الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

عادل الضوى يكتب: "المصطفون".. المبدع المؤسسة مصطفي بيومي يستحق التكريم والتقدير لا شك.. كتاباته امتازت بلغة رصينة سلسة وعذبة بلا تكلف أو تنطع

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

  • الدافع الرئيس لقدرة ورغبة مصطفى على الكتابة هو "أنسنة العالم"
  • لديه انحياز واعٍ للمعايير والقيم التي تعلي من قيمة الإنسان وآدميته
  • القاسم المشترك فيما كتب "المصطفون" جملة من السمات والخصائص
  • دقة ورصانة وتجرد في تناول وتحليل الأحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية

 

تسعى صفحات هذا العدد الخاص من "البوابة" لتقديم رسائل تقدير وعرفان ومحبة، وهي مبادرة محمودة وواجبة، للكاتب المبدع مصطفى بيومي، بأقلام بعض منها تعرف الرجل عن قرب، كأصدقاء ورفاق مشوار، والبعض كنقاد أهل تخصص، والبعض كقراء، والبعض كتلاميذ وأبناء، تتلمذوا – بالمعنى التام للكلمة – على يديه، وتحلقوا حول عاموده، مثلما كان طلاب العلم يتحلقون حول شيخهم ومعلمهم حول عاموده في الجامع الأزهر.

يأتي القاصدون منزل مصطفى في المنيا، أو مكتبه في الجامعة، أو في "البوابة".. يلتفون حوله، وهو لا يبخل بوقته، أو رأيه، أو نصيحته، يفعل ذلك بسماحة النفس، وحسن الإنصات، وطول البال، وبراعة التوجيه والتصويب.

أحب مصطفى وأدرك أهمية هذا الدور وتلك المسئولية، دور المعلم والموجه والدليل، مسئولية "المثقف" وواجبه تجاه مجتمعه.

مصطفي المعلم.. هو أول "مصطفى" قصدت التوقف أمامه من "المصطفون".. أولئك الساكنون المحتشدون في شخص واحد اسمه "مصطفى بيومي".. ترى هل توافقني قواعد اللغة على جمع الاسم العلم "مصطفى" بهكذا جمع؟

ونتوقف أمام مصطفى الثاني.. مصطفى الشاعر الذي احتفى به والد الشعراء فؤاد حداد، ونشر له قصيدة على صفحتين في مجلة "روزاليوسف" عام 1976، وكان دون الثامنة عشرة من عمره. وعلى طول مسيرته الإبداعية، كتب مصطفى عددًا محدودًا من القصائد، ضمها ديوانه الوحيد "بكائية القلب الأخضر"، كتبها في المرحلة العمرية من السابعة عشرة وحتى منتصف عشرينياته.

هل يعني ذلك أنه غادر عالم الشعر والشعراء؟ أقول بثقة: لا.. يكفيك أن تراه وتسمعه سابحًا في عالم الشاعر العربي العباسي "الشريف الرضي"، أقرب الشعراء القدامى لقلب مصطفى، أو وهو يحدثك بشجن نبيل عن عالم صلاح عبد الصبور، ويعليه على رفاق مسيرته الشعرية.. أذكر كنا (عبدالرحيم وأنا) أقرب وأكثر تواصلًا مع شعر أحمد عبد المعطي حجازي، وأزيدك ليس بيتا من الشعر، بل "مئة بيت من الشعر العربي القديم" عنوان الكتاب الذي صدر لمصطفي عام2020، لتكتشف "متانة" علاقته بالشعر، ولتشهد لمهارة ورقي ذائقته الشعرية المبدعة.

وهنا يبرز السؤال: لماذا كف مصطفى عن مواصلة "قرض" الشعر؟، وهو المالك بتمكن ودراية بأدوات ومهارات كتابة الشعر، قديمه وحديثه (عروضه وأوزانه وبحوره الخليلية، وصوره وموسيقاه الداخلية)؟، والرأي عندي عن هذا السؤال يذهب إلى أن الرجل تكشف له أنه يعايش ويواجه "كونًا خلا من الوسامة"، فرأى أن يهيئ قلمه وكلمته لمواجهة مباشرة وحادة مع عالم "قاسٍ وموحش" ورديء في الكثير من قيمه ومعاييره وسلوكه ومسالكه - عالم لايصح أن نكتفى بتفسيره وهجائه.

بل علينا أن نسعى لتغييره، وعندها ربما أيقن أن حال الشاعر وحيله وأدواته، تبدو كسلاح "خفيف"، لن يسعفه في معارك المواجهة الفكرية والإبداعية، التي عقد العزم على خوضها، لهدم جدار الخوف وأقانيم الجمود والتخلف، واقتلاع أشواك الكراهية والغطرسة وزيف الرايات المخادعة.. إنه "واقع" شديد الواقعية لن يجد معه نفعًا خطاب المجاز وتهاويم الصور.

عندها قرر رجل اسمه مصطفى بيومي أن يطلق "المصطفون" المحتشدون في عقله وقلبه وقلمه، وعلى مدار ما يقارب الأربعة عقود انطلق مصطفى المؤرخ المدقق الموضوعي،  وصاحب الكتابات التاريخية المغايرة، حول القضايا والأحداث والشخوص "الرموز" التي مثلت "إشكالية" في تناولها، في كثير من الدراسات (حيث تغليب رؤية أحادية، أو إسقاط خلفية أيديولوجية في تقييم الحدث، أو الشخص) وكمثال لكتابة ورؤية مصطفى المفارقة والمختلفة عن الكثير من الكتابات التاريخية  السائدة، تناوله  لثورة 1919، شخصية سعد زغلول، محمد محمود، النحاس، الملك فاروق، جمال عبد الناصر.

ومصطفى الناقد الأدبي والفني، والذي يقدم في قراءته النقدية نصًا إبداعيًا موازيًا ومتفاعلًا مع النص الذي يتناوله. 

ومصطفي القاص والروائي البارع في تقديم رواية تعرض لإشكاليات وقضايا سياسية واجتماعية شائكة أو مسكوت عنها، دون الوقوع في براثن الوعظ الديني أو الأخلاقي، أو رطانة "ديماجوجية الساسة"، ودون تحميل/ استنطاق أبطالها وشخوصها الحديث أو التفكير أو التصرف، بالمخالفة لسياقات ومعايير البناء الفني للشخصية، نحن أمام مؤلف يحترم بنية شخوص عمله الإبداعي، ويترك لهم حرية اختيار قناعاتهم وسلوكهم ومصائرهم.

ومصطفي الكاتب السياسي المحلل للظواهر الاجتماعية، والباحث الراصد لتيارات الإسلام السياسي وجماعات الإرهاب، لا يخفي انحيازه ورؤاه مع علمه المسبق أنها قد تسبب له المتاعب، أو تناله بسببها حملات عداوة وسهام سخط وتجريح، كموقفه من التجربة الناصرية وشخص عبد الناصر، وكذا موقفه من التيارات الإرهابية المتسترة بشعارات دينية.. ونال الرجل الكثير من سهام دراويش الناصرية ودراويش الجمود والسلفية الوهابية.

انطلق كل هؤلاء "المصطفون" فملأوا فضاء العقول بالأسئلة الكاشفة وساحات القلوب بالأوجاع الطيبة.. كشفوا خواءنا وتهافتنا.. قسوا علينا ليستنهضوا الإنسان فينا.. وأدار مصطفى بيومي باتقان ودأب كتيبة "المصطفون"، بل يمكننا القول بكل موضوعية أن مؤسسة "المصطفون" الثقافية، تتجاوز وتتفوق بمنتجها الفكري والإبداعي - كما ونوعا- مؤسسات وهيئات، حكومية وأهلية، لن نسميها، لكننا على ثقة من فطنة القارئ وقدرته على إدراك مقصدنا. 

وكان القاسم المشترك في كل ما كتب "المصطفون"، جملة من السمات والخصائص، يمكن رصدها وبلورتها في النقاط التالية:

أولها: رؤية عقلانية، تتكىء علي منهج التفسير الاجتماعي في تناول تاريخ المجتمعات والأفراد، دون أن يعني ذلك الوقوع  في فخ النمطية، أو القولبة، أو الأدلجة الفجة، أو مفاهيم الحتمية التاريخية الممسوخة.

ثانيها: انحياز واعٍ للمعايير والقيم التي تعلي من قيمة الإنسان وآدميته، وتضمن وتحترم حقوقه وحريته، القيم التي لاتقبل التمييز بين الناس على أساس الدين أو الجنس أو العرق.

ثالثها: دقة ورصانة وتجرد في تناول وتحليل الوقائع والأحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية، مع الالتزام الشديد بالموضوعية، والاعتماد على مراجع ومصادر معتبرة، ومحل ثقة واحترام.. (أزعم - كقارئ- أن هناك مؤلفات لمصطفى بيومي، بمثابة رسائل علمية محكمة، لو تقدم بها لنيل درجة الدكتوراة، لحصل عليها بجدارة، أذكر على سبيل الاستدلال كتابه "اليهود في الرواية المصرية– الاندماج والقطيعة"   وكتاب "الحلم والكابوس – عبد الناصر في الرواية المصرية").

رابعها: تلازم مع رصانة الأفكار وتمييز الإبداع، لغة رصينة، سلسة، عذبة، لا تكلف أو تنطع فيها. وإن كان مصطفى قد كف أن يكون شاعرًا، فإنه ماكف – في كل كتاباته على تنوعها الإبداعي والبحثي – عن الكتابة الشاعرية.

إن الدافع الرئيس، والحافز المحرك والملهم لقدرة ورغبة مصطفى على الكتابة، والشعار الناظم لمجمل مشروع مصطفي الإبداعي والبحثي هو: "أنسنة العالم، وجعله صالحا للحياة، أوعلى الأقل  لائقا للموت".

أتوقف في الختام  عند أهم "المصطفون" وأحسبه أولهم:  مصطفى بيومي الإنسان.. لا أعتقد أن ماوراء تقديم المئة عنوان للمكتبة العربية، يعود للثراء المعرفي ورجاحة العقل وفقط.. الأهم الثراء والرحابة والوسامة الإنسانية، التي شكلت وجدان وعقل مصطفى بيومي.

وتأتي مبادرة صديقنا وشريك رحلتنا وتجاربنا عبد الرحيم علي لإقامة احتفالية التكريم والوفاء لرحلة عطاء ممتدة.. لأربعين عامًا من الإبداع المتنوع المتفرد للمبدع مصطفى بيومي، لتؤكد ما أكد على جدارته وأهليته وأحقيته للتقدير والإشادة كل من شارك في حفل التكريم مساء السبت الماضي، من نقاد وأكاديميين ومتابعين وقراء وتلاميذ.. مصطفي بيومي يستحق التكريم والتقدير..لاشك.. هذا "عين العقل" و"عين الصواب" و"عين الواجب".. تكريم أسرة "البوابة" لمصطفى بيومي باقة ورد ورسالة امتنان، وما أجمل أن يكرم المرء في داره، وبين أهله وأصدقائه وأولاده.

ويا مصطفي الصديق ورفيق الأيام.. ما أجملك بيننا وما أسعدنا وفخرنا بك مبدعًا ومعلمًا وصديقًا وأخًا وأبًا وجدا أيضًا.