مازالت الأزمة الأوكرانية والتدخل الروسي في جزيرة القرم محط أنظار العالم خصوصا بعد المعارك الدائرة بين الروس والأوكرانيين، خصوصا مسلمي القرم الذين خرجوا في احتجاجات على الوجود الروسي بجزيرتهم بل قاموا باشتباكات مع الجيش الروسي المتواجد على أراضيهم.
ولعل الخلفية التاريخية هي ما دفعهم لذلك، ولذا كانت مقولة "الأضعف يدفع الثمن وحده" هكذا تؤكد كل قواعد الاستراتيجيات، فالعنصر الأضعف هو من يتكبد عناء الخسارة وهو الذي تكون كل التسويات على حسابه، لاسيما في معركة يتصارع فيها طرفا نزاع كبار، هكذا هو مستقبل مسلمي القرم، الذين يبلغ تعدادهم في شبة جزيرة القرم، وفقا لإحصائيات السكان الأوكرانية الأخيرة 12%.
عندما ترددت الأنباء بأن الرئيس الأوكراني هرب إلى إقليم القرم أحد معاقل الروس في أوكرانيا، الذي يمثل الروس فيه أكبر كتلة سكانية يليهم الاوكرانيون ثم مسلمون التتار، توالت أخبار أن هناك محاولات لضم الاقليم لروسيا.
حيث ظهرت قوات مظلية روسية مسلحة ترتدي ملابس مدنية بالسيطرة على مبني البرلمان والحكومة القرم في مدينة سيمفروبول (عاصمة الإقليم) بطرد الحراس ورفع الإعلام الروسية تمهيدا لانفصال الإقليم عن أوكرانيا، وقام أكثر من 10الاف تتري بالاحتجاج أمام البرلمان في الجزيرة لمنعه من عقد جلسته الاستثنائية، أمس الأربعاء، ودخلوا في مواجهة مع المؤيّدين للروس، وتحوّلَت المواجهة لعنف قتل فيها شخص واحد.
وفي مشهد آخر أوضح فيديو نشرته وكالة "أوكرانيا برس" مسلمي شبة الجزيرة يقومون بتوزيع الطعام على الجنود الأوكرانيين المحاصرين داخل قواعدهم بـ"القرم" متعاطفين معهم ورافضين تواجد القوات الروسية بالإقليم.
يبدو أن مسلمي القرم بأوكرانيا لن ينسوا حملات التطهير العرقي على يد الاحتلال الروسي في عهد الاتحاد السوفيتي السابق، ما أدى لتقلص عددهم حتى أصبحوا خمس سكان القرم بعد أن كانوا يحكمون تلك الجزيرة في عهد الدولة العثمانية.
رفض مسلمي القرم الانضمام لروسيا
تعود الأسباب لتاريخ طويل ممتلئة صفحاته بالدم والظلم والقهر، تعود لمجازر قامت بها روسيا في حق المسلمين، حيث عانوا منذ سبعة عقود من اضطهاد ونفي وقتل وتجويع روسي بعد أن كان التتار المسلمون في جزيرة القرم يحكمون موسكو باتوا في اضطهاد ديني وعرقي ونفي وقتل وتشرّد 90% منهم.
مسلمو القرم بالجنوب، ومسلمو الدنباس بالشرق الذين يبلغ عددهم نحو مليوني نسمة، يخشون الآن من أن تفضي الأحداث الجارية إلى وقوعهم تحت احتلال روسي، فهم لديهم خبرة طويلة معه؛ ربما تذكروا مجازر "جوزيف ستالين" الذي قام بطرد مسلمي القرم إلى آسيا الوسطى بحجة التّعاون مع النازية، وإعدام 3500 مسلم تتري وذلك عندما احتج المسلمون على إنشاء كيان يهودي في القرم عام 1928م، كما تكفل ستالين بتجنيد نحو 60 ألف تتري لمحاربة النازيين.
روسيا القيصرية مارست شتى ألوان القهر والتعذيب ضد شعب التتار، وصادرت أراضيهم ومنحتها لمواطنيها، وصادرت مساجدهم ومدارسهم، واضطر نحو مليون وعشرين ألفا منهم للفرار إلى تركيا، وقامت روسيا بتهجير الباقي إلى داخل المناطق الخاضعة لها وذلك تطبيقا لاقتراح الأمير الروسي منشكوف،
هذا السيناريو الذي تكرر في بلدان إسلامية كثيرة، منها دول وجمهوريات القوقاز على سبيل المثال يريد الكرملين تكراره اليوم بضم الإقليم إليها وكذا شرق أوكرانيا الذي يضم التتار.