الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

الإخوان المسلمون.. .. تاريخ من الدم والإرهاب

كما كذب عليكم إبراهيم منير من قبل.. يكذب عليكم الآن أسلافه من الإخوان الإماراتيين

أبراهيم منير
أبراهيم منير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يبدو أن بعض رجال مجلس العموم البريطاني الداعمين لجماعة الإخوان الإرهابية لم يتعلموا الدرس جيدًا من النقد الذي وُجِّه لهم عند استضافة الإرهابي، إبراهيم منير، في جلسة استماع أمام مجلس العموم البريطاني، إذ يعتزم نفس الأعضاء استضافة عدد من جماعة الإخوان الإرهابية الفارين من دولة الإمارات في جلسة غدٍ.

 وهو ما يؤكد أن ثمة علاقة مريبة بين هؤلاء الأعضاء والجماعة الارهابية ذهب بها البعض إلى عشاء مالي واتهامات بتلقي رشاوى من التنظيم الدولي للإخوان من أجل تنفيذ أجندة الجماعة الإرهابية خاصة بعد تركيز مجلس العموم على أعضاء الجماعة من دولتي مصر والإمارات الأكثر تصديًا للجماعة الإرهابية خلال السنوات الماضية، لذا كان لابد من إعادة نشر تفسير ادعاءات إبراهيم منير في جلسة الاستماع السابقة حتى يعلم الشعب البريطاني أن هناك من بين نوابه من يتلاعبون بمصير أمم وشعوب وأن ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط ليس بعيدًا عن أراضهم أو لعل الأعمال الإرهابية التي حدثت في قلب لندن وبلجيكا وفرنسا وألمانيا تؤكد أن هناك علمية ممنهجة لاستهداف أوروبا.

وإلى نص الرد:

في تفنيد ادعاءات القيادي الإخواني إبراهيم منير أمام جلسة استماع مجلس العموم البريطاني

لقد تابعنا بصدمة كبيرة العمل الإرهابي الغاشم الذي أصاب قلب لندن وراح ضحيته العديد من الأبرياء. ذلك الحادث الأليم الذي يمثل حلقة من استهداف ممنهج وسلسة من الأعمال الإرهابية التي تستهدف أوروبا بشكل عام، كانت بدايتها في بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، وأخيراً بريطانيا.

إن الحادث الأخير يؤكد وجهة نظرنا ويدعمها، كأحد المراكز البحثية المتخصصة منذ عقود وأحد المهتمين بملف الإسلام السياسي، كون جماعة الإخوان المسلمون أحد أكبر الجماعات الداعمة للإرهاب في العالم، سواء كونها تمثل المصدر الذي تستمد منه كافة الجماعات الجهادية، والأفراد، أفكارها المتطرفة والتكفيرية من خلال كتابات منظِّريها. أو بتمويلها بعض العناصر، وتقديم الدعم اللوجستي والتسهيلات المختلفة داخل بريطانيا.

ورغم أن الجماعة حاولت عديد المرات درأ تهمة الإرهاب عن نفسها، وبرغم أنها تحايلت غير مرة في سبيل تجميل صورتها أمام الرأي العام البريطاني، وأمام مجلس العموم البريطاني إبان جلسات الاستماع التي تحدث فيها القيادي في الجماعة إبراهيم منير، إلا أن وجهها الحقيقي يطل من آن لآخر معلناً عن كمية البغض والتلوث الفكري وأفكارها المتطرفة.

لذا، نسعى في هذه المذكرة إلى الرد على حجج الإخوان الباطلة، وتوضيح التضليل والكذب في خطابهم المنحرف، رداً على ما قاله إبراهيم منير نفسه في جلسة الاستماع، ومن واقع أدبياتهم وكتاباتهم المتطرفة، ومن خلال ممارساتهم والوقائع المختلفة التي تثبت ذلك، مستندين إلى حجج وأسانيد قوية بشكل علمي ومنهجي. وسنعرض لها في عديد النقاط عبر الصفحات التالية.

  أولاً- الإخوان والمرأة

في ادعاء الجماعة أن المرأة يمكن أن تتزعم حزب الحرية والعدالة إذا تم انتخابها لذلك.

وهذا الحديث غير حقيقي وعار من الصحة، حيث وقت أن تم تعيين سيدات فى المكتب الإعلامى للجماعة، ومجلس الشورى اعترضت الجماعة وقياداتها، ووقتها كشفت مصادر مطلعة بجماعة الإخوان، أن حالة من الجدل سادت بين أعضاء الجماعة بسبب اعتراضات على ما أسماه عدد منهم بالإصرار على تصعيد عدد من السيدات فى مواقع قيادية داخل التنظيم .

وفضحت مقالات قيادات إخوانية خلال الفترة الأخيرة، حقيقة الموقف الإخوانى الرافض لتصعيد سيداتهم لأى مناصب قيادية، وجائت تلك الاعتراضات ضد ما أقدمت عليه جبهة "محمود عزت" القائم بأعمال مرشد الإخوان، بتعيين عدد من السيدات فى مكتب الإخوان بتركيا، والمكتب الإعلامى للجماعة فى مصر، إلى جانب مكتب الإخوان بلندن، وهى تشبه الاعتراضات التى خرجت من التيار السلفى ض قانون مجلس النواب عندما ألزم وجود عدد معين من السيدات فى القائمة الانتخابية.

الدليل أيضًا على كذب منير هو ما سطره مؤسس الجماعة حسن البنا، حيث قال:

"وقد يقال: إن الإسلام فرق بين الرجل والمرأة في كثير من الظروف والأحوال ولم يسو بينهما تسوية كاملة، وذلك صحيح".

ويا للعجب حينما يحاول تبرير قوله فيسقط في مأزق آخر حين يقول: "هذا الانتقاص لفائدتها وخيرها قبل أن يكون لشيء آخر".

ويضيف: "أما المجالات في غير ذلك من العلوم التي لا حاجة للمرأة بها فعبث لا طائل تحته، فليست المرأة في حاجة إليه وخير لها أن تصرف وقتها في النافع المفيد. ليست المرأة في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة. وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة ... وليست المرأة في حاجة إلى التبحر في دراسة الحقوق والقوانين".

ويتجلى عداء الإخوان للمرأة في فتاواهم التي أصدروها من خلال مجلة الدعوة، وهي المجلة الناطقة باسم جماعة الاخوان المسلمين في السبعينات من القرن الماضي والتي كان يديرها ويشرف عليها المرشد العام للجماعة عمر التلمساني ويرأس تحريرها صالح عشماوي الوكيل العام للجماعة، وكان مفتى الاخوان وقتها هو محمد عبد الله الخطيب، وهو الذي كان يجيب على الأسئلة الواردة للمجلة حول الفتاوى الشرعية، والخطيب كان أحد أعضاء مكتب الإرشاد منذ عام 1990م، وحتى اعتذاره عن منصبه لظروف صحية في عام 2010م.

 ونعرض هنا نماذج من فتاواهم حول المرأة التي تمثل الرؤية العملية لمفهوم المرأة داخل فكر الجماعة

 جاء في العدد رقم "39" الصادر بأغسطس1979، سؤال من مسلم مقيم بألمانيا يقول "أريد الاستفسار عن هذا الحديث الذي قرأته وما هي دلالته. . يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". .

وتأتى الإجابة عن الشطر الثاني من سؤاله على النحو التالي:

الشطر الثاني من الحديث يخبرنا عن صنف من النساء يصفهم بأنهن كاسيات لأن ما عليهن من الثياب لا للستر والتغطية بل لإظهار مفاتن الجسد فهن عاريات وهذا هو أكثر ملابس النساء في عصرنا هذا. . ويشير الحديث إلى التسريحة التي يصنعها الكوافير اليوم. وإلى "الباروكات" التي يتفنن في صنعها ووضعها. كل هذا العري والتكلف لإثارة الشهوات والإغراء والفتنة يقول صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية"، ولقد حذرنا الحديث من الوقوع في الانحلال؛ لأنه شر ما تصاب به الأمم.

وحذرنا من هذه الأصناف وأخبرنا بطردهم من رحمة الله لأنهم أعداء لله ولرسوله وللإنسانية. . وواجب على كل مسلم أن يحرس الإيمان في نفسه وبيته وبيئته وأن يحذر من التقليد والمقلدين وأن يتواصى مع الآخرين بالحق والصبر. وأن ينزل على أمر الله ورسوله. . وكل مسلمة يجب عليها أن تحذر من هذه الأوصاف التي ذكرها الحديث حتى تجد ريح الجنة وتكون من أهلها وإلا فإن الأمر خطير. واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم تُوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".

      في العدد رقم"58"، فبراير 1981 يسأل "ن. س. ز. " من سوهاج:

ما هو سند الحديث الذي يقول "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وما هو حكم تولي المرأة الولاية العامة؟. .

ويقدم الإخوان الإجابة نهائية وحاسمة تعلن عن رفضهم الصارم:

-        الحديث صحيح ومروي في صحيح البخاري وأحمد والنسائي والترمذي. عن أبي بكرة رضي الله عنه. قال: "لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" يقول العالم الداعية المرحوم المودودي: "إن هذا النص – يقصد الحديث – إذا قرن بقوله تعالى "الرجال قوامون على النساء" فهما قاطعان بأن المناصب الرئيسية في الدولة – رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس شورى أو إدارة مختلف مصالح الحكومة – لا تفوض إلى النساء.

-        وقد يأتي الاعتراض من هنا: بأن الحكم في الآية وهو القوامة إنما يتعلق بالحياة العائلية لا بسياسة الدولة. . ونسأل هذا المعترض المخالف لصريح القرآن والسنة. إذا كان الله جل جلاله لم يجعلها قوامة في البيت على عائلة واحدة. . فهل يبيح لها أن تصبح قوامة على الدولة وبها ملايين البيوت؟؟ لا شك في أن القوامة على الدولة أخطر شأنا. . ونحن نرى في أيامنا هذه، تطاولا منهن على دين الله. . فواحدة تقول "إنني ضد الحجاب والمحجبات يخفن الأطفال بمنظرهن الشاذ" ثم يأتي التطاول على الإسلام فتقول "الإسلام لم يدع إلى ارتداء الحجاب"، ثم تتطاول على الحدود التي فرضها الله فتقول عنها "إنها موضوع يحتاج إلى مناقضات كثيرة"، وكيف يفلح قوم يجاهر بينهم بمثل هذه المنكرات وما فيها من خروج صريح على منهج الله ورفض له بل وتطاول عليه، وهناك فرق بين تولي المرأة المناصب وتسيير دفة الأمور وهو ما منعه الإسلام، وبين قيامها بدور الفقيه أو الموجه أو المفتية لبنات جنسها كما تستشار أيضا. ولقد استشار المصطفى صلى الله عليه وسلم زوجته أم سلمه بعد صلح الحديبية وأشارت عليه بالرأي السديد. وكان الخلفاء يستشيرونهن ويعتدون بآرائهن إذا كانت أهلا لذلك، يقول بعض التابعين ما اختلفنا في رأي ولا فقه ولا علم ولا شعر ثم رجعنا إلى أم المؤمنين عائشة إلا وجدنا عندها الفتوى فيما اختلفنا فيه.

 

      في العدد رقم"43"، الصادر في شهر ديسمبر 1979، يكتب أحد الشباب إلى مجلة "الدعوة"

أنا شاب متدين أحب الطاعة وأواظب على الصلاة. ولكني أتأثر حين أرى امرأة سافرة أو أستمع إلى قصص الحب والغرام، وأخشى على ديني. . فماذا أعمل؟ وهل تباح العادة السرية؟ وخاصة أن أمثالي كثيرون "ف. م. جمال" القاهرة.

فكيف يجيب مفكر الإخوان ومفتيهم عن الشق الأول من الأزمة التي يطرحها الشاب؟!:

لفت نظري كثرة الرسائل حول هذه المعاني. ونبارك في الشباب هذا الإحساس الكريم والخوف على أنفسهم والتفكير في مستقبلهم، فالشباب المتدين المسلم في حيرة - حين يخرج إلى الشارع أو الجامعة أو العمل - بين سفور فاضح وشعور مرخاة وملابس شفافة كاشفة. وخلط عجيب بين أزياء الرجل وملابس النساء. وترجل النساء. وتأنث البعض من الشباب. وهذا كله من عمل أعداء الإسلام، حدث في غفلة من المسلمين، وغيبة النظام الإسلامي الذي يحمي الفرد والأسرة والأمة. جاء في البروتوكول التاسع لحكماء صهيون "لقد خدعنا الجيل الناشئ من الأمميين (أي من غير اليهود) وجعلناه فاسدا متعفنا بما علمناه من مبادئ ونظريات معروف لدينا زيفها التام. ولكنا نحن أنفسنا الملقنون لها"، ويجب على المؤمنين الصادقين من حملة المنهج الإسلامي أن يفكروا في حلول عملية لواقع الشباب ولمشاكله فليس من المعقول ونحن نربي الشباب على العفة والطهارة والتسامي بأنفسهم أن نتجاهل نداء الغريزة، "فلا رهبانية في الإسلام"، ويجب علينا كآباء أن نتخلص من تعقيدات المجتمع وشكلياته، وأن ننظر إلى الزواج على أنه طاعة وقربى إلى الله لا سلعة محل مساومة. وبمجرد القدرة العادية للشاب على الزواج علينا أن نعينه على استكمال نصف دينه في حدود سماحة الإسلام وبساطته. وعلينا كأصحاب دعوة أن نجعل من أنفسنا حقل تجربة وميدان تطبيق لما ندعو إليه، ويومئذ نكون قد نجحنا وقدمنا حلولا لكثير من المشاكل. وهذا خير ما نقدمه لدعوتنا.

 

      وفي العدد رقم"64", أغسطس 1981, يسأل علاء أحمد "منزلة- دقهلية"

حدث خلاف بيننا بسبب قضية تنظيم الأسرة.. فالبعض منا يجيزه والبعض يحرمه فماذا ترون في هذا الموضوع؟

 

وتجيب مجلة الدعوة:

لقد تحدثت الدعوة عن هذا الموضوع في كثير وكشفت كل جوانبه المستوردة وبواعثه الصليبية، وأوكد ما سبق أن نادينا به وهو أن الدعوة إلى تحديد النسل دعوة مريبة مشبوهة. ويجب كشف القوى التي تعمل وراءها؛ لأننا نشاهد العالم كله يعتني بزيادة نسله وتكثيره ويرصد آلاف الجوائز.. ورأينا رؤساء الكنائس والأديرة يحرمون على أتباعهم تحديد النسل ويوصون بزيادته. فهل الهدف تقليل الأمة الإسلامية وحدها؟! تمهيدا للقضاء عليها وتدميرها. إن هذا المسلك يجب أن تزاح عنه الأستار وأن يعرى أمام الناس.. فالناطق بلا إله إلا الله.. هو أولى الناس على ظهر الأرض بالرعاية والعناية؛ إذ لولاها لما كان للمخلوقات على ظهر الأرض وزن "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما".

ونظرة الإسلام إلى هذا الأمر من خلال الضرورة الشرعية.. فإذا كان الحمل يضر الزوجة كأن تكون مريضة أو الولادة متعسرة وأخبرها بهذا طبيب مسلم مؤتمن.. ففي مثل هذه الحالات يجوز التحديد عن طريق العزل. والضرورات تبيح المحظورات. أما ما عدا الضرورات الشرعية فهو دعوة فاسدة لا يصح لمسلم أن ينصت إليها".

 

      وفي العدد رقم"40", سبتمبر 1979. تسأل مسلمة:

"تقدمت لإحدى المسابقات للتعيين في وظيفة بالقطاع الخاص. وقد نجحت في المسابقة، ثم تبين لي أن العمل عبارة عن سكرتيرة لمدير العمل. وأحب أن أعرفكم بأنني فتاة محتاجة للعمل إلا أنني فتاة مسلمة أخشى الله. وقد سمعت الكثير عن مثل هذه الوظيفة وطبيعة العمل فيها وظروفها. فهل أطمع من الدعوة في إجابة شافية تريح نفسي وتطمئن ضميري".

جائت إجابة الإخوان بالنفي, مع التأكيد من جديد على أن عمل المرأة استثنائي لا يقاس عليه:

"إذا اضطرت المرأة المسلمة للعمل خارج البيت فلا مانع من ذلك شرعا إذا استمسكت بأخلاق دينها الحنيف، فلا تشتغل في أعمال يحرمها الشرع، ولا تختلط بالأجانب إلا بقدر الضرورة التي يوجبها العمل مع مراعاة الحشمة في الملبس والاتزان في القول؛ استجابة لقول الله سبحانه وتعالي "يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" وقوله تعالى "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا" ولتحذر الخلوة بالأجنبي في مكان العمل أو خارجه سواء كان زميلها أو رئيسها، والعمل كسكرتيرة لمدير العمل لا شك أنه يقتضي الخلوة به ولو بين الحين والآخر؛ فطبيعة هذه الوظيفة تقتضي ذلك، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، ويكفيك أيتها الأخت المسلمة ما سمعت بنفسك عن مثل هذه الوظيفة وطبيعتها. وحاجتك إلى العمل لا تبرر لك الاشتغال في مثل تلك الوظيفة التي تجلب الشبهات في أدنى الأحوال. ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. فحافظي على دينك وشرفك أن يمس، وثقي أن الله سيجعل لك فرجا".

 

ثانياً- الإخوان والخلافة

في زعم الإخوان أن مصطلح الخلافة ليس موجوداً في الدين الإسلامي، ولكنها تسعى لوحدة المسلمين فيما هو أشبه بالإتحاد الأوربى اليوم.

- ما قاله إبراهيم منير ليس صحيح إطلاقاً، والدليل على ذلك هو ما قاله البنا نفسه على الولايات العامة في الإسلام، وسمى متقلدها خليفة، وهو رأس الدولة الإسلامية، وعليه واجبات وله حقوق، فصّل فيها الماوردي رحمه الله، وغيره من فقهاء الفقه السياسي.

وقال البنا: تسمى الخلافة أيضاً الإمامة الكبرى، ويسمى متقلدها الإمام، وهو يقوم بحراسة الدين من الأعداء والمبتدعين ويسوس الدنيا به.

وفي فقه البنا أن الخلافة شعيرةٌ إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها وإعادتها، ولكن إعادتها يحتاج إلى جهاد طويل وممهدات كثيرة.

ونستخلص مما كتبه البنا في هذا الأمر أن الخلافة الإسلامية يسبقها قيام حكومات إسلامية في البلاد الإسلامية، بحيث يقوم كل شعب بإفراز الحكومة الإسلامية التي تحكمه بالإسلام، ثم تتوثق الصلاة بين هذه الحكومات الإسلامية وتندمج في دولة إسلامية عالمية، وقد سمى ذلك: الكيان الدولي للأمة الإسلامية.

فقد ورد في ركن العمل من أركان البيعة مراتب العمل يبدأ بإصلاح الفرد ثم تكوين الأسرة المسلمة، ثم تكوين الشعب المسلم، ثم بتحرير الوطن من أي سلطان أجنبي، ثم العمل على إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، ثم إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافاتها وجمع كلمتها حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة .

وقد ورد في رسالة المؤتمر الخامس تحت منهاج الإخوان المسلمين عنوان: الإخوان المسلمون والخلافة، قول الأستاذ الإمام رحمه الله: إن الإخوان المسلمين يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية ومظهر ارتباط بين أمم الإسلام .. والخليفة مناط كثيرٍ من الأحكام في دين الله ..

والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لا بد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لابد أن تسبقها خطوات، لابد من تعاون تام ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد.. ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين كان عنه الاجتماع على الإمام الذي هو واسطة العقد، ومجتمع الشمل، ومهوى الأفئدة .

ولقد سعى تنظيم الإخوان منذ تأسيسه في العام 1928، إلى إعادة "الخلافة الإسلامية"، متبعًا الخُطوات المبدئية المؤسسة للخلافة، وهي الخطوات التي حددها "البنا" في رسالة المؤتمر الخامس للتنظيم، تحت عنوان "الإخوان المسلمون والخلافة"، متمثلةً في أهمية وجود تعاون تام، ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، بين الشعوب الإسلامية كلها، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد، ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين، كان عنه الإجماع على "الإمام" الذي هو "واسطة العقد، ومجتمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظل الله في الأرض".

انطلاقًا من ذلك، ظن تنظيم الإخوان المسلمين أن بوصوله إلى سُدة الحكم في مصر، يكون قد قطع شوطًا كبيرًا لا بأس به في تحقيق مشروع "الخلافة الإسلامية"، الذي دعا إليه "البنا" في رسائله، غير أن المصريين أدركوا خطورة التنظيم، الذي انكشفت مخططاته طيلة عام حكم فيه مصر، من خلال الرئيس الأسبق محمد مرسي من 1 يوليو 2012، وحتى 3 يوليو 2013، فثار المصريون ضد ذلك التنظيم عقب عام واحد، ليُعيدوا الجماعة إلى نقطة الصفر مُجددًا، ويسقطوا مشروع "الخلافة"، حيث كان "البنا" قد أكد في رسائله أن "الإخوان المسلمين يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثيرٍ من التمهيدات التي لابد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لابد أن تسبقها خطوات".

وإذا أضفنا إلى ذلك السعي المنهجي لجماعة «الإخوان المسلمين» في مجال «أخونة الدولة وأسلمة المجتمع» من خلال الدفع بكوادرها لتشغل المناصب الرئيسية في مفاصل الدولة جميعاً، ومحاولة فرض قيمها المعادية للحداثة على المجتمع، وفشل الحكومة الإخوانية في حل المشكلات الجسيمة التي تواجه البلاد، يمكن ان نستنتج أن سقوط حكم جماعة «الإخوان» كان محتماً، وإن لم يتصور أحد أن يتم بهذه السرعة نتيجة للرفض الشعبي العارم من ناحية، والدعم الإيجابي للقوات المسلحة من ناحية ثانية .

لقد نسي الإخوان طوال عام من حكمهم أنهم جماعة تأتي من خارج الدولة المصرية، التي اعتادت أن تقدّم مَن يحكمون البلاد من عبد الناصر إلى مبارك، وحتى سعد زغلول، قائد ثورة 1919 ضدّ الاحتلال البريطاني، الذي شغل منصب وزير المعارف (التعليم) قبل قيادته للحركة الشعبية. ونسوا أن خبرات النجاح تقول بأن أي قوى أو جماعة راديكالية تأتي من خارج المنظومة السياسية السائدة، لابد أن تتبنّى خطاباً مطمئناً وإصلاحياً لهذه المنظومة السياسة التي صاغت ملامحها في مصر "الدولة العميقة". ويجب ألا تبدو هذه القوى أنها ستسيطر على الحياة السياسية أو تحتكرها، وأنها ستضع الدستور والقوانين الأساسية بمفردها، وتعادي الشرطة والقضاء والجيش، وتدخل في معارك مفتوحة مع السلطة القضائية ذات التقاليد العريقة، لا بغرض إصلاحها بل بغرض الهيمنة عليها – ولاسيما أن الجماعة أعدَّت وحلفاؤها قانوناً للسلطة القضائية يقضي بعزل 3500 قاضي بعد خفض سنّ الإحالة إلى التقاعد من 70 إلى 60 عاماً، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من جانب غالبية القضاة .

لم تقدر الجماعة أنها قد تصل للحكم في المدى المنظور، لذا لم تفكر أبدا في إعداد إجابات عن أسئلة الدولة، ولم تنخرط في إعداد رجال دولة بعدما فشلت حتى في أن تقدم للمجتمع رجال دعوة، باعتبارها قدمت نفسها للمجتمع بالأساس باعتبارها جماعة دعوية وتربوية، حافظت الجماعة على تلك الصيغة الملتبسة التياختارتها لنفسها بين كونها حركة اجتماعية من جانب، وحزبا سياسيا من جانب أخر، بينما كانت حريصة على أن تقدم نفسها لقواعدها ومحبيها بأنها هيئة إسلامية جامعة "وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك إن الإخوان المسلمين دعوة سلفية، وطريقة سنية،وحقيقة صوفية،وهيئة سياسية،وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية" هل نحن إزاء جماعة ام جمعية ام هيئة ام دولة تريد ابتلاع الدولة في النهاية،أو يلتهم مشروعها مشروع الدولة هذا بالطبع ما حاولت الجماعة أن تقوم به ولكن في النهاية ابتلعتها الدولة بعد عام واحد.

لم يكن حكم مصر في أعقاب ثورة يناير أو الانفراد بحكمها على الأقل مسعى عاقلا لأى قوة سياسية فالواقع الاقتصادي المتدهور، وحجم التعقيدات المحلية والإقليمية والدولية التي واجهتها مصر كان يقتضى بناء تحالف سياسي واسع من كل القوى الوطنية، بالشكل الذى يضمن مشاركة كل الفصائل في الإنجاز إذا تحقق وتحمل نصيبها العادل من الإخفاق المحتمل.

ونرصد هنا أهم ملامح حكم الإخوان والتي عجلت بفشلهم:

1.      إقصاء جل القوى السياسية من المشاركة في الحكم والاكتفاء بأعضاء الجماعة وحزبها الحرية والعدالة في قفز على قواعد الجدارة والكفاءة "منذ أن تولى مرسي رئاسة الجمهورية كان ذلك إيذاناً ببداية مرحلة الفشل السياسي لجماعة «الإخوان المسلمين»! فالقيادي الإخوانى الذي رفع في مرحلة ترشحه للرئاسة شعار «مشاركة لا مغالبة»، بمعنى أن فلسفته وفلسفة جماعته في حال الفوز ستكون التوافق السياسي، إذا به بعد أن أصبح رئيساً يقلب المعادلة ويصبح الشعار (مغالبة لا مشاركة).

وترجمت جماعة «الإخوان» هذا الشعار في الإقصاء الكامل لكل الأحزاب السياسية المعارضة عن دائرة صنع القرار، إضافة حتى إلى حليفها وهو حزب «النور» السلفي. ومارست الجماعة منهج الانفراد المطلق بالسلطة، والسعي إلى غزو الفضاء السياسي المصري بالكامل وذلك بالسيطرة على مجلسي الشعب والشورى، وبعد ذلك الهيمنة الكاملة على اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، والإصرار على وضع دستور غير توافقي، وفرض استفتاء عليه مشكوك في شرعيته .

وأعتقد أن أخطاء السنتين الماضيتين في مصر لا تتحملها جماعة الإخوان فحسب، بل إن جزءا مما قد يقال عن شمولية وانغلاق ودغماءيه جماعة الإخوان هو مشكلات تعاني منها كذلك بعض من القوى المحتشدة في ميدان التحرير، إن طبيعة البناء التنظيمي والفكري للجماعة قد تجعل منها جماعة قادرة على قيادة حزب سياسي إلا أنها أثبتت أنها بافتقارها للبرنامج الجامع غير قادرة على قيادة دولة ومجتمع يحمل قدرا من التنوع والتعددية السياسية والثقافية والدينية لا يقبل فيها التنميط والقولبة، وبالمقابل فإن الدعوات التي ازدادت وتيرتها في مصر حاليا والداعية لحل الجماعة لن تحل مشكلات مصر، فهي مشكلات في بعضها كانت هناك قبل أن يأتوا إلى السلطة وستستمر من دونهم في غياب رؤى استراتيجية لإعادة بناء مؤسسة الدولة ودورها في المجتمع .

بدا الإخوان كقبيلة لا تثق إلا بأعضائها، ولم يفطنوا لأخلاق الحكم "تحولت الرابطة التنظيمية والتربية الدينية لدى الجماعة إلى شعورٍ بالتمايز والتفوّق على الآخرين، فيما تحوّلت الطاقة الدينية، التي حافظت على تماسك الجماعة حين كانت في المعارضة، إلى طاقة كراهيةٍ وتحريضٍ على المنافسين والخصوم، وتسبّبت بانغلاق الجماعة وعزلها عن باقي المجتمع، فكثيرا ما استمع الكاتب لشكاوى عشرات العاملين في الوزارات التي قادها الإخوان، عن الحلقة الضيّقة التي يحكم من خلالها هؤلاء المسؤولون. فهم يجتمعون فيمابينهم في جلسات خاصة يهمس فيها الوزير الإخوانى مع مستشاريه الإخوان، كما اعتادوا أن يفعلوا أثناء وجودهم في المعارضة، من دون أن يعلم الموظفون الآخرون شيئاً عن اجتماعهم الذي انتقل من الأماكن السرية للتنظيم إلى داخل الوزارة والمؤسسات الحكومية .

2.      طريقة صناعة القرار في مؤسسة الرئاسة، فعندما تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية في 30 يونيو 2012, قرر إدارة شئون البلاد بشكل مختلف عن نظيره الرئيس السابق الذي كانت دائرة القرار في عهده مقتصرة على مجموعه من رجاله المنتمين للحزب الحاكم في جو من السرية وعدم الشفافية لذا قام مرسي بتعيين هيئة استشارية مكونة من سبعة عشر مستشاراً في مجالات مختلفة وأربعة مساعدين ونائب له ومتحدث رسمي باسم مؤسسة الرئاسة، وقد ضمت تلك الهيئة الاستشارية أسماء عدة منها أحمد عمران، أميمة كامل السلاموني، أيمن الصياد، محمد عصمت سيف الدولة، خالد علم الدين، سكينة فؤاد، رفيق حبيب، سيف عبدالفتاح، عمرو الليثي، فاروق جويدة، محمد فؤاد جادالله وغيرهم

وبالرغم من تلك الخطوة الجديدة التي اتخذها مرسى في بداية فترته، والتي بدت شكلا من أشكال المؤسسية فإنها لم تعكس في النهاية سوى واجهة لصناعة القرار الحقيقي في مقر جماعة الإخوان بالمقطم حيث المرشد العام للجماعة والحلقة الضيقة التي أدارت الجماعة في العقود الثلاث الماضية وها هي تقود مصر كلها إلى الهاوية لذا كان من الطبيعي أن يدرك أكثر هؤلاء المستشارين الحقيقة و من ثم التقدم باستقالتهم والخروج بالتزامن مع أزمة الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر2012، وجاءت فيه مجموعة من القرارات على رأسها إعادة محاكمة المتهمين في قضايا قتل وإصابة المتظاهرين، وتحصين جميع القرارات والإعلانات الدستورية التي أصدرها الرئيس منذ توليه الحكم وحتى نفاذ الدستور، وأخيرا تحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى على الرغم من أن الأولى كانت تنتظر حكما ببطلان تشكيلها في الفترة الحالية، وجميعها قرارات أثارت غضب عدد من المستشارين الذين أكدوا أن تلك الخطوة أقدم عليها الرئيس دون الرجوع إليهم أو إلى نائبه أو مساعديه، وبالتالي توالت الاستقالات على مكتب الرئيس بدءا من سمير مرقص مستشار الرئيس السابق لشؤون التحول الديمقراطي، مرورا بالكاتبة سكينة فؤاد والمهندس محمد عصمت سيف الدولة وصولا إلى الكاتب أيمن الصياد، والإعلامي عمرو الليثي، والدكتور سيف عبدالفتاح.تلك الاعتراضات والاستقالات التي صاحبتها جاءت غالبيتها نتيجة تصاعد الاشتباكات بين مؤيدي ومعارضي الرئيس في محيط قصر الاتحادية، التي راح ضحيتها كثير من القتلى والجرحى في صفوف الطرفينبعدما حاول أنصار الرئيس فض اعتصام لمجموعة من شباب الثورة اعتراضا على الإعلان الدستوري الذى بدا تأكيدا على نوايا مرسى وجماعته بإحكام القبضة على البلاد والتأسيس لحكم فردى مستبد في عجلة لم تغادر الجماعة في سلوكها السياسي، ساهمت في كشف حقيقتها على نحو مبكر وفى أقل من عام من حكمهم .

وقد حافظ الإخوان على واجهتين للحكم، مثل حزب الحرية والعدالة الواجهة الأولى التياقتضتها الشروط الدستورية والقانونية دون أي صلاحيات حقيقية في النهاية، فالحزب والذى تأسس للمفارقة بعد إجراءات اختيار مؤسسيه من بين الأعضاء العاملين في الجماعة بنسبة 90 % لم تترك له أي فرصة للممارسة السياسية، بل كان دوما كالطفل الذى ينتظر تعليمات والده حتى أن الجماعة هي من عين رئيس الحزب وأمينه العام ونوابه وبعض أعضاء المكتب التنفيذي، وبالرغم من كل ذلك لم تثق الجماعة به بما يكفى لأن تعهد له بممارسة الدور الذى حدده له الدستور والقانون كأداة للمنافسة السياسية وممارسة السلطة إذا حاز ثقة الناخبين،أما الواجهة الثانية فقد كانت تلك الهيئة من المستشارين الذين برغم اختيارهم من المتعاطفين مع الجماعة،إلا أن ذلك لم يحل دون استقالتهم في النهاية.

3.      الأداء المرتبك للرئاسة والتردد وإصدار القرارات والتراجع عنها، بما حطم صورة الرئيس لدى الشعب وبدا كالموظف الذى ينتظر تعليمات المرشد "من القرارات التي أصدرها الرئيس محمد مرسي والتي أثارت الراي العام في الشارع المصري هو ذلك القرار المتعلق بإصدار التعريفة الجمركية الجديدة , حيث نص على تحصيل الضريبة الجمركية علي البضائع التي تصدر بضفة مؤقتة عند إعادة استيرادها بواقع 10% من التكاليف، كما تقرر رفع الجمارك للعديد من السلع الاستهلاكية التي وصفها القرار بغير" الضرورية". وقد تم صدور هذا القرار دون دراسة كافية من كافة الجوانب، وفى وقت يعاني فيه المجتمع المصري من انشقاق واحتقان سياسي، الأمر الذي خلًف آثار سلبية سياسية واقتصادية، حيث مُني السوق المصري بحالة من الارتباك والعشوائية، هذا الارتباك قد أدي إلي ارتفاع في أسعار السلع الغذائية الأساسية بنسبة تتراوح بين 30%إلي 40%، وبعد فترة لاحقة، أصدرت مؤسسة الرئاسة بياناً جاء فيه أن الرئيس محمد مرسي قد أوقف العمل بالقرارات الخاصة برفع الضرائب، وان ما حدث ليس تراجعا عن القرارات بقدر ما هو تجميدا لها.

4.      غياب الرؤية حول محددات السياسة الخارجية المصرية وتحديد نطاق المصالح المصرية بوضوح، لقد انعكس الفشل في إدارة الشؤون الداخلية للدولة المصرية، على السياسة الخارجية لمصر، فكانت جولات مرسي استعراضية أكثر من أي شيء، خاصة أن الرئيس المصري قام بـ 25 زيارة خارجية لدول العالم دون أي نتائج ملحوظة على أرض الواقع، وفقدت مصر دعم عدد كبير من الدول العربية الداعمة لها اقتصاديًا.

لقد أدار الإخوان ملفات العلاقات الخارجية بصورة مضرة بالأمن القومي المصري، وظهر هذا جليا في قرار إثيوبيا بناء سد النهضة، وقضية حلايب وشلاتين، ومع ليبيا فيما يتعلق بتسليم رموز النظام السابق مقابل الحصول علي قروض مالية، إن السياسة الخارجية لأي دولة تقوم على أساس التوازن والمصالح المشتركة، وهذا لم يتحقق في زمن الإخوان الذي فيه مصر دولة رخوة تعاني من فوضى وعدم استقرار انعكس في الارتباك عند إدارة العلاقات الخارجية .

5.      الإخفاق الاقتصادي الناتج عن غياب كفاءات لدى الجماعة تنهض بالمهمة، حيث غلب على كوادرها المهنيين والعمال والطلاب،وتمثل هذا الإخفاق في غياب فلسفة اقتصادية أو رؤية تحكم القرار الاقتصادي الذى تأرجح بين اتجاه الحكومات السابقة وروح الثورة وأهدافها التي لم تجد من يتبناها او يعبر عنها،وفى هذا السياق نطرح بعض المؤشرات الدالة حيث كشف تقرير للبنك المركزي أن حجم الدين الخارجي ارتفع ل44 مليار دولار بنهاية شهر إبريل من عام 2013 , مقارنة ب34 مليار دولار في العام الماضي بزيادة قدرها 10 مليار دولار .

6.      أنت تقضم أكثر مما تهضم، كانت تلك وصية أردوغان حليف مرسى له في محاولة لإثنائه عن نهج الاستحواذ على كل مفاصل الدولة وإبطاء عجلة الأخونة والتمهل في استعداء المؤسسات كالمؤسسة العسكرية والقضائية، ولدى أردوغان تجربة كبيرة ملهمة لم يستفد منها مرسى وجماعته بالطبع، حيث كانت الطبعة الإخوانية المصرية منتمية لأربكان عقلا وجسدادون زهد في تطلعات أردوغان.

7.      وهم الشعبية والذى اعتقدت الجماعة أنها سيحميها من السقوط في مواجهة خصومها، فالإخوان اعتقدوا أن القاعدة الشعبية الكبيرة التي يملكونها ستوفر لهم دعما قويا في سدة الحكم عند بروز خلاف بينهم وبين معارضيهم، وهو خطأ جسيم في إدراك الفارق الكبير بين القوة العددية وبين القوة النوعية، فالأصوات التي حصل عليها الإسلاميين قد جاء أغلبها من أناس بسطاء لا تتجاوز قدرتهم على المساندة أكثر من مجرد منح أصواتهم الانتخابية، وأغلبهم انتقل بعدها إلى مقاعد الانتظار ترقبا لما ستسفر عنه نتائج هذا الاختيار، وفي المقابل، فأن المعارضة كانت تضم أغلب الفئات الفاعلة والمؤثرة في المجتمع المصري من قضاة وإعلاميين وشرطة وجهاز إداري ومثقفين، وهؤلاء لديهم الكثير من المصالح والمكتسبات (التاريخية) التي يمكن أن يهددها الإخوان، وهذا التهديد المحتمل يأتي في مقابل عدم وجود أية فرصة واضحة أمامهم للاستفادة من الإخوان، فالنخب لا يمكن أن تدير علاقتك معهم إلا بمنطق العصا أو منطق الجزرة. فإما أنك تملك من الإمكانات والفرص ما يمكنك معه دعم مصالحهم المباشرة، أو لديك من القوة ما تجبرهم به على كف الأذى خشية منك، وكلاهما لم يتوفر للإخوان،وهذه الفئة المعارضة لم تكتفي في إعلان موقفها من الإخوان عند مجرد وضع علامة في الورقة الانتخابية ثم الانتظار كما فعل المؤيدون من جماهير الشعب، بل استخدمت عناصر القوة الهائلة لديها في (سحق) تجربة الإسلاميين في الحكم دفاعا عن وجودها ومكتسباتها، وقد كان يكفي هؤلاء فقط عدم التعاون مع نظام الحكم الجديد لتدميره، فكيف الحال وقد عملوا بشكل منظم على افشاله .

وقد أدت ممارسات رئيس الجمهورية المعزول الدكتور محمد مرسي في مجال الإخلال بثوابت الأمن القومي، إضافة إلى اعتدائه المستمر على السلطة القضائية، ومعاداته للإعلام بل وللمثقفين وإصداره إعلاناً دستورياً أعطى فيه لنفسه كل السلطات، إلى أن يدرك الشعب المصري أن حكم جماعة «الإخوان» الذي يستند إلى شرعية شكلية تقوم على نتائج صندوق الانتخابات، ليس سوى حكم استبدادي صريح من شأن استمراره هدم كيان الدولة المصرية ذاتها.

وهكذا يمكن القول إن الخروج الشعبي الكبير في 30 حزيران (يونيو) كان إعلاناً جهيراً بالفشل السياسي المدوي لحكم جماعة «الإخوان المسلمين»، ولكن أخطر من ذلك كله أنه دليل مؤكد على السقوط التاريخي لمشروع الجماعة، والذي يتمثل في هدم الدولة المدنية وإقامة دولة دينية في مصر تكون هي الأساس في المشروع الوهمي الخاص باستعادة الخلافة الإسلامية .

ربما تجسد الفشل السياسي بوضوح، أما الفشل الأخلاقي فتمثل في مشروع الجماعيالقيمي الذى طرحته واجهة ساعدت على قبولها شعبيا لعقود، والذى تمثل في الدعوة لتمكين القيم من النفوس اختيارا مجتمعيا حرا وليس تنزيلا سلطويا بسيف الحكم، كانت لدى الجماعة فرصة تاريخية لتمكين مشروعها القيمي بعدما توفرت أجواء الحرية التي دعت لها في خطابها قبل الثورة، فهل كان المشروع قيميا بالفعل أم أنه كان مجرد مشروع سياسي توسل بالدين للوصول للسلطة، لقد كان أهم ما تحتاجه وتتطلع إليه الجماعة قبل ثورة ٢٥ يناير هو الحرية.. حرية التربية والدعوة، والعمل على إفساح المجال لجيل مختلف من الإخوان، جيل يبتكر ويبدع.. لكن للأسف، عندما جاءت الحرية، لم يحسنوا التعامل معها، ولا تقدير استحقاقاتها ومتطلباتها، وإذا بهم يقفزون مباشرة إلى أتون الدولة، دون تهيئة أو استعداد، خاصة مع وجود أفكار ملتبسة حول الوطن والديمقراطية والمواطنة، لذلك أضاعوا على أنفسهم فرصة العمر التي طال انتظارها.. كان من المفترض أن يهتبلوا الفرصة ليعيدوا ترتيب أوراقهم وأفكارهم.. قلنا لهم: ضروري أن يكون حزب الحرية والعدالة منفصلا بشكل كامل وحقيقي عن الجماعة، منعا لأى ازدواجية بينهما، وفرصة لتربية سياسية واعدة، وأن تتحول الجماعة إلى جمعية تربوية دعوية تأكيدا لسيادة القانون.. لكن واأسفاه.. وقلنا أيضاً: ضروريفي تلك الفترة أن ينافس الحزب على ٢٥٪ فقط من مقاعد مجلس الشعب، وإذا تشكلت حكومة فيكون الحزب جزءا منها وليس على رأسها، وأن ينأى الحزب عن الدفع بمرشح للرئاسة.. لكن، لقد أسمعت إذ ناديت حيا.. وقلنا كذلك: ضروري أن تقوم الجمعية التربوية والدعوية بدورها المأمول في الارتقاء بمنظومة القيم الإيمانية والأخلاقية والإنسانية في المجتمع.. لكن ذلك لم يحدث .

الشرعية.. الشرعية، كانت تلك الكلمة التي رددها مرسى في آخر خطاباته لعشرات المرات تماما ككلمة أنا القائدالأعلى للقوات المسلحة بمناسبة ودون مناسبة في محاولة لإقناع نفسه قبل أي أحد أخر بأنه أصبح بالفعل رئيس مصر الكبيرة، وبالعودة الى المنهج السياسي المتخلف والعقيم الذي انتهجته قيادة الاخوان المسلمين في تسيير شئون الحكم وإدارة الدولة إبان فترة حكمها القصيرة فإننا نلاحظ بجلاء ووضوح كيف تعمدت اساءة الاستخدام المفرط لشعار الشرعية وامتهنته وابتذلت في توظيفه وتسخيره، كغطاء لسعيها المهووس الى إحكام قبضتها على مقاليد الحكم والدولة والاستئثار بها واحتكارها لها وحدها، وإقصاء الجميع بمن فيهم احياناً حلفاؤها المقربون وجعلها سلاحاً لتصفية خصومها ومعارضيها السياسيين، وقمع حرية الرأي والتعبير وخنق الحقوق والحريات، لأن هذه القيادة كابرت وعاندت ولا تزال في الاستخدام المفرط والمبتذل لشعار الشرعية، مصرة على إضفاء طابع الديمومة والقداسة على شرعية ممثلها الرئيس محمد مرسي، وأن الشعب المصري عند انتخابه في انتخابات شرعية كرئيس لكل المصريين، وبالتالي لا يجوز مساءلته أو محاسبته او نقده، أو حتى مجرد المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة يعيد الرئيس مرسي طرح نفسه مجددا كمرشح فيها،بحجة تطبيق هذا المبدأ المعمول به في الديمقراطيات كلها من شأنه ان يتكرر مع كل رئيس جديد يأتي فور فوزه، وتلك مغالطة وحجة متهافتة وغير منطقية دون ان تنظر تلك القيادة الى الكيفية والظروف الاستثنائية المرتبكة التي انتخبت فيها الرئيس مرسي، والتي استغلتها قيادة الجماعة بأسلوب انتهازي لإيصال مرشحها الى سدة الحكم،إن التجربة المريرة برغم قصر فترتها الزمنية لحكم الجماعة قد رسخ شعوراً وقناعة راسخة في اوساط الرأي العام الشعبي بأن الجماعة يتملكها ويسيطر عليها شغف مجنون بالسلطة والتشبث بها، ولو كان ثمن ذلك تدمير البلاد والزج بها في اتون الفتنة والحرب الاهلية المهلكة، وأن مصالح الجماعة هي الأَولى بالاعتبار دون مصالح البلاد والعباد ومستقبل الاجيال القادمة، ولهذا فقد بات ينظر لها على عكس الماضي بأنها قوة خطيرة ومدمرة لا يمكن ان تكون مؤمنة ولا مأمونة الجانب لحاضر ومستقبل البلاد .

كان الخطاب المزدوج من اهم أسباب فشل الإخوان الأخلاقي،فبينما عرفوا التنقل جيدا بين خطاب التمسكن في حال الضعف والذى تجسد بقبول فكرة التعددية السياسية وتغيير رأى الجماعة في العام 1995 وكذلك القبول بترشيح المرأة فقد تحدثوا بقوة عن خطاب اخر في 2011 عندما قال محمود عزت «لا مفر من تطبيق الحدود ولكن بعد امتلاك الأرض» بثقة أطلق نائب المرشد العام للإخوان المسلمين .

لقد كان الإخوان أنفسهم هم من تسببوا بالفشل لمشروعهم السياسي، حيث كشفت الأحداث والممارسات أنه ليس لديهم مشروع أخلاقي حقيقي "إن ما سيذكره التاريخ جيدا هو أن فشل الإخوان المسلمين بمصر سببه الإخوان أنفسهم وليس خصومهم، داخليا أو خارجيا، خصوصا عندما قرر الإخوان حكم مصر بعقلية الجماعة، وإدارتها كمعارضة وليس كسلطة سياسية تنتهج منهج الحكم الراشد الذي يجمع ولا يفرق، نهج يوحي بأن من يحكم يؤمن بتداول السلطة، لا الاستئثار بها، كما أنه يؤمن بقدسية حقن الدماء وليس التساهل مع من يقوم بالتكفير والتخوين وتهديد السلم الاجتماعي للبلاد ككل .

لقد قدمت جماعة الإخوان نفسها راعية لمشروع ضخم، يستهدف إعادة الكيان الدولي للأمة تحت راية الخلافة، ومنير كاذب بالجملة.

 

ثالثاً- الإخوان والتطرف: سيد قطب نموذجاً

في الرد على دفاع إبراهيم منير عن سيد قطب، وإدعاؤه أن أفكار قطب خالية من التطرف تماماً

- يعتبر سيد قطب هو المنظِّر الأهم في تاريخ حركة الإخوان، والأكثر تأثيرا في مسيرتها خصوصا في العقود الأربعة الماضية في الفترة من عام 1973 تاريخ خروج الإخوان من المعتقلات وإعادة تأسيس الجماعة مع ولاية الأستاذ عمر التلمساني وحتى العام 2013،العام الذى خرجت فيه الجماعة من حكم مصر بعد تجربة حكم لم تستمر سوى لعام واحد، بالرغم من انفتاح شخصية عمر التلمساني ورغبته الجادة في الانفتاح على المجتمع المصري والعمل من خلال حزب سياسي بشكل واضح وشفاف فقد اصطدمت مساعيه بتدبير المجموعة القطبية الى أدارت الجماعة من وراء ظهره، وتحديدا الحلقة الأضيق التي مثلها مصطفى مشهور وأحمد حسنين وحسنى عبدالباقي وكمال السنانيرى وغيرهم من رجال سيد قطب

وقد سيطرت المجموعة القطبية على أهم لجان الجماعة، وهى لجنة التربية المسؤولة عن صياغة الشخصية الإخوانية عقائديا وفكريا، ومثلت كتابات سيد قطب " في ظلال القران الكريم " "وهذا الدين ""معالم في الطريق " اهم الأدبيات التي شكلت ضمير القواعد الإخوانية، وكان أخطر ما حدث للشخصية الإخوانية هو العزلة الشعورية التي قدمت باعتبارهاالسلوك القويم في مواجهة ما سماه بالجاهلية " نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم عاداتهم وتقاليدهم موارد ثقافتهم فنونهم آدابهم شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية وفلسفة إسلامية، هو كذلك من صنع هذه الجاهلية .

وفى مواجهة هذه الجاهلية لابد من طليعة،هي من وجهة نظره شرط التمكين للأمة يقول " إنه لابد من طليعة تعزم هذه العزمة وتمضى في الطريق، تمضى في خضم الجاهلية الضاربة الأطناب في أرجاء الأرض جميعا تمضى وهى تزاول نوعا من العزلة من جانب، ونوعا من الاتصال من الجانب الأخر بالجاهلية " .

هي إذن العزلة التي تتعزز في ضمير الفرد الإخوانى لتجذر شيئا فشيئا قطيعته مع المجتمع، الذى يتعامل معه دون أن يتوحد معه وجدانيا، هو منفصل عنه لا يشعر بمشاعره ولا يشاركه أحلامه فعندما يحلم المصري بدولته الوطنية ويفكر لها ويطرب ويهتز وجدانه لنشيدها الوطني، يحلم الإخوانى بدولة أخرى أممية ليس لها نشيد او علم، ولكنها تسكن وجدانه المعزول المستعلي " إن أولى الخطوات في طريقنا هي أن نستعلى على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته، وألا نعدل نحن في قيمنا وتصوراتنا قليلا لنلتقي معه في منتصف الطريق، كلا إننا وإياه على مفرق الطريق، وحين نسايره خطوة واحدة فأننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق، وسنلقى في هذا عنتا ومشقة وستفرض علينا تضحيات باهظة، ولكننا لسنا مخيرين إذا نحن شئنا أن نسلك طريق الجيل الأول الذى أقر به منهجه الإلهي، ونصره على منهج الجاهلية "

بهذه النفسية تتعزز القطيعة بين الإخوان والمجتمع الذى يريدون أن يحكموه، دون أن يجمعهم معه شعور واحد أو حلم واحد،لذا حرصت تلك القيادة القطبية التي تشربت تلك الأفكار أن يمضى مسارها نحو حكم مصر،وقد احتلت فيه هذه الأفكار محور تفكيرهم وانعكست بوضوح على سلوكهم السياسي.

ويقول في كتابه (لماذا أعدموني) الآتي:

ص49: كنّا قد اتفقنا على استبعاد استخدام القوة كوسيلة لتغيير نظام الحكم، أو إقامة النظام الإسلامي، وفي الوقت نفسه قررنا استخدامها في حالة الاعتداء على هذا التنظيم.ص50: نظراً لصعوبة الحصول على ما يلزم منه حتى للتدريب، فقد أخذوا في محاولات لصنع بعض المتفجرات محلياً، وأنَّ التجارب نجحت وصنعت بعض القنابل فعلاً، ولكنها في حاجة إلى التحسين، والتجارب مستمرة.ص55:وهذه الأعمال هي الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم بإزالة رؤوس في مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربي، ثم نسف لبعض المنشآت التي تشلّ حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها كمحطة الكهرباء والكباري، وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما سيجيء.

شواهد "داعش" الجلية على الأرض في كل من سوريا والعراق بم دونه من جداريات" قطبية" على المباني والأسوار، وأدبيات مقاتلي وأنصار داعش على مواقع التواصل الاجتماعي، كشفت مبكرا رعاية سيد قطب للجماعات المتطرفة "القاعدة" و"داعش"، وكان أبرزه ما اعترف به أمير جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، في يونيو 2015 خلال حواره عبر إحدى الفضائيات، بتدريسهم كتب جماعة الإخوان لطلابهم، وخاصة فكر القيادي الراحل الإخواني سيد قطب لدعمه الجهاد وقتل الفئات الكافرة. وأضاف الجولاني أنهم يرون أن جماعة الإخوان جماعة جهادية، وأن جبهة النصرة منبثقة من فكر حسن البنا، مؤسس الإخوان.

وفي أكتوبر 2014 اعترف يوسف القرضاوي خطيب جماعة الاخوان المسلمين بأن البغدادي زعيم تنظيم "داعش" كان من جماعة الإخوان المسلمين، وكما جاء في حديث للقرضاوي: "هذا الشاب كان من الإخوان في أول أمره، إلا أنه كان يميل إلى القيادة وأغراه هؤلاء بعد عدة سنوات. كان مسجونا وانضم إلى هؤلاء".

وفي نوفمبر 2014 وكما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" في لقاء لها مع الداعشي البريطاني كبير أحمد قبل أن يفجر نفسه في هجوم انتحاري عند مصفاة بيجي، شمال بغداد. وقال الداعشي المذكور: "في السجن درست القرآن وعرفت ما يجري للمسلمين حول العالم، والمفكرون الذين تأثرت بهم وأحبهم هم سيد قطب، وأنور العولقي، وأسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وأنا أحبهم جميعاً وأحترمهم"، على حد تصريحاته.

ومن بين إحدى إصدارات "داعش" على خطى سيد قطب وما بثته حسابات التنظيم، ما كتبه المسمى أحمد طه في مقال له بعنوان "انتصارات الدولة الإسلامية.. معالم في الطريق".

أما حساب "قادمون" فآثر اقتباس إحدى عبارات سيد قطب قائلا: "إن جيلا زرعته يد الله، لن تحصده يد البشر"، وخرج حساب "جلاب الشمري" بجملة أخرى: "الجاهلية المنظمة لا يهزمها سوى إسلام منظم". وقال "أبو عزام" في حسابه: "إن هذه الجيوش العربية التي ترونها ليست للدفاع عن الإسلام والمسلمين وإنما هي لقتلكم".

"الحاكمية والجاهلية" أنجبت الجماعات المتطرفة

رعت أدبيات سيد قطب كافة الجماعات المتطرفة فكانت العباءة الفضفاضة التي خرجت منها جماعة التكفير والهجرة والقاعدة وداعش وغيرها، وغذت وتغذت منها قياداتها، مثل أيمن الظواهري - زعيم تنظيم القاعدة - الذي انضم لجماعة الإخوان المسلمين منذ أن كان في سن 15 عاما.

الظواهري، وفي تسجيل مصور له بثته المواقع الجهادية في يناير 2015، اعترف أن أسامة بن لادن خرج من تنظيم الإخوان المسلمين، وأشار إلى أنه كان يتبع تعليمات التنظيم بحذافيرها عندما توجه إلى باكستان. وأضاف: "كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وأن التنظيم هو الذي أرسله إلى باكستان عندما وقع الغزو السوفيتي في مهمة محددة، وهي توصيل الدعم للجماعة الإسلامية الموجودة هناك، وكانت تعليمات التنظيم إليه ألا يدخل أفغانستان ولكن أسامة خالف الأوامر".

فيما قال عبدالله عزام الزعيم الروحي للأفغان العرب في كتابه "عشرون عاما على استشهاد سيد قطب": "والذين يتابعون تغير المجتمعات وطبيعة التفكير لدى الجيل المسلم يدركون أكثر من غيرهم البصمات الواضحة التي تركتها كتابة سيد قطب وقلمه في تفكيرهم. والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار القطبيين آنذاك وفي الجيل كله فوق الأرض كلها". ومنهم أيضا محمد المقدسي وهو أحد الأفغان العرب المشهورين بشدة التكفير والحكم بالردة على المسلمين واستباحة دمائهم، فقد قال في كتابه (ميزان الاعتدال): بل قد أمضيت عمرا في رافد تصحيحي من روافد الإخوان الذين أرضعونا (الظلال) و(المعالم) وغيرهما من كتب سيد وأخيه والمودودي – رضاعة في طور الحضانة أعني بداية الهداية".

القرضاوي قطب كفر المجتمعات الإسلامية

خصائص التصور الإسلامي لسيد قطب ومقوماته وتحولها إلى دعائم للجماعات المتطرفة في تكفير المجتمعات الإسلامية وقتالها، كانت جلية فيما أصل له عبر أدبياته حول الحاكمية والجاهلية، فجاء في كتابه "في ظلال القرآن"(4/2122) إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي".

وقال في الظلال (3/1634): "إن المسلمين الآن لا يجاهدون! ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون! إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج".

وتابع في الظلال أيضا (2/1057) : "لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله، فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله".

وأضاف: "إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم".

القرضاوي كان قد وصف "قطب" بتكفيره للمجتمعات الإسلامية، قائلا في كتابه "أولويات الحركة الإسلامية"، صفحة 110: "في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره بتكفير المجتمع وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة".

وعن سيد قطب، كتب فريد عبدالخالق عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين في كتابه "الإخوان المسلمين في ميزان الحق"، صفحة 115: "إن نشأة فكرة التكفير بدأت بين بعض الشباب الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، وهم تأثروا بفكر سيد قطب وكتاباته وأخذوا منها أن المجتمع في جاهلية، وأنه (قطب) قد كفر حكامه الذين تنكروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله ومحكوميهم إذا رضوا بذلك".

 

رابعاً- حقيقة حجم الجماعة، والكتلة التصويتية للإخوان

الزعم بأن عدد الإخوان الذين يحق لهم التصويت الداخلى فى مصر يتراوح بين 900 ألف ومليون عضو.

كل ما يتعلق ببنية الجماعة التنظيمية الداخلية من هياكل ومستويات تنظيمية وعدد العضوية وتوزيعها الجغرافي والاجتماعي، يظل في دائرة الغموض والتكهن عدا بعض المعلومات الجزئية الناقصة المتواترة، ومنير يحاول أن يضخم من حجم جماعته لكي يتخذ ذلك ورقة في تعامله مع الغرب.

فأعلي مستوي تنظيمي للجماعة، وهو مكتب الإرشاد، لم يسبق أن أعلنت أي جهة بداخل الجماعة أو خارجها عن تشكيله الكامل، بالرغم من شيوع معلومات كثيرة عن أعضائه كل علي حدة. ويزداد الأمر صعوبة وغموضاً حين يتعلق الأمر بمجلس الشوري العام للجماعة، وهو المستوي التالي في الأهمية لمكتب الإرشاد، حيث لا يعرف أحد خارج القيادة العليا للجماعة عدد وأسماء كل أعضائه الذين يقال إنهم يزيدون علي المائة والخمسين شخصاً، بالرغم من تواتر معلومات عن عدد ضئيل منهم في الأوساط السياسية والإعلامية. وتزداد صعوبة المعرفة تدريجياً كلما هبطنا في المستويات التنظيمية للجماعة من المكاتب الإدارية إلي المناطق ثم الشعب، وصولاً إلي الأسر، وبجانبها اللجان النوعية والفرعية.

وتصل الصعوبة إلي ذروتها عند محاولة التعرف علي عدد الأعضاء المنخرطين في جماعة الإخوان المسلمين، حيث يفاجأ المرء بأنه لا توجد أي إحصائية معلنة من أي جهة في البلاد، سواء من داخل الجماعة أو الأجهزة الأمنية أو وسائل الإعلام أو الباحثين، منذ آخر إحصائية وردت في عديد من المصادر التاريخية في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي، وحددت عدد أعضاء الجماعة العاملين المسددين للاشتراكات بنحو نصف مليون عضو.

وهنا ينفتح الباب واسعاً لكل أنواع التقدير لعدد أعضاء الجماعة الحقيقي بدءاً من التقديرات الجادة القائمة علي بعض المؤشرات والمعايير، وصولاً إلي الاحتمالات العبثية المحلقة في الهواء والمفعمة بالتحيزات مع أو ضد الجماعة، ومروراً بالتلفيقات والأخطاء الإعلامية التي تنسب لبعض المهتمين بالظاهرة الإسلامية تقديرات تضمن «الفرقعة» الإعلامية والسياسية بزعم قيامها علي دراسات لم تجر قط، كما حدث مع كاتب هذه السطور مؤخراً، مما دفع بعض المتسرعين من الكتاب المتربصين بالجماعة للتعليق علي ما نسب إليه دون أن يكلفوا أنفسهم ما تقتضيه القواعد المهنية بضرورة التأكد من صحة هذا النسب. والحقيقة أن التقدير الجاد لعدد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر يستلزم دراسة أكثر عمقاً والتزاماً بمناهج البحث العلمي يمكن أن تهتدي في ذلك بمجموعة من المعايير والمؤشرات المتوافرة في خلال السنوات والعقود الماضية .

وهنا يأتي ثاني تلك المؤشرات، وهو التصويت الذي حصل عليه مرشحو الجماعة في الانتخابات البرلمانية المتعاقبة التي خاضوها منذ عام ١٩٨٤ حتي الأخيرة في عام ٢٠٠٥، والتي حصلوا فيها علي نحو ١.٧ مليون صوت.

فما استقر عليه المحللون المستقلون وقيادات الجماعة أنفسهم أن هذا الرقم تضمن أصواتاً عقابية ذهبت إلي الإخوان نكاية في الحزب الوطني الحاكم، وهي يمكن تقديرها بنحو ٤٠% من إجمالي الأصوات التي حصدها الإخوان، باعتبار أن أقصي تقديرات الجماعة الداخلية للمقاعد التي يمكن أن تفوز بها كان يتراوح بين ٥٠ و٦٠ مقعداً، بينما أوصلتها الأصوات العقابية إلي ٨٨ مقعداً.

وهنا يظهر المعيار الثالث، وهو طبيعة دوائر العضوية في الجماعة والمتعاطفين معها، حيث هناك ثلاثة مستويات للعضوية هي: المرشحون والأعضاء المنتظمون والأعضاء العاملون، حيث تمتد مدة الفئة الأولي لستة أشهر، والثانية لثلاث سنوات يصبحون بعدها ضمن الفئة الثالثة، ذلك بالطبع غير الدائرة الأوسع من تلك المستويات التنظيمية الثلاثة، وهي فئة المتعاطفين مع الجماعة بصورة منتظمة ومستمرة دون أن يصبحوا ضمن هيكلها التنظيمي.

وقبل التورط في تقدير عدد أعضاء الجماعة في المستويات الثلاثة بالقياس إلي عدد الأصوات الخالصة التي حصل عليها مرشحوها، بعيداً عن الأصوات العقابية، يجدر الأخذ بالمعيار الرابع، وهو عدد المعتقلين من الجماعة خلال السنوات الماضية، بدءاً من عام ١٩٩٥، فالإحصائيات المتاحة من مصادر حقوقية مختلفة، بعضها قريب من الجماعة، تقدر عدد هؤلاء خلال تلك الفترة بنحو ٢٠ ألف معتقل بعضهم تكرر اعتقاله لأكثر من مرة، ومعظم هؤلاء من الكوادر التنظيمية للجماعة علي مختلف مستوياتها من مكتب الإرشاد، مروراً بمجلس الشوري والمكاتب الإدارية والمناطق والشعب والأسر، حيث يقدر أحد المراكز الحقوقية التابعة للجماعة نسبتهم بين إجمالي المعتقلين من الجماعة عام ٢٠٠٧ بحوالي ٩٠% منهم.

فإذا أضفنا إلي ذلك معيارًا خامسًا وهو عدد أعضاء الجماعة الذين شاركوا في المظاهرات الأكبر في تاريخها خلال عام ٢٠٠٥، والذي أوصلته بعض التقديرات إلي أكثر من ٦٠ ألف متظاهر، يمكن أن نصل إلي تقدير أكثر قرباً من الدقة لعضوية الإخوان. والأرجح هو أن الأخذ بكل المعايير والمؤشرات السابقة يوصل إلي تقدير عدد أعضاء الجماعة بمستوياتهم التنظيمية الثلاثة، وأن ما قاله منير هو تضخيم كبير.

 

خامساً- رؤية الإخوان لمفهوم الديمقراطية فى الشريعة الإسلامية

حيث ادعى إبراهيم منير أنها «تسمى الشورى بمعنى أنه لا يمكن أن يتم أمر دون اختيار الناس حتى لو لم يكن هنالك إجماع كامل. إنها عملية تبدأ داخل الفرد نفسه عبر حرية الاعتقاد، وحرية الحركة وحرية التصور فى إطار قانون المجتمع الذى يعيش فيه».

- وهنا نرد على ذلك بأنه من المؤكد أن الإخوان لا يعترفون بالديمقراطية، وقد قال حسن البنا: "نحن نقبل بالديمقراطية حتي نصل إلي السلطة".. سياسة "انتهازية مراوغة" اعتمدها مرشد الإخوان الخامس، الحاج مصطفي مشهور، منذ أكثر من ثلاثة عقود كاملة قبل أن تصبح دستوراً وقانوناً ملزماً لكافة قادة الجماعة وأصحاب القرار فيها لا يحيدون عنه أبداً.. فإخوان اليوم من تلامذة سيد قطب ومن دعاة السرية والانغلاق حينما يرشحون أعضاء منهم للبرلمان، أو يبدون استعداداً للحوار مع القوي السياسية الأخري، أو يطالبون بتأسيس حزب لهم، أو غير ذلك من الممارسات المدنية، فإنهم لا يلجأون لذلك من باب الغرام أو علي الأقل الاقتناع بقواعد اللعبة الديمقراطية، وإنما وحسب الدكتورة هالة مصطفي، رئيس تحرير دورية الديمقراطية، كخطوات تكتيكية غرضها الأول والأخير كرسي الحكم والسلطة ولا شيء سواه.

ما يذهب إليه أيضاً الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، بالتأكيد علي أن الإخوان يرفضون الانصياع للمحددات الأساسية للديموقراطية من حيث حتمية الإيمان بمبادئ الحرية والتسامح والاختلاف مع الآخر وكذا التداول السلمي للسلطة، فهم وعلي العكس من ذلك يرون الديمقراطية مظهراً غربياً بل وربما كافراً لأنه لا يتسق ومبادئ الإسلام. كما أنهم لا يعترفون إلا بسلطة الله ويعتبرون أنفسهم دون غيرهم حراسا عليها وولاة علي تنفيذها علي الأرض ومن ثم وجب علي الجميع طاعتهم والالتزام بمنهجهم، خاصة أن أي خلاف معهم سيكون وفق المنطق الإخواني خلافا مع الدين واصطداما به.

وفي هذا الشأن فإن المرشد المؤسس للجماعة، الشيخ حسن البنا، قد نسف فكرة اختلاف وتعارض الرؤي التي تميز الكيانات والتيارات الديمقراطية من الأساس، وذلك عندما أعلن صراحة في رسالة "المؤتمر الخامس للإخوان" عام 1938أن منهاجهم "كله من الإسلام، وأن أي إنقاص منه هو إنقاص من الإسلام" ما يمنح الإخوان وتصرفات قادتهم وقراراتهم وتصريحاتهم (ببساطة شديدة) صك القداسة، كما يمنحهم مبرراً شرعباً وأخلاقياً لاستخدام آليات الديمقراطية كالانتخابات مثلاً كأداة "مرحلية" في طريق وصولهم للسلطة التي إذا ما تحققت لهم سيستأثرون بها ويرفضون تركها وسيكون القهر هو المصير المحتوم لكل من يعارضهم، ولعل تجربة حركة حماس، الجناح العسكري للإخوان المسلمين في فلسطين، وانقلابهم علي الشرعية في قطاع غزة، لا تزال حاضرة في الأذهان "وعلينا أن نستخلص منها العبرة لما يمكن أن تصبح عليه الدول في حال وصول إسلاميين غير ناضجين ديمقراطياً وسياسياً إلي سدة الحكم" علي حد قول الدكتور سمير غطاس، مدير مركز مقدس للدراسات الفلسطينية.

المنطق الإخواني المتحايل في فهم وممارسة الديمقراطية يبرر إذاً زلات اللسان المتكررة لقيادات الجماعة وفي مقدمتهم المرشد الدكتور محمد بديع في حق المجتمع والنظام السياسي وغالبية القوي الحزبية، ويكفي أن الأخير علي سبيل المثال لم يكتف بالإعلان عن تمسك جماعته بشعارها الطائفي "الإسلام هو الحل" سواء في ماراثون انتخابات مجلس الشعب المقبلة أو حتي بعد الانسحاب منها، بل إنه وعلي نهج "طظ الشهيرة الخاصة بسلفه السابق مهدي عاكف" وصف المجتمع والحكومة ب"النجاسة" في حضور حشد إخواني كبير قبل بضعة أسابيع، كما طالب أيضاً بحذف كافة مواد الدستور التي لا تتفق مع ما أسماه بأحكام الإسلام وتعاليم القرآن في ترويج فج للدولة الدينية.

ذات التلاعب الإخواني بالقواعد الديمقراطية كان حاضراً وبقوة حينما صم المرشد العام للجماعة ومكتب الإرشاد الآذان أمام مطالب مقاطعة الانتخابات التي قادتها في الفترة الأخيرة أسماء إخوانية "مدنية" بارزة: خالد داود، مختار نوح، حامد الدفراوي، هيثم أبوخليل، عبدالستار المليجي.. ولم تلق هذه الأسماء إلا كل إهانة وتعنيف من قبل قيادات الإخوان رغم أن هذه القيادات نفسها لم تجد مفراً في الأخير إلا خيار المقاطعة لتبرير خسارتهم الموجعة في صناديق الانتخابات.

وواقع الأمر أن الإخوان – وقبل الانسحاب- لم يقرروا خوض الانتخابات هذه المرة عملاً بمبادئ "المشاركة لا المغالبة" التي داومت النوافذ الإعلامية للجماعة علي ترديدها خلال الفترة الماضية، وإنما كان قراراً متشحاً برداء ديمقراطياً زائفاً فيما كان يعكس –وكما تفضح الوثائق الإخوانية نفسها- غرام الجماعة بالظهور الإعلامي، ذلك الغرام المتأصل في فكرها منذ تأسيسها علي يد الشيخ حسن البنا قبل ثمانية عقود، وتبقي دعوة المرشد الثالث، عمر التلمساني، لأعضاء الجماعة "اجعلوا الناس ينشغلون بكم" فرض عين بالنسبة لهم حتي يومنا هذا. لدرجة باتت معها أمور من شاكلة السجن والاعتقال والمحاكمات العسكرية والحديث عن تزوير الانتخابات – في الذهنية الإخوانية – دعاية مجانية، تسلط الضوء عليهم، وتخلق نوعاً من التعاطف الشعبي والمجتمعي حولهم، بل وتحولهم لشهداء أمام الرأي العام العالمي والذي وعلي ما يبدو فإن الجماعة – وفق قيادي إخواني سابق- قد بدأت في التركيز عليه بالفعل عبر التلويح والتهديد برفع قضايا أمام المحاكم الدولية لإثبات تزوير الانتخابات وكأن الجماعة تبحث عن مكافأة أو مساندة لها من خارج الحدود.

ولم يكن حرص الجماعة علي خوض أية منافسة انتخابية علي اختلافها، برلمانية – محلية – نقابية – طلابية...، ببعيد عن نهم الظهور وحب لفت الأنظار لدي أعضائها وكوادرها وتحقيق أكبر استفادة ذاتية ممكنة حتي ولو كان علي حساب الآخرين. وفي هذا الشأن لا تعنيهم أبداً مسألة اللحاق بركب الديمقراطية، تماما مثلما أنهم لا يعتبرون الفوز بأي انتخابات يخوضونها غاية أهدافهم فحسب، فمجرد المشاركة فيها، بغض النظر عن حظوظ المكسب أو الخسارة، إنما تعد فرصة ذهبية لارتداء ثوب المناضل والمعارض الأوحد علي الساحة السياسية المصرية. فضلاً عن الإيهام بتماسك الجماعة رغم الضربات القانونية والأمنية التي تتعرض لها من حين لآخر، وتجنب العزلة السياسية، خاصة في ظل النصوص الدستورية المقيدة لكافة الأنشطة السياسية المغلفة بغطاء ديني، وكذلك الدفع في اتجاه إثارة قضية قانونية ودستورية حول مشروعية شعارها "الإسلام هو الحل"..(ورد في وثيقة فتح مصر الشهيرة نصاً: "الدفع بعدد كبير من الإخوان لخوض الانتخابات البرلمانية وطرح اسم الإخوان والشعار علي أوسع نطاق".. كما جاء أيضاً: "إثارة حالة من الجدل حول شعار الإسلام هو الحل واسم الإخوان والمصحف والسيفين"..) إلي جانب أن الفاعليات الانتخابية عموماً تتيح للإخوان إمكانية التواصل المباشر مع الجمهور، والاقتراب منهم أكثر، ومن ثم حشد مزيد من المؤيدين والمتعاطفين، وخصوصاً بين أنصار الاتجاهات الإسلامية والمحافظة (وفق ما جاء في الوثيقة نفسها: "استثمار الانتخابات في الدعوة والترويج لحتمية الحل الإسلامي"..) وكلها أمور في صميم العمل السري وليس من آليات العمل الديمقراطي المصري الذي اتخذ من المواطنة والمدنية عنواناً له.

علي هذا النحو لا يمكن اعتبار التحول الإخواني الأخير نحو المعارضة، ونحو أقطابها الرئيسيين (حزبي التجمع والناصري) أو من كانوا يعرفون في الأدبيات الإخوانية بأعداء الأمس، قبل فترة وجيزة من موعد الانتخابات من قبيل الانحياز للعمل المدني الديمقراطي.. فالحق أن الجماعة حاولت من خلال عقد عدة لقاءات مع عدد من أحزاب المعارضة أن تنفي عن نفسها صفة التقوقع والانعزال التي باتت ملازمة لها منذ اعتلاء القطبيين وأنصار التيار المحافظ بقيادة المرشد الحالي الدكتور محمد بديع لسدة الحكم فيها، وكذا محاولة تخفيف وطأة الضغوط الممارسة عليها، ولاسيما تلك الضغوط الأمنية. فضلاً عن سعي الجماعة لإيجاد قنوات تنسيق مشترك مع تلك الأحزاب قد تقوي من موقفها الصعب في الانتخابات البرلمانية، وكذا محاولة استدراج خطأ فقدانها لثقة تلك القوي في أعقاب الانتخابات البرلمانية عام 2005. حيث يؤكد الدكتور وحيد عبدالمجيد أن الإخوان لم يعودوا بنفس القوة التي كانوا عليها قبل خمس سنوات: "الجماعة نالت 88 مقعداً كان علي حساب علاقتها بالمعارضة التي كانت تتيح أرضية للعمل والحركة، لكن الإخوان حاولوا استعراض قوتهم وتعاملوا مع القوي الأخري بتعال وغطرسة ففقدوها وسقطوا في فخ الانعزال".

وبينما يصر قادة الجماعة علي ترديد حرصهم علي التمسك بالديمقراطية وآليتها، أو كما يقول المفكر القبطي القريب من الدوائر الإخوانية، رفيق حبيب، إن جماعة الإخوان المسلمين تدرك أهمية الإصلاح السياسي، وأهمية التحول الديمقراطي، وأهمية التداول السلمي للسلطة والتنافس السياسي الحر، فإن الدكتور عمرو الشوبكي الخبير في شئون الحركات الإسلامية يخلص إلي أنه من الصعب الإقرار بأن الإخوان المسلمين قد قبلوا بالديمقراطية كقيمة وكنظام سياسي حاكم حتي الآن، علي الرغم من كونهم انفتحوا بشكل كبير في هذا الاتجاه. وهو ما يؤكد خليل العناني، الباحث في شئون الإسلام السياسي بأن الإخوان لم يدخلوا في كليات الديمقراطية، كقيمة وفلسفة، وتمسكوا بعدد من مظاهرها كالتصويت أو المشاركة في الانتخابات.

فيما يعدد القيادي الإخواني البارز، الدكتور عصام العريان عدداً من الضمانات التي من شأنها بعث الطمأنينة في المجتمع من عدم انقلاب الإسلاميين وفي القلب منهم الإخوان علي الديمقراطية في حال مشاركتهم في السلطة داخل البرلمان أو الحكومة أو حتي حال وصولهم إليها يوما ما من خلال العمل علي إنضاج الشعب وزيادة وعيه السياسي والالتزام بالقوانين وقواعد العملية السياسية، وقبول الآخر والتحاور معه وفق القواعد الديموقراطية المقررة وعدم القبول أو السماح لأي قوي خارجية بالتدخل والتسامح وقبول التعددية السياسية انطلاقا من كونها أحد ركائز الفكر الإسلامي والعقيدة الإسلامية، فإن الدكتور الشوبكي أيضاً يرد بأنه علي الإسلاميين أن يؤمنوا ويُظهروا أكبر قدر ممكن من الاحترام للقواعد الديمقراطية مثلما يطالبون هم ببناء مؤسسات ديمقراطية، ووضع قواعد للمنافسة الديمقراطية، تماما كما فعل التيار الإسلامي في تركيا فقد أثبت أنصاره بالممارسة السياسية أنهم "أكثر احتراما والتزاما وحِرصا علي الديمقراطية من التيار العلماني نفسه".

على جانب آخر يتجسد العداء الإخواني السافر للديمقراطية في ممارسات الجماعة داخل التنظيم المسيطر عليه كلياً من قبل التيار الرجعي المحافظ صاحب المنهج القطبي التكفيري. فالفصل أو التجميد والتهميش ومحاكم التفتيش الداخلية هو المصير المعروف لكل أخ أو كادر إخواني يتجرأ علي مبادئ السمع والطاعة لينتقد الجماعة أو يعارض القيادة أو يدعوها لتوديع العمل السري لصالح العمل العلني المفتوح. حدث هذا علي سبيل المثال لا الحصر مع مجموعة حزب الوسط –تحت التأسيس- بقيادة المهندس أبوالعلا ماضي، مروراً بمجموعة التيار البديل بقيادة الدكتور علي عبدالحفيظ، وصولاً للتخلص من المرشد السابق محمد مهدي عاكف بإجباره علي الاعتزال وعدم الاستمرار في منصبه قبل نحو عام، ناهيك عن عزل القيادي الإصلاحي الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والتخلص من الدكتور محمد حبيب ودفعه لتقديم استقالته من كافة مواقعه الإدارية بالجماعة، ما رتب جميع الأوراق وهيأ كافة الظروف لوصول أحد رموز القطبيين الدكتور محمد بديع لسدة الحكم في الإخوان فضلاً عن سيطرتهم التامة علي مكتب الإرشاد ومجلس شوري الجماعة ومكاتبها الإدارية.

هذا إلي جانب هروب معظم الأسماء الإصلاحية والمبدعة من جحيم التنظيم الإخواني الحديدي إما بهجر الجماعة أو بتجميد النشاط ذاتياً مثلما حدث مع النقابي المعروف مختار نوح. وفي الاتجاه ذاته برر القيادي السابق بالجماعة، ثروت الخرباوي المحامي، صاحب كتاب "قلب الإخوان" سبب خروجه من الجماعة بأن "عملية عسكرة التنظيم بعد رحيل المرشد عمر التلمساني قد ساهمت في اختفاء الطابع المدني للجماعة والذي أرساه حسن البنا في رسائله، فغلبت مبادئ السمع والطاعة المطلقة علي الفهم.. كما أن التنظيم بوضعه الحالي لا يستطيع استيعاب المواهب والكفاءات فخرج من الجماعة من قبل الشيوخ سيد سابق والباقوري والغزالي، ثم توالي خروج الأجيال الموهوبة بدءاً من أبوالعلا ماضي ونهاية بمختار نوح، وبالتالي فما كان مني أن استمر في جماعة تطرد الموهوبين وتغلب أهل الثقة علي أهل الكفاءة، ناهيك عن غياب العدل، وإذا ما غاب العدل حل الفساد".. وهو ما ذهب إليه كذلك الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح في تصريح تلفزيوني شهير في أن آليات الجماعة كتنظيم لا تحتمل وجود مبدعين أو مفكرين ولن يخرج منها هؤلاء أبداً نظراً لأن التنظيم يفتقد الرحابة التي يحتاجها كل صاحب رأي أو صاحب مشروع خاص.

 

سادساً- الإخوان والعنف

في الزعم بأن عمل الإخوان بعيد عن العنف، وأنهم لا يجبرون أحدًا على تبنى رأى أو عقيدة بالقوة.

- من المؤكد هنا أن الإخوان يقرون العمل العسكري، ودعموا كل الحركات المسلحة الإرهابية بالعالم.

إن حسن البنا يقر العنف في رسائله التي دونها ضمن ما يُعرف برسائل الإمام الشهيد حسن البنا - وهي إحدى مخطوطاته القليلة .

ففي رسالة المؤتمر الخامس 1938 يجيب البنا في وضوح وجلاء عن سؤال: "ويتساءل كثير من الناس: هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟، وهل يفكر الإخوان المسلمون في إعداد ثورة عارمة على النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر؟، ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة، بل إنني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السامر، يستطرد البنا في توضيح ما كشف اللثام عنه قائلًا: إن القوة شعار الإسلام وأول درجاتها قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح .. إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها ، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة ، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة ، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح .

وبالتالي لم يكن غريبًا أن يحاول الإخوان استخدام القوة التي أشار إليها، وهو ما تسبب في صدور قرار بحل الجماعة بعد أحداث عنف متتالية تورطت فيها.

صدر قرار حل الجماعة بتاريخ 8 ديسمبر سنة 1948 وأرفقت به مذكرة تفسيرية تورد بعضاً مما ارتكبته الجماعة من أعمال إرهابية، ورد مرشدها العام – آنذاك – حسن البنا بمذكرة مضادة وأنكر كل ما ارتكبته الجماعة، ولكن فضيلة المرشد لم يدرك ساعتها أن بعضاً من رجاله سوف يأتون في زمن لاحق فيذكرون الحقيقة كاملة ليضعوه بعد رحيله بسنوات عديدة في مأزق الاتهام بالكذب.

جاء في المذكرة التفسيرية حول حوادث إلقاء قنابل على عدد من أقسام الشرطة بالقاهرة ما يلي: "كما وقعت بتاريخ 24 ديسمبر سنة 1946 حوادث إلقاء قنابل انفجرت في عدة أماكن بمدينة القاهرة وضبط من مرتكبيها اثنان من جماعة الإخوان قدما لمحكمة الجنايات فقضت بإدانة أحدهما في الجناية 767 لسنة 1946 قسم عابدين".

وفي معرض رده على هذا الاتهام يقول البنا: "والشخص الذي أدين في قضية الجناية رقم 767 لسنة 1946 قسم عابدين بمناسبة حوادث 24 ديسمبر 1946 لم يثبت أنه أمر بهذا من قبل الإخوان أو اشترك معه فيه أحد منهم. وقد كانت هذه الحوادث شائعة في ذلك الوقت بين الشباب بمناسبة الفورة الوطنية التي لازمت المفاوضات السابقة. ولقد حدث بالإسكندرية أكثر مما حدث بالقاهرة، وضبط من الشباب عدد أكبر وصدرت ضدهم أحكام مناسبة، ولم يقل أحد إنهم من الإخوان المسلمين فتحمل الهيئة تبعة هذا التصرف الذي لاحق فيه ولا مبرر له"( ).

وبعد أربعين عاماً بالتمام والكمال يأتي واحد من تلاميذ البنا وعضو من أعضاء النظام الخاص ليكذبه صراحة. يروي "محمود الصباغ" في كتابه (حقيقة التنظيم الخاص) الحقيقة كاملة فيقول: "كان لابد للنظام الخاص وقد تطورت الأمور إلى هذا الحد أن يُري كلاً من الحكومة والإنجليز أن محاولتهما لتقنين احتلال الإنجليز لمصر لن تمر دون قتال مسلح فعمد إلى تفجير قنابل في جميع أقسام البوليس في القاهرة يوم 3/12/1946م بعد العاشرة مساءً، وقد روعي أن تكون هذه القنابل صوتية، بقصد التظاهر المسلح فقط دون أن يترتب على انفجارها خسائر في الأرواح، وقد بلغت دقة العملية أنها تمت بعد العاشرة مساء في جميع أقسام البوليس، ومنها أقسام بوليس الموسكي والجمالية والأزبكية ومصر القديمة ونقطة بوليس السلخانة، ولم يضبط الفاعل في أي من هذه الحوادث، فاشتد رعب الحكومة من غضبة الشعب، وفكرت كثيراً قبل إبرام ما عزمت عليه، ثم توالى إلقاء القنابل على أقسام بوليس عابدين والخليفة ومركز إمبابة"( ).

تفجير الملك جورج ومراوغة البنا:

وتمضي المذكرة لتذكر حادثاً آخر ولكن هذه المرة مع اختلاف الزمان والمكان، ففي عام 1947 حاول الإخوان المسلمون تفجير فندق "الملك جورج" بالإسماعيلية، تقول مذكرة حل الجماعة "وثبت في تحقيق الجناية رقم 4726 لسنة 1947 أن أحد أفراد جماعة الإخوان قد ألقى قنبلة بفندق الملك جورج بتلك المدينة فانفجرت وأصيب من شظاياها عدة أشخاص كما أصيب ملقيها نفسه بإصابات بالغة". ويرد البنا في ثقة "الجناية رقم 4726 لسنة 1947. ثبت أن الذي اتهم فيها غير مسئول عن عمله، وسقط الاتهام ضده، وما زال في المستشفى إلى الآن. فما وجه الاستشهاد بها في مذكرة رسمية؟ وهل تكون هيئة الإخوان مسئولة عن عمل شخص يتبين أنه هو نفسه غير مسئول عن عمله؟!( ).

وهذه المرة نلجأ لرجل آخر من تلاميذ البنا هو "صلاح شادي" رئيس جهاز الوحدات الذي يذكر في كتابه "حصاد العمر"، "والتقى أمرنا داخل قسم الوحدات على القيام بعملية إرهاب داخل فندق الملك جورج، وكلفنا الأخ رفعت النجار من سلاح الطيران بالقيام بهذه العملية بأن يحمل دوسيهاً له مادة ناسفة يشعلها ثم يتركها في ردهة الفندق إلى جوار الحائط خلف ستارة مدلاة على حائط الردهة ثم ينهض بعد ذلك ويمضي خارج الفندق." ( ) ويضيف شادي "جرى التنفيذ على أحسن وجه، ولكن ظهر للأخ رفعت عند مغادرته المكان أحد رجال المخابرات من الحراس الإنجليز، الذي أثار شكوكه هذا الدوسيه المتروك، فتوجه الحارس ليمسك به، في حين أصر الأخ رفعت على إنجاز التفجير، فعاد إلى الدوسيه وأمسكه بيديه، ومنع اقتراب أي شخص منه حتى يتم التفجير في أثناء إمساكه به وليكن ما يكون".( ) وشاءت الأقدار أن يصاب المنفذ في الحادث ويقبض عليه"، ولما كانت التهمة ثابتة عليه فإن صلاح شادي يعترف صراحة "وأحضرنا له بعض الإخوة المحامين الذين دفعوا بأن قدراته النفسية والعقلية لا تضعانه في مستوى المسئولية الجنائية".( ) وهو ما ذكره البنا في المذكرة بالحرف، في الوقت الذي يعلم فيه أسرار القصة كاملة.

حادث الجبل:

هكذا عرف به في أدبيات الإخوان، حيث اعتادت كوادر النظام الخاص على التدريب على استخدام الأسلحة في منطقة جبل المقطم، وتذكر مذكرة حل الجماعة أنه "في 19 يناير سنة 1948 ضبط خمسة عشر شخصاً من جماعة الإخوان المسلمين بمنطقة جبل المقطم يتدربون على استخدام الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل وكانوا يحرزون كميات كبيرة من هذه الأنواع وغيرها من أدوات التدمير والقتل". ويرد البنا: "هؤلاء الخمسة عشر الذين ضبطوا بعضهم من الإخوان ومعظمهم لا صلة له بالإخوان أصلاً. ولقد برروا عملهم بأنهم يستعدون للتطوع لإنقاذ فلسطين حينما أبطأت الحكومة في إعداد المتطوعين وحشد الجماهير، وقد قبلت الحكومة منهم هذا التبرير وأفرجت عنهم النيابة في الحال. فما وجه إدانة الإخوان في عمل هؤلاء الأفراد خصوصاً وقد لوحظ أنه نص في قرار النيابة بأن الحفظ لنبل المقصد وشرف الغاية.

ويأتي عام 1987 وينكشف المستور ففي كتابه "النقط فوق الحروف" يشرح "أحمد عادل كمال" أحد أقطاب النظام الخاص في جماعة الإخوان المسلمين قصة حادث الجبل بالتفصيل يقول: "كلفنا بالبحث عن مكان مناسب بجبل المقطم يصلح للتدريب على استخدام الأسلحة والمفرقعات. فكان جبل المقطم فهو لا يحتاج إلى إجازات أو سفر، والمطلوب أن يكون المكان موغلاً في الجبل ميسور الوصول إليه بالسيارة، وأن يكون صالحاً كميدان ضرب نار، وأن يكون مستوراً عن العين، وأن يكون به ما يصلح أبراج مراقبة للحراسة. وبدأ التدريب في ذلك الموقع بمعدل مجموعتين في اليوم الواحد، مجموعة تذهب مع الفجر حتى العصر وأخرى تذهب مع العصر وتعود مع الفجر، وكان الذهاب والعودة يتم بسيارة ستيشن واجن، وكان الترتيب ألا ترى مجموعة الأخرى، وأن يكون هناك بصفة دائمة في مكان مرتفع من يرقب المجال حول الموقع بمنظار مكبر، هذا الحارس كان في استطاعته أن يرى أي سيارة قادمة بسرعة قبل أن تصل بثلث ساعة على الأقل. وكانت هناك حفر معدة ليوضع بها كل السلاح والذخيرة ويردم عليها لدى أول إشارة وبذلك تبقى المجموعة في حالة معسكر وليس معها ممنوعات قانونية". ويضيف كمال "واستمر ذهاب المجموعات وعودتها بمعدل مرتين كل يوم ولمدة طويلة حتى صنعت السيارة مدقاً واضحاً مميزاً في الجبل.. وحتى لفتت نظر الحجارة في محاجر الجبل بأول الطريق. وبلغ الخبر إلى البوليس ونحن لا نشعر. وكان مسئول التدريب يدرب مجموعة هناك، ومن تكرار التدريب في أمن وسلام فقد تغاضى عن حذره فتجاوز عن وضع الحارس مكانه ولم يشعر والمجموعة معه إلا بقمم الجبل حوله قد ظهرت من فوقها قوات البوليس شاهرة سلاحها وتطالبهم بالتسليم وهم منهمكون في تدريبهم، كان ذلك يوم 19/1/1948 ونشرت الصحف الخبر". ونأتي إلى النقطة الهامة في شهادة كمال حيث يؤكد "وحتى هذه الحالة كان هناك إعداد لمواجهتها. أجاب إخواننا المقبوض عليهم بأنهم متطوعون لقضية فلسطين، وهى إجابة كان متفقاً عليها، وفى نفس الوقت كانت هناك استمارات بأسمائهم تحرر في مركز التطوع لقضية فلسطين، كم تم اتصال بالحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا وشرحنا له الوضع على حقيقته، وكان متجاوباً معنا تماماً، فأقر بأن المقبوض عليهم متطوعون من أجل فلسطين وأن السلاح سلاح الهيئة. وبذلك أفرج عن الإخوان وسلم السلاح إلى الهيئة العربية العليا". هكذا تشارك إخوان مصر بقيادة البنا وإخوان فلسطين بقيادة مفتي القدس أمين الحسيني، في خداع السلطات المصرية التي أفرجت عن الشباب لنبل المقصد وشرف الغاية، ولم يكتف البنا بذلك ولكنه راح يسجلها نقطة لصالح جماعته ببجاحة يحسد عليها، كما يفعل الآن أحفاده.

وينهي عادل كمال شهادته بالقول: "ومع ذلك فقد كان للحادث أثر بعيد. ذلك أنه عثر مع المسئول عن المجموعة -رحمه الله- على كشف اشتهر فيما بعد بأنه "كشف الجبل" يحوي مائة اسم من أسماء إخوان النظام الخاص وأرقامهم السرية مرتبين في مجموعات، هي المجموعات التي كان مزمعاً تدريبها تباعا من منطقة جنوب القاهرة. ولم يعلم أحد من المسئولين عن النظام في حينها شيئاً عن "كشف الجبل"، ولم يذكره المسئول، ولكن ذلك الكشف ظهر بعد ذلك في القضايا وكان من قرائن الاتهام القوية، فضلاً عن أنه كشف الأسماء التي احتواها. ( )

الخازندار واستهداف القضاة:

لم تتورع جماعة الإخوان المسلمين من أن تمد إجرامها إلى القضاء الذي ظل رجاله في محراب العدالة سندا للمصريين جميعاً وملاذا لهم ينعمون فيه بثقة التقاضي ويطمئنون فيه إلى ضميره الحي، وفي محاولة من الجماعة لإرهاب القضاة عن طريق استهداف علم منهم "القاضي أحمد الخازندار بك" وكيل محكمة استئناف القاهرة، الذي حكم بإدانة بعض أعضاء الجماعة لجرائم اقترفوها باستخدام القنابل، وقد ثبت أن أحد هؤلاء المجرمين القاتلين كان سكرتيراً خاصاً لمرشد الجماعة حس البنا، وهو ما ورد نصاً في مذكرة حل الجماعة.

ويرد البنا في مراوغة واضحة كعادته يقول: "وعرضت بعد ذلك (في إشارة إلى مذكرة الحل) إلى حادثة الخازندار بك وكل ذنب الإخوان فيها أن أحد المتهمين شاع أنه سكرتير للمرشد العام، مع أن هذه الصلة لم تثبت في التحقيق، وإن أصرت المذكرة على وصفها بالثبوت، مع أنه على فرض ثبوتها لا يمكن أن تتخذ سبباً لإدانة هيئة الإخوان المسلمون.

 محاكمة السندي:

ونعود مرة أخرى لمحمود الصباغ حيث يورد قصة محاكمة عبد الرحمن السندي قاتل الخازندار بك من قبل لجنة شكلها المرشد لهذا الغرض فيقول: "وعقدت قيادة النظام الخاص محاكمة لعبد الرحمن على هذا الجرم المستنكر، وحضر المحاكمة كل من فضيلة المرشد العام الشهيد حسن البنا وباقي أفراد قيادة النظام بما في ذلك الأخوة صالح عشماوي، والشيخ محمد فرغلي، والدكتور خميس حميدة، والدكتور عبد العزيز كامل، ومحمود الصباغ، ومصطفى مشهور، وأحمد زكى حسن، وأحمد حسنين، والدكتور محمود عساف، وقد أكد عبد الرحمن في المحاكمة أنه فهم من العبارات الساخطة التي سمعها من المرشد العام ضد أحكام المستشار الخازندار المستهجنة، أنه سيرضى عن قتله لو أنه نفذ القتل فعلاً، وقد تأثر المرشد العام تأثراً بالغاً لكلام عبد الرحمن؛ لأنه يعلم صدقه في كل كلمة يقولها تعبيراً عما يعتقد، وبلغ من تأثر فضيلة المرشد العام أنه أجهش بالبكاء ألماً لهذا الحادث الأليم الذي يستوجب غضب الله؛ لأنه قتل لنفوس بريئة من غير نفس، كما يعتبر مادة واسعة للتشهير بالدعوة ورسالتها في الجهاد من أجل إقامة شرع الله، وقد تحقق الإخوان الحاضرون لهذه المحاكمة من أن عبد الرحمن قد وقع في فهم خاطئ في ممارسة غير مسبوقة من أعمال الإخوان المسلمين، فرأوا أن يعتبر الحادث قتل خطأ، حيث لم يقصد عبد الرحمن ولا أحد من إخوانه، سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار بك".

"ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلى الإخوان المسلمين وبسببه، إذ لولا هذا الانتماء لما اجتمعوا على الإطلاق في حياتهم ليفكروا في مثل هذا العمل أو غيره، فقد حق على الجماعة دفع الدية التي شرعها الإسلام كعقوبة على القتل الخطأ من ناحية، وأن تعمل الهيئة كجماعة على إنقاذ حياة المتهمين، البريئين من حبل المشنقة بكل ما أوتيت من قوة، فدماء الإخوان ليست هدراً يمكن أن يفرط فيه الإخوان في غير أداء فريضة واجبة يفرضها الإسلام، حيث تكون الشهادة أبهى وأعظم من كل حياة".

"ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت لهم من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة وبقى على الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين الأخريين محمود زينهم، وحسن عبد الحافظ".

"واستراح الجميع لهذا الحكم دون استثناء، بل إنه لقي موافقة إجماعية من كل الحضور بما في ذلك فضيلة الإمام الشهيد.

تشكلت المحكمة الإخوانية إذن من أكبر قادة الجماعة ومعهم قادة الجهاز الخاص وقررت أن الجريمة قتل خطأ، والعقوبة الدية، والدولة دفعتها، وعلى الجماعة إنقاذ كوادرها!!

أما المتهم فهو الرجل رقم واحد في الجهاز ومسئوله الأول "عبد الرحمن السندي" الذي قال: "إنه تصور أن عملية القتل سوف ترضي فضيلة المرشد الأمر الذي أغضب البنا، لكنه كان في واقع الأمر غضبا لاختراق احتكاره – البنا – لكل السلطات في الجماعة، ذلك أن رئيس الجهاز السري قد اتخذ قرار الاغتيال ودبره دون إذن من البنا؛ ولهذا تقرر تقديم السندي لمحاكمة داخلية في إطار الجماعة، كانت المحاكمة فيها صورية – كما أوضحنا – وغير ذات معنى؛ لأنها بررت الاغتيال وبرأت ساحة مدبره بحجج غير مقنعة، وقد أفصح تشكيل المحكمة عن أن التركيب التنظيمي للجهاز الإرهابي للإخوان متداخل تماماً مع قمة قادتها.

فقادة الجهاز هم: عبد الرحمن السندي، مصطفى مشهور، محمود الصباغ، أحمد زكي حسن، أحمد محمد حسنين؛ ومعهم خمسة من أكبر قادة الجماعة هم: د.صالح عشماوي، د.محمد خميس حميدة، الشيخ محمد فرغلي، د.عبد العزيز كامل، د.محمود عساف.

لا مجال إذا للادعاء بأن الجهاز كان يعمل منفصلاً عن الجماعة، فقادة الجماعة هم جزء أساسي من قيادته، وفوق هؤلاء جميعاً المرشد العام حسن البنا. وهم يبررون الإرهاب، حتى الآن؛ فالكتاب الذي نعرض له، كتبه محمود الصباغ أحد قادتهم الكبار وقد كتب عام 1989، وكتب المرشد العام الراحل مصطفى مشهور مقدمته مادحا في الكاتب والكتاب. فالكتاب إذن وثيقة إخوانية، حيث يتحدث الصباغ عن أعضاء جماعته أو بالدقة عن أعضاء جهازها الإرهابي، الذي قال عنهم الصباغ أيضاً: "لقد تعلم كل منهم كل ما شرعته عقيدته الإسلامية من قواعد القتال والشهادة، ولا حاجة لأحد منهم لعالم يفتي له هل يعمل أو لا يعمل، ولا قائد يقول له هل يتطوع أو لا يتطوع، وكلهم قارئ لسنة رسول الله، في إباحة اغتيال أعداء الله.

 

نسف محكمة الاستئناف:

في هذه العملية قام عدد من كوادر الجهاز الخاص بمحاولة لنسف محكمة استئناف القاهرة والتي كان يحفظ فيها أوراق ما عرف بقضية "السيارة الجيب" التي كان على رأس المتهمين فيها "مصطفى مشهور" (أحد قادة النظام الخاص، ومرشد الجماعة الخامس فيما بين عام 1996 وعام 2002). وحكاية السيارة الجيب معروفة، حيث تم ضبط مصطفى مشهور يقود سيارة محملة بأسلحة وقنابل كان النظام الخاص يستخدمها في التدريبات، بالإضافة إلى بعض الأوراق التي تحتوي على خطط وإستراتيجيات الجماعة، وقد أنكر البنا-في بيان وزع على الصحفيين آنذاك- أن يقوم أحد الإخوان بهذه الفعلة الشنيعة. ولكن السنوات تأتي بما لم يكن يشتهي البنا، يقول محمود الصباغ حول هذا الحادث: "وبعد نجاح السرية في هذا العمل الفدائي، نظر السيد فايز في كل ما تنسبه الحكومة إلى الإخوان من جرائم باطلة، مدعية أنها تستند في كل ما تدعيه إلى حقائق صارخة في المستندات والوثائق المضبوطة في السيارة الجيب، وكان يعلم يقيناً بكذب هذه الافتراءات، ودليل ذلك ما ذكره عبد المجيد أحمد حسن بعد أن قرر الاعتراف على زملائه، واستندت إليه المحكمة في براءة النظام الخاص مما وجه إليه من اتهامات – ولم يساوره شك في أن الحكومة قد زورت وثائق وقدمتها للنيابة لتدين الإخوان بما ليس فيهم من جرائم واتهامات باطلة، فقرر حرق هذه الأوراق وكون سرية لهذا الغرض بقيادة الأخ شفيق أنس، وقد رسمت الخطة على النحو الذي ظهر في تحقيقات القضية المسماة زوراً وبهتاناً قضية محاولة نسف المحكمة، وحقيقتها أنها كانت محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب. وتمكن شفيق أنس من أن يضع حقيبة مملوءة بالمواد الحارقة معدة للانفجار الزمني بجوار دولاب حفظ أوراق قضية السيارة الجيب، إلا أن قدر الله قد مكن أحد المخبرين من ملاحظة شفيق، وهو يترك الحقيبة ثم ينصرف نازلاً على درج المحكمة، فجرى مسرعاً وحمل الحقيبة وجرى بها خلف شفيق، الذي أسرع في الجري حتى لا تنفجر الحقيبة على سلم المحكمة أو وسط حشود الداخلين في بهوها، ولما خرج إلى الميدان حذر المخبر من الحقيبة، فتركها فانفجرت في ساحة الميدان دون إحداث خسائر تذكر، وقبض على شفيق"( ).

 

ماهر والنقراشي وعبد الهادي:

في 24 فبراير 1945 كان أحمد ماهر باشا متوجها لمجلس النواب لإلقاء بيان من هناك وأثناء مروره بالبهو الفرعوني قام شاب يدعى محمود العيسوي بإطلاق الرصاص عليه وقتله في الحال.

بعد الحادث ألقي القبض على حسن البنا وأحمد السكري وعبد الحكيم عابدين وآخرين من جماعة الإخوان والتي كان العيسوي عضواً فيها, ولكن بعدها بأيام تم الإفراج عنهم بسبب اعتراف العيسوي بانتمائه للحزب الوطني.

ولكن هناك من يؤكد أن محمود العيسوي من غلاة الإخوان المسلمين وتستر تحت عباءة الحزب الوطني ليحمي جماعته من الضرر.

وبعد الإفراج عن قيادات الجماعة لم يذكر أي أحد منهم علاقته بالعيسوي ولكن في سنوات لاحقة ثبتت علاقة الجماعة بالعيسوي "ويسوق الدكتور عبد العظيم رمضان الأدلة على ذلك بما رواه محمد على أبو طالب من أنه سمع من الأستاذ خالد محمد خالد أن الشيخ سيد سابق – وهو من زعماء الإخوان والذي أفتى بمشروعية اغتيال النقراشي باشا – قد أخبره بعد مقتل أحمد ماهر باشا بأن محمود العيسوي كان من صميم الإخوان المسلمين، ولم يكذب خالد محمد خالد أو الشيخ سيد سابق هذا الكلام، ويستدل أبو طالب على صحة رأيه بوجود وزيرين من زعماء الحزب الوطني وهما حافظ رمضان باشا رئيس الحزب وزكي علي باشا وهو من زعمائه منذ نشأته، في وزارة أحمد ماهر، ولم يحاسبا على اشتراكهما في قرار إعلان الحرب، بل قرر حافظ رمضان بأنه لا يرى ضرراً في ذلك، ويميل عبد العظيم رمضان إلى احتساب محمود العيسوي من الإخوان – وهذا ما أرجحه على أساس أن كثيرا من المصريين كانوا يجمعون بين انتماءين: الانتماء إلى حزبهم والانتماء للإخوان المسلمين، وأن انتماء محمود العيسوي إلى الحزب الوطني لا يحول دون انتمائه للإخوان المسلمين"( ).

ويأتي بعد ذلك الصباغ والذي كان واحداً من رجال التنظيم الخاص ليذكر أن أحمد ماهر خائناً ولا يختلف على ذلك اثنان-على حد تعبيره-ولكن الإخوان لم يجيزوا قتله, ولم يمنعهم هذا من دراسة وتحضير خطة لاغتياله حتى يقوموا بها إذا تطورت الأمور، وذكر الصباغ أنه هو شخصياً كان القائم بهذه الدراسة( ).

وبالتالي، لم يكن غريبًا أن يحاول الإخوان استخدام القوة التي أشار إليها، فيطلقون النيران على الرئيس المصري جمال عبدالناصر في أكتوبر 1954 ليصدر قرارًا بإعدام عبدالقادر عودة وآخرين.

ولم تمر سنوات قليلة حتى حاول سيد قطب الانقلاب على جمال عبدالناصر من خلال تنظيم عسكري أُنشئ لهذا السبب، غير أن أجهزة الأمن اكتشفت ذلك، وذهب ضحية هذه المحاولة التي تمت عام 1964 ستة من قادة الجماعة، على رأسهم سيد قطب الذي نفذ فيه حكم الإعدام عام 1966، والعجيب أن الجماعة لم تتبرأ مما فعله قطب ولكنها أخفته.

فقط عندما يرد ذكر هذه الأحداث يقتصر تعليقها بأحداث المحنة دون التطرق لتفاصيل ما حدث أو استخدام هذه المجموعة للعنف أو للقوة كما أشار لها المؤسس الأول للتنظيم، غير أن شهادة فريد عبدالخالق عضو مكتب الإرشاد الأسبق وعضو الهيئة التأسيسية للجماعة، التي قال فيها بعد أن تم القبض عليه على خلفيتها: إن عبدالفتاح إسماعيل، أتى إليه زحفًا على قدميه من آثار التعذيب حتى وصل إليه وقال له: "إحنا آسفين يا أستاذ إحنا جبنا سلاح من السودان"، وهو ما يؤكد ترجمة الجماعة لأفكار البنا التي سبق ودونها في رسائله.

فيما بعد اثبتت تحقيقات السلطات الأمنية المصرية في حادث تفجير الكنيسة البطرسية نهاية العام الماضي، كشفت عن اعتناق مخطط العملية، ومنفذها أفكار قطب الإرهابية، في أبرز تحول للجماعة التي ناهز عمرها قرنا من الزمان.

واعتبر بيان نشرته صفحة "الإخوان المسلمون المصريون في تركيا" وهي صفحة محسوبة على جناح القيادي محمد كمال، الذي قتل في عملية أمنية العام الماضي أن "الانقلاب ليست له صفة شرعية في حكم مصر"، ما يرتب بحسب البيان شرعية القصاص من السلطة.

 

سابعاً- الإخوان والدعاوي العنصرية

في زعم ابراهيم منير أن الاخوان المسلمون يدينون أي خطاب بمعاداة السامية أو غيرها من الدعاوي العنصرية، وأن الناس في عقيدة الاخوان سواسية، متساوون في الحقوق والواجبات.

وهنا أيضا نورد الفتاوى التي تقدمها مجلة "الدعوة" في إصدارها الثاني، لأنها تبدو أكثر وضوحا في تمثيلها للتطبيق العملي لأيدلوجية ورؤية الجماعة، من منظور واقعي لا يراعي الحسابات السياسية.

وسنعرض هنا ثلاث فتاوى صدرت في عدد واحد من مجلة الدعوة، وتتعلق الثلاثة أسئلة بموضوعات تخص الآخر مثل الأقباط أو غير المسلمين عمومًا، ويتضمن العدد رقم "56" الصادر في شهر ديسمبر سنة 1980 سؤال من "أ.ح..م.. المنوفية" عن حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام، ويجيب مفتي الإخوان إن حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام على ثلاثة أقسام:

الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها... كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان.. وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعه، والثاني: ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا.. فهذه أيضا لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها. وبعض العلماء قال بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين، والقسم الثالث: ما فتح صلحا بين المسلمين وبين سكانها. والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس وبيع على ما هي عليه في وقت الفتح ومنع بناء أو إعادة ما هدم منها وهو رأي الشافعي وأحمد إلا إذا اشترطوا في عقد الصلح مع الإمام إقامتها، فعهدهم إلى أن يكثر المسلمون على البلد. وواضح أنه لا يجوز إحداث كنيسة في دار الإسلام. ويقول صلى الله عليه وسلم "لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها" المغني جـ8.

 

السؤال الثاني جاء من القارئ "م.ح.ط.. القاهرة" يقول فيه:

قرأت فتوى تقول: إن من حق أهل الكتاب أن يجاهروا بشرب الخمر في الدولة الإسلامية.. والتشريع الإسلامي أعطاهم هذا الحق.. فما رأيكم في هذا الكلام؟ ويجيب الشيخ:

       يجب على أهل الكتاب بمقتضى أنهم مواطنون يحملون جنسية الدولة المسلمة ويعيشون على أرضها وبين أهلها أن يلتزموا بالنظام الإسلامي. وجانب هذا الالتزام في المسائل التي لا تمس عقائدهم أو حريتهم الدينية. فمثلا لا يطلب منهم أداء الصلاة ولا دفع الزكاة ولا أداء الحج ولا الجهاد وكذا كل العبادات ذات الصبغة الدينية. أما غير هذه الأمور فلابد من النزول على حكم الشريعة الإسلامية. فمن سرق يقام عليه حد السرقة كما يقام على المسلم وكذلك من زنا أو قطع الطريق أو ارتكب جريمة من الجرائم وهذه غاية العدل والمساواة، وكان القضاة في مصر يقضون بين المسلمين في المسجد ثم يجلسون على باب المجلس بعد العصر للفصل في قضايا أهل الكتاب وأحيانا يخصص القاضي لهم يوما يحضرون فيه إلى منزله ليحكم بينهم...

       هذا وللمجتمع الإسلامي عادات وتقاليد يجب على كل من يعايشه أن يحافظ عليها فلا يصح التبرج ولا يجوز الاختلاط، أما أحوالهم الشخصية التي أحلها لهم دينهم كالزواج والطلاق وأكل الخنزير وشرب الخمر. فالإسلام لا يتعرض لهم في هذا بمنع ولا إبطال. واستثنى هذه الأمور كثير من الفقهاء واشترط الجميع ألا يجاهروا بها، أما الربا فهو حرام عليهم في ديانتهم وفي كل الرسالات السماوية فلا يصح أن يتعاملوا به داخل الدولة الإسلامية، وعلى هذا فكل المنكرات التي حرمها الإسلام لا يجوز لأحد أن يجاهر بها؛ لأن في المجاهرة بها إهدارا لكرامة الأمة الإسلامية، التي تحرص على رعايتهم وتوفير الأمن والطمأنينة لهم، فكل الأمور التي ينهى الإسلام عنها ويحذرهم منها، وهى مباحة عند أهل الكتاب فعليهم إن أتوها وفعلوها ألا يعلنوها أو يظهروها بصورة المستهتر بمشاعر من حوله من جمهور المسلمين، ولعل الفتوى التي قرأتها من دعاة العصرية وضحايا الغزو الفكري ممن يحرصون على تمييع هذا الحق لكي يساير العصر والتقدم المزعوم كما يصور لهم الخيال المريض والفهم العليل، فالمجتمع الإسلامي مجتمع إنساني نظيف عفيف يتعامل مع الله ليس فيه ملاهٍ ليلية. وليس فيه سياحة ماجنة على حساب الأعراض والأخلاق، والمسلم فيه يخشى الله وحده قبل أن يشغل بالخوف من الناس ..

في السياق نفسه تأتي الفتوى الثالثة في العدد نفسه، ويتعلق موضوعها بحكم دفن غير المسلم في مقابر المسلمين؟.

 

ويقدم الشيخ الخطيب فتواه:

"لا يجوز شرعا أن يدفن غير المسلم في مقابر المسلمين حتى لا يتأذوا بعذابه في القبر. ولقد نظر علماء السلف في المرأة الكتابية التي تموت وهي حامل من مسلم فقالوا تدفن وحدها لا في مقابر المسلمين ولا في مقابر غيرهم، روى البيهقي عن وائلة ابن الأسقع: أنه دفن امرأة نصرانية في بطنها جنين مسلم في مقبرة ليست بمقبرة للنصارى ولا المسلمين. واختار هذا الإمام أحمد بن حنبل، وقال: لأنها كافرة لا تدفن في مقابر المسلمين فيتأذوا بعذابها. ولا في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم، وأجمع سلف هذه الأمة أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه لذلك لزم التفريق في الدفن بين مقابر ومثوى المسلمين وبين غيرهم.

 

خاتمة وتعقيب،،

بعد هذا الرد المدقق على حجج الإخوان الواهية التي أوردوها في جلسات الاستماع، نؤكد على بعض الملاحظات:

       أننا كنا حريصين على تفنيد أباطيل الإخوان والرد عليها من واقع أدبياتهم وكتاباتهمهم وما ورد على ألسنتهم، فلم نتهمهم بشىء ليس فيهم أو نأتي بحديث دون سند أو مصدر موثوق به، سواء من كتابات حسن البنا أو سيد قطب أو تصريحات وممارسات تمت منذ نشاتهم وحتى الآن.

       إن جماعة الإخوان المسلمون هي جماعة برجماتية، وهي على عكس ما تدعي، فهم لا يتوانون في إظهار عكس ما يبيتون، من أجل الوصول لأغراضهم والعمل على "التمكين" في المجتمعات الغربية بشتى السبل، من خلال تأجيل مشوعاتهم وأفكارهم حتى يستطيعوا السيطرة في المجتمع، وهو ما حدث في مصر وعديد الدول العربية، وما يحدث الآن في بريطانيا.

       إن نظرة متعمقة، وتحليل علمي، لثلاثية الأطر الفكرية، التنظيمية، والحركية لكافة الجماعات الجهادية منذ نشأتها في الجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى، تنظيم القاعدة، الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وكافة الجماعات والتنظيمات الأخرى المرتبطة بها، تعطينا دلائل قوية، حيث اعتمدت تلك التنظيمات في تفسيرهم الجهادي وتبني الأفكار المتطرفة على أدبيات الإخوان وكتابات البنا وسيد قطب وغيرهم. علاوة على أن قيادات تلك التنظيمات كانوا من العناصر القوية داخل تنظيم الإخوان، فقط فلننظر لأسامة بن لادن، والظواهري الذي نشأ تحت رعاية الجماعة، وعبد الله عزام. وصولاً لتلك الأشكال البغيضة والأنماط الأكثر وحشية الآن من تنظيم داعش.

       إن تلك المساحة المتروكة لجماعة الإخوان المسلمون داخل المجتمع البريطاني، وتكريس قدراتهم الاقتصادية وتكوين شبكات المصالح واللوبي الذي يدافع عنهم، سيزيد من تمكينهم داخل بريطانيا، وهو ما سبعكس على جملة القيم البريطانية وسيكون بمثابة وباء يتفشى حثيثاً داخل المجتمع خاصة مع ما تمتلكه الجماعة من من أدوات وأذرع إعلامية واقتصادية. وهو ما نخشى أن ينعكس على بريطانيا رمانة الميزان ورمز الوسطية والتعايش والتسامح داخل أوروبا، صاحبة الدستور القائم على القيم والعادات والعرف المستقر الضامن لوحدة نسيج المجتمع وثقافته.

       ندعو إلى مراجعة وجود جماعة الإخوان وعناصرها داخل بريطانيا، وضرورة إعادة فتح ملف جماعة الإخوان الشائك داخل مجلس العموم مرة أخرى، في ضوء ما يظهر من حقائق وما يستقر من دلائل تفضح تلك الجماعة خاصة في ضوء الأحداث الأخيرة التي أدمت قلوبنا جميعاً.