فعلها وزير النقل، ضرب "كرسي في الكلوب"، أصدر قرارًا غير مدروس بشأن رفع رسوم تداول الحاويات بقناة السويس وهيئة موانئ البحر الأحمر وميناء شرق بورسعيد.. وماذا حدث؟ حدثت كارثة، أعقبها تخبط داخل الموانئ عقب إعلان عدد من التحالفات والخطوط الملاحية وشركات النقل البحري العملاقة الهروب من مصر، وإنهاء كل تعاملاتها معها والبدء في نقل تعاملاتها إلى ميناء "بيريه" باليونان، اعتراضًا على قرار وزير النقل الذي وصفه خبراء بـ"الورطة".
وكان الدكتور هشام عرفات وزير النقل، قد أصدر قرارًا مباغتًا رقم 800، بمضاعفة رسوم تداول الحاويات بالموانئ، فيما توالت توابع الغضب، حيث أعلنت مجموعة من التحالفات والخطوط الملاحية العالمية العملاقة منها خطا ملاحة "نيبوني ياسان كايشا" و"مول" اليابانيان، والخط الملاحي التايواني "يانج منج" والخط الملاحي الكوري "كي لاين"، والخط الملاحي "إيفر جرين" وهى من أقوى التحالفات العالمية في النقل البحري وتداول الحاويات، أعلنت إنهاء تعاملاتها في مجال النقل البحري والتجاري مع الموانئ المصرية وقناة السويس، ونقل كل أعمالها إلى اليونان، وبدأت بنقل كافة المعدات والحاويات الخاصة بها من ميناء شرق بورسعيد إلى ميناء "بيريه" اليوناني.
ووصف الدكتور رفعت رشاد رئيس جمعية الملاحة بالإسكندرية، القرار بالأزمة وقال إنه سبب كاف وراء مغادرة تلك الشركات، مضيفًا أن الخطوط الملاحية البحرية تشغل الأساطيل والسفن الخاصة بها بطرق اقتصادية فالخط الذى يجد مكان به مردود اقتصادي أفضل لها أن تذهب اليه بالطبع وقد تذهب لمكان ما به الرسوم عالية قليلا لكن الخدمة المقدمة افضل، وتابع: "المنافسة قد تكون بالرسوم وبالتعريفة المقدمة أو بالخدمة المقدمة فوسائل المنافسة عديدة ونحن فقدنا ذلك".
أضاف رشاد، أن متخذ هذا القرار كان عليه أن ينظر الى هذه العوامل سواء الخدمات أو الرسوم او غيرها، مضيفا أن الخطوط الملاحية تركت الموانئ المصرية عندما وجدت أنه فى الخارج أقل تكلفة وأفضل خدمة واقل فى الوقت، موضحًا أن المميزات ليست الرسوم المعلنة فقط ولكن هناك رسوم ومصاريف غير معلنة وهى الفساد، مؤكدًا أن القرار 800 أثر بالسلب بالفعل على الخطوط والشركات الملاحية والذى شمل رفع تعريفة الرسوم وايضا رفع إيجار الساحات وإيجار المناطق الحرة وغيرها، موضحًا أن وزارة النقل وجدت أن هذه الرسوم لم تزد من فترة رغم زيادتها فى موانئ أخرى فى دول أخرى.
أكد رشاد، أن الشركات والتحالفات تدفع رسومًا دخول وخروج الموانئ دون أن مقابل من خدمات لوجستية من الموانئ.
ورأى الدكتور حمدى برغوث، خبير النقل البحرى، أن خدمة الباخرة فى أى ميناء تحتاج لعوامل كثيرة تفعلها، مضيفًا أن القرار 800 الذى أصدره وزير النقل جاء بناء على أنه رأى أن التعريفة لم تزد منذ 2003، لكن الأهم بحسب برغوث، هل قارن وزير النقل الرسوم بالموانئ الأخرى المنافسة؟، مضيفًا أن أي قرار قبل خروجه لا بد من التفكير فيه، متسائلا: هل الزيادة الجديدة ستحقق الفارق وسنكسب أم أننا سنخسر؟ ويرد بالطبع سنخسر لأن الشركات غادرت مصر، موضحًا أن هذا القرار لم يدرس دراسة حقيقية صحيحة وسيؤثر بالسلب للغاية على الدخل القومي.
أضاف برغوث، أنه لا بد أن نقارن موانئنا بالخدمات المقدمة بها والمقدمة فى الموانئ الأخرى العالمية، فميناء بيريه اليونانى منذ 5 سنوات لم يكن موجودًا على خارطة الموانئ العالمية، مضيفًا أن القرار تسبب فى انخفاض حجم تداولاتنا فى الموانئ وسيقل الدخل بكثير، موضحًا أنه عندما تمت استشارتي فى الوزارة للتراجع عن هذا القرار قلت لهم لا ولكن الحل بتحقيق خدمات ومميزات عالية تجذب الشركات مرة اخرى.
وقال الدكتور وليد جاب الله، الخبير والباحث الاقتصادى، إن هروب مثل هذه التحالفات الدولية كارثة اقتصادية واستمرارا لمسلسل الهروب الجماعي للاستثمارات والشركات الأجنبية في مصر، مشيرًا إلى أن تعلل وزارة النقل بأن الرسوم لم تتحرك منذ عام 1992 هو عذر أقبح من ذنب، وقال إن تحريك الرسوم البحرية في العالم يتم بنسب معقولة تواكب الرسوم العالمية، ولكن مصر ضاعفت الرسوم بشكل جنوني وهو ما دفع الشركات للهرب.
تابع، القرار الصادر لم يحالفه التوفيق في الكثير من أحكامة، ويتعين العمل على تعديله بصورة عاجلة، ويجب على وزارة النقل دراسة أوجه اعتراض غرف الملاحة البحرية، والاستعانة بخبراء من هيئة قناة السويس، بحيث تتم زيادة الرسوم بالقدر العادل الذي يدعم مالية الدولة ويحافظ على جذب الاستثمار العالمي، ولا يضير الشركات المصرية
من جانبه، قال الدكتور أحمد درويش، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إن زيادة الرسوم ووضع قيود جديدة على الخطوط الملاحية ليس تعسفًا من قبل الهيئة أو من قبيل عدم مراعاة الأمر الواقع، موضحًا أن هذه الرسوم تخص الأعمال المهنية والإرشاد والقاطرة والأعمال الحرفية بالموانئ.
.
وقال محمد أبو الفتوح نعمة الله، مدير مركز وادى النيل للدراسات الاستراتيجية، إن المنافسة حادة في مجال النقل البحري وخصوصا للسفن العملاقة وسفن الحاويات والخطوط الطويلة، ونتيجة لشدة المنافسة مؤخرًا ولاسيما بعد انخفاض اسعار البترول وتباطؤ معدلات نمو التجارة الدولية شهدت ايرادات القناة انخفاضا، قائلا: "لذلك ليس من المنطقي زيادة رسوم الموانئ والحاويات ورسوم القناة على الأقل مرحليًا، في ظل ظهور منافسين جدد مثل تطوير سكك حديد سيبريا وربطها بأمريكا الشمالية وهي مسافه اقصر واقل زمنا، كذلك قيام الصين بتسيير خط حديدي سريع يربطها بأقصى أرجاء أوروبا وصولًا للمملكة المتحدة.
تابع نعمة الله، المشكلة في المجموعة الصانعة للقرار في مصر، لا يدخلون العوامل الاقتصادية في الاعتبار قبل اتخاذ القرارات ولا تأثيرها، ويكتفون بالحسابات المالية المجردة رغبة في رفع الإيرادات.
ورأى الدكتور أحمد سلطان، خبير النقل البحرى، أن التحالفات التي أعلنت انسحابها من مصر هي أهم التحالفات العالمية والدولية، والسماح بهروبها بهذا الشكل ستكون له آثار سلبية على حجم التجارة البحرية في مصر، مؤكدًا أن عددًا من التحالفات بالفعل وقعت مع ميناء بيريه اليوناني كبديل لميناء بورسعيد، بينما توجهت باقي التحالفات إلى التعاقد مع ميناء "بورتسودان" بدلًا من ميناء العين السخنة بالسويس.
وأكد أن معظم الخطوط الملاحية مثل هاباج لويد، ويونايتد أراب شيبنج، والخط العربي، وميرسك الدانماركي، تعمل حاليا على تقليل حجم أعمالها بموانئ بورسعيد، رغم مشاركة الأخير بأكبر نسبة في شركة قناة السويس للحاويات وتبلغ %55، مشيرًا إلى أن الخط الدنماركي يستهدف تعظيم خدماته في ميناء مالطا في شرق البحر المتوسط، بسبب القرارات غير المدروسة وعدم وجود أي عوامل جذب.
أضاف سلطان، أن الشركات العالمية دائما ما تختار محطة الحاويات التى تعطيها خدمة أفضل وأسعار أفضل، مضيفًا أن محطة حاويات شركة قناة السويس الموجودة فى بورسعيد رسومها عالية بالفعل مقارنة بالمحطات الأخرى.