وستشترك اليونسكو مع الحكومة الإندونيسية ومجلس صحافة اندونيسيا في تنظيم الحدث الرئيسي للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة للمرة 24، والاحتفال بمنح جائزة اليونسكو/ غيرمو كانو العالمية لحرية الصحافة، بحضور إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو، والرئيس الأندونيسي جوكو ويدودو.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت اليوم العالمي لحرية الصحافة في 1993، عملًا بإحدى التوصيات المعتمدة في الدورة الـ 26 للمؤتمر العام لليونسكو في 1991. وقد اعتمدت هذه التوصية إثر مطالبة بعض الصحفيين الأفريقيين الذين وضعوا إعلان ويندهوك التاريخي الخاص بتعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها في عام 1991، بهدف تقييم حرية الصحافة في شتى أنحاء العالم والدفاع عن الصحافة ضد ما تتعرض له من هجمات تهدد استقلالها والإشادة بالصحفيين الذين ضحوا بحياتهم أثناء تأدية واجبهم المهني.
يذكر أن دويط إسحق، كاتب مسرحي وصحفي، كان قد انتقل إلى السويد عام 1987 حيث أصبح لاحقًا مواطنًا فيها ليعيش بعدها في منفى إجباري. وبعد استقلال اريتريا، عاد دويط إسحق إلى مسقط رأسه ليصبح واحدًا من مؤسسي ومراسلي "ستيت" وهي أول صحيفة مستقلة في البلد. وكان مشهورًا بأسلوبه الصحفي الناقد وواسع الأفق.
بدورها قالت تشيلا بينكو، رئيسة لجنة تحكيم جائزة اليونسكو/ غيرمو كانو العالمية لحرية الصحافة لعام 2017: يعد دويط إسحق واحدًا من الصحفيين الكثر الذين أثبتوا جرأتهم وحرصهم الدائم على تسليط الضوء على القضايا الغامضة، من أجل توفير المعلومات اللازمة لمجتمعاتهم رغم كلّ العقبات. كما قدم البعض حياته ثمنًا لسعيه وراء الحقيقة. في حين اعتقل آخرون ومنهم داويت الذي أمضى 16 عامًا في الأسر دون محاكمته أو توجيه أي تهمة له. وكلي أمل أن تكون هذه الجائزة فرصة ليطالب العالم بتحرير دويط إسحق على الفور.
وكان المجلس التنفيذي لليونسكو قد أنشأ عام 1997 جائزة اليونسكو/ غيرمو كانو العالمية لحرية الصحافة التي تكرم سنويًا شخصًا أو مؤسسة أو منظمة قدمت مساهمة بارزة في الدفاع والنهوض بحرية الصحافة في أي مكان في العالم، خاصة عندما يكون في ذلك مواجهة للخطر. وتحمل الجائزة التي تبلغ قيمتها 25ألف دولار اسم غييرمو كانو إيسازا تكريمًا له، وهو صحفي كولومبي اغتيل أمام مقر صحيفته الإسبيكتادور في بوغوتا يوم 17 ديسمبر 1986. وتمول الجائزة مؤسسة كانو (كولومبيا) ومؤسسة سانومات هيلزينغن (فنلندا).
وقد أشار أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة له بهذه المناسبة، إلي أن الصحافيين يذهبون إلي أشد الأماكن خطرًا وهم صوت من لا صوت لهم. فالإعلاميون يعانون من الإساءة البليغة إلي شخصيتهم،ويتعرضون للاعتداء الجنسي، والاحتجاز والإصابة بل حتي للموت. وأضاف غوتيريش"إننا نحتاج إلي قادة يدافعون عن حرية الإعلام، لأن ذلك أمر بالغ الأهمية في مناهضة التضليل الإعلامي السائد. ونحتاج أيضًا إلي أن ينهض الجميع دفاعًا عن حقنا في معرفة الحقيقة".
وذكر غوتيريش، أنني في اليوم العالمي لحرية الصحافة، أنادي بوضع حد لجميع أعمال القمع التي يتعرض لها الصحافيون، ذلك لأن الصحافة الحرة تساهم في تحقيق السلام والعدل للجميع. ولأننا عندما نوفر الحماية للصحافيين، فإن كلماتهم وصورهم يمكن أن تغير العالم.
وتشكل سيادة القانون جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الديمقراطي الشامل للجميع. فهي تحمي الحريات الأساسية وتفرد جناحيها لتضم جميع الأفراد والكيانات. فضعف المؤسسات وضعف السلطة القضائية وانعدام إمكانية الوصول إلى العدالة والانتفاع بها، كلها أمور تعوق إلى حد كبير تحقيق التنمية المستدامة. إذ إن الجمهور يفقد الثقة بالعملية الديمقراطية ولا يعود يستثمر في المستقبل المستدام إذا لم تتوفر بيئة قانونية وتنظيمية تعمل بصورة جيدة. وعندما تكون وسائل الإعلام حرة ومستقلة وتعددية يمكنها حينئذ فقط أن تضمن تطبيق القانون وتحقيق سيادته واحترامه بالكامل. ولكن لا يسمح لمثل هذا القطاع الإعلامي أن يبرز أو أن يرى النور إلا إذا توفَّر إطار قانوني يكفل ويصون حرية التعبير وحرية استقصاء المعلومات وتداولها. ويشترك الإعلام الحر والسلطة القضائية المستقلة والفعالة في علاقة جدلية من التعاضد المتبادل حيث يعزز بعضهما البعض كركيزتين أساسيتين للديمقراطية.
والصحفيون ليسوا فقط الطرف الرئيسي المستخدم لحق حرية التعبير العزيز على القلوب وإنما هم أيضًا الرمز أو المقياس لمدى تسامح المجتمع مع حرية التعبير أو تعزيزه لها.
والجدير بالذكر أن الحالة الراهنة لسلامة الصحفيين تدعو إلى الأسى، إذ شهد العقد الماضي مقتل 827 فردًا من الصحفيين والعاملين في قطاع الإعلام. والأدهى من ذلك هو أن معدل ملاحقة الجناة لا يتعدى واحدا من عشرة. وقد وضِعت خطة عمل للأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، التي حملت اليونسكو رايتها منذ عام 2012، لتكون بمثابة منصة شاملة متعددة الأطراف تعالج فيها هذه القضايا الشائكة. وقد أحرز تقدم كبير على الصعيد العالمي في المجال المعياري، ولا سيما في المحافل الدولية والإقليمية، ومازال هناك أمور كثيرة يجب القيام بها.
وينبغي تعزيز النظم القضائية على الصعيد العالمي مع التركيز بصورة رئيسية على حماية حرية التعبير وسلامة الصحفيين. وتعتبر دعوة خطة التنمية المستدامة 2030 إلى تحقيق العدالة في شتى بقاع الأرض ذات صلة وثيقة بجميع العناصر الثلاثة التي ينطوي عليها النهج الرامي إلى توفير بيئة آمنة لوسائل الإعلام، وهي: وضع حد للعنف حيال وسائل الإعلام؛ وحماية الصحفيين المعرضين للخطر؛ وملاحقة ومقاضاة مرتكبي الجرائم بحق العاملين في وسائل الإعلام.
إن تعزيز إمكانات وسائل الإعلام بوصفها محفزًا للسلام والتفاهم المتبادل، حيث غالبًا ما تقوم وسائل الإعلام بدور مركزي في حالات النزاع والكوارث. فبمقدور وسائل الإعلام الموضوعية والمحايدة والمستقلة أن تساعد في نزع فتيل التوتر وتعزيز الحوار واحتواء الصراعات. أما إذا كانت وسائل الإعلام منحازة والتقارير غير صحيحة فإنها يمكن أن تزيد من تفاقم العنف. وعندما يساء استخدام وسائل الإعلام لأغراض دعائية فإنها يمكن أن تسهم في التحريض على الكراهية ونشر الشائعات. هذا إضافة إلى أن المخاطر التي يواجهها الصحفيون تتضاعف بشكل كبير أثناء حالات النزاع المسلح والكوارث. وهناك عامل إضافي يهدد السلام والأمن وحقوق الإنسان والعدالة هو انتشار التطرف العنيف الذي تحفزه الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
ولا شك أن العصر الرقمي عزز فرص الوصول إلى المعلومات، وإنتاج المعارف وتشاطرها، وتيسير تبادل الآراء والتجارب والحوار بين الثقافات. بيد أن ارتفاع نسبة خطاب الكراهية على الإنترنت يدل على أن التكنولوجيات الرقمية تنطوي أيضًا على عدد من التحديات. منها إيجاد التوازن الصحيح بين حرية التعبير على الإنترنت واحترام المساواة وكرامة الإنسان.
ويتطلب التصدي لخطاب الكراهية والتطرف العنيف على الإنترنت اعتماد نهج شامل يعالج الأسباب الجذرية للتوتر والانقسام داخل المجتمعات. ويمكن لوسائل الإعلام أن تكون منبرًا للعديد من الأصوات ووجهات النظر القادرة على الإسهام في تعزيز التسامح والحوار والتفكير النقدي. كما بإمكانها تقديم طروحات مضادة للأفكار التي تروج لها طروحات التطرف العنيف. وأخيرًا، إن التصدي للطروحات المتطرفة يسير يدًا بيد مع تزويد مستخدمي وسائل الإعلام بالمهارات اللازمة لتصفح شبكة الإنترنت وتفسير الرسائل المفعمة بالكراهية والمحرضة ورفضها والرد عليها.
وتكشف نسخة التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2017، والذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود، إلي أن الانتهاكات المرتكبة ضد حرية الإعلام لم تعد بالضرورة حكرًا على الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية. ذلك أن هذه الحرية المكتسبة مبدئيًا أصبحت عرضة للخطر على نحو متزايد حتى في بعض الدول الديمقراطية. فسواء تعلق الأمر بتصريحات غير مقبولة أو بقوانين سالبة للحرية أو بتضارب المصالح أو حتى باللجوء إلى العنف، أضحت الأنظمة الديمقراطية تكثف من العقبات التي من شأنها أن تقيد حرية تعد في الأصل من المؤشرات الرئيسية لحسن عملها.
ففي غضون سنة واحدة فقط، تراجع بنسبة 2.3٪ عدد البلدان التي يعتبر فيها وضع وسائل الإعلام بين "جيد، وجيد إلى حد ما". فحتى البلدان التي تمثل نموذجًا ديمقراطيًا ليست في منأى عن هذا التقهقر، حيث فقدت كندا 4 مراكز في ترتيب هذا العام لتحتل المرتبة 22 من أصل 180 دولة، بينما خسرت الولايات المتحدة مركزين لتأتي في المرتبة 43، فيما تراجعت بولندا 7 مراكز إلي المركز 54،كذلك تراجعت نيوزيلندا 8 مراكز لتحتل المركز 13 عالميًا، وفقدت ناميبيا 7 مراكز لتحتل المركز24. وقد أصبحت مؤشرات تدهور حالة حرية الصحافة بادية للعيان بشكل لا غبار عليه في الديمقراطيات الأوروبية على وجه الخصوص.
وفي جدول عام 2017، سجل تراجعا حتى في أوساط بلدان شمال القارة العجوز التي تحتل عادة مراكز الريادة في التصنيف السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود، فقد تراجعت هولندا 3 مراكز، وفنلندا تراجعت مركزين (-2) التي تفقد الصدارة لأول مرة منذ 6سنوات. صحيح أن أوروبا تظل المنطقة الجغرافية الأفضل تصنيفًا على مستوى المؤشر العام، بيد أنها تعتبر في المقابل القارة التي شهدت أكبر تدهور في غضون 5 سنوات، حيث بلغ معدل تراجعها ما لا يقل عن 17.5%، علمًا بأن مؤشر منطقة آسيا- المحيط الهادئ مثلًا شهد تغييرًا بنسبة 0.9% خلال الفترة ذاتها.
وفي هذا الصدد، يشدد "كريستوف ديلوار" الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، على ضرورة بقاء الأنظمة الديمقراطية نموذجًا لبقية العالم وليس العكس، علمًا أن هذه الدول جعلت من حرية الصحافة إحدى القواعد الأساسية التي بنيت عليها، وأضاف ديلوار إلي أن التمادي في استخدام ذريعة حماية المواطنين للالتفاف على الحرية الأساسية المتمثلة في نقل الأخبار قد يهدد الديمقراطيات بفقدان جوهرها. وإن هذا التراجع على مستوى الديمقراطية في مجال حرية الصحافة ليس بالشيء الجديد، بل كان يمكن التنبؤ به من خلال إلقاء نظرة على نسخ التصنيف في الأعوام السابقة. ولكن اللافت للنظر هذا العام هو مدى الهجمات المسجلة وطبيعتها.
وقد أشارت "القائمة السوداء" التي أضحت تشمل ما لا يقل عن 21 دولة يعتبر فيها وضع الصحافة "خطيرًا للغاية"؛ أما "القائمة الحمراء" فقد أصبحت تضم 51 بلدًا مقابل 49 العام الماضي، وهو ما يعني أن حالة حرية الإعلام باتت تكتسي طابع "الصعوبة". ففي الإجمال، تفاقم الوضع في نحو ثلثي (62.2٪) البلدان التي شملتها هذه الدراسة.
تراجعت بوروندي 4 مراكز هذا العام، حيث باتت تقبع في المرتبة 160 مما يضعها في مقدمة البلدان 21 التي تشكل المنطقة السوداء. فقد تواصلت الحملة الشرسة التي يشنها الرئيس بيير نكورونزيزا منذ عام 2015 على وسائل الإعلام التي قامت بتغطية محاولة الانقلاب ضده بعد قراره الترشح لولاية ثالثة، حيث امتد نطاق هذه الموجة الشعواء ليشمل كل المؤسسات الصحفية، علمًا أن البلاد أصبحت تتخبط في أزمة خانقة مما انعكس على وضع حرية الصحافة التي تحتضر.
وفي المقابل، بالنسبة لأولئك الذين اختاروا البقاء، أصبح من قبيل المخاطرة الاستمرار في ممارسة العمل الإعلامي دون التخندق تمامًا في صف الحكومة، حيث لا تتوانى أجهزة المخابرات الوطنية عن استدعاء واعتقال وإساءة معاملة الصحفيين ورؤساء التحرير في محاولة لحثهم على تصحيح تقاريرهم التي تعتبر مزعجة في أعين السلطات. ففي حربه ضد جميع أشكال المعارضة والاحتجاج، يلجأ النظام الحاكم في بوروندي إلى مختلف أشكال القمع، حيث يتدخل في محتويات الأخبار ويستعملها أداة في خدمة مصالحه الخاصة، كما يستخدم العنف ضد الصحفيين الذين يظلون حاضرين في الساحة، علمًا أن هناك من يختفون فجأة كما هو الحال بالنسبة لجون بيجيريمانا الذي انقطعت أخباره تمامًا منذ تواريه عن الأنظار بشكل نهائي.
وعلى الطرف الآخر من القائمة السوداء، تحتكر ثلاث دول ذيل الترتيب على مدى آخر12 عامًا. فمنذ نسخة 2005 لتصنيف منظمة مراسلون بلا حدود، ما زالت كوريا الشمالية وتركمانستان وإريتريا تراوح مكانها في مؤخرة الجدول، حيث تشدد هذه البلدان رقابتها على كل ما لا يسير في نفس اتجاه الخط الرسمي أو كل نمط تفكير يختلف عن خطاب الدعاية الذي ترعاه مؤسسات الدولة.
بيد أن التحول الصغير الوحيد الذي شهده هذا العام هو توديع إريتريا (179، 1) المركز الأخير للمرة الأولى منذ 10سنوات، تاركة هذا لكوريا الشمالية، رغم أن الوضع لم يشهد أي تغير جوهري في هذه الديكتاتورية القديمة حيث تنعدم الأخبار منذ فترة طويلة. ذلك أن الصحافة، شأنها شأن المجتمع الإريتري ككل، لا تزال تئن تحت وطأة التعسف المطلق الذي يمارسه الرئيس إيسياس أفيووركي، حيث تواصل الحكومة فرض التجنيد على مواطنيها مدى الحياة بينما لا يزال عشرات المعتقلين السياسيين والصحفيين قابعين وراء القضبان بشكل تعسفي.
ومع ذلك سمحت السلطات المحلية في 2016 بدخول فرق من الصحفيين الدوليين تحت مراقبة لصيقة.وبدورها أظهرت كوريا الشمالية (180، -1)، التي أصبحت تتذيل جدول الترتيب، مرونة أكبر من أي وقت مضى في تعاملها مع الصحافة الأجنبية، حيث سمحت بزيادة عدد المراسلين الأجانب لتغطية الأحداث الرسمية، وفي سبتمبر 2016، فتحت وكالة الأنباء الفرنسية مكتبًا لها في بيونغ يانغ. وإذا كانت مثل هذه الخطوات تعطي الانطباع حول انفتاح مزيف، فإنها تعكس بالأساس انعدام رغبة حقيقية في التغيير. ذلك أن المراقبة الدقيقة للمعلومات المتاحة للصحافة الأجنبية لا تزال هي القاعدة السائدة، مع استمرار نظام بيونغ يانغ في مساعيه لإبقاء الناس تحت سقف الجهل والترهيب، حيث يواجه أهالي البلاد خطر الاعتقال في أحد المعسكرات لمجرد الاستماع إلى محطة إذاعية أجنبية، مما يجعل من كوريا الشمالية ديكتاتورية تقليدية تعيد إلى الأذهان زمن الحرب الباردة. وبدورها تقبع تركمانستان في المرتبة 178، حيث يحيل وضعها على حقبة ماضية. ففي هذه الجمهورية السوفياتية السابقة، ليس من الممكن حتى تصور انتقاد رئيس البلاد الذي يوصف باعتباره حامي حمى الأمة، حيث تخضع وسائل الإعلام لسيطرة مطلقة من قبل الدولة.
فقد تم تكثيف المضايقات ضد آخر مراسلي وسائل الإعلام المستقلة التي يقع مقرها في الخارج، إذ يجبرون على العمل سرًا بشكل غير قانوني، بينما تواصل الحكومة حملتها الرامية إلى منع الأطباق اللاقطة، مما يحرم أهالي البلاد من فرصة نادرة للاطلاع على أخبار غير خاضعة للرقابة. وتعيش بلدان الاتحاد السوفياتي السابقة على وقع حكام طغاة مصابين بجنون العظمة، حيث يتمسكون بموقعهم في السلطة من خلال تكثيف سبل قمع حرية الإعلام بشكل مستمر، كما هو الحال في أذربيجان التي جاءت في المركز 162متقدمة مركز واحد ( +1)عن العم الماضي حيث من الشائع تلفيق مختلف التهم للصحفيين من أجل الزج بهم في السجن، والأمر نفسه ينطبق على أوزبكستان التي جاءت في المركز 169متأخرة -3،التي أصبحت نموذجًا للرقابة المؤسسية تحت رعاية الدولة، وإن كان موقف الرئيس الجديد يحمل في طياته بارقة أمل بإمكانية الانفتاح بعد وفاة سلفه.
وفي آسيا، تراوح الصين في المركز 176، وفيتنام في المركز 175، وجاءت لاوس في المركز170مكانها في الجزء الأسفل من الترتيب، شأنها في ذلك شأن كوريا الشمالية (180، -1)، علمًا أن هذه البلدان تشترك في كونها خاضعة لسيطرة أنظمة شيوعية شمولية، حيث الصحافة تابعة تبعية عمياء للحزب الحاكم، إذ تعج السجون الصينية بالمدونين والصحفيين-المواطنين الذين يجرؤون على انتقاد حزب الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر. بدورها لا تزال كوبا في المركز 173متأخرة (-2)عن العام 2016، حيث تعيش تحت نظام شيوعي على الطراز السوفياتي، مما يجعل منها الدولة الأكثر عداء لحرية الصحافة في منطقة الأمريكتين، إذ لم يتزحزح احتكار الدولة لقطاع الإعلام قيد أنملة حتى بعد وفاة فيدل كاسترو، الذي دخل التاريخ باعتباره أب الثورة الكوبية ولكن أيضًا كواحد من أسوأ أعداء حرية الصحافة على وجه الأرض.
ومن بين البلدان الأفريقية الـ 6 التي تقبع في مؤخرة التصنيف، كما هو الحال بالنسبة لكل من إريتريا وبوروندي اللتين يبدو أن الاتجاه يميل بشكل واضح نحو كفة النظام الاستبدادي، إن لم نقل الدكتاتورية الوحشية في بعض الحالات. ففي سياق يطغى عليه رفض أو خوف السلطات من التخلي عن أي شبر مكتسب بالقوة في القرن الماضي، وقد جاءت السودان في المركز 174، وغينيا الاستوائية في المركز 171 متأخرة (-3) نهج القمع المستمر للأصوات التي تخرج عن الخط الرسمي ولو بهامش ضئيل، ومصادرة حرية الإعلام والتعبير والفكر بشتى الطرق والأساليب.. وفي جيبوتي، التي ظلت في المركز 172 على جدول هذا العام.
أما في الشرق الأوسط، فإن أبرز الانتهاكات المرتكبة ضد حرية الصحافة تبرر أساسًا باسم الدين أو المنظومة الأخلاقية أو حماية الأنظمة القائمة. فتحت ذريعة نشر الفاحشة أو معلومات تهدد الأمن القومي، تعتقل سلطات جمهورية إيران الإسلامية التي جاءت في المركز 165 متقدمة (+4) عشرات الصحفيين بشكل تعسفي كما تزج بهم في السجون تحت ظروف لا يجد معها العديد منهم أي بديل عن الإضراب عن الطعام لتسليط الضوء على الانتهاكات التي تطالهم، كما أن النظام الإيراني يفرض عليهم أحكامًا لا تمث للإنسانية بصلة من قبيل الجلد.
وإذا كانت الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية تخنق التعددية الإعلامية وحرية الصحافة، فإن الحروب والنزاعات الطويلة غالبًا ما تحمل في طياتها سمومًا فتاكة تهدد حرية الإعلام، إذ من شأنها أن تدفع بلدًا ما إلى أسفل الترتيب في وقت قصير أو الإبقاء عليه في الحضيض لسنوات. فبعد 6 أعوام على اندلاع الحرب الدموية في سوريا، أصبحت هذه الأخيرة أكثر دول عالم فتكًا بحياة الصحفيين، علمًا أنها لا تزال تراوح مكانها في المركز 177، إذ لم يتخذ أي إجراء حتى الآن لحماية الصحفيين من الجنون الهمجي الذي يدير به الرئيس الدكتاتور الأزمة الحالية ولا من نيران الجماعات الجهادية المتعصبة، والتي لا تتوانى عن استخدام كل الوسائل المتاحة، حتى تلك التي لا يمكن تصورها، من أجل إشباع تعطشها للدماء.
وفي اليمن التي جاءت في المركز 166، أضحى الصحفيون عالقين بين المطرقة والسندان. صحيح أن البلد شهد انخفاضًا في عدد الصحفيين القتلى خلال عام 2016، مما يفسر ارتقاءه بأربع مراتب في التصنيف، إلا أن الإعلاميين مازالوا معرضين لخطر الاختطاف على أيدي المتمردين الحوثيين وعناصر القاعدة الذين يحتجزونهم كرهائن، بالإضافة إلى إمكانية وقوعهم ضحايا جراء الغارات التي تشنها قوات الائتلاف العربي.
كما أن حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا والتي جاءت في المركز 163 متقدمة (+1) حاليًا تنطوي على خطورة كبيرة بالنسبة للصحفيين. ففي بلد يقف على حافة الانفجار ويسقط فريسة للاشتباكات المسلحة بين مختلف الفصائل المتناحرة، قتل 3 صحفيين في عام 2016 بينما كانوا يغطون المعارك في سرت وبنغازي. ورغم أن عدد القتلى والمفقودين آخذ في التراجع، مازال الإعلاميون يواجهون التهديدات بانتظام، علمًا أن الجرائم المرتكبة ضدهم تمر وسط إفلات تام من العقاب.
وفي الصومال التي جاءت في المركز 167 أيضًا، يساهم اضمحلال مؤسسات الدولة في تأجيج مناخ انعدام الأمن الذي يطغى على عمل الصحفيين، علمًا بأن هؤلاء أضحوا عرضة لهجمات حركة الشباب من جهة، والقمع المدبر من قبل ما تبقى من سلطة الحكومة من جهة أخرى.
- القائمة
الحمراء:
وتسلط نسخة عام 2017 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة الضوء
على التكرار المهول للهجمات المرتكبة ضد وسائل الإعلام إلى حد الاستخفاف، مما يعكس
بالأساس زيادة تفوق 7% في نسبة بلدان "القائمة الحمراء" في غضون 5
سنوات، وهو ما يثير بدوره مخاوف بشأن إمكانية حدوث زيادة سريعة في صفوف بلدان
"القائمة السوداء".
فعلى سبيل المثال، تعيش جمهورية الكونغو الديمقراطية تراجعًا
مطردًا منذ عام 2002، وذلك تحت حكم جوزيف كابيلا. فقد أصبح هذا البلد يقبع في
المركز 154، حيث تراجع مرتبتين هذا العام ليقترب قليلًا من القائمة السوداء، وهو
الذي كان يحتل المرتبة 113 في النسخة الأولى لتصنيف مراسلون بلا حدود. وعلى نحو
مشابه، كلفت الحرب الأهلية جنوب السودان اتي جاءت في المركز 145متأخرة (-5) أكثر
من 20 مركزًا في 5 سنوات، وهو ما رمى بالبلاد في حظيرة الدول الأسوأ ترتيبًا على
الإطلاق.
وتعتبر تركيا الحالة الأكثر إثارة للقلق في ترتيب 2017، حيث
تقهقرت إلى المركز 155 بعدما فقدت 4 مراكز في نسخة 2016، علمًا أن البلاد تراجعت
بما لا يقل عن 56 مركزا في غضون 12عامًا. وفي عام 2016، تركت محاولة انقلاب يوليو
الأبواب مشرعة تمامًا لنظام أنقرة من أجل مواصلة حربه ضد وسائل الإعلام الناقدة.
فمع توالي الشهور، أتاحت حالة الطوارئ للسلطات فرصة تصفية العشرات من وسائل
الإعلام بجرة قلم، وما صاحب ذلك من إجهاز على التعددية في بضع صحف محدودة التوزيع،
حيث تم الزج بأكثر من 100صحفي وراء القضبان دون محاكمة، مما يجعل من تركيا أكبر
سجن للإعلاميين على الصعيد العالمي.
كما تعد المكسيك التي جاءت في المركز147 من الدول الأخرى التي
تصدرت العناوين خلال العام الماضي. فقد خسرت البلاد العديد من المراكز في غضون
15عامًا، وهي التي كانت تحتل المركز 75 في نسخة 2002 من تصنيف منظمة مراسلون بلا
حدود. وتواصل تراجع المكسيك بعدما شهدت مقتل 10 صحفيين في 2016 بينما تميز شهر
مارس 2017 بسلسلة من الهجمات الدموية، علمًا أن البلاد لا تزال تعاني من ويلات
الفساد والعنف والجريمة المنظمة. ففي ولايات مثل فيراكروز وغيريرو وميشواكان
وتاماوليباس، سرعان ما يجد الصحفيون أنفسهم عرضة للخطر لمجرد إنجاز تحقيق في موضوع
حساس، لا سيما في ظل الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الصحافة، مما يفسر استمرار
هذه الحلقة المفرغة عامًا بعد عام. وعلى مستوى المخاطر التي تهدد سلامة الصحفيين،
تأتي المكسيك اليوم مباشرة خلف سوريا وأفغانستان، التي تقبع من جانبها في المرتبة
120. ذلك أن جهود الصحفيين الأفغان وشجاعتهم للقيام بعملهم الإخباري تصطدم عادة
بالظروف الأمنية المتدهورة التي تشهدها البلاد بشكل مستمر في ظل مواجهة متمردي
حركة طالبان من جهة وتنظيم الدولة الإسلامية من جهة أخرى، علمًا أن بعض المحافظات
تحولت برمتها إلى بؤر سوداء على المستوى الإعلامي. وفي هذا السياق، وحدها الرغبة
المعلنة من الحكومة لتوفير أدوات لحماية للصحفيين تحول دون تقهقر البلاد أكثر في
جدول التصنيف.
وذكر التقرير أنه لتجنب متاعب التدخل اللاحق، يفضل بعض زعماء
الدول الديمقراطية توسيع دائرة سلطاتهم وتعزيز نطاق صلاحياتهم. ولعل بولندا تمثل الحالة
الأبرز في هذا الصدد، حيث تواصل البلاد تقهقرها المهول على سلم الترتيب (-7 مراكز
في نسخة 2017 بعد تراجعها الكبير العام السابق بواقع 29 مرتبة).
فمنذ سنتين، استصدرت الحكومة البولندية المحافظة سلسلة من
التشريعات المثيرة للجدل والتي تمكنت بموجبها من إخضاع الهيئة العامة للإذاعة
والتلفزيون لسيطرة السلطة التنفيذية مع تغيير المسؤولين عنها على الفور. وبعد أن
حول وسائل الإعلام العامة المستقلة إلى أدوات للدعاية، ناهيك عن انتهاج أسلوب
الخنق المالي للإجهاز على الصحافة المعارضة لتعديلاته التشريعية، يواصل حزب القانون
والعدالة المتشدد المحافظ حملته الرامية إلى تأميم قطاع الصحافة، رغم الانتقادات
اللاذعة التي تنهال عليه.
وفي سياق متصل، أصبحت الضغوط التي يمارسها رئيس الوزراء
الإسرائيلي ضد الصحافة بادية للعيان أكثر من أي وقت مضى. فإذا كانت إسرائيل في
المركز 91 قد ارتقت في تصنيف 2017، وهي التي تعتبر غالبًا الديمقراطية الوحيدة في
الشرق الأوسط، إلا أن بنيامين نتانياهو يوصف بالمهووس من قبل وسائل الإعلام
والصحفيين الذي يدخلون في عداد أعدائه، علمًا بأنه يحاول منذ أشهر إضعاف سلطات
الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، التي تعتبر برامجها صعبة الانقياد.
ويضطلع الصحفيون بدور الرقيب الوصي على الديمقراطية، حيث تعتبر
حماية مصادر معلوماتهم حجر الزاوية لحرية الإعلام. بيد أن هذه المبادئ التي تقرها
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تواجه هجمات علنية على نحو متزايد في جميع أنحاء
العالم، بما في ذلك البلدان الديمقراطية التي تبنتها. فبينما اتضحت أهمية دور
كاشفي الفضائح ووسائل الإعلام في سبيل توعية المواطنين بشأن المسائل ذات المصلحة
العامة عقب الكشف عن أوراق بنما في عام 2016، يظل الاتجاه السائد يتجلى في اعتماد
ترسانة تشريعية وأحكام قانونية من شأنها تقويض الشروط الأساسية واللازمة لممارسة
حرية الصحافة، وهو في الواقع ما يزيد من كبح جماح الصحافة الاستقصائية أكثر فأكثر.
وقد جاءت ألمانيا في المركز 16، وقد صوت البرلمان الاتحادي في
خريف 2016 على قانون يتيح المراقبة الجماعية للصحفيين دون استثناء، وذلك تحت غطاء مكافحة
الإرهاب وفقا للقانون والدستور. وبموجب هذا النص الجديد، أصبح بإمكان أجهزة
الاستخبارات الخارجية الألمانية التجسس بشكل قانوني على أي مواطن غير ألماني أو لا
تنتمي دولته إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الصحفيين والمحامين، وسط انتقادات
شديدة وجدل عارم، حيث أفضى هذا القانون في نهاية المطاف إلى إضفاء الشرعية على
ممارسات كان يعتقد أنها جزء من عهد سابق.
وبعد بضعة أشهر من اعتماد القانون، اكتشف الألمان أن أجهزة
الاستخبارات الخارجية كانت قد تجسست في عام 1999 على أكثر من 50 صحفيًا ووسيلة
إعلامية، وذلك خلال فترة غير محددة.
وفي أواخر 2016، تبنت المملكة المتحدة التي جاءت في المركز 40؛
متأخرة (-2) في ترتيب 2017، قانونًا جديدًا يتيح بدوره توسيع سلطات المراقبة
لأجهزة المخابرات البريطانية. ويضع قانون بيانات الاتصالات المعروف أيضًا بقانون
المتلصصين، المملكة المتحدة في موقف لا تحسد عليه، بعدما أصبحت تحتل الصدارة على
صعيد أكثر تشريعات المراقبة الجماعية اختراقًا في تاريخ الديمقراطيات، إذ لا يشمل
هذا القانون أية أحكام تنص على حماية الصحفيين ومصادرهم. لكن الأمر لم يتوقف عن
هذا الحد.
وقد تجاهلت السلطات البريطانية كل الانتقادات والمخاوف التي
أثيرت في هذا الصدد، لتحيل إلى البرلمان في مطلع 2017 مشروع قانون جديد يتوعد
الحقوقيين والصحفيين وكاشفي الأخبار بعقوبة السجن لمدة تصل إلى 14 سنة في حال
إدانتهم بتهمة التجسس.
وأشار التقرير إلي كاشفي الفضائح تحت مجهر السلطات برفضه تبرئة
كاشفي الفضائح الفرنسيين،" أنطوان ديلتور ورفائيل هاليت"، اللذين أماطا
اللثام عن فضيحة لوكسليكس، يكون جهاز القضاء في لوكسمبورغ قد أرسل إشارة سلبية
واضحة لدول مثل بريطانيا أو نيوزيلندا التي تعتزم تجريم عمل أولئك الذين يبلغون عن
الأعمال غير القانونية وأيضًا أولئك الذين يزودون الصحفيين بالملعومات الحساسة.
ذلك أن مخاوف الصحفيين تتزايد أكثر من أي وقت مضى في ظل سعي سلطات ولينغتون إلى
مواجهة تسريب المعلومات لوسائل الإعلام بفرض عقوبة تصل إلى 5 سنوات في السجن مع
توسيع صلاحيات أجهزة مخابراتها بشكل كبير، وهو ما يفسر سبب تراجع نيوزيلندا بما لا
يقل عن 8 مراتب لتحتل المركز 133 في تصنيف 2017.
ورغم أن السقوط كان بوتيرة أخف في تشيلي (-2)، إلا أن البلاد
شهدت جدلًا واسعًا في أعقاب سن قانونين جديدين في إطار ما يطلق عليه حزمة قوانين
الكمامة، التي تتيح معاقبة مسربي معلومات متعلقة بتحقيقات جنائية جارية، علمًا أن
التصويت على هذه التشريعات تزامن مع التحقيقات التي فتحت بشأن تورط عدد من
السياسيين ورجال الأعمال والقادة العسكريين المحليين في قضايا متعددة تتراوح بين
الفساد وإساءة استخدام السلطة وتمويل الحملات الانتخابية بشكل غير قانوني.
ولا يقل المشهد قتامة في فرنسا، التي تبنت في خريف 2016 قانونًا
يحمل اسم النائب باتريك بلوش والقاضي بتعزيز الحرية والاستقلالية والتعددية في
وسائل الإعلام، حيث اتخذت الجمعية الوطنية موقفًا واضحًا لصالح حماية سرية
المصادر، بينما قرر المجلس الدستوري إلغاء الأحكام المنصوص عليها في قانون بلوش
بعد أسابيع قليلة من إقراره، في خطوة تنم عن تراجع خطير.