الأزمة المشتعلة حاليًا بين مجلس النواب والقضاة بسبب إقرار قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية ليست الأولى فى تاريخ القضاة، والقرارات التصعيدية التي أعلن نادي القضاة مساء أمس الأربعاء اتخاذها ليست هي الأولى أيضًا، فقد شهدت الأربع سنوات الماضية منذ عهد الإخوان أزمات بين الحكومة والقضاة دفعت القضاة لعقد جمعيات عمومية طارئة.
يذكر أن قضاة محكمة النقض كانوا قد قاموا بجمع توقيعات فيما بينهم، لعقد جمعية عمومية طارئة، ونجحوا بالفعل فى جمع النصاب القانوني لذلك، وكانت اللجنة التشريعية، قد شهدت مشادات بين أعضاء اللجنة، بسبب اتهام بعض النواب هذا القانون بمخالفة الدستور، وأنه سيزيد من حالة الاحتقان الموجودة بالدولة، خاصة أن الدستور نص على أنه لا بد من أخد رأي الهيئات القضائية في القوانين المتعلقة بالقضاة، في حين يرى البعض، أن إصدار هذا القانون هو اختصاص أصيل لمجلس النواب، لأنه صاحب سلطة التشريع.
وكان قسم التشريع بمجلس الدولة، قد سبق أن ناقش مشروع التعديلات على مدار عدة جلسات عامة، في ضوء أحكام الدستور الصادر عام 2014، ولفت الانتباه في تقريره الذي وضعه على مشروع التعديلات، إلى أنها لم تعرض على الجهات والهيئات القضائية لأخذ رأيها، بالمخالفة لنص المادة 185 من الدستور، التي أوجبت أخذ رأي الهيئات القضائية في القوانين المنظمة لشئونها.
وكانت اللجنة التشريعية بالنواب، قد شهدت مشادات بين أعضاء اللجنة، بسبب اتهام بعض النواب للقانون بانه يخالف الدستور، وأنه سيزيد من حالة الاحتقان الموجودة بالدولة، خاصة أن الدستور نص على أنه لا بد من أخد رأى الهيئات القضائية في القوانين المتعلقة بالقضاة.
وأصدر نادي القضاة أمس بيانا يشمل 7 قرارات تصعيدية للرد علي البرلمان أبرزها الطعن على القانون وعقد جمعية عمومية طارئة.
يشار إلى أنه عندما تقدم النائب أحمد حلمي الشريف في 25 ديسمبر 2016 بمشروع قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وأعلن القضاة رفضهم عدة مرات للقانون ولكن البرلمان استمر في نظر القانون بعد عرضه على اللجنة التشريعية والموافقة عليه وهنا لجأ القضاة لرئيس الجمهورية للتدخل لحل الأزمة وتم إجراء مفاوضات بين النواب والقضاة ووعود بحلها ولكن فوجئ القضاة بإقرار القانون الأربعاء الماضي وعدم الاستجابة لمطلبهم.
وعبر كل من نادي القضاة ومجلس الدولة ومجلس القضاء الأعلى وهيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة عن رفضهم للقانون وأرسلوا طلبات لرفض القانون إلى النواب كما اعترض قسم التشريع بمجلس الدولة على القانون ورفضه وأرسل ملاحظاته إلى مجلس النواب.
وأصدر مجلس إدارة نادي القضاة، عدة قرارات بعد إقرار البرلمان قانون الهيئات القضائية، وكان أبرز القرارات عقد جمعيتين عموميتين لمحكمة النقض، وقضاة مصر، خلال الأسبوع الأول من مايو المقبل.
جاءت القرارات كالتالي:
1- مطالبة رئيس الجمهورية بعدم التصديق على قانون الهيئات القضائية لمخالفته الدستور.
2- الدعوة لعقد جمعية عمومية لقضاء مصر بدار القضاء العالي، يوم الجمعة 5 مايو الساعة 2 ظهرًا، للتدارس في القرارات الواجب اتخاذها وطرح استقالة مجلس إدارة النادي على الجمعية احتجاجًا على انتهاك استقلال القضاء.
3- مطالبة رئيس محكمة النقض بالدعوة لعقد جمعية عمومية غير عادية لمحكمة النقض الثلاثاء 2 مايو المقبل، تنفيذًا لطلبات أعضاء المحكمة والبالغ عددهم 436 عضوا وإلا تعتبر الدعوة للجمعية قائمة لأعضاء المحكمة بذات التاريخ الساعة 12 ظهرًا لتسمية رئيسها.
4- مطالبة مجلس القضاء الأعلى الثبات على موقفه الرافض للقانون والالتزامات بالثوابت القضائية.
5- مطالبة القضاة بإثبات اعتراضهم على القانون بمحاضر الجلسات لمخالفته أحكام الدستور، وانتهاك استقلال القضاء.
6- الطعن على القانون بكافة طرق الطعن قانونًا.
7- مطالبة القضاء بإرسال احتجاج لصالح صندوق تحيا مصر ليُعربوا عن اعتراضهم على القانون من أجل شعب مصر.
من جانب اخر هناك أزمة علي وشك الاشتعال تتمثل فى القانون المقترح من عضوين من نواب البرلمان بتخفيض سن تقاعد القضاة من 70 الي 60 عام، وقد اعلن عدد من القضاة رفضهم ايضا للقانون.
فى عهد مرسى
بعد قرار المعزول محمد مرسي المخالف للدستور بدأت الازمة مع القضاة حيث أصدر في 8 يوليو 2012 قرارًا جمهوريًا بإلغاء قرار المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري آنذاك، بحل مجلس الشعب، إثر حكم للدستورية العليا ببطلان "قانون الثلث المخصص للمقاعد الفردية"، وتصدت المحكمة الدستورية له وتلغي القرار.
وفي 22 نوفمبر 2012 اصدر مرسي الاعلان الدستوري المكمل تضمن إعطاءه لنفسه بموجب هذا الإعلان صلاحيات مطلقة بجعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخرى، أي القضاء "كالمحكمة الدستورية" ليطلق لنفسه العنان في إطلاق القرارات كيفما شاء دون اعتراض من أحد، وكذلك تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بحيث لا يحل أي منهما "كما حدث لمجلس الشعب في بداية حكمه"، وهنا ثار القضاة امامه وكان للمحكمة الدستورية دورًا وللقضاة بعقد جمعيات عمومية طارئة بدار القضاء العالي.
قرار مرسي أيضا بتعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار رئاسي لمدة 4 سنوات، ترتب عليه إقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، واستبداله بالمستشار طلعت إبراهيم والذي أطلق عليه "النائب العام الإخواني"، وهو ما آثار حالة من الغضب داخل الأوساط القضائية وثورة أخرى للقضاة.
واستمر مرسي في الصراع مع المؤسسة القضائية، بالضرب بقراراته عرض الحائط بإلغاء حكم الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، كما أعد مشروع قانون لتعديل "قانون السلطة القضائية" ليناقش داخل مجلس الشورى، ينص على خفض سن تقاعد القضاة من 70 إلى 60 سنة ليترتب عليه عزل نحو 3500 قاض بالإضافة إلى تعيين رؤساء للهيئات القضائية والنائب العام من التابعين للجماعة أو الموالين لها.
واشتعل الصدام بين الرئاسة والقضاء آنذاك عندما ذكر مرسي قاضيا معينا في خطابه وادعى عليه واقعة تزوير الانتخابات، ولم يحدث فى التاريخ أن تحدث رئيس عن قاضٍ بالاسم في واقعة لم تتأكد صحتها.
في عهد مبارك
حدثت أزمة في الانتخابات التشريعية حينما كشف عدد من القضاة محاولة نظام مبارك تزوير الانتخابات، وهنا تعرض عدد منهم للاعتداء من قبل الشرطة، في الدوائر الساخنة وقتها، وتحول مقر نادي القضاة لمقر تظاهرات ضد نظام مبارك.
من جانبه أكد المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، أن لرئيس الجمهورية الحق في الاعتراض على التشريعات التي يصدرها البرلمان وفقا للمادة 123 من الدستور، مشيرا إلى أنه بيده الحل أمام القضاة في قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية الذي أقره البرلمان.
وأوضح "الجمل"، أنه إذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره البرلمان، رده إليه خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ المجلس إياه وإذا لم يرد مشروع القانون فى هذا الميعاد اعتبر قانونًا وأصدر، وإذا رد فى الميعاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانية بأغلبية ثلثى أعضائه، اعتبر قانونا وأصدر.
وأضاف أن القانون به شبهة عدم الدستورية ومصاب بالعوار الدستوري، لذا يستوجب اعتراض الرئيس عليه أو استخدام القضاة الطعن عليه امام المحكمة الدستورية العليا.
من جانبه أكد المستشار عبد العزيز أبو عيانة رئيس المجلس الاستشاري للقضاة، أن القرارات التصعيدية التي أعلن نادي القضاة عنها أمس الأربعاء ضد قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية، جاءت بالتوافق بين أندية قضاة الأقاليم بعد الرجوع لمجلس القضاء الأعلى، مشيرا إلى أنه لم يتم الاجتماع حاليا مع النادي أو مجلس القضاء الأعلى بعد القرارات لحين عودة رئيس الجمهورية من الإسماعيلية بعد عقد مؤتمر الشباب.
وقال "أبو عيانة" في تصريحات خاصة لـ "البوابة نيوز": إن إجراءات التصعيد التي تم اتخاذها لم يبدأ فيها القضاة إلا بعد لقاء رئيس الجمهورية مشيرا إلى أنه متفائل بلقاء الرئيس الذي سوف يتم تحديد موعده الأسبوع المقبل حيث نثق أن الرئيس سوف يرفض القانون ولن يصدره وستنتهي الأزمة بين النواب والقضاة.
ولفت إلى أنه لم يتم الإعلان عن أي إجراء قبل الثلاثاء المقبل بعد انتهاء زيارة بابا الفاتيكان لمصر، موضحا أنه في حال لقاء الرئيس والاستجابة للقضاة سيتم إلغاء جميع القرارات التصعيدية التي أعلن عنها القضاة وأبرزها عقد جمعية عمومية طارئة.
ورفض المستشار عادل الشوربجي نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى التعليق علي القرارات التصعيدية الصادرة من نادي قضاة مصر أمس الأربعاء برئاسة المستشار محمد عبد المحسن، مؤكدًا أن القضاة ومجلس القضاء ينتظرون لقاء الرئيس لحل الأزمة ويثقون في قراره بوقف القانون وذلك قبل اتخاذ أي إجراء تصعيدي مما قرروها القضاة.
وأكد "الشوربجي" في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن المجلس لم يناقش أي أمر خاص بالقانون ولم يجتمع مع أعضاء مجلس إدارة نادي القضاة وينتظرون الأسبوع المقبل للتواصل مع رئيس الجمهورية من أجل تحديد موعد لقائه وحل الأزمة.
وأضاف: لا يوجد أي إجراء بالطعن على القانون أمام المحكمة الدستورية العليا إلا بعد إصدار القانون رسميا من خلال رئيس الجمهورية وهذا آخر حل أمام القضاة في حال استمرار القانون رغم الاعتراض عليه.
نواب مع القضاة:
ورغم موافقة اللجنة التشريعية في البرلمان علي القانون مرتين وتمريره إلا أن عددا من نواب البرلمان تضامنوا مع القضاة وأعلنوا رفضهم لقانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية.
كان العشرات من نواب البرلمان قد عقدوا مؤتمرًا صحفيًا لإعلان رفضهم لتعديلات قانون السلطة القضائية مؤكدين أنهم فوجئوا بطرح عدد من القوانين الهامة خلال الجلسة العامة منها تعديل قانون السلطة القضائية الذى رفضه مجلس الدولة لوجود عوار دستوري كما رفضته جميع الهيئات القضائية.
من جانبه قال النائب مصطفى بكرى انه تقدم بمذكرة الي رئيس البرلمان الدكتور علي عبد العال يرفض فيها القانون وذلك لتجاهله مذكرة وملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة علي القانون، ورفض القضاة له.
وأوضح انه كان يريد انهاء الازمة وحالة الاحتقان بين السلطتين التشريعية والقضائية، والحرص علي استقلال القضاء والدستور، مؤكدا علي حق مجلس النواب في تشريع القوانين ولكن مع الفصل بين السلطات.
واعلن النائب سمير غطاس دعمه للقضاة، ورفضه التوغل في السلطة القضائية، لافتا الي ان القانون اختلق ازمة خطيرة بين مؤسستين بالدولة، وشدد على رفضة للقانون واجراءات تمريره.
وتساءل "غطاس" لماذا يريد البرلمان تمرير قوانين تسبب ازمة مع مؤسسات اخري كبيرة في الدولة كالأزهر والقضاة في وقت الدولة لا تحتاج لذلك بل تحتاج التماسك.
وقال محمد عطا سليم، عضو البرلمان: إن القانون تسبب في أزمة بين السلطتين التشريعية والقضائية، مشيرا إلى أنه كان من الممكن الوصول لحل بين الطرفين ليخرج القانون دون أزمة أو خلاف وذلك عن طريق لقاءات وحوارات بين النواب والقضاة.
وتابع "سليم" رغم إصرار البرلمان على تمرير القانون إلا أن رأي القضاة مهم ولكن القانون لن ينال من هيبتهم أو استقلال السلطة التنفيذية.