عرف بأسلوبه في الأداء الإذاعي وفي ذروة شهرته طلبت الحكومة البريطانية من الرئيس جمال عبدالناصر عام 1965، رفع اسمه من قائمة الوفد المصري المسافر إلى لندن، بعد اعتراض مجلس العموم البريطاني عليه، بتهمة تحريضه على قتل الجنود البريطانيين في عدن ورفض الرئيس عبدالناصر الطلب البريطاني.
إنه الإذاعى الكبير أحمد سعيد الذى رحل عن عالمنا أمس الاثنين 4 يونيو 2018 عن عمر يناهز الـ92 عامًا.
ولد أحمد سعيد في 29 أغسطس 1925 بالقاهرة، وهو مذيع مصري اشتهر في حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، رأس إذاعة صوت العرب في عهد الرئيس عبدالناصر من سنة 1953 إلى 1967، واعتبرت من أهم الإذاعات العربية في تلك الحقبة.
عمل أحمد سعيد مذيعًا رئيسيًّا منذ انطلاق "برنامج صوت العرب" عبر إذاعة القاهرة، ثم مديرًا لإذاعة صوت العرب عند تأسيسها في 4 يوليو 1953. وعمل بها مدة 14 عامًا، حتى قدّم استقالته في سبتمبر 1967.
عمل فترة في مجلة "آخر ساعة"، "روز اليوسف"، و"الكواكب"، التحق بالإذاعة سكرتيرًا فنيًّا لمديرها، ثم تولّى إدارة برنامج العلاقات الخارجية عام 1950 ليس في مصر وحدها، بل على امتداد الوطن العربي كله.
سافر إلى منطقة القناة، واشترك في عمليات الفدائيين ضد القوات البريطانية في بورسعيد والإسماعيلية والسويس والتل الكبير، وسجل هذه العمليات الحربية وأذاعها في الراديو فكان لها أثر لدى الجماهير.
أدخل خلال فترة عمله بصوت العرب الكثير من التجديدات على أساليب الكتابة الإذاعية، والخرائط البرامجية، وأساليب العمل الإذاعي، كما استخدم الفكاهة في التعبير السياسي والسخرية في برنامجه الشهير "هذا عدوك" واستخدم السيمفونيات العالمية المعبرة عن كفاح الشعوب مثل "البولونيز" الشوبان.
من أعماله الإبداعية مسرحية "الشبعانين" عام 1966.
من أشهر برامجه في صوت العرب: "أكاذيب تكشف حقائق" بدأ عام 1959.
دعا عددًا كبيرًا من الفنانين العرب إلى زيارة مصر لأول مرة مثل: (فيروز والأخوان رحباني) لتسجيل ألحان عن فلسطين، كما أقنع عبدالحليم حافظ وكمال الطويل وأحمد شفيق كامل بالتعاون مع صوت العرب لتقديم صورة غنائية تحكي قصة الاستعمار من واقع تعليق كان قد أذاعه.
كما قام بتقديم الشاعر "نزار قباني" للموسيقار محمد عبدالوهاب، وكان التعاون بينهما فتحًا عظيمًا آنذاك.
كان أول من فكر في تقديم المسلسلات الوطنية بالإذاعة، مثل: "في بيتنا رجل" ليكون أول مسلسل وطني تقدمه إذاعة عربية.
وفي عام 1959 وضع الصياغة النهائية لكتابة القومية العربية، وفي عام 1965 اختاره مجلس الأمة المصري ليكون عضوًا في الوفد الذي يمثله باحتفالات بريطانيا بمناسبة مرور 700 عام على بدء الحياة الديمقراطية في الجزر البريطانية.
كتب برنامجًا لإذاعة عربية عن هجرة "نبي الإسلام" أوضح من خلاله فكرة سياسية، هي: "هكذا كان أجدادنا في الماضي، وهكذا يجب أن يكون العرب في المستقبل".
التقى الرئيس جمال عبدالناصر عشرات المرات، منها مرتان قبل الثورة، ولم يتحدث إليه، وكان أول لقاء معه بعد الثورة، قبل بصوت العرب سنة 1953، وكان عبدالناصر وقتها مدير مكتب اللواء محمد نجيب.
وهناك لقاء لا ينساه أحمد سعيد مع جمال عبدالناصر، استمر ثلاث ساعات متواصلة، وكان ذلك بعد واقعة إذاعة برنامج خطأ، أثار حفيظة بريطانيا؛ لأنه تحدَّث عن البترول العربي، الذي تسرقه بريطانيا من الخليج. وجاءت إذاعة هذا البرنامج في الوقت الذي بدأت فيه مصر تخفيف الحملة ضد بريطانيا، بعد توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954.
ويقول أحمد سعيد عن هذا اللقاء: والغريب أن عبدالناصر لم يتطرق إلى هذا الموضوع خلال اللقاء، لكن تحدَّث معه في الشئون العربية، والمطلوب من إذاعة صوت العرب. وعندما دخل عليهما المشير عبدالحكيم عامر، قال عبدالناصر لأحمد سعيد: صوت العرب جيش مثل جيش المشير عامر.
ويضيف أحمد سعيد: وعندما تطرقت إلى موضوع البرنامج الخطأ، الذي أثار حفيظة بريطانيا، وقلت أريد أن أبدى أسفي، قال لي عبدالناصر: وضع طبيعي أن تحدث أخطاء، لا تشغل بالك، المهم أن نسبة أخطائك تكون أقل بكثير من نسبة نجاحاتك.
وعندما اختارته إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة، سنة 1957 للعمل بها، استقال من إدارة صوت العرب، رغم استمراره معلقًا سياسيًّا. وأصدر الرئيس جمال عبدالناصر قرارًا بعودته للعمل، مديرًا لصوت العرب في يونيو 1959.
لم ينكر أنه، وهو مدير لإذاعة صوت العرب، حذر محمد فائق، وزير الإعلام، وسامي شرف، سكرتير الرئيس جمال عبدالناصر، من خطة إعلام ما قبل الحرب والهزيمة، التي تتحدث عن انتصار، وقال إن سامي شرف حسم الموقف بعبارة قائلا (أنت لست صانع سياسة).
ويقول سعيد: لا أبرئ نفسي مما حدث، ولكن ما دور الإذاعة؟ هل هي جزء منفصل من الدولة، يستطيع أن يقوم المسئول فيه بما يراه صحيحًا وما يشاء، أم هي جزء من نسيج متكامل؟. إسرائيل ضربت سلاح الطيران، واحتلت جزءًا من التراب المصري، لتكن هذه قضية الجيش، ولكن مهمة الإعلام هي الحفاظ على نوع من أنواع التماسك للجماهير، داخل مصر وخارجها. ويستطرد أحمد سعيد، متسائلًا: هل كنت أستطيع رفض إذاعة البيانات العسكرية؟ أو أن أقول إنها بيانات كاذبة؟ ليس خوفًا، أنا كنت جنديًّا، ينفذ أوامر القيادة.
ويضيف: لا يزعجني ما قلته من بيانات، أو ما قلت للزملاء الإذاعيين أن يعلنوه من بيانات عسكرية، لكن ما يزعجني أكثر، وما آلمني أكثر، الهزيمة التي بقيت، فلو وازنتها بحرب 1956 فقد كانت أيضًا هزيمة عسكرية، ولكن أعقبها نصر سياسي. قضيتي الشخصية لا تهمني، فنحن جميعًا إلى زوال، خاصة أن جميع الصحف كذبت معي، ولم أكذب بمفردي، ولا أعرف لماذا ينسب إليّ وحدي الكذب.
ويؤكد أحمد سعيد، سنة 1998، أنه كان يجب أن نذيع البيانات، التي تأتي إلينا من القيادة العسكرية، فأنت لا تستطيع أن تكون في وادٍ، والدولة في وادٍ آخر، هناك استحالة، وإلا كنت ضُربت بالرصاص؛ لأنني لم أنفذ الأوامر. هذه حرب تقودها أجهزة. ويقول: أنا ضد فكرة عدم إذاعة البيانات، فالإذاعة ترس من تروس الدولة، ولا أستطيع أن أصنع لنفسي دورًا، غير الدور الذي صنع من أجله الترس، وإلا أكن قد خرجت على النظام الذي يدير العملية.
قدم استقالته في يونيه 1967، رغم أن الرئيس جمال عبدالناصر قال له: ستعيش وتموت مديرًا لصوت العرب. ولم ينف وصف استقالته بأنها إقالة، استقالة، إجبار. وبرر ذلك بقوله: "إنني قلت الحقائق بصوتي، عن هزيمة يونيو 1967 للجماهير العربية، في 13 يونيو 1967. وكان هذا بداية الصدام أو الخلاف مع الرئيس عبدالناصر، لأنه بعد ذلك فرضت عليَّ رقابة، بحيث لا أذيع شيئًا دون مراجعته".
ويضيف: "كانت وجهة نظري مفادها أن الهزيمة ليست هزيمة جيش، ولكن هزيمة نظام، وهذه الرؤية أزعجت الرئيس عبدالناصر، ووقعت عدة تداعيات، وصلت إلى أن صورة البطل في عيني لم تبق كاملة، وفهم الرئيس عبدالناصر ذلك، فكانت هناك استحالة، فكتبت استقالتي".
ويؤكد أحمد سعيد أن النظام لم يتخلص منه بعد هزيمة يونيو 1967، بقوله: "لأنني لو كنت أريد الاستمرار، كنت أستطيع لو قبلت بعض العروض، التي قبلها بعض الوزراء أصدقاء الرئيس، ولكن حدث داخلي انفصال بين تفكير الرئيس وتفكيري، أسلوبه في العمل وأسلوبى، قناعتي به توقفت، وصورته اهتزت".