أسامة نصحي اسم برز كثيرًا في أوروبا في المجال الإعلامي بعد أن تألق في مجال الصحافة في مصر والعالم العربي، ووصل إلى العديد من المناصب المهمة، أهمها مدير لتحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط لينتقل بعدها لمجال الإعلام في أوروبا ويحقق نجاحات كبيرة جعلته خبيرا في المجال الإعلامي وخاصة في دولة النمسا التي يعيش فيها منذ فترة طويلة جدًا.
الخبير الإعلامي المصري البارز يتحدث في حوار خاص لـ"البوابة نيوز" عن تقييمه لأداء الإعلام المصري في الفترة الأخيرة، ويضع روشتة لمصر لمواجهة الحملة الشرسة التي تواجهها مؤخرا من الإعلام الأوربي، وإلى نص الحوار..
* كيف تقيم الإعلام المصري فترة ما بعد ثورة يناير؟
الإعلام المصرى مثل كل قطاعات المجتمع المصرى تأثر بالتغيرات السياسية الجذرية خاصة بعد ثورة يناير عقب الثورة مباشرة ارتفع سقف الحريات الى مستوى كبير خاصة بعد 30 عاما من هيمنة على الإعلام، ولكنه تحول إلى الفوضى والتلاسن والمعارك الكلامية غير المنضبطة وإلى إشعال الفتن وكانت تحركه دائما كعكة الإعلان والسباق فى الوصول إلى أعلى نسبة مشاهدة للقنوات وتوزيع للصحفـ كما تأثر الإعلام بنوعية ملاكه من رجال الأعمال ومصالحهم وعلاقاتهم فوجدنا للأسف توظيف الأعلام فى خدمة المصالح الشخصية، ووجدنا ظاهرة المذيعين الضعاف مهنيا ولكنهم يميلون إلى الشو وإلى التصرفات والتعليقات الغريبة لجذب أعلى نسبة مشاهدة، مما أضعف المهنة نسبيا ولكن الصورة تتحسن الآن إلى الأفضل حيث بدأ التركيز على المسئولية الاجتماعية للإعلام والحد كثيرا من الإعلام التحريضى وصاحب الإثارة، وشهدنا انسحاب الكثير من الوجوه من الساحة والتى دأبت على هذا الأسلوب بعد ما أدركت ملل المشاهدين منها.. والحاجة إلى إعلام مسئول خاصة فى ظل حرب الدولة على الإرهاب بعد ثورة 30 يونيو المجيدة.
* لك تجربة كبيرة مع الإعلام والصحافة الأوربية.. ما هي أبرز محطاتك المهنية؟
- فى الإعلام الأوروبى كانت لى تجربة المشاركة فى تأسيس قناة الجديدة التى كانت تعبر عن الجاليات العربية فى النمسا وتربطهم بقضايا أوطانهم وتعزز اندماجهم فى المجتمع الاوروبى كما أسست الجريدة الإلكترونية إيروسكاى برس والتى عملت على نفس الأهداف كما أنى صحفى معتمد فى المقر الأوروبى للأمم المتحدة فى فيينا وفى مجلس الوزراء النمساوى الى جانب منظمة الأمن والتعاون الأوروبى ومنظمة أوبك وأشارك بالتغطية فى كل الفاعليات والأحداث الهامة لهذه المنظمات الى جانب المؤتمرات الدولية وأكتب فى مواقع دولية باللغة الإنجليزية.
* ما الفرق بين الإعلام المصري والإعلام الأوربي وأيهما أقوى وأنجح؟
- الإعلام المصرى يعمل فى نطاق ضيق جدا ومحدود الامكانيات بينما الاعلام الاوروبى يهتم بالشأن المحلى الى جانب الشأنين الاوروبى والدولى وهو يتمتع بامكانيات هائلة كما أن الصحفى الاوروبى من اصحاب اعلى الدخول فى المجتمع كما أن الصحيفة تنفق عليه جيدا فى ايفاده الى مهمات عمل الى الخارج كما أنه اكثر مهنية لأنه يبعد عن الدعاية والمجاملات لجهات معينة مثل الاعلام المصرى ويقوم بعمله دون ضغوط سياسية كما أن وراءه نقابات قوية تحمى المهنة وهيئات دولية تؤمن عمله الى اقصى مستوى لذا فان الاعلام الاوروبى لا ينجح فيه الا الموهوبين فقط بينما للاسف الاعلام المصرى يسيطر عليه المجاملات ويعمل به عناصر غير مؤهلة اصحاب المواهب الحقيقية يحاربون فى مصر ويتم ترقية من هم اضعف منهم للسيطرة عليهم...كما ان تقييم الاعلاميين فى مصر يخضع للاهواء الشخصية دون معايير ثابتة وفق الحالة المزاجية لرئيس التحرير أو مالك القناة..ويمكن
تلخيص أزمة الاعلام المصرى فى غياب المهنية وسيطرة المجاملات والمصالح.
* هل نجح الإخوان بتوجيه الإعلام العالمي ضد مصر؟
- جماعة الإخوان أضعف كثيرا من أن توجه الاعلام العالمى..الاعلام العالمى تتحكم فيه رؤوس الأموال وجماعات ضغط معينة مثل اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة... إلخ، ولكن الاعلام العالمى تعاطف معهم نظرا لقناعة ثابتة لدى المجتمع الدولى بأن أى تغيير سياسى يجب أن يأتى عبر صناديق الانتخاب فقط ولذلك نقول أن الإخوان نجحوا فى تسويق أنفسهم بخبث ودهاء من خلال ادعائهم على انهم اصحاب الشرعية وإنها انتزعت منهم وصوروا 30 يونيو على انها انقلاب وبالتالى تعاطف معهم الاعلام العالمى لانه لم تكن له صورة دقيقة عن حجم اخطائهم فى قيادة البلاد ولا حجم الغضب الشعبى ضدهم ولا عن ظروف قفزهم على السلطة عقب ثورة 25 يناير والتى شاركوا فيها متأخرا بينما قادها شباب ليس لهم أى مشروع سياسى لذا سرقت الثورة بسهولة منهم.
* كيف نواجه جماعة الإخوان إعلاميا؟
- ليس بالشتائم ولا بالتحقير بل بتسليط الضوء على التناقضات فى فكرهم وعلى أخطائهم الفادحة خلال فترة حكم البلاد وبابراز أن مصر دولة قائمة على تنوع الديانات والثقافات وتتمسك بالقيم السمحة للأديان مع رفضها عبر تاريخها استغلال الدين فى الشأن السياسى والتأكيد ان استغلال الدين فى السياسة مشروع فشل فى العديد من دول العالم وان الدول المتقدمة حققت انجازاتها باحترام كل الأديان واستيعاب كل الثقافات ورفض التمييز على أساس اللون أو الجنس أو العقيدة.
* هل الإعلام المصري تأثر بثورتي 25 يناير و30 يونيو وهل كان له دور فاعل؟
- بالتأكيد الإعلام المصرى جزء لا يتجزأ من المجتمع وهو بمثابة المرآة العاكسة لكل تطورات المجتمع وساهم بدور كبير فى اندلاع الثورات ولكن يجب ان ندرك ان الاعلام ليس لون واحد بل هو أطياف متنوعة هناك الاعلام الحكومى والصحف القومية التى تخدم أى نظام دون تمييز ولا تجرأ على المعارضة..وهناك الاعلام الخاص وهو يعكس مصالح مالكيه من رجال الاعمال والذين يرتبطون بمصالح مع الدولة ولذا وجدنا تخبط كبير فى الاعلام فى هذه الفترة وتبدل مواقف كثيرين الى النقيض لأنهم أدركوا ان النظام السائد فى تلك الفترة باق الى الابد ولم يدركوا ان الرياح ستأتى بما لا تشتهى السفن واكثر شىء استفاد منه المجتمع هو كشف المتلونين واصحاب المصالح..هناك من كانوا ايام مبارك يبدون من اشد المؤيدين للنظام وبعد سقوطه ادعوا انهم ثوريون ثم اصبحوا اخوان ومازالوا يتلونون مع كل العصور.
* بصفتك إعلامي مصري مقيم في أوروبا بشكل عام والنمسا بشكل خاص ماذا فعلت لتوضيح صورة ما يحدث في مصر؟
- دائما ما أؤكد فى كثير من المؤتمرات والمنتديات التى أشارك فيها فى منظمة الأمن والتعاون الأوروبى والأمم المتحدة وحتى اللقاءات العادية مع الأصدقاء الأوروبيين أن ما حدث فى 30 يونيو ثورة شعبية، وأنه ليس انقلاب، وأن هناك صورة مغلوطة يروج لها عناصر الاخوان ولكن لكى تقنع الأوروبيين لابد أن نهتم أكثر بالحريات خاصة ملف حرية التعبير وتأمين حرية الصحفى والإعلامى هذه الأمور مقدرة جدا فى أوروبا وأى تجاوز فيها غير مقبول ولذا أنصح بعدم ارتكاب اخطاء فى هذا المجال خاصة ما حدث مؤخرا من اقتحام نقابة الصحفيين كان له رد فعل سلبى واسع ونحن لا نعيش فى كوكب منعزل ونحتاج دائما الى مساندة وتعضيد المجتمع الدولى.
* ما رأيك في تعامل مصر مع النمسا وتجاهلها على عكس أمريكا وبريطانيا؟
- النمسا دولة حياد وهى تفخر بذلك ولا تتدخل فى الصراعات فى الشرق الأوسط مثل امريكا وبريطانيا ولذا لايوجد لها أعداء وحجم الاستقرار والتسامح واسع فى المجتمع ولكن هذا لا يعنى انها دولة غير مؤثرة بل هى دولة مهمة ومركز كبير لاهم المؤتمرات الدولية فى العالم ويكفى انها استضافت المفاوضات الدولية حول سوريا وليبيا بمشاركة وزراء 17 دولة فى العالم كما ان بها مقر اوروبى مهم للامم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية ومنظمة اليونيدو ومنظمة الامن والتعاون الاوروبى ومنظمة أوبك والعديد من الهيئات الدولية واسعة التأثير ولايمكن ان تتجاهل مصر دولة بهذا التأثير والعالم ليس كله امريكا وبريطانيا يجب ان نوسع الشراكة والتعاون مع دول اوروبا وافريقيا واسيا بشكل متوازن.
* ما هو حجم اهتمام الإعلام الأوروبى بالأوضاع فى مصر وهل لديه صورة موضوعية أم منحازة ؟
- الاهتمام ضعيف ويركز على حوادث الارهاب وبعض التجاوزات الامنية..وبالطبع الصورة منحازة..وهو ما يتطلب جهدا دبلوماسيا واعلاميا أكبر لنقل الصور الصحيحة والاهم من ذلك ان نعترف بالأخطاء ونعمل على اصلاحها وليس مجرد ان ننقل صورة طيبة عنا بينما الواقع قد يكون غير ذلك.
* ما ردك على الهجوم الشرس الذي يتعرض له الإعلام المصري مؤخرا؟
- كل المهن بها أخطاء وبها دخلاء وللأسف الفساد طال قطاعات عديدة وليس من المنطقى ان نحمل الاعلام كل الاخطاء الإعلام بطبيعته متمرد وناقد وهذا الامر لا يروق المسئولين الذين يرون ضرورة ترويض الاعلام وجعله مجرد أداة لابراز انجازاتهم.
النقد ليس خيانة كما يتصور البعض بل هو ضرورة للاصلاح ومهمة أصيلة للاعلام..ينقصنا الوعى بدور الاعلام كما يجب ان تنقى المهنة ذاتها بتفعيل مواثيق الشرف وان تحاسب نقابة الصحفيين اعضائها..ومن هنا يكون للاعلام الدور التنويرى المنتظر وليس مجردا بوقا لجهة او سلطة.
* كيف نوجه الإعلام الأوربي نحو الوجه المضيء من مصر بعيدا عن تحريضات الإخوان؟
- لا نستطيع توجيه الإعلام الأوروبى لأن فكرة توجيه الاعلام للاسف فكرة مصرية والأصح كيف نجذب الاعلام الاوروبى الى الايجابيات فى مصر وذلك يتحقق من خلال الاصلاح الجاد والداخلى والصادق والبعد عن الدعاية وترسيخ الحريات والديمقراطية ليس بالكلام والاغانى بل باعمال حقيقية..لا نحقر من الخارج ولا نقول لا يهم صورة مصر هم لهم ثقافة مختلفة لا يمكن ضرب المجتمع الدولى عرض الحائط..نحن جزء منه..وهناك امور مستقرة دولية لا يجب ان نتجاهلها ومنها حرية حقيقية للاعلام وتداول السلطة
* من هو أخطر إعلامي إخواني من وجهة نظرك؟
- هم عموما فشلة فى الإعلام وليس لديهم قدرة على التأثير وليس لهم كوادر جيدة..ولكن أكثرهم نسبيا فى التأثير ربما يكون محمد ناصر.
* ما هي رسالتك لإعلامي مصر؟
- اهتموا بالثقافة والانفتاح على العالم ودراسة اللغات إلى جانب تحسين مستوى اللغة العربية.. ركزوا على تحسين الكفاءة وليس تملق الرؤساء حاولوا أن تصنعوا أسماء جيدة فى المهنة والمناصب لا تدوم، والصحفى سيرة ومواقف وتاريخ المهنة سيلفظ الدخلاء والأمنجية وكتاب التقارير فى زملائهم وسيذكر أصحاب المواهب المتفردة.