الموافقة على اتفاقية اليوبوف يهدد بتحكم الشركات الأجنبية بالأصناف النباتية.. تقارير: تخالف المادة 79 من الدستور.. خبراء: يجب إصدار تشريع قبل الموافقة عليها لأنها تسمح للشركات بإحتكار البذرة وتمنع الفلاح من إنتاج بذور.. سرور: مركز البحوث تعرض لسرقة أصناف نباتية نادرة والاتفاقية تؤثر على الأمن الغذائى للدول النامية.
أثارت موافقة مجلس النواب فى الـ27 من مارس الماضى على الاتفاقية الدولية لحماية الأصناف النباتية الجديدة "يوبوف"، جدلا كبيرا بين علماء النبات والباحثين الاستراتيجيين الذين رأوا أن الاتفاقية رغم ما بها من إيجابيات إلا أن سلبياتها كثيرة وخطيرة جدا، لأنها تنحاز للشركات الأجنبية متعددة الجنسيات وتجعلها محتكرا للبذور والنباتات، وتجبر الفلاح المصرى على شراء هذه البذور منها، ولا يمكنه استخدام البذور الناتجة من محصوله لزراعتها مرة أخرى، وإلا تم معاقبة مصر دوليا.
وأكدوا أن المنظمات الدولية حذرت الدول النامية ومن بينها مصر من الانضمام لهذه الاتفاقية لتأثيرها الخطير على الأمن الغذائى المصرى، وأن الدول التى انضمت لها كالمغرب والأردن وتونس انخفضت صادراتها الزراعية بعد الاضمام للاتفاقية، إضافة إلى مخالفة تلك الاتفاقية للمادة 79 من الدستور المصرى؛ لأنها تجعل الفلاح لمصرى تحت مقصلة الشركات الأجنبية التى لا ترحم.
تقول الدكتور هالة أبو علي، عضو مجلس النواب: إن هذه الاتفاقية تساعد الشركات العالمية متعددة الجنسيات التى تستنبط البذور والنباتات الجديدة على الاحتكار، مضيفة أن الاتفاقية تنحاز للشركات العالمية التى تنتج البذور المحلية على حساب الشركات المصرية والفلاح المصرى، وقد وقعت مصر على الاتفاقية بمعنى انه عند انضمامنا للاتفاقية فإنه سيكون لهذه الشركات الحق فى الملكية الفكرية للبذرة وأن نشتريها منهم فقط، وعند شرائنا لها فالمحصول الناتج إذا أردنا تصديره لابد أن يصدر من خلال هذه الشركات أيضا وهذا يساعد على الاحتكار، وهى غطاء قانونى لحماية البذور المستنبطة حديثا.
وأضافت أبو على، أن مصر دولة قديمة حضارتها 7 آلاف سنة تزرع لديها التنوع البيوولجى الكبير وليس لدينا تشريع لحماية البذور والأصناف النباتية المصرية، ولا بد أن نسد هذا الفراغ التشريعى قبل قبول هذه الاتفاقية والانضمام إليها، مضيفة أن تقارير الامم المتحدة والمؤسسة الالمانية التابعة للحكومة الفيدالية الالمانية أكدت ان هذه الاتفاقية تؤثر على الامن الغذائى القومى للدول النامية ونصحت هذه الدول بالانضمام للاتفاقية لأنها تعزز الاحتكار.
تابعت أبو على، أننا فى مصر أغلب الزارعين يزرعون حتى يأكلوا فكيف يحصلون على البذور من الشركة المحتكرة فقط ولا يكون لهم الحق فى إنتاج هذه البذرة وزراعتها، مضيفة أن الدول النامية التى انضمت لليوبوف عددها 91 دولة، منها: المغرب وتونس والاردن وعمان، وأثناء بحثنا لتطور الصادرات للمحاصيل الزراعية قبل وبعد انضمام هذه الدول للاتفاقية فلم يحدث طفرة فى صادرات هذه الدول ففى تونس والمغرب والاردن انخفضت التنافسية الخاصة بالصادرات الزراعية لها بعد الانضمام للاتفاقية، مضيفة أن الاتفاقية بالنسبة لمصر غير ملائمة نظرا لان مصر لديها أصناف نباتية متنوعة وتنوع بيولوجى غير محمى وغير مسجل وكان يجب قبل الانضمام لهذه الاتفاقية أن نسد الفراغ التشريعى اولا باصدار قانون يحمى اصنافنا النباتية.
تابعت أبو على، أن هذه الاتفاقية غير دستورية لأنها تتعارض مع نص المادة 79 من الدستور والتى تنص على أن " لكل مواطن الحق فى غذاء صحى وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجى الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال"، وعلى البرلمان أن يضمن الحفاظ على الأصناف النباتية للفلاح المصرى.
وقال محمد أبو الفتوح نعمة الله، مدير مركز وادى النيل للدراسات الاستراتيجية: إن اتفاقية اليوبوف لها مميزات وعيوب خطرة، ومن مميزاتها أنها تشجع البحث العلمي وتحمي الاصناف والسلالات النباتية، وتجعل من حق من يطورها حماية تطويره وتجعل للمربى ايضا الحق فى حماية الصنف داخل الدولة طالما كان صاحب أول طلب وهو ما يشجع على ضخ استثمارات ضخمة فى قطاعات البحث العلمى والاستثمار فى مجال البذور والتقاوى للسلالات المميزة.
أكد نعمة الله، وجود اكثر من نصف مليون سلالة نباتيه مصنفة علميا إلا أن القليل منها مسجل بالمنظمة، وهو ما يتيح الفرصة للسطو على الثروات الجينية للدول النامية كما حدث من الولايات المتحدة التى سجلت العديد من الاصناف النباتية المعروفة تقليديا فى الهند لصالحها مثل الكركم والنيم والارز البسمتى وغيرها وكما قامت اليابان بتسجيل الملوخيه المصرية لصالحها والخطورة هى التوسع فى استخدام الهندسة الوراثية مما يعرض اشكال وصفات وأجناس وأنواع وأصناف وسلالات الكائنات الحية بمختلف صورها لمخاطر بالغة مما قد يؤثر فى المستقبل على سلامة البيئة، وليس هذا فقط بل هناك مخاطر حقيقية لاحتكار الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات عبر العالم لمختلف السلالات النباتية والجينات الوراثية لمختلف السلالات النباتية والحيوانية وللكائنات الدقيقة وطرح نوعيات منها لا تنتج بذور لتحتكر تجارة بذور تلك النباتات التى قد تكون أكثر إنتاجية أو مقاومة للأمراض والآفات أو مهندسة وراثيا بالكامل.
وأكد نعمة الله، أن تجارة البذور والتقاوى حاليا وإكثارها أصبحت أكثر ربحية وإغراء من تجارة المخدرات والسلاح مما دفع الكثير من الشركات العالمية للدخول إلى ذلك القطاع الحيوى باستثمارات ضخمة وهو ما يحتم ضرورة الإسراع بتسجيل كل السلالات المصرية البرية والتجارية من النباتات والكائنات الدقيقة والحيوانات لصالح مصر فضلا عن ضرورة تطوير مؤسسات ومراكز الابحاث التى تعمل فى ذلك المجال لتطوير السلالات المصرية وجعلها اكثر انتاجية وتحملا للتغيرات البيئية والامراض وتهجين سلالات واصناف جديدة وحمايه المعارف التقليدية والسلالات المتعلقة بالمصادر الجينيه للنباتات والكائنات الدقيقه فى مصر والعالم العربى.
واقترح مدير مركز وادى النيل، إنشاء هيئة وطنية تسعى للحفاظ على السلالات والأصناف والجينات المصرية والعمل على تطويرها وانتاج سلالات عالية الإنتاجية تتحمل أعلى معدلات الجفاف والملوحة وارتفاع الحرارة ومختلف التغيرات البيئية فذلك يمكن ان يدر مئات المليارات سنويا ان نجحنا فى تطوير بعض الاصناف والسلالات وتصديرها عبر العالم، وسبق ان وضعت ذلك ضمن اهداف وبرامج الاتحاد العربى للتنمية الاقتصادية والتقنية التابع لمجلس الوحدة الاقتصادية بالجامعة العربية، لضمان تحقيق ذلك على المستوى العربى، ولكن الامر يحتاج إلى صحوة حقيقية، لأن الموضوع خطير بالفعل ويحتاج إلى بحث.
وأوضح الدكتور هشام سرور، أستاذ الكيمياء الحيوية والبيئية، أن هذا العصر هو عصر السيطرة والهيمنة الدولية من خلال منظمات ظاهرها التعاون والتنسيق وباطنها تطويع بيئات العالم الثالث للاستغلال من قبل الشركات المتعددة الجنسيات التابعة للدول الكبرى والموضوع ليس ترفا ولا فخرا وطنيا أن بنك الجينات يحتوى على ملايين الأصناف ولكن أصبحت تشكل احتكارات تجارية تدر الملايين، وقد كان لامريكا السبق في استصدار تشريعات وانشاء منظمات دوليه تحفظ حقوقها، مضيفا أنه من الثابت أن دول العالم الثالث تتفوق في تنوعها الطبيعي وثرائها البيئي، وهذه الثروة كان يمكن ترجمتها إلى مليارات لو امتلكت التكنولوجيا المناسبة، وكلنا يعرف أن اغلب البعثات العلمية والمشاريع البحثيه المشتركة عمدت منذ زمن بعيد الى سرقة وتطوير الأصول النباتية للعالم الثالث وإعادة تصديرها كمنتجات جديدة او محسنة واشهرها فسائل النخيل االتي أصبحت ملكا لبريطانيا، والنزاع القائم بين مصر واليابان على يملك نبات الملوخية.
وأضاف سرور، أن هناك مثلا نبتة الزيت البحري التي تعيش في تشيلي وتسقى بماء البحر وأصبحت الآن ملكا لإحدى الشركات في كاليفورنيا، وهناك نبتة الأوكا الإفريقية التي تنتج درنات مغذية تشبه البطاطس ولا تحتاج لكميات كبيرة من المياه، وهناك أيضا شجرة النيم الهندية التي استغلت في سويسرا وفرنسا لانتاج مجموعة واسعة من المستحضرات الطبية، وكذلك بذور الشيا التي يستخرج منها مادة فعالة لخفض السكر والحد من الكولسترول.
وكشف سرور عن سر خطير وهو أن هناك أصنافا أنتجت وبذل فيها مجهود لأصناف القمح والقطن سرقت من المركز القومى للبحوث الزراعية وعن طريق التعاون المشترك مع بعض الدول وبالأخص أمريكا وتوقيعها علي الاتفاقية هو بمثابة حماية للشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات لاصولها النباتية ولكن ليس لحماية ما نتوصل إليه لأن من يحرك تلك المنظمات العالمية هي القوي الدولية الكبرى وخلفها شركاتها الضخمة ولدينا تجارب وأمثله علي الحماية غير المتكافئة في منظمة التجارة الحرة، وقد رفضت الصين التوقيع عليها منذ سنوات؛ لأنها لن تخدمها بل ستحجمها لصالح شركات غربية ومن قبلها وكالة الطاقة الذرية واتفاقيه منع انتشار الاسلحه النووية التي تستخدم كورقة إرهاب للدول الصغيرة وتعوقها عن استثمار امكانياتها المتاحة من الطاقة، والسؤال الذي يجب أن يطرح بصراحة هو: هل وقعت إسرائيل علي هذه الاتفاقية؟ وهل في قدره المنظمة أن تدين وتسترجع الاصول النباتية التي سرقتها إسرائيل او أمريكا منا؟ وخاصة أن اسرائيل قد سرقت اصول نباتية من سيناء فتره احتلالها لها؟ والاجابة تكشف لنا أهمية الاتفاقية وهل هي انطلاق أم تكبيل لنا.
ورأى الدكتور وليد جاب الله، الخبير والباحث الاقتصادى، أن الانضمام لتلك الاتفاقية يعتبر التزام في إطار اتفاقية تعاون أكبر مع الاتحاد الأوروبي، لذا لابد من التعامل مع هذا الأمر من خلال محاولة تحقيق أقصى استفادة وأقل ضرر من الانضمام لتلك الاتفاقية، سيما وأنه إذا أجدنا التعامل مع بنودها فسوف يترتب عليها تقرير حماية للأصناف النباتية المصرية، وفتح المجال لزيادة نشاط الاستثمار الزراعي في مجال الأنشطة المرتبطة بإنتاج التقاوي وتربية أصناف نباتية جديدة وزيادة القدرة التنافسية للمنتج الزراعي المصري من الناحية النوعية والكمية بما يتفق مع متطلبات الأسواق الدولية، وإتاحة الفرصة للمربي المصري للتعرف على متطلبات السوق المحلي والدولي مما يساعد على زيادة معدلات إتاحة الأصناف المصرية للأسواق الخارجية.
وأضاف جاب الله، وأخير فإن الانضمام لهذه الاتفاقية يعد بمثابة خطوة من خطوات عديدة تتجه بالاقتصاد المصري نحو الاندماج مع الاقتصاد العالمي ذلك الاندماج الذي له مزاياه ومخاطرة التي لا ينكرها أحد، والتي يجب أمامها العمل على تنمية المهارات وإعداد الكوادر البشرية للتعامل مع القواعد الفنية والاقتصادية الجديدة لهذه الاتفاقية، وغيرها من اتفاقيات تشكل ملامح التعاون الدولي للفترة القادمة.