في مثل هذا اليوم 21 مارس، ولد الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي أحد أبرز قراء القرآن المصريين، في قرية شعشاع مركز أشمون بمحافظة المنوفية عام 1890، كان والده محفِّظًا للقرآن، فحفظ كلمات الذِّكر الحكيم على يديه، ثم انتقل إلى مدينة طنطا ليأخذ علم القراءات على المتخصصين من أبناء هذا البلد مَعقل علم القراءات.
تفوُّق الشيخ وتميُّزه بصوته العذب دفع المشايخ لنصحه بالسفر إلى القاهرة والالتحاق بالأزهر الشريف، ودرس هناك القراءات على يد الشيخ بيومي والشيخ علي سبيع، كان ذلك عام 1914، وسكن بحي الدرب الأحمر، وبدأ صِيته يذيع في القاهرة بين أساطين دولة التلاوة أمثال على محمود ومحمد رفعت.
تميَّز بالصوت الندي، والتجويد والترتيل الذي يأخذك إلى عالم من الخشوع والتدبر في آيات الله وملكوته، حتى إن البعض وصفه بأنه عمدة فن التلاوة في عصر الرعيل الأول للقراء في مصر والعالم العربي.
وذات مساء دخل ليقرأ في الليلة الختامية لمولد الإمام الحسين (رضي الله عنه) مع أعظم وأنبغ المقرئين في بداية القرن العشرين أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ أحمد ندا والشيخ على محمود والشيخ العيساوي والشيخ محمد جاد الله، ومن تلك الليلة انطلق صوته إلى العالم الإسلامي وأصبح له مكان في القمة وأصبح له مريدون وتلاميذ، ومنهم الشيخ محمود على البنا والشيخ أبو العينين شعيشع وغيرهما كثير.
كانت له طريقته الخاصة للأداء، وكانت متميزة عن بقية القراء، وكان يستمع إلى أصوات الشيخ رفعت، وعلي محمود، ويصفهما بأنهما أساتذة وعمالقة لا يتكررون ويعتبر أنهما أصحاب مدارس خاصة في قراءة القرآن.
كوَّن الشعشاعي فرقة للتواشيح الدينية وكان في بطانته الشيخ زكريا أحمد والذي ذاع صيته فيما بعد، وسرعان ما بدأ الشيخ الشعشاعي يتألق ويلمع وأصبح له عشاق بالألوف، لكن فرقة التواشيح لم تكن تُرضي طموح الشيخ الشعشاعي فغامر وألقى بنفسه في البحر الذي يتصارع فيه العمالقة في التلاوة، فقرأ في مأتم سعد زغلول باشا، وعدلى يكن باشا، وثروت باشا.
كان ثاني قارئ يقرأ بالإذاعة المصرية بعد افتتاحها عام 1934م، بعد الشيخ محمد رفعت، فمنذ سنة 1930 تفرَّغ الشيخ لتلاوة القرآن الكريم وترك التواشيح إلى غير رجعة، ومع ذلك لم ينس رفاقه في الدرب فقرَّر تخصيص رواتب شهرية لهم حتى وفاتهم.
وبعد افتتاح الإذاعة عام 1936 بدأ نجم الشيخ يتلألأ، على أنه رفض التلاوة في الإذاعة في أول الأمر؛ خشية أن تكون التلاوة في الإذاعة من المحرَّمات، لكنه تَراجع عن ذلك القرار بعد فتوى شيخ الأزهر الظواهري وقبول الشيخ رفعت عرض الإذاعة. وكان يتقاضى راتبًا سنويًّا قدره 500 جنيه، وعُيِّن قارئًا لمسجد السيدة نفيسة، ثم مسجد السيدة زينب عام 1939.
حجَّ الشيخ الشعشاعى بيت الله الحرام سنة 1948، وقرأ القرآن فيه على مسامع عشرات الآلاف من الحجاج، وسافر إلى العراق عام 1954، ثم سافر إليها أكثر من مرة بعد ذلك منها عام 1958م وعام 1961م.
تُوفي الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى في 11 نوفمبر عام 1962م عن عمر يناهز 72 عامًا قضاها في خدمة القرآن الكريم، وترك ابنه إبراهيم الشعشاعي على دربه فتألَّق وجابت شهرته الآفاق.