كعادته اليومية يتسّلم أحمد عبدالمجيد، مشرف لجنة التغذية فى مدرسة «أبو رزق الابتدائية» بإحدى قرى محافظة الإسماعيلية «التغذية»، ثم يقوم بتوزيعها على ٢٤٠ تلميذًا، هم إجمالى أعداد تلاميذ المدرسة، قبل أن يدق جرس «الفسحة بنحو نصف ساعة».
وقبل انقضاء اليوم الدراسي، شعر أغلب التلاميذ ممن تناولوا التغذية المدرسية بـ «مغص» شديد، تفاقم إلى حدوث قيء ثم حالات الإغماء.
هرول مدير المدرسة واتصل بالإسعاف التى نقلت التلاميذ إلى مستشفى القصاصين العام، الذى أكد وجود «اشتباه تسمم» لدى التلاميذ.
لم يكن تلاميذ مدرسة أبو رزق هم الوحيدون، فعلى مدار الأيام المنقضية، وقعت ١١ واقعة تسمم بين طلاب مدارس محافظات مصر المختلفة، حيث قارب عدد حالات التسمم من الـ ٥ آلاف تلميذ، بحسب وزارة الصحة. وحتى الآن لم تحدد وزارة التربية والتعليم من خلال لجانها المُشكَلة ملابسات ووقائع تسمم التلاميذ.
صراع الـ «مليار جنيه»
«دائمًا ما تتكرر حوادث تسمم أطفال المدارس خلال شهر مارس من عام» بهذا بدأت الدكتورة عفاف عبدالفتاح، مدير المعهد القومى للتغذية، مؤكدةً: «أن مارس هو شهر إعادة تقييم المصانع المُوردة للتغذية إلى وزارة التربية والتعليم، والذى يعقبه إجراء المناقصة السنوية للتغذية والتى تُعقد خلال أبريل من كل عام».
وتضيف، أن حدوث التسمم فى هذا الشهر له مدلوله، إذ إن كل مصنع يريد إنهاء كل الوجبات التى أنتجها قبل أن تفسد، إضافة إلى رغبة كل مصنع فى الاستفادة من أكبر كم من صفقة الأغذية المدرسية، عن طريق إخراج المصانع الأخرى من المناقصة.
المصانع الخاصة
وتُقدر حصة المصانع الخاصة من إجمالى حجم التغذية المدرسية الموردة للتربية والتعليم أكثر من ٧٠٪ من إجمالى موازنة التغذية لهذا العام البالغة مليار جنيه، فيما قُدرت حصة مصانع وزارة الزراعة بنسب تتراوح بين ٣٠ و٣٣٪ من إجمالى حجم الأغذية المورّدةْ إلى التربية والتعليم.
ورغم تذبذب الموازنة المرصودة للتغذية المدرسية، فى سنوات ما بعد الثورة؛ فإن حصة المصانع الخاصة لم تتناقص. ويرجع سبب عدم استقرار الموازنة إلى عدم اعتمادها ضمن موازنة وزارة التربية والتعليم السنوية.
منح خارجية
فضلاً على اعتمادها على المنح الخارجية؛ وتوجد منحتان للمساهمة فى تمويل التغذية المدرسية، بحسب بيانات وزارة التعاون الدولي، الأولى هى المنحة المُقدمة من الاتحاد الأوروبي، حيث حصلت وزارة التعليم بدعم من وزارة التعاون الدولى على منحة بقيمة ٦٠ مليون يورو، بدأت فى الأول من يوليو ٢٠١٤، وتنتهى فى أواخر يوليو من العام المقبل.
وثانيًا المنحة المُقدمة من الاتحاد الأوروبى بقيمة ٣٠ مليون يورو، التى بدأت فى ديسمبر ٢٠١٥ وستنتهى فى ديسمبر ٢٠٢٠، بالإضافة إلى مساهمات «بنك الطعام» ومؤسسة «مصر الخير»، وبرنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة.
منح خارجية
فضلاً على اعتمادها على المنح الخارجية؛ وتوجد منحتان للمساهمة فى تمويل التغذية المدرسية، بحسب بيانات وزارة التعاون الدولي، الأولى هى المنحة المُقدمة من الاتحاد الأوروبي، حيث حصلت وزارة التعليم بدعم من وزارة التعاون الدولى على منحة بقيمة ٦٠ مليون يورو، بدأت فى الأول من يوليو ٢٠١٤، وتنتهى فى أواخر يوليو من العام المقبل.
وثانيًا المنحة المُقدمة من الاتحاد الأوروبى بقيمة ٣٠ مليون يورو، التى بدأت فى ديسمبر ٢٠١٥ وستنتهى فى ديسمبر ٢٠٢٠، بالإضافة إلى مساهمات «بنك الطعام» ومؤسسة «مصر الخير»، وبرنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة.
مناقصات
تتم مناقصة توريد التغذية إلى وزارة التربية والتعليم بشكل «لا مركزي»، وذلك عن طريق مديريات التربية والتعليم الموجودة فى المحافظات، وعددهم ٢٧ مديرية، بما يعنى وجود ٢٧ مناقصة فى كل محافظة، وفقًا لـ «صبحى عبدالرحمن»، مدير إدارة التغذية بوزارة التربية والتعليم.
ويضيف، أن المناقصات تُعقد تحت إشراف المحافظ، بالإضافة إلى لجنة ثلاثية مكونة من أعضاء وزارات «التربية والتعليم- التموين- الصحة». موضحًا، أن تمويل الوجبات المدرسية يتم اعتماده من وزارة المالية إلى المديريات مباشرة دون تدخل التربية والتعليم بشكل مباشر.
تحجيم عمل مصانع وزارة الزراعة
يكشف مدير أحد المصانع التابعة لوزارة الزراعة، الذى رفض ذكر اسمه حفاظًا على وظيفته، عن أنه تم تحجيم عمل مصانع مشروع التغذية المدرسية التابع لوزارة الزراعة، بسبب تدخل القطاع الخاص ورغبته فى الحصول على جزء أكبر من غنيمة «التغذية المدرسية».
ويضيف، أنه تم قصر عملية إنتاج الوزارة على يومين فقط فى محافظات الصعيد، و٣ أيام فى مدارس الدلتا، رغم امتلاك وزارة الزراعة مصانع وبنية تحتية فى جميع المحافظات. ويقول، إن مصانع وزارة الزراعة لا تدخل إلى المناقصة التى تُعقد سنويًا، ولكن تتعاقد وزارة التربية والتعليم على شراء كل إنتاج مصانع مشروع التغذية بشكل مباشر.
ويضيف مدير المصنع، أن تحجيم عدد أيام عمل المصانع جعل عملها يتم بشكل «موسمي» إذ تعمل المصانع خلال عدد أيام معين فى الأسبوع، ولا يزيد إجمالى أيام عملها على ١٢٠ يومًا فقط خلال العام. ويشير إلى أن هذه الطريقة جعلت كثيرًا من العمال يهجرون العمل بمصانع وزارة الزراعة بسبب عدم ثباتها.
كما يوضح الدكتور علاء عزوز، وكيل مركز البحوث الزراعية، مدير مشروع التغذية المدرسية، أن المشروع لا توجد له موازنة، إلا من سعر الوجبة التى يُنتجها المصنع، والتى يصل ثمن الواحدة منها إلى «جنيه و١٥ قرشا» بإجمالى يزيد قليلاً على ٢٥٣ مليون جنيه سنويًا.
ويشير عزوز إلى أن مشروع التغذية المدرسية التابع لوزارة الزراعة، بدأ خلال الموسم الدراسى ١٩٩٧/١٩٩٨ بحوالى ١٠ آلاف وجبة يوميًا، بما يعادل مليون وجبة خلال العام، ثم ارتفع حجمه حتى وصل إلى نحو ٢.٥ مليون وجبة يوميًا، وبلغ عدد الوجبات التى سُلمت للتلاميذ خلال العام الدراسى ٢٠١٥/٢٠١٦ نحو ٢٢٠ مليون وجبة.
١٥ مصنعًا
من جانبه، يقول الدكتور حامد عبدالدايم، المُتحدث باسم وزارة الزراعة، إن المشروع الخدمى لوزارة الزراعة، يمتلك ١٥ مصنعًا فى ١٩ محافظة، لإنتاج التغذية المدرسية. وتابع، أن مصانع الوزارة تتبع المواصفات القياسية المصرية رقم ١٧٠٢٥ فى إنتاجها، بالإضافة إلى امتلاكها قدرة على عمل تحاليل ميكروبية للتأكد من المواد الخام.
ورغم أن وزارة الزراعة حددت صلاحية وجبتها المدرسية على أغلفة الوجبة المدرسية، التى حصلنا على نسخة منها، بـ ٧ أيام فقط؛ إلا أن عبدالدايم يشير إلى أن الفطيرة مدة صلاحيتها ٢١ يومًا كاملة، مضيفًا أن كل إنتاج المصانع يتم توزيعه يومًا بيوم، فضلاً عن تسليمه للمخازن المدرسية.
لا حديث عن الرقابة
وعن سُبل الرقابة على المصانع، امتنع المتحدث باسم وزارة الزراعة عن الإجابة، مكتفيًا بإغلاق باب المناقشة؛ هذا ولا تملك وزارة الزراعة أى مراقبين صحيين للتفتيش حول المصانع وجودة المُنتج الخارج من خلالها، إلا من معامل الوزارة.
مصانع الزراعة دون ترخيص
تكشف مدير إدارة الأغذية، الدكتورة مايسة حمزة، عن أن أهم مشكلات مشروع وزارة الزراعة، أن عددًا كبيرًا من مصانعهم لم تحصل على تراخيص، وتسبب ذلك فى إغلاق عدد من المصانع، مدللةً على ذلك، بإغلاقها مصنع «القليوبية» التابع لمشروع وزارة الزراعة، خلال الأسبوع الجارى لانعدام التراخيص.
وكانت الرقابة الصحية، قد أغلقت مصنع «بنى سويف» التابع لمشروع وزارة الزراعة، بعد أن وجدت أكثر من ٥٠ ألف وجبة مدرسية مُنتهية الصلاحية داخل المصنع.
انعدام الاشتراطات فى المخازن
ليست هذه فقط، هى مشكلات التغذية المدرسية، بل أكثر الأخطار فداحة فى المنظومة هى «أماكن تخزين التغذية»، حيث إن أغلبها لا تتوافر بها الاشتراطات والضوابط الصحيحة التى أقرتها وزارة الصحة، بحسب إبراهيم نشأت، منسق تمرد معلمى مصر.
ويقول: «أنا مدرس منذ سنوات طويلة.. ولم أشاهد فى حياتى مفتشًا صحيًا جاء ليراقب على منظومة التخزين أو كانتين المدرسة».
كما تؤكد الدكتورة مايسة حمزة، مدير إدارة الرقابة على الأغذية بوزارة الصحة، أن كل المدارس تفتقر إلى الاشتراطات والضوابط السليمة لتخزين الأغذية، مشيرةً إلى إبلاغها وزارة التربية والتعليم بذلك؛ لكنها لم تتخذ أى إجراء حتى الآن.
شروط الصحة
تضع وزارة الصحة ١٩ شرطًا ملزمًا يجب توافرها فى مخازن الأغذية، أهمها أن يكون مخصص فقط لحفظ الأغذية، وأن تتناسب مساحة المخزن مع كمية المواد الغذائية المخزنة به، وأن تكون النوافذ من الألومنيوم والزجاج غير قابل للصدأ، وألا تقل درجة الحرارة بالنسبة للأغذية الجافة عن ٢٥ درجة مئوية، أما الأغذية التى تحتاج تبريدًا فيجب توفير ثلاجة بدرجة حرارة ٤ مئوية، وفق منشور صادر قبل عامين.
فضلاً عن ضرورة وضع المواد الغذائية على قواعد بلاستيكية بارتفاع ٣٠ سم عن الأرض، ورص المواد الغذائية بطريقة منتظمة، واتباع قاعدة ما قرب صلاحيته أولاً يصرف أولاً. كما حظرت وجود مواسير للصرف الصحي؛ وبالنسبة للعاملين فى تخزين الأغذية وتوزيعها، اشترطت الوزارة، حصول العاملين على شهادة تفيد بخلوه من الأمراض المعدية، وارتداء كمامات، وأن يراعى قواعد التنظيف الشخصي.
من يراقب مخازن الأغذية
يوضح اللواء محسن النعماني، وزير التنمية المحلية الأسبق، تعدّد جهات التفتيش والرقابة والتراخيص على المخازن والمستودعات، كلاً بحسب نوع المخزن والمواد المُخزنة به، مشيرًا إلى خضوع هذه الإدارات جميعًا للمحافظ.
وتابع، أنه لا يتم ترخيص أى مخزن إلا عبر «رسم هندسي» يحدد شكله، بحسب نص قانون الإدارة المحلية، ويجب أن يكون مستوفيا الشروط وخاضعا له. ويشير النعماني، إلى أن كل الجهات الحكومية الموجودة بالمحافظة والتى تقتضى مهمتها الرقابة من مباحث تموين أو جهاز حماية المستهلك أو مديريات الصحة، له حق الرقابة والتفتيش على مخازن الأغذية.
ويكشف عمرو عصفور، رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية، عدم وجود «إحصائية» رسمية بأعداد مخازن ومستودعات الأغذية فى شعبة المواد الغذائية، ولكن قد يكون هناك بعض الأرقام بحوزة الأجهزة المحلية فى المحافظات.
ويضيف، أن عددا كبيرا من المخازن يُقام فى الأدوار الأرضية للبنايات السكنية بشكل مخالف، مشيرًا إلى عدم وجود سلطة رقابية لشعبة الأغذية فى رقابة تلك المخازن أو المستودعات.
الرقابة على مصانع التغذية
تعاود الدكتورة مايسة حمزة، مدير إدارة الرقابة على الأغذية موضحةً، أن إدارتها تُشرف على كل المطاحن والمصانع التى تقوم وزارة التربية والتعليم بالتعاقد معها. فضلاً عن قيام الرقابة بالتحقق من الاشتراطات والضوابط بقائمة المصانع المُرسلة لها من وزارة التربية والتعليم، بحسب حمزة، مؤكدة أنها كثيرًا ما ترفض دخول بعض المصانع فى قائمة الموردين للتغذية المدرسية بسبب مخالفة فى الاشتراطات.
وتتابع حديثها قائلةً، إنه لا يتم إخراج أى «تشغيلة غذائية» من المصانع المُوردة للتغذية المدرسية، إلا بعد الحصول على «الإفراج الصحي» مضيفةً، أن مرحلة نقل الوجبة الغذائية يتم بمعرفة المُورد.
وتشير إلى أنها أكدت على مديريات الصحة بضرورة أن يتم تقديم فطيرة وزارة الزراعة بشكل يومي، وألا تزيد مدة تخزين الوجبات الأخرى على يومين أو ثلاثة فقط. وتلفت إلى أنها قامت بعمل ورشات عمل لتدريب لجان تسلم الأغذية بكل المديريات التعليمية، وأسلوب فحص الأغذية ظاهريًا، بالاشتراك مع برنامج الغذاء العالمي.
مشكلات على الجانب الآخر
ويشير خبراء المركز القومى إلى ضرورة تنويع الوجبات المدرسية، منتقدين عدم وجود «كود غذائي» و«باركود» على الوجبات المدرسية، بما يسُهم فى صعوبة تعقب الأغذية الفاسدة والموردين لها. وتابعوا، أنه يجب إحكام الرقابة على مصانع وزارة الزراعة، وبخاصة المواد الخام المُستخدمة فى عملية صناعة الوجبة المدرسية.
ويضيف خبراء المركز القومي، أنه من ضمن مشكلات الوجبة المدرسية، أنها تُوزع على الأطفال فى الحصة التى تسبق «الفسحة» مباشرة، وبالتالى لا توجد رقابة على طريقة أكل الطفل أو مكان الأكل، ذلك أن كثيرًا من الأطفال يأكل «وجبته» فى الحمامات، وبالتالى، فإن أصابعهم المُلوثة قد تكون سبب تسممهم.
تغيير الاستراتيجية
كما تشير نفين عثمان،إن كل أنواع الوجبات المدرسية اشتُبه بتسببها فى حوادث «تسمم»، لافتةً إلى ضرورة تغيير استراتيجية الوجبة الغذائية وطُرق تقديمها. وتشير إلى اتفاق وزارة التضامن مع مركز بحثى عالمى لإجراء مسح حول التغذية المدرسية، وسيتم وصول نتائجه فى شهر أبريل الجاري.
وتوضح مساعد وزير التضامن، أنه تم تغيير نمط تقديم الأغذية المدرسية تبعًا لحالة المحافظة والمنطقة، حيث تم إدخال الوجبة الجافة فى محافظات الصعيد، لأنها الأكثر احتياجًا، وتم اعتماد فطيرة وزارة الزراعة فى ١٩ محافظة.
ويعاود صبحى عبدالرحمن، مدير إدارة التغذية بوزارة التربية والتعليم، قائلاً، إنه يتم تقديم البسكويت لمدة ثلاثة أيام بالتبادل مع فطيرة وزارة الزراعة لـ ٣ أيام أخرى فى مدارس محافظات الدلتا، وبالنسبة للصعيد، يتم تقديم وجبة البسكويت ليومين وفطيرة وزارة الزراعة للمدة نفسها، وأخيرًا يومين يُقدم فيهما وجبة جافة عبارة عن «رغيفين فينو وقطعتى جبن وحلاوة أو مربى».