رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العرب بين كماشة التمدد الفارسي والحلم العثماني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تعد هناك فروق واضحة بين المصالح الاستراتيجية والصداقة أو العداوة فى العلاقات الدولية، على الأقل فى المشهد العربى، الذى تبعثرت أوراقه بين قوى دولية تسعى لفرض الهيمنة وتفتيت المنطقة، أو قوى إقليمية مثل: ايران الطامحة فى التمدد الإمبراطورى، وتركيا الحالمة باعادة دولة الخلافة، والتى بدأت فعليًا تعزيز تواجدها العسكرى لتطويق المنطقة بأكملها «الشمال الأفريقى ودول الخليج»، كما تسعى لترسيخ تواجدها بالتأثير على الأرض، عبر دعمها خلايا تنظيم الإخوان في البلدان العربية ، لاحياء مشروع دولة الخلافة الذى يُمثل أجندة اخوانية بالأساس، تركيا لم تدخر وقتاً للاستفادة من المتغيرات فى السياسة الدولية ، قفزت على توتر علاقتها بالحليف التقليدى ،الولايات المتحدة الأمريكية ، ومدت جسور التفاهم مع موسكو وطهران، بعد أن كانت على وشك مواجهة غير متكافئة مع روسيا، خاصة بعد الدعم العلنى من واشنطن للأكراد فى الشمال السورى، والذى تقود تداعياته ، تهديد وحدة الدولة التركية ذاتها بانفصال الأكراد .
هذه الحالة المعقدة، أوجدت قواسم مشتركة بين أنقرة وطهران، رغم تعارض استراتيجيتهما فيما يتعلق بالأزمة السورية، وما يتعلق بتوسيع دوائر النفوز، وبعدما أن كانت إيران تبرر تواجدها العسكرى بسوريا، لمكافحة الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا جرى التفاهم فى مساحة الأزمة فقط ، بما يعنى أن صراع النفوز على المنطقة العربية سيظل قائما لتعارض مشروعيهما.
البرجماتية ذاتها  تقف وراء عودة العلاقات التركية الاسرائيلية، فلم تمنع حادثة الباخرة مرمرة التركية ، إعادة التحالف الاستراتيجى القديم بينهما ، كما لم تقف علاقة أنقرة بالاخوان ودعم جناحها العسكرى حماس،عائقاً أمام تغليب المصالح  التركية الاسرائيلية المشتركة.
ترتيب الأوراق واستثمار الأزمات العربية،خاصة الأزمة القطرية،جعل أنقرة تضع المنطقة العربية «بين فكى كماشة»،إستطاعت تطويقها من المنافذ البحرية، بما يضمن توسيع دوائر نفوزها الاستراتيجى، من الخليج العربى شرقا،إلى البحر الأحمر والشمال الأفريقى غربا، أقامت «قاعدة عسكرية» فى قطر، جري تعزيزهاـ ،مؤخراً، بقوات إضافية بعد الاتفاق مع الخرطوم على إدارة «جزيرة سواكن» فى الساحل الغربى للبحر الأحمر، على بعد أميال قليلة من حدود مصر الجنوبية، والتى كانت مقرا للحاكم ومركزا لسلاح البحرية قبل انهيار الامبراطورية العثمانية ، إضافة إلى أكبر قاعدة عسكرية لها فى الصومال، مرورًا بالانتشار غير المسبوق للجيش التركى فى خمس دول عربية: «العراق ـ سورية ـ قطر ـ السودان ـ وليبيا» التى يتواجد بها سلاح الجو التركى فى قاعدة بنى وليد بغرب ليبيا. 
أما إيران فإنها تمثل جملة من التحديات التى تواجه النظام العربي ، أهمها حول الجزر الإماراتية الثلاث: «طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبى موسي»، التى تحتلها الدولة الفارسية، كما أنها تتواجد فى المنطقة بقوات وطنية موالية لها «حزب الله فى لبنان والحشد الشعبى فى العراق وجماعة الحوثى فى اليمن»، وقوات إيرانية من فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، وجميعها أدوات تهدد فعليا استقرار المشرق والخليج العربية ، ويضمن لها حضوراً طاغياً فى معادلة الصراع الاقليمى، ربما تتراجع وتيرته نسبياً بسبب تدنى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل الدولة، والتى ستؤدى الى غليان شعبى ضد حكم الملالى، جراء إهدار الثروات فى مغامرات خارج الحدود، لكن يبقى هذا مجرد إحتمال.
الحضور الإيرانى فى المنطقة العربية، وإن كان مذهبياً،الا أن أهدافه امبراطورية، فتناميه جاء مغلفا بشعارات الدفاع عن المقدسات الإسلامية، لكسب التعاطف الشعبى العربى، كجزء من استراتيجية تصدير الثورة الخومينية، من تلك الشعارات، إعلان يوم القدس العالمى الذى أطلقه الخومينى فى أغسطس ١٩٧٩، والذى كانت الحرب العراقية الإيرانية أبرز تجلياته، ثم إنشاء فيالق القدس وسرايا القدس، وجميعها لم تذهب إلى فلسطين، لكنها دمرت العراق وسوريا.
وكى لا تظل القضايا العربية وأهمها القدس نقطة انطلاق للاستثمار فى التخريب والتدمير وتفتيت الأنسجة المجتمعية، أصبح من المناسب إخضاعها لمبادئ أخلاقية ووطنية وسياسية، بفصلها عن الإيديولوجيات التى يروج لها الفُرس والأتراك للتشكيك فى أنظمة الحكم العربية. 
الواقع العربي بكل تعقيداته، أغرى إيران بالتوجه نحو فرض نفوذ إقليمى استثماراً لتراث تاريخى يربطها بأوربا، خاصة أن المنطقة فى أعقاب الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية، صارت قبلة للتجاذبات والدولية، فضلًا عن أن «إيران الملكية» كانت حليفًا مهمًا للغرب، وإن كانت الدوائر السياسية الأوروبية والأمريكية، باتت تنظر إليها، بعد ثورة الخومينى ورحيل نظام شاه إيران، بأنها دولة، مارقة، خارجة عن السيطرة، غير أن تقارب واشنطن مع طهران، فترة إدارة الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما» من خلال الاتفاق النووى، مكنها من الانفتاح على دول مؤثرة، وهو نهج تاريخى للسياسة الإيرانية تلجأ اليه منذ الدولة الصفوية، التى أقامت تحالفات مع الدول الأوروبية الاستعمارية، التى توارثت النفوذ بسقوط الإمبراطورية العثمانية.
إيران طرف فاعل فى معادلة الصراعات الدائرة داخل «سوريا والعراق واليمن»، كونها تملك مفاتيح مهمة وأساسية فى التركيبة المجتمعية المعقدة، عبر علاقتها بالشيعة العرب، منذ تأسيس الدولة الصفوية، فى القرن السادس عشر الميلادى، والتى كان قيامها مقترنًا بفرض إيديولوجية مذهبية، إثر تحالف الصفويين مع الدول الأوروبية فى حروبها مع الامبراطورية العثمانية، آنذاك، فهذا التحالف، وإن كان نواة للتمدد الامبراطورى الفارسي، غير أنه كان بداية للوجود الأوروبى الاستعمارى فى المنطقة العربية، على امتداد خريطتها الجغرافية، لذا فإن مخططات القوى الدولیة، لتفتيت المنطقة العربية، «وفق مشاريع استراتيجية، تتوافق بالأساس مع طموحات التمدد الإيرانى وطموحات الأتراك بإحياء دولة الخلافة»، ومنها مشروع «برنارد لویس» ١٩٨٠، لتقسيم البلدان العربية على أساس الطوائف والأعراق، وهو المشروع الذى وافق عليه الكونجرس الأمريكى بالإجماع فى جلسة سرية عام ١٩٨٣، وأيضًا، تصورات الجنرال الأمریكى المتقاعد «رالف بیترز» التى رسمت خارطة «حدود الدم» لمنطقة الشرق الأوسط، إلى جانب مشاريع تؤسس لمنطلقات استراتيجية، مثل الوثيقة الصهيونية، لتفتيت خرائط اتفاقية «سايكس ـ بيكو» التى نشرت عام ١٩٨٢ فى مجلة «كیفونیم» العبرية، الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية، بعنوان «استراتیجیة إسرائیلیة للثمانینيات»، وغیرها من المشاریع التى صیغت لتفتيت البلدان العربية، بما يضمن تفوق الدولة العبرية بتكتيكات متنوعة، وبحسب كل مرحلة زمنية لترسيخ الهيمنة الأمريكية على العالم، وإن تقاسمت النفوذ الدولى مع الاتحاد السوفيتى فى إطار التنافس بينهما بعد الحرب العالمية الثانية ومع بداية الحرب الباردة، عندما أطلقت واشنطن مشروع «مارشال» بديلا عن الحروب والمواجهات العسكرية، غير أن المواقف الدولية تغيرت بعد الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، فتم تصدير مصطلح «الحرب على الإرهاب»،لإضفاء الشرعية على الحروب العسكرية فى العراق وسوريا، وهى التى عصفت بالمنطقة وأغرقتها فى دوامات الفوضى الأمنية، بداية من انهيار النظام العراقى، عام ٢٠٠٣، الذى أحدث فراغًا استراتيجيًا، بتفكيك بنية الدولة الصلبة «تسريح مليون ومئتى ألف ضابط وجندى»، وليس انتهاءً بـ «الربیع العربى» عام ٢٠١١ «تونس - مصر - اليمن – سوريا - ليبيا». هذان المتغیران، شكلا نقطة انطلاق لطموحات القوى الدولية الصانعة للأحداث والقوى الإقلیمیة، المستفيدة منها.
المواقف الدولية الملتبسة وانهیار النظام العراقي، ساهما فى تراجع عناصر القوة فى المنطقة، وتنامى وتمدد التنظیمات الإرهابیة، كتنظیم داعش والقاعدة، إضافة إلى دعم قوى إقليمية لتيارات المعارضة فى البلدان الملتهبة بالأحداث وفق المنطلقات الطائفیة والعرقیة، والأهم الضغوط الدولية بتنفیذ إصلاحات سیاسیة واقتصادیة فى النظم السیاسية العربية، مثل، تحقیق مبادئ الدیمقراطیة والعدالة والمساواة والحریة وحقوق الإنسان، جميعها مثّلَ أوراقًا ضاغطة على أنظمة الحكم، فكانت المحصلة، تفجير الصراعات الداخلية والحروب بالوكالة والتدخل العسكرى فى سوریا والعراق والیمن وليبيا.
لا يمكن استثناء قطر من معادلة الصراع الإقليمى أو الدولى فى المنطقة، فنظامها الحاكم بات طرفًا فاعلًا فى تطورات الأحداث باتباعه سیاسة المقامرة وتعريض الأمن القومى العربى للخطر، عبر توفير الملاذات الآمنة للتنظيمات المصنفة بالإرهابية «الإخوان ـ حماس ـ القاعدة ـ حركة طالبان»، مرورا بتمويل ودعم الإرهاب الموجه ضد مصر، والتدخل العسكرى المباشر فى ليبيا لتدميرها وتحويلها إلى دولة فاشلة، إبان سقوط نظام القذافى، ما جعل الأراضى الليبية مركزًا لتهديد حدود مصر الغربية.
انكشاف الدور القطرى فى زعزعة استقرار المنطقة، أدى إلى توتر العلاقات معها، بالتدرج فى تصعيد المواقف العربية ضدها، غير أن نظامها الحاكم وضع الإخوان وأجندتهم التنظيمية فى كفة، ومصالح الدولة الاستراتيجية مع أربع دول عربية محورية «مصر والإمارات العربية والسعودية والبحرين» فى كفة أخرى، بما يؤكد أن النظام الحاكم فى قطر، ليس بمقدوره فك الارتباط العضوى بالجماعة، وهو ما يدفعه للاستمرار بالهروب إلى الأمام، والتحالف مع أنقرة الداعمة لأجندة الإخوان بغرض تهديد منطقة الخليج بأسرها،فى اطار مطامح وهمية بالتوسع على حساب جيرانه وفق خرائط التقسيم .
الأزمات العربية تصب فى صالح القوى الإقليمية، الطامحة فى التوسع الإمبراطورى،«إيران وتركيا»، إضافة إلى الدولة العبرية، باعتبارها كيانًا وظيفيًا، يؤدى دورًا أمنيًا لصالح الغرب؛ فإيران تتمدد داخل بلدان المنطقة عبر أذرعها، وتركيا بدأت فعليًا تعزيز تواجدها العسكرى بتطويق المنطقة بأكملها «الشمال الأفريقى ودول الخليج»، والعمل على زعزعة استقرار المنطقة عبر خلايا تنظيم الإخوان، لذا فان الحاجة أصبحت ملحة ، لتشكيل تحالف عربي، من الدول المحورية  مصر والسعودية ودولة الامارات العربية لملء فراغ القوة ،الناتج عن أوهام الربيع العربي،هذا المحور أو التحالف يمكن له تأدية الدور الطليعى، لما لديه من خبرات فى المواقف القومية، ما يجعله يتحمل أعباء ومخاطر اللحظة الراهنة، لانقاذ النظام العربي من التفكك.

.