درسنا فى الإعلام أن الصورة تساوي ألف كلمة مكتوبة، ربما أكثر من ذلك لما لها من قوة ودلالة في التعبير والتفسير أيضًا لا يمكن للكتابة والكلمات المنشورة أن تصفها بدقة مثل الصورة التى تتميز بالحيوية، فضلا عن الجاذبية التى ربما تحدثها في المتلقى، وهذا ما شاهدناه عقب الإفراج عن "الناشطة السياسية" آية حجازي التي صارت حديث المنتديات والإعلام وبرامج التوك شو عندما تمت براءتها من قبل محكمة عابدين بعد الحبس الاحتياطي لمدة ٣ سنوات.. وتصويرها من ناحية أخرى بجوار الرئيس الأمريكي ترامب، بعد أن أرسل لها طائرة حكومية من أجل نقلها إلى أمريكا بعد الإفراج عنها مباشرة، وأثناء استقباله لها في البيت الأبيض، وهي الصورة التي أثارت العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام في الوقت نفسه لا سيما أن حكم البراءة والإفراج عن آية، جاء بعد نحو أسبوعين من لقاء الرئيس السيسي بالرئيس ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية.. واستجاب القضاء له وأسرع في التحقيقات التي لم تثبت أي تهم تستوجب الإدانة والسجن وتمت تبرئتها من المحكمة.. ربما قد يتبادر في أذهان الناس سؤال هو: هل رضخت الدولة المصرية للضغوط الأمريكية من أجل الإفراج عن آية حجازي؟ أعتقد أن الإجابة عن هذا التساؤل بالنفي القاطع، لأن مصر لا يمكن أن ترضخ لأحد مهما كان، ومهما عظم شأنه ولا يمكن التدخل في القضاء بأي حال من الأحوال، بسبب أمريكا أقوى دول العالم.. ربما كانت الصورة التي رسخها فيلم "عسل أسود" للممثل أحمد حلمي في الأذهان عن قوة جواز السفر الأمريكي في كل مكان من العالم هي السبب في هذا الاستفهام غير المنطقي، ولكنه استفهام مشروع بالطبع! وقد حاولت قناة الجزيرة القطرية الصيد في الماء العكر ـ كالعادة، فصورت قضية آية حجازي بأنها الوجه العالمي لمواجهة القمع الذي تشنه السلطات المصرية ضد منظمات المجتمع المدني في البلاد.
وآية حجازي التي تبلغ من العمر ٣٠ عامًا وخريجة الجامعة الأمريكية والحاصلة على الجنسية الأمريكية بجانب الجنسية المصرية، اختارت العمل المدني الحقوقي وقامت بإنشاء جمعية بلادي الحقوقية للعمل في مصر، ولكنها لم تحصل على ترخيص بالعمل، ربما بسبب البيروقراطية المصرية المهترئة والمتعفنة وجهازها الإداري الذي يحتاج لإعادة هيكلة من جديد، وهي من أسباب فشلها في الحصول على الترخيص اللازم لعمل الجمعية، وهذا ربما جعلها تستمر في العمل دون الحصول على ترخيص وهذا لا يبرر عملها لمدة عام دون ترخيص بالطبع، إلا أن آية حجازي قد أصبحت حديث الشارع السياسي المصري والعربي وربما العالم كله وقد صارت مناضلة وبطلة وأيقونة من الأيقونات التي شاهدناها من قبل.
يذكر أن آية كانت معتقلة بسبب اتهامات عديدة منها إدارة جماعة بغرض الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي للأطفال وهتك العرض والخطف بالتحايل والإكراه للمجني عليهم، وهم الأطفال، بالإضافة إلى تهمة إدارة كيان يمارس نشاطًا من أنشطة الجمعيات بدون ترخيص.
ويقع مقر هذا الكيان بجوار وزارة الداخلية المصرية في شارع محمد محمود بالتحرير بالقاهرة. وكم من الضغوط الأمريكية التي مورست من قبل الرئيس السابق لأمريكا باراك أوباما على الإدارة المصرية من أجل الإفراج عن آية حجازي، ولم يتم الإفراج عنها في حينه، لأن الموضوع برمته كان في يد القضاء المصري آنذاك، وكانت آية رهن التحقيقات، ولكن بعد أن صدر الحكم ببراءتها قامت الإدارة الأمريكية ممثلة في الرئيس ترامب بإرسال طائرة حكومية من أجل استقبال آية في وطنها الثاني أمريكا ورافقتها دينا باول نائبة مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض للشئون الاستراتيجية.
هذه القضية المهمة كان لا بد من التدقيق فيها، وعدم إلقاء التهم دون التحقق جديًا منها، خاصة أن حكم المحكمة ببراءة آية هو عنوان الحقيقة ولم يأت الحكم بالبراءة إلا عن يقين واقتناع تام من قبل القضاء المصري الذي يرسخ دائمًا لمبدأ استقلال القضاء ونزاهته على مدى العصور، ولكن ما حدث في قضية آية ورفاقها ربما سبب لمصر إحراجًا دوليًا، وقد يزعزع العلاقات بينها مع أمريكا وربما مع معظم دول العالم المتقدم، وربما يسجل خطا أسود في الملف الحقوقي المصري، ولا بد من محاسبة من أوصلنا إلى هذا في قضية آية حجازي.
ربما لم يكن انتقادنا لطريقة تعامل الأمريكان مع أبناء جنسيتها في الخارج، بمثل ما فعل ترامب مع آية حجازى المجنسة بالجنسية الأمريكية واستقبالها الأسطوري لها بمثل هذا الاستقبال، بالرغم من أن هناك آلاف الأمريكان المحبوسين في الهند وكوبا وكوريا ودول أخرى لم تتحرك أمريكا معهم بمثل تحركها تجاه الفتاة آية حجازي وهل كل مواطن أمريكي يحبس في مكان ما يرسل له طائرة لعودته إلى موطنه أمريكا؟ وربما أراد ترامب من هذا التصرف مع آية أن يثبت للعالم اهتمامه بقضايا حقوق الإنسان والمواطنين الأمريكان، بالرغم من أن هذا لا يتفق مع شخصيته المحبة للمال والاقتصاد والعنف أحيانًا ولا يهتم كثيرًا بحقوق الإنسان!