الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هل يمكن محاكمة قطر جنائيًا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد أن أبانت الوقائع والوثائق وشهادات الشهود، بما لا يدع مجالًا للشك، أن قطر داعم أساسى من داعمى الإرهاب. وأنها قد خالفت قواعد القانون الدولى ذات الصلة، كما وردت فى كل من ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن الدولي، وميثاق جامعة الدول العربية، والاتفاقيات الدولية العالمية والإقليمية العديدة. وأنها أصبحت بالتالى «دولة عاصية». يثور التساؤل حول مدى إمكانية محاكمتها جنائيًا عما ارتكبت من جرائم فى هذا الصدد. وهو ما سنحاول الإجابة عليه فى هذا المقال فى حدود المساحة المتاحة للنشر.
ويتعين بادئ ذى بدء أن نشير إلى أنه من المستقر فى إطار القانون الدولي، القديم والحديث والمعاصر على السواء، أن الدول لديها من الحصانة ما يحول دون محاكمتها جنائيًا بحال من الأحوال. حيث لا يوجد فى المجتمع الدولى حتى الآن، بل ومن غير المتصور أن يوجد مستقبلًا، آليات أو وسائل يمكن من خلالها محاكمة الدولة، كشخص معنوي، جنائيًا. ومن ثم فإن الحديث عن محاكمة قطر جنائيًا لا ينصب على الدولة القطرية، وإنما يقصد به المسئولون القطريون ممن كانت لهم يد فى دعم الإرهاب مباشرة، أو كانوا بحكم مناصبهم وسلطتهم على علم بهذا، أو كان بإمكانهم أن يعلموا، ولم يتخذوا من الإجراءات ما يحول دون تقديم هذا الدعم، ومعاقبة هؤلاء الداعمين.
وفى ضوء هذه الحقيقة، والقاعدة القانونية الدولية المستقرة، يأتى الحديث عن إمكانية محاكمة المسئولين القطريين جنائيًا عما ارتكبوا من جرائم الإرهاب أو دعمه أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وإذا كان من المعلوم أن جرائم الإرهاب، فى ذاتها، لا تدخل فى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. فهى ليست واحدة من الجرائم الأربع التى تختص بها المحكمة، وهى جرائم الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان. فإن ما قد يترتب عليها من آثار قد يدخل فى واحدة من الجرائم الثلاث الأولي، كما حددناها فى مقال سابق، بشكل أو بآخر. ولعلنا، بعد ما سمح المقام بنشره من وثائق، وما صدر من تصريحات رسمية من جانب السلطات المختصة فى كل من ليبيا وسوريا والعراق ومصر، لسنا فى حاجة إلى التأكيد على أن الدعم القطرى للإرهاب فى هذه الدول وفى غيرها، قد أدى بجماعات الإرهاب المدعومة من قطر إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. بل إن بعضها يرقى إلى حد جرائم الإبادة الجماعية، على نحو ما حدث بحق الأقليات العرقية أو الدينية فى العراق، وما حدث بحق المسيحيين فى مصر ما أدى إلى تهجير بعضهم من شمال سيناء فضلًا عن استهداف كنائسهم ودور عبادتهم فى أماكن عدة. ليس هذا فحسب، بل لقد أدت دون أدنى شك إلى جرائم حرب، بالمعنى الفنى الدقيق لهذا المصطلح، على ما شهده الحال فى كل من سوريا وليبيا على أقل تقدير.
ومن ثم فإنه رغم كون الإرهاب الذى تمارسه قطر، من خلال أوجه الدعم المختلفة التى تقدمها للجماعات الإرهابية، لا يدخل بذاته فى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، فإن ما ترتب عليه من جرائم حرب، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، يدخل فى اختصاصها دون أدنى شك.
ومن جانب آخر، فإنه وإن كانت قطر ليست طرفًا فى النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، وكانت الدول المضرورة من الدعم القطرى للإرهاب، وعلى الأخص الدول العربية الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، ليست هى الأخرى أطرافًا فى هذا النظام. وهو ما يجعل إحالة الدعوى إلى المحكمة ليست متاحة من هذا السبيل، وهو الإحالة من خلال دولة طرف فى النظام يكون مواطنوها قد أضيروا من هذه الجرائم. فإنه يتبقى لدينا سبيلان آخران فى هذا الصدد، هما الإحالة من خلال مجلس الأمن الدولي، وأن يباشر المدعى العام من تلقاء نفسه فتح باب التحقيق لمعلومات موثقة لديه بأن ثمة وقائع تحدث فى مكان ما قد ترقى إلى حد جريمة من الجرائم الداخلة فى اختصاص المحكمة.
وإذا كان اللجوء إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار منه، استنادًا إلى الفصل السابع من الميثاق، بإحالة الأمر إلى المحكمة، باعتبار أن الوضع يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين فى المنطقة، هو البديل الثاني. فإنه بديل غير مأمون النتيجة، نظرًا لأن صدور قرار من هذا القبيل يستدعى موافقة تسعة على الأقل من أعضاء المجلس، شريطة ألا تستخدم أية دولة من الدول الخمس دائمة العضوية حق الفيتو ضد مشروع القرار. وهو ما لا يمكن التيقن منه نتيجة المصالح المالية والاقتصادية الضخمة التى تربط قطر بهذه الدول أو ببعضها.
وأما البديل الثالث، وهو دفع المدعى العام إلى القيام بفتح تحقيق من تلقاء نفسه، فهو فى تقديرى أقرب السبل إلى إمكانية النجاح. وهنا تأتى مسئولية الجهات الرسمية، وغير الرسمية كمؤسسات المجتمع المدني، بل وحتى الضحايا أنفسهم أو أفراد أسر من توفى منهم، فى إمداد المدعى العام بالبيانات والوثائق التى تجعله يبادر إلى فتح باب التحقيق فيها.