الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حوارات

"محل الميلاد.. زنزانة".. رئيس وحدة التوثيق في هيئة شؤون الأسرى: المرأة الحامل تنقل إلى المستشفى مكبلة الأيدي.. وسلطات سجون الاحتلال تعاقبها على بكاء طفلها.. وجنينها يتعرض لأقسى أنواع القهر

 رئيس وحدة التوثيق
رئيس وحدة التوثيق في هيئة شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحقيقة المرة أن الأطفال حديثي الولادة يُحتجزون مع أمهاتهم، في ظروف سيئة، كما يُحرمون من أبسط حقوق الطفولة، هكذا قال عبد الناصر فروانة رئيس وحدة التوثيق والدراسات في هيئة شؤون الأسرى خلال حواره لـ "البوابة نيوز"
* في البداية كيف يتم التعامل مع الأسيرة الحامل داخل السجون؟ 
لا تختلف الأشكال والأساليب، التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي عند اعتقال المرأة الفلسطينية، عن اعتقال الرجال.
كما لا تختلف معاملته القاسية مع الإناث عنها مع الذكور، فهو لا يميز في قسوته وإجراءاته القمعية وظروف الاعتقال، ولا تميز في تعذيبه بين رجل وامرأة، ولا يتردد في اعتقال المرأة الحامل وهذا يقودنا للتأكيد على أن الأسيرة الحامل تتعرض لقسوة في المعاملة والإهمال الطبي وعدم المبالاة لاحتياجاتها الأساسية.
ولم يشفع الحمل أو الميلاد للمرأة الفلسطينية الأسيرة من التعذيب، والخضوع لكافة الإجراءات التي يخضع لها الأسرى الرجال، بل إن إدارات السجون والمعتقلات تعاملت معهن بقسوة ووحشية، دون أي مراعاة.
* ماذا لديكم من شهادات موثقة لأسيرات ولدن أبناءهن داخل السجون؟
خلال سنين الاحتلال الطويلة، اعتقلت السلطات الإسرائيلية العشرات من النساء الحوامل، وإذا كان بعضهن أطلق سراحهن، بعد فترة وجيزة، فإن أكثرهن قد أمضين في الاعتقال مددًا أطول، وتعرضن لقسوة، وكثيرا ما تسببت لهن بالإجهاض، لكن ما يندى له جبين الإنسانية أن تمتد فترة اعتقال آخريات، إلى أن ينجبن أولادهن داخل السجن، ويقدر عددهن بـ12 أسيرة أنجبن داخل السجن، أمثال زكية شموط، أميمة الأغا، انتصار القاق، فاطمة الزق، سميحة تايه، عائشة الكرد، ميرفت طه، منال غانم، سمر صبيح، وغيرهن.
وكانت الأسيرة "زكية شموط" من مدينة حيفا والمعتقلة أواخر 1971 وهي أول أسيرة فلسطينية تلد داخل السجون الإسرائيلية بعدما اعتقلت، وهي حامل في شهرها السادس وتعرضت لضرب شديد وتعذيب قاسٍ وصعقات كهربائية، وحكم عليها بالسجن لمدة (1188) سنة، كما اعتقل زوجها وحكم عليه بالسجن "مدى الحياة"، كما أفادت في شهادة لها قبل موتها ورحيلها. 
وآخرهن كانت الأسيرة فاطمة الزق من غزة التي أنجبت طفلها "يوسف" أوائل عام 2009، وتجمع الشهادات على أن الأسيرات الحوامل لم يظفرن بأي معاملة معقولة كونهن بحاجة إلى اهتمام خاص وفحوصات دائمة ودورية ورعاية خاصة، لمتابعة أوضاعهن وللتخفيف عليهن من عناء الحمل، ومع اقتراب موعد الولادة يتم نقل الحامل إلى المستشفى مكبلة الأيدي والأرجل، ومحاطة بعدد من المجندات، بحجة الحفاظ على الأمن.
وتبقى مكبلة بالسلاسل وهي على سرير المستشفى، ولا يفكون القيود سوى قبل دقائق معدودة من الولادة، دون أن يُسمح لأي من أفراد العائلة بحضور ساعة الولادة والاطمئنان على الأم والمولود الجديد، وبعد انتهاء "الولادة" يُعاد تكبيل الأسيرة ثانية ويُعاد بها للسجن، دون مراعاة لوضعها الصحي وما عانته جراء تلك العملية الشاقة، كل ذلك يؤثر سلبا على وضعها النفسي ويفاقم من معاناتها.
* وكيف ترى الواقع النفسي لهذه الأسيرة خصوصًا في لحظات الولادة وسط القيد والضرب والإهانة؟
بعد ولادة الطفل، يضع القانون الإسرائيلي أمه الأسيرة بين خيارين إما إخراجه من السجن وحيدًا وبعيدًا عنها، أو إبقاؤه معها داخل السجن لمدة عامين، لكنه لا يسمح بازدواجية الخيار، ودائما وفي كل الحالات، الخيار الثاني هو المفضل للأم، فيبقى في حضنها، حيث يُسمح للأم برعاية طفلها، وإبقائه معها في السجن حتى سن العامين فقط، ومن ثم يتم الفصل بينهما، ولكن للأسف وبكل صراحة لا يتلقى أي رعاية أو تأهيل نفسي خلال وجوده في السجن.
والحقيقة المرة أنهم يُحتجزون مع أمهاتهم، في ظروف سيئة جدًا، كما يُحرمون من أبسط حقوق الطفولة، ويتعرضون لأقسى أنواع القهر والحرمان، مثلهم في ذلك مثل أمهاتهم. 
وأحيانا تعاقب الأسيرات بسبب صراخ الطفل، وفي مرات عدة تمادت إدارة السجون في ممارساتها الفظة ضد الأطفال، حين صادرت حاجياتهم الخاصة، وألعابهم الصغيرة النادرة، التي يدخلها لهم الصليب الأحمر.
* وما الذي تقدمونه أنتم كهيئة مختصة لهؤلاء الأسيرات وبالأخص أطفالهن؟ 
بصراحة وبدون مبالغة نقدم الكثير لهن، فنحن الحاضنة الأساسية للأسرى والأسيرات، ونقدم لهن الخدمات المختلفة منذ لحظة الاعتقال، خدمات حقوقية وقانونية ومادية واجتماعية ونفسية وطبية..الخ، كما نقدم الخدمات لأسرهن، وبعد تحررهن نتابع أوضاعهن ونقدم لهن الخدمات بأشكالها المتنوعة من أجل ضمان حياة كريمة لهن ومساعدة الطفل في الاندماج بالحياة كالمعتاد.
* وماذا عن القوانين الدولية والحقوقية الرادعة في التعامل مع الأسيرة الحامل؟
إن من أبرز الحقوق التي كفلتها الاتفاقيات والقوانين الدولية، للمرأة الحامل بشكل عام والمرضعة بشكل خاص، ضرورة تأمين مكان إقامة مناسبة لها وطفلها.
ويقضي القانون الدولي بأن يوكل الإشراف على الأسيرات، إلى سجانات مختصات ومدربات، كما يمنع القانون أن يجرى تفتيش المرأة إلا من قبل امرأة، ويؤكد على ضرورة أن تحظى الأسيرة الحامل أو المرضع بوجبات خاصة وإضافية، تتناسب واحتياجات جسدها. فيما يجب أن تتم الولادة في مؤسسات صحية، يتوافر فيها العلاج المناسب والظروف الملائمة والمعاملة الحسنة والرعاية الكاملة، لكن للأسف دولة الاحتلال تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية وتصادر كافة الحقوق الإنسانية، الأمر الذي يدفعنا دوما إلى عرض كل تلك الانتهاكات أمام المحافل الدولية وحث المؤسسات الدولية على تحمل مسؤولياتها وإنقاذ الأسرى والأسيرات من الممارسات الإسرائيلية التي تشكل بمجموعها انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان
*وأخيرا هل تم رفع أية قضية من قبلكم أو من قبل أسيرة حامل ضد الاحتلال وممارساته العنيفة؟
بصراحة لا، ولكن قدمت الكثير من الشكاوى للمؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية، وقدمت شكاوى مماثلة خلال لقاءاتنا مع الأمم المتحدة وخلال تقديم شهاداتنا أمام اللجان الدولية، وما في مناسبة كهذه إلا ونطرح فيها الانتهاكات والجرائم بحق الأسيرات خاصة، وكذلك فإن قضية الأسرى بملفاتها المختلفة عرضت ضمن المذكرة الأساسية التي قدمتها دولة فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية. 
كما وأن الانتهاكات الجسيمة والجرائم الكثيرة التي اقترفتها ولا زالت تقترفها دولة الاحتلال بحق الأسرى والأسيرات بمن فيهم الحوامل قد عرضت أمام المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، لكننا بحاجة إلى مزيد من الجهد والضغط على محكمة الجنايات كي تفتح تحقيقا جديدا بتلك الجرائم المتكررة.
ونأمل أن يأتي اليوم قريبًا لتحاكم فيه إسرائيل على جرائمها بحق أسرانا وأسيراتنا، خاصة وأن الكل لديه قناعة راسخة بأن غياب المحاسبة والمساءلة الدولية يشجع إسرائيل على التمادي في انتهاكاتها وجرائمها.