مكثت السيدة العذراء وابنها النبي الطفل، خلال رحلة العائلة المقدسة التي تشرفت بها أرض مصر، في مغارة تقع قرب منطقة "حصن بابليون" - في حي مصر القديمة حاليا - قبل استكمال طريقهم إلى الصعيد.
بعد عقود، أقيمت في هذا الموضع كنيسة عُرفت باسم "كنيسة أبو سرجة" والتي تحوّلت إلى واحدة من أهم مقاصد السياحة الدينية والثقافية في مصر، إذ مكثت العائلة فيها مرتين، قدومًا ورجوعًا.
وكانت أقدم المخطوطات التي ذكرت وجود العائلة المقدسة في هذا المكان ترجع إلى القرن الثاني عشر.
وقد ذكر المؤرخون أنه كثيراً ما كان يجتمع في كنيسة أبى سرجه الأساقفة والأراخنة لانتخاب البطريرك في العهود القديمة؛ وقد استمر ذلك حتى أوائل القرن 12 الميلادي، حيث أنتخب فيها البطريرك الأنبا مكاريوس الثاني في عام 1102م.
وأصبحت المغارة - التي تنخفض عن سطح الكنيسة بما لا يقل عن 6 أمتار - محط الاهتمام الأكبر، لأنها الموضع الذي أقامت فيه السيدة العذراء والسيد المسيح؛ حتى أن البعض كان يطلق عليها أحياناً "كنيسة المغارة".
وتنقسم المغارة إلى ثلاثة فراغات، تفصل بينها أعمدة حجرية؛ كما يميز هذه الكنيسة بئر ماء قديمة شرب منها المسيح، والتي يوجد على فتحتها حالياً بابٌ زجاجي يمكن للزوار النظر من خلاله إلى البئر.
وأنشئت الكنيسة فوق أطلال قلعة رومانية قديمةيعتقد بعض العلماء أنها تعود إلى أواخر القرن الرابع أو أوائل القرن الخامس الميلادي، بينما يرى آخرون أنها تعود إلى القرن السابع الميلادي، وهي - كسائر الكنائس المبكرة في مصر- يتبع تخطيطها التخطيط البازيليكي، وهو طراز فجر المسيحية في روما، وكان على منهج عمارة البازيليكا الرومانية، وتميز بوجود صحن وأربعة أجنحة مع وجود جانبين، البحريوالقبلي، مكونا شكل الصليب اللاتيني.
وتتكون كنيسة أبو سرجة من البازيليكا المميزة للقرنين السابع والثامن الميلادي، حيث تضم صحن وجناحين جانبيين، ولها مدخل في الجدار الغربي، وثلاثة هياكل تقع في الجهة الشرقية؛ بينما تقع مغارتها الشهيرة تحت الأرض، وتخطيطها مستطيل، حيث يبلغ طولها 27 متراً وعرضها 17 متراً، في حين يبلغ ارتفاعها نحو 15 متراً.
ويقع المدخل الرئيس للكنسية في الناحية الشمالية الغربية، لكنه - وكذلك المداخل الثانوية - غير مستخدم، بينما المدخل المستخدم حالياً يقع في نهاية الحائط الغربي.
تتميز الكنيسة بعناصرها المعمارية والفنية الفريدة، التي تعكس روح العمارة القبطية في مصر، كالأنبل، ومغطس التعميد، والأحجبة الخشبية المطعّمة بالعاج؛ بالإضافة إلى المناظر الدينية التي تمثل القديسين والأيقونات على مختلف القباب والجدران والأعمدة.
كما تضم قطع فنية قبطية ذات قيمة تاريخية كبيرة، مثل الأيقونات القبطية الشهيرة التي تزين جدران الكنائس عادة، وتحمل صوراً للسيد المسيح والعذراء والقديسين، ومذبح خشبي قديم من خشب الجوز - معروض الآن في المتحف القبطي بمصر القديمة - كما يضم حجاب الهيكل الأوسط الخشبي أيقونات يرجع تاريخها إلى القرن الثالث عشر الميلادي بها صور القديسين وقصص من الإنجيل المقدس؛ والحجابين الجانبيين اللذان يرجع تاريخهما إلى عام 1738م، ومعظم الأيقونات ترجع إلى القرن الثامن عشر، وأهمها أيقونة أثرية تمثل وصول العائلة المقدسة إلى أرض مصر، ويرجع تاريخها إلى القرن التاسع الميلادي.
كما تحتوي المغارة على ماعونًا حجريًا استخدمته العذراء في العجين أو تسبيح طفلها المسيح، حسب الروايات المتداولة، ويوضع بالقرب من أيقونة أثرية داخل المغارة المحاطة بحاجز خشبي من الخارج للحفاظ على عدم المساس بهما. أيضا، يوجد بمدخل الكنيسة معصرة للعنب مصنوعة من الخشب موضوعة فيصندوق زجاجي، استخدمها فيالماضي رجال الكنيسة لإعداد عصير العنب المستخدم في التناول وطقوس الصلوات القبطية.