجية للحصول علي الدكتوراه من المملكة المتحدة سنة ١٩٩٧. طوال الأعوام من ١٩٨٢ وحتي ١٩٩٧، لم أتغيب عن طب المنصوره، وحتى عندما بدأت رحلة الدراسات العليا في إنجلترا، فقد حملت طب المنصورة معي إلى هناك. قضيت سنوات البعثة وحصلت على الدكتوراه من جامعة مانشستر في ٤ سنوات، وزمالة الكلية الملكية للنساء والتوليد في لندن في سنتين. ثم عُدت إلى طب المنصورة مرة أخرى سنة ٢٠٠٣. عملت مدرسًا ٥ سنوات، ثم أستاذًا مساعدًا ٥ سنوات،  ثم أستاذًا منذ العام ٢٠١٣. عملت مديرا لبرنامج المنصورة مانشستر للتعليم الطبي بين أعوام ٢٠٠٦، ٢٠١٥. وعينت عميدا لطب المنصورة بين أعوام ٢٠١٥، ٢٠١٩. عشت مع أساتذتي وزملائي وطلابي ومرضي المستشفيات الجامعية في طب المنصورة وتعلمت منهم كل خبراتي. تذكرت كل هذه الرحلة في لحظات، وتمنيت لو أطال الله في عمري، أن أقضي كل ما تبقى داخل جدران طب المنصورة ومستشفياتها الجامعية، والتي أكن لها كل الحب والتقدير وأفتخر دائما أني خريج طب المنصورة.

*رئيس جامعة حورس