على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك قد تجد نفسك بين ليلة وضحاها عضوا في عدد لا بأس به من (الجروبات) التي قد لا تلائمك ولا تتناسب اهتماماتك ومن بين سيل هذه (الجروبات) هناك جروب ظريف اسمه شعبي أصيل، يختص بالأمثال الشعبية المصرية خاصة، ووجدتني لأول مرة منذ سنوات أتفاعل مع الصفحة إما بوضع مثل أو كتابة تعليق أو إبداء إعجاب وهذا الأكثر.
ثم تطور الأمر وبدأت أبحث عن الموضوع الذي يلقى هوى في نفسي منذ مدة طويلة غير أنني أعجز عن الحفظ، فأنا أدون الكثير من الأمثال وأنسى أين وضعتها.
وفي طريق البحث وجدت كتاب ( الشخصية المصرية في الأمثال الشعبية .. للدكتورة عزة عزت) بت أقرأ الصفحات بنهم شديد، فذلك المثل أو تلك الكناية أو هذا القول هو نحن، وكلما تقدمت في قراءة الكتاب كلما وجدتنا كمصريين على صفحاته، قد يكون الموروث المصري من الأمثال قد وجد طريقه عبر الحكايات والنوادر والأغاني والسفر والمقاهي، إلا أن الموروت القديم والحديث يجد طريقه في سرعة لن يتخيلها أجدادنا أصحاب الموروث القديم، فنحن بضغطة زر ننشر الحكايات، السخرية، النكات، بأسرع من سرعة الضوء، وانتشار النار على صفحات التواصل الاجتماعي.
لم تفاجئني الدكتورة عزة بحديثها عن الشخصية المصرية ومدى تطورها واعتمادها على أدبياتها الشعبية وحفاظها على طبيعتها، لكن بدراستها القيمة والمراجع الهامة التي بنت عليها الدراسة قد أكدت لي تماما ما وصلني من خلال حياتي كمصرية وبعض قراءاتي.
وقد رصد الكتاب سخرية المصريين الأصيلة كطبع متجذر فيهم فتقول (إن حب المصري للفكاهة، وخفة روحه أمر لا خلاف عليه، وهما دافعه للسخرية اللاذعة والتهكم حتى في ساعات الجد والألم، فهو يسخر من نفسه، ومما يصيبه، وكأنه يستعلي على المحن بأسلوب يبدو للعامة وكأنه وسيلة إضحاك، وإن انطوى على تلميحات لاذعة، تسخر من الحياة ومن سلوك المجتمع، وتنتقده بشدة قد تصل إلى حد الفحش أحيانا بهدف التأثير في النفس بعنف وكأنها دعوة للرفض والتعبير).
وتؤكد أن أكثر الفترات التي تنتشر فيها الفكاهة والسخرية اللاذعة هي أكثر الفترات بؤسا وقهرا، فتجلت وعلت قديما في فترة حكم المماليك، كما كانت في أوجها حديثا في الفترة التي أعقبت هزيمة 1967 ولو كان الكتاب قد صدر الآن لأكد أن ما تشهده وسائل التواصل حاليا من سخريات ونكات قد فاق كل ما شهده المصريين على مدار تاريخهم، فالنكتة أو السخرية تنتشر بسرعة كبيرة وتتبدل كل يوم مع تغيرات الحوادث المتسارعة، بنفس سرعة هذا الزمن المجنون.
وأجدني أتفق مع الباحثة الدكتورة عزة عزت في أن السخرية والنكات اللاذعة ليست وسيلة تغيير، ولا طريقا إلى حياة أفضل، فالباحثة ترى أن هذا يعني أننا شعبا غير مدرك للعواقب، وأراه أنا التفاف على الواقع وعدم مواجهته بشكل مباشر، وأتفق وهي أن هذه السخرية هي إفراغ طاقات وأنها تستنزف مخزون الغضب فهي على حد قول الدكتورة عزة تفريغ لشحنة من الكبت والقهر والحزن، مؤكدة ذلك بما قاله ابن خلدون (أهل مصر كأنهم فرغوا من الحساب).
لكنها تؤكد أنها طبيعة المصري التي فطره الله عليها، لم تتغير منذ الأزل، بل تزداد حدة في فترات القهر، فالسخرية اللاذعة تحمل فكرة ذكية، لغة متفلسفة، خفة ظل، قدرة وكفاءة على التخيل، مدللة بما نقله هيرودوت لمقولة الشاعر الروماني ثيوكربتوس (المصريين شعب ماكر لاذع القول روحه مرحة).
وبرغم يقيني بأن السخرية مواجهة سلبية إلا أنها في حالات العجز وقلة الحيلة وفساد الآخر وسطوته وجبروته لا شيء سواها، وكلما اشتد جبروتهم وفعلهم كل ما يحلو لهم دون النظر لنا أشعر بهم كأنهم يلقون في وجوهنا نحن المقهورون قليلي الحيلة المثل الذي يقول (قالوا للقردة اتبرقعي قالت دا وش واخد على الفضيحة).