الإثنين 16 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ويكتب نفسه شقي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا زال المثل الشعبي يحرضني للبحث عنه وعن فلسفته، خصائصه، كل ما يحمله لنا من دلالات غير خافية، ارتباطنا بالمثل الشعبي جعل لدينا مخزونًا كبيرًا من الأمثال في الحب، الفقر، الصبر، الحرية، الغربة، الحظ، القدر، الموت.
يقول محمد إبراهيم أبو سنة في كتابه فلسفة المثل الشعبي، أن الفلسفة الشعبية لا تحاول أن تقدم نفسها من خلال مخطوطات مسطورة أو مؤلفات جامعة كالفلسفة الكلاسيكية المدرسية وإنما هي أقرب ما تكون إلى الرحلة الوجدانية الشفاهية، تجربة من تجارب الصفاء الإنساني.
وفي تعريفه للمثل الشعبي يقول أبو سنة: "هو موقف صادق يختزن وجهة نظر قد لا تكون الامتداد الأيدولوجي السليم ولكنها تحمل غبار التجارب الاجتماعية المادية والمثل كتعبير يصوغ الموقف المادي بلا وساطة نظرية".
وأشار "أبوسنة" أن المثل يمتاز بخصوبة تصويرية كما أنه يمثل حركة القوانين الأساسية للتطور الاجتماعي، مضيفا إلى أنه لن نجد سوى المثل في حقيبة التاريخ يمثل وعاءً جيدًا يحفظ لنا تراثنا النفسي الخالد بصدق منذ كان الإنسان يقاوم على شاطئ النيل هجمات الطبيعة الصارمة وصعوبة العثور على إمكانيات العيش في ظل تلك الظروف المبكرة من تاريخنا، وإلى جانب شموله فهو صادق في دلالته الواقعية وهو كذلك أغنى موضوعا وأفعل أثرا. 
وقد أوجز أبوسنة خصائص المثل في : 
- الصبر: تلك السمة التي اكتسبناها كشعب زراعي اعتاد الصبر منذ تعلم أن يبذر بذوره ليحصل على ثماره، وفي الصبر فرج، فهو مفتاح الفرج وباب الجنة "الصابرين لهم الجنة"، ورغم ما ظهره أمثال الصبر من تواكلية إلا أن الروح المصرية التي ترفض الاستسلام تقول "العاجز في التدبير يحيل عليه المقادير".
- الصوفية السلبية: يرى أبوسنة أن المثل يبدو في ثوب أخلاقي تعليمي لا يساعد كثيرا على إنضاج الروح الثورية وإشباع الحاجة الملحة للتمرد والتحرر، التسليم للمؤسسات الدينية وإلباسها ثوب التقديس مع البساط الأخلاقي مهد العقلية الشعبية لاستقبال الفروض الغيبية، مع استيلاء الصوفية على المثل الشعبي فوجهته للبعد عن زخارف الدنيا "لأنها فانية ومحدش واخد منها حاجة".
- الهزيمة: يرى أبوسنة أن كل الظروف التي أحاطت بالمجتمع المصري من قهر وألم واستعمار كانت سببا رئيسا في تخريب الاقتصاد، وكذا خنق الروح المعنوية وبث الانهزامية مما أدى إلى تراجعنا وتراجع ثقافتنا، وتلك الروح الانهزامية قد تأثرت بها فلسفة الشعب مما خلق وجهة نظر غير سليمة أدت إلى أحكام سلبية ورجعية ومتسامحة "على قد لحافك مد رجليك"، "اللي ما يرضى بحكم موسى يرضى بحكم فرعون"، "إن كان لك عند الكلب حاجة قول له يا سيدي"، "إن انهدم بيت أخوك خد لك منه قالب". 
- الفكاهة: وهي ما تحدثنا عنها في المقال السابق من وجهة نظر الباحثة دكتورة عزة عزت، في هذا الشأن يرى أبو سنة أن الفكاهة ظهرت في أدبنا كلون من ألوان النقد غير المباشر، فهو يرى أن الفكاهة نفسها هي النقد بطريقة عرض الأخطاء في صور هازلة، وأتفق معه في أنها تفريغ يصب فيها المرء إحساسه بالمرارة "الجعان يحلم بسوق العيش"، "ادلعي يا عوجة في السنة السودة"، "إيش تقولوا في جدع لا عشق ولا اتمعشق؟ قالوا يعيش حمار ويموت حمار".
وفي إيجاز أذكر بعض النماذج للأمثال الشعبية المصرية: 
قالوا عن البخت، الحظ: قيراط حظ ولا فدان شطارة.
ساعة الحظ ما تتعوضش.
قليل البخت يلاقي العضم في الكرشة.
البخت يعرف أصحابه.
جيت أدعي عليه لقيت الحيطة مايلة عليه.
وقالوا عن المرأة والزواج: خد الأصيلة ولو كانت على الحصيرة.
خد المجنونة بنت العاقلة ولا تاخد العاقلة بنت المجنونة.
من كترت بناته صارت الكلاب صهراته.
وعن الحب قالوا في المثل: حبيبك يبلع لك الزلط.
وبمنطق الصب تفضحه عيونه يقول المثل "الحب والحبل والركود على الجمل ما يختفي".
عاشق رأى مبتلي قاله أنت رايح فين، وقف روى قصته بكوا سوا الاتنين، راحوا لقاضي الغرام الاتنين يشكوا، بكوا التلاتة وقالوا حبنا راح فين؟! 
وأخيرا أقف أتأمل كل حرف وبداخلي غرام لذلك المصري الذي ابتدع كل حرف ونقش تجاربه بتلك الكلمات الموجزة المؤثرة، والتي تكشف جوانبا كثيرة منا ومن مجتمعنا ككل مرددة ما قاله قديمًا "حد يبقى القلم في إيده ويكتب نفسه شقي".