مرة أخرى "تنتصر الحضارة على التتار الجدد" بعد استعادة مدينة تدمر التاريخية في سوريا أو "لؤلؤة الصحراء"من قبضة تنظيم داعش الإرهابي وسط آمال بألا تتحول آثارها إلى أشلاء تبكي تاريخا تليدا وحضارة عظيمة وتسامحا بناء.
فيما حملت وسائل اعلام تصريحات متفائلة حول وضعية الآثار في هذه المدينة التاريخية، وأشارات إلى أن "آثار تدمر لم يلحق بها تدمير كبير" فإن هناك حاجة للمعاينة الدقيقة بعد انقشاع غبار المعارك تماما.
وأفادت أنباء وتقارير إخبارية عن بدء عملية إزالة الألغام بهذه المدينة التاريخية بعد استعادتها مجددا من قبضة تنظيم داعش الارهابي الذي كان قد سيطر عليها أكثر من مرة كما بدأت اجراءات معاينة المباني بالمدينة الآثرية الواقعة في وسط سوريا فيما سيكون من السابق لآوانه الحديث فورا عن تقدير دقيق لحجم الخسائر في الآثار بعد المعارك العنيفة التي شهدتها هذه المدينة.
وكانت قلعة تدمر التاريخية من بين الأماكن التي تعرضت لأضرار فضلا عن "قوس النصر" الذي تحول "لأثر بعد عين" وكان تاريخه يرجع الى 1800 عام منذ ان ابتليت المدينة بعناصر داعش في شهر مايو عام 2015 لتقوم ايضا في شهر يناير الماضي بتدمير "التترابيلون الآثري" المؤلف من 16 عامودا كما الحقت اضرارا فادحة بواجهة المسرح الروماني الأمر الذي وصفته الأمم المتحدة حينئذ "بجريمة حرب جديدة".
وعملية التواصل الانساني الحضاري بين مصر وسوريا عبر التاريخ المديد تتجلى ضمن تجليات عديدة في "التترابليون" الذي يتكون من اربع قواعد حجرية تعلو كل منها اربعة اعمدة على شكل متقاطع وهي مصنوعة من جرانيت جلب من مصر.
وسيطر تنظيم داعش الارهابي على مدينة تدمر مرتين الأولى في شهر مايو عام 2015 وقاموا بتدمير معبدي "بعل شمين وبل"حتى استعادها الجيش السوري منذ نحو عام واحد غير ان الدواعش اقتحموا تدمر مجددا في نهاية عام 2016 حتى طردوا منها مرة أخرى في مطلع شهر مارس الجاري.
وبعد أن عاث فسادا وتدميرا في آثار العراق شرع تنظيم داعش الارهابي في عمليات لتدمير الآثار في مدينة تدمر السورية فيما قال مأمون عبد الكريم المدير العام للآثار والمتاحف السورية ان عناصر من هذا التنظيم المتطرف كانت دخلت متحف المدينة وقامت بتدمير بعض المجسمات التي تمثل عصور ماقبل التاريخ المكتوب.
ويوم الثلاثاء الماضي استعادت دمشق "تمثالين نصفيين" جرى ترميمهما في ايطاليا بعد ان تعرضا لأضرار ابان سيطرة الدواعش على مدينة تدمر في المرة الأولى التي امتدت من شهر مايو عام 2015 وحتى شهر مارس عام 2016.
وفي تصريح يبعث على التفاؤل قال مأمون عبد الكريم ان "غالبية التماثيل التي دمرها داعش في تدمر قابلة للترميم وان هذه المدينة الأثرية ستعود كما كانت".
ومدينة تدمر الملقبة ايضا "بعروس البادية" والتي تقع على الطريق الدولي الذي يصل سوريا بالعراق يرجع تاريخها لأكثر من الفي عام وهي مدرجة على قائمة التراث العالمي الانساني لمنظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو".
ومنذ ان باتت "بلؤلؤة الصحراء" التي اشتهرت بمعابدها واعمدتها الرومانية ومدافنها الملكية في قبضة تنظيم داعش تصاعدت المخاوف من ان يكون مصير اثارها ونفائسها التاريخية الدمار على غرار ماحدث بعد دخول عناصر داعش مناطق تاريخية واثرية في العراق وخاصة الموصل والحضر والنمرود.
وكان الأزهر الشريف قد اعرب من قبل عن بالغ قلقه حيال سيطرة تنظيم داعش الارهابي على مدينة تدمر الأثرية داعيا المجتمع الدولي لتحرك سريع يحول دون قيام عناصر هذا التنظيم بطمس المعالم الحضارية والأثرية بالمدينة مثلما فعلوا في مواقع اثرية مماثلة بالمناطق التي خضعت لنفوذهم في العراق.
وأكد الأزهر على ان الدفاع عن المناطق الأثرية في مواجهة النهب والسلب والدمار "معركة الانسانية بأكملها" لافتا لضرورة تكاتف الجهود من اجل حماية المدينة التي تعد احد اهم واقدم المواقع الأثرية في المنطقة من المصير المظلم الذي ينتظرها على يد تنظيم داعش الارهابي.
وتنظيم داعش الذي دحر مجددا في تدمر يعبر عن ثقافة ظلامية بالغة التطرف ومعادية بشدة للتراث الثقافي المتنوع في المشرق العربي الذي عرف تاريخيا بتنوعه الحضاري وتعدد مكوناته الثقافية.
وفي مسعى لبناء ذاكرة مناوئة للذاكرة الثقافية الأصيلة والمتسامحة تاريخيا في المشرق العربي كان تنظيم داعش قد نشر صورا لمقاتليه وهم يرفعون الأعلام الداعشية السوداء فوق قلعة تدمر التاريخية بعد ان سيطر هذا التنظيم الارهابي لأول مرة على المدينة الأثرية الواقعة في ريف محافظة حمص.
ورغم انتصارات ميدانية لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل العراقية ودحر عناصر تنظيم داعش فان احدا لايمكنه حتى الآن تقديم تقدير دقيق لحجم الخسائر التي الحقها هذا التنظيم بالآثار والنفائس التاريخية.
وحرص تنظيم داعش الارهابي عبر آلته الدعائية على بث صور ولقطات بالفيديو لمقاتليه وهم يدمرون قطعا اثرية في متحف الموصل تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد فيما قال نيكولاس بيلهام في دورية "نيويورك ريفيو " ان الحجم الكامل للدمار الذي حل بمواقع اثرية هائلة نائية لم تكتمل صورته بعد.
واذ تتواتر انباء حول احتدام القتال لاستعادة مدينة الرقة من قبضة تنظيم داعش وهي العاصمة المزعومة لهذا التنظيم الظلامي لم تفلح جولات المفاوضات التي توالت في جنيف وغيرها في تحقيق تقدم يعتد به لانهاء الصراع المستمر في سوريا منذ نحو ست سنوات.
ومن المثير للأسى ان تستمر هذه المحنة في سوريا الشقيقة بينما يغيب الموت بعض مثقفيها الذين اضطروا للعيش في الخارج وآخرهم الفنان والكاتب والمترجم عبد القادر عبد اللي الذي قضى امس الأول "الخميس" بمدينة اضنة التركية.
وتميز عبد القادر عبد اللي بترجماته لعيون الأدب التركي الى اللغة العربية ومن بينها اعمال الأديب النوبلي التركي اورهان باموق فضلا عن اعمال للكاتب التركي الساخر عزيز نيسين غير ان بعضهم دفع حياته ثمنا للدفاع عن حضارة وطنه في مواجهة الدواعش او "التتار الجدد" مثل المثقف السوري والباحث والعالم الأثري خالد الأسعد الذي استشهد في الثامن عشر من اغسطس عام 2015.
فهذا المثقف السوري الانصياع لأوامر تنظيم داعش في الافشاء عن مواضع الكنوز الأثرية التي يعرفها في تدمر وبتضحيته بحياته من اجل هذا الموقف انضم لقافلة المثقفين الكبار الذين يخلدهم التاريخ على مر الزمان لمواقفهم النبيلة والعظيمة ويكون ايضا قد جسد معنى المثقف الحر والملتزم بقضايا شعبه والمدافع عن امته.
وحتى اللحظة الأخيرة وفي ذروة ويلاته لم يتخل خالد الأسعد عن مدينة تدمر التاريخية بعد ان تركها "العالم الكسيح" وعواصم القرار الدولي نهبا لدمار جاء به تنظيم داعش الارهابي ولتتحول آثارها لأشلاء تبكي تاريخا تليدا وحضارة عظيمة وتسامحا بناء.
ويعد خالد الأسعد الذي تعرض للذبح وصلب جثمانه على يد عناصر داعشية ظلامية من رواد علوم الآثار في سوريا وحصل على اوسمة الاستحقاق من تونس وفرنسا وبولندا فيما ذاع ذكره "كحجة ومرجع في كل مايتعلق بتاريخ مدينة تدمر وآثارها" وله العديد من الكتب والطروحات مثل دراسته التي صدرت بعنوان:"زنوبيا ملكة تدمر والشرق".
وخالد الأسعد الذي اصدر نحو 20 كتابا مابين تأليف وترجمة في مجال الآثار هو صاحب الاكتشاف الآثري لمنحوتة "حسناء تدمر" وكان قد انهمك في سنواته الأخيرة في ترجمة نصوص تتعلق باكتشافات اثرية في تدمر.
ولاريب أن جريمة قتل خالد الأسعد بعد تعذيبه على يد تنظيم داعش تجسد مقولة "التتار الجدد الذين يستهدفون كل مايتصل بالثقافة والحضارة والتراث" فيما عمل الراحل العظيم على مدى يناهز النصف قرن في مجال الحفاظ على الآثار وترميمها وشغل منصب مدير آثار مدينة تدمر وحقق عدة كشوفات اثرية هامة في المدينة التي وهبها حياته.
وولد خالد الأسعد في الأول من يناير عام 1932 وشغل منصب المدير العام للآثار ومتاحف تدمر في عام 1963 وكان يتقن اللغة الآرامية فضلا عن كونه احد الخبراء السوريين في مجال السياحة الثقافية واحد اصحاب الأقلام في "مجلة الحوليات الأثرية السورية".
وكان خالد الأسعد الحاصل على إجازة في التاريخ ودبلوم في التربية من جامعة دمشق قد تقاعد عن العمل في السلك الوظيفي الحكومي عام 2003 بعد ان اكتشف قبل ذلك بعامين نحو 700 قطعة نقد فضية يرجع تاريخها للقرن السابع الميلادي بمدينة تدمر التي كانت من المراكز التجارية المهمة على "طريق الحرير التاريخي".
وفيما ادمت الجريمة الشنعاء قلوب الكثيرين من اصحاب الضمائر في العالم كان اتحاد الكتاب العرب قد ادان الجريمة البشعة لتنظيم داعش الارهابي بذبح عالم الآثار السوري خالد الأسعد الذي تجاوز ال 82 عاما وقطع رأسه وتعليقها في مكان عام لرفضه التعاون مع عناصر التنظيم التي تسعى لهدم الآثار او بيعها والتربح منها.
وحق لهذا الاتحاد ولكل مثقف عربي ان يدعو الأمة العربية للتوحد ضد الجماعات الاجرامية والظلامية مثل تنظيم داعش لالحاق هزيمة ساحقة بتلك الجماعات المناهضة لتعاليم الديانات السماوية الداعية للرحمة والتسامح وحماية الضعفاء من العزل والشيوخ والنساء والأطفال وقبول الآخر.
ورغم الجنون الظاهر لعناصر داعش المنهمكة في تدمير الآثار فان خبراء في هذا المجال يؤكدون على ان هذه العناصر منهمكة ايضا في عمليات سطو وسلب ونهب لبعض النفائس الأثرية ومن بينها قطع لم تظهر في اشرطة الفيديو التي يبثها التنظيم الارهابي لعمليات تدمير الآثار.
وكان خالد الأسعد قد شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات العلمية لحماية الآثار في بريطانيا والهند وايطاليا واليونان وايران والنمسا واشرف على عملية ترميم 400 عمود اثري من اروقة "الشارع الطويل" في تدمر وكذلك ترميم قلعة فخر الدين واعمدة مدخل حمامات زنوبيا وترميم الأسوار الخارجية والأبراج في "قصر الحير الشرقي".
وتعد سوريا من الدول الغنية حقا بالآثار حتى ان المقولة الشائعة هناك:"يمكن للمرء ان يحفر فى اى مكان ويجد آثارا" توضح اشرطة فيديو ومقاطع على موقع "يوتيوب" الإلكترونى عمليات نهب الآثار فى خضم المواجهات الدموية الراهنة فيما كانت منظمة "اليونسكو" قد اعربت عن قلقها البالغ حيال مصير المعالم التاريخية فى هذا البلد العربي الجريح.
وإذا كان الأضرار بتراث بلد هو "اضرار بروح الشعب وهويته" كما اعلنت منظمة اليونسكو فى سياق تناولها للأوضاع فى سوريا فان جريمة الدواعش لايمكن ان تمر بلا عقاب رادع.. لقد حان الوقت لانتصار الحضارة وسحق قطعان التتار الجدد!.
فيما حملت وسائل اعلام تصريحات متفائلة حول وضعية الآثار في هذه المدينة التاريخية، وأشارات إلى أن "آثار تدمر لم يلحق بها تدمير كبير" فإن هناك حاجة للمعاينة الدقيقة بعد انقشاع غبار المعارك تماما.
وأفادت أنباء وتقارير إخبارية عن بدء عملية إزالة الألغام بهذه المدينة التاريخية بعد استعادتها مجددا من قبضة تنظيم داعش الارهابي الذي كان قد سيطر عليها أكثر من مرة كما بدأت اجراءات معاينة المباني بالمدينة الآثرية الواقعة في وسط سوريا فيما سيكون من السابق لآوانه الحديث فورا عن تقدير دقيق لحجم الخسائر في الآثار بعد المعارك العنيفة التي شهدتها هذه المدينة.
وكانت قلعة تدمر التاريخية من بين الأماكن التي تعرضت لأضرار فضلا عن "قوس النصر" الذي تحول "لأثر بعد عين" وكان تاريخه يرجع الى 1800 عام منذ ان ابتليت المدينة بعناصر داعش في شهر مايو عام 2015 لتقوم ايضا في شهر يناير الماضي بتدمير "التترابيلون الآثري" المؤلف من 16 عامودا كما الحقت اضرارا فادحة بواجهة المسرح الروماني الأمر الذي وصفته الأمم المتحدة حينئذ "بجريمة حرب جديدة".
وعملية التواصل الانساني الحضاري بين مصر وسوريا عبر التاريخ المديد تتجلى ضمن تجليات عديدة في "التترابليون" الذي يتكون من اربع قواعد حجرية تعلو كل منها اربعة اعمدة على شكل متقاطع وهي مصنوعة من جرانيت جلب من مصر.
وسيطر تنظيم داعش الارهابي على مدينة تدمر مرتين الأولى في شهر مايو عام 2015 وقاموا بتدمير معبدي "بعل شمين وبل"حتى استعادها الجيش السوري منذ نحو عام واحد غير ان الدواعش اقتحموا تدمر مجددا في نهاية عام 2016 حتى طردوا منها مرة أخرى في مطلع شهر مارس الجاري.
وبعد أن عاث فسادا وتدميرا في آثار العراق شرع تنظيم داعش الارهابي في عمليات لتدمير الآثار في مدينة تدمر السورية فيما قال مأمون عبد الكريم المدير العام للآثار والمتاحف السورية ان عناصر من هذا التنظيم المتطرف كانت دخلت متحف المدينة وقامت بتدمير بعض المجسمات التي تمثل عصور ماقبل التاريخ المكتوب.
ويوم الثلاثاء الماضي استعادت دمشق "تمثالين نصفيين" جرى ترميمهما في ايطاليا بعد ان تعرضا لأضرار ابان سيطرة الدواعش على مدينة تدمر في المرة الأولى التي امتدت من شهر مايو عام 2015 وحتى شهر مارس عام 2016.
وفي تصريح يبعث على التفاؤل قال مأمون عبد الكريم ان "غالبية التماثيل التي دمرها داعش في تدمر قابلة للترميم وان هذه المدينة الأثرية ستعود كما كانت".
ومدينة تدمر الملقبة ايضا "بعروس البادية" والتي تقع على الطريق الدولي الذي يصل سوريا بالعراق يرجع تاريخها لأكثر من الفي عام وهي مدرجة على قائمة التراث العالمي الانساني لمنظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو".
ومنذ ان باتت "بلؤلؤة الصحراء" التي اشتهرت بمعابدها واعمدتها الرومانية ومدافنها الملكية في قبضة تنظيم داعش تصاعدت المخاوف من ان يكون مصير اثارها ونفائسها التاريخية الدمار على غرار ماحدث بعد دخول عناصر داعش مناطق تاريخية واثرية في العراق وخاصة الموصل والحضر والنمرود.
وكان الأزهر الشريف قد اعرب من قبل عن بالغ قلقه حيال سيطرة تنظيم داعش الارهابي على مدينة تدمر الأثرية داعيا المجتمع الدولي لتحرك سريع يحول دون قيام عناصر هذا التنظيم بطمس المعالم الحضارية والأثرية بالمدينة مثلما فعلوا في مواقع اثرية مماثلة بالمناطق التي خضعت لنفوذهم في العراق.
وأكد الأزهر على ان الدفاع عن المناطق الأثرية في مواجهة النهب والسلب والدمار "معركة الانسانية بأكملها" لافتا لضرورة تكاتف الجهود من اجل حماية المدينة التي تعد احد اهم واقدم المواقع الأثرية في المنطقة من المصير المظلم الذي ينتظرها على يد تنظيم داعش الارهابي.
وتنظيم داعش الذي دحر مجددا في تدمر يعبر عن ثقافة ظلامية بالغة التطرف ومعادية بشدة للتراث الثقافي المتنوع في المشرق العربي الذي عرف تاريخيا بتنوعه الحضاري وتعدد مكوناته الثقافية.
وفي مسعى لبناء ذاكرة مناوئة للذاكرة الثقافية الأصيلة والمتسامحة تاريخيا في المشرق العربي كان تنظيم داعش قد نشر صورا لمقاتليه وهم يرفعون الأعلام الداعشية السوداء فوق قلعة تدمر التاريخية بعد ان سيطر هذا التنظيم الارهابي لأول مرة على المدينة الأثرية الواقعة في ريف محافظة حمص.
ورغم انتصارات ميدانية لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل العراقية ودحر عناصر تنظيم داعش فان احدا لايمكنه حتى الآن تقديم تقدير دقيق لحجم الخسائر التي الحقها هذا التنظيم بالآثار والنفائس التاريخية.
وحرص تنظيم داعش الارهابي عبر آلته الدعائية على بث صور ولقطات بالفيديو لمقاتليه وهم يدمرون قطعا اثرية في متحف الموصل تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد فيما قال نيكولاس بيلهام في دورية "نيويورك ريفيو " ان الحجم الكامل للدمار الذي حل بمواقع اثرية هائلة نائية لم تكتمل صورته بعد.
واذ تتواتر انباء حول احتدام القتال لاستعادة مدينة الرقة من قبضة تنظيم داعش وهي العاصمة المزعومة لهذا التنظيم الظلامي لم تفلح جولات المفاوضات التي توالت في جنيف وغيرها في تحقيق تقدم يعتد به لانهاء الصراع المستمر في سوريا منذ نحو ست سنوات.
ومن المثير للأسى ان تستمر هذه المحنة في سوريا الشقيقة بينما يغيب الموت بعض مثقفيها الذين اضطروا للعيش في الخارج وآخرهم الفنان والكاتب والمترجم عبد القادر عبد اللي الذي قضى امس الأول "الخميس" بمدينة اضنة التركية.
وتميز عبد القادر عبد اللي بترجماته لعيون الأدب التركي الى اللغة العربية ومن بينها اعمال الأديب النوبلي التركي اورهان باموق فضلا عن اعمال للكاتب التركي الساخر عزيز نيسين غير ان بعضهم دفع حياته ثمنا للدفاع عن حضارة وطنه في مواجهة الدواعش او "التتار الجدد" مثل المثقف السوري والباحث والعالم الأثري خالد الأسعد الذي استشهد في الثامن عشر من اغسطس عام 2015.
فهذا المثقف السوري الانصياع لأوامر تنظيم داعش في الافشاء عن مواضع الكنوز الأثرية التي يعرفها في تدمر وبتضحيته بحياته من اجل هذا الموقف انضم لقافلة المثقفين الكبار الذين يخلدهم التاريخ على مر الزمان لمواقفهم النبيلة والعظيمة ويكون ايضا قد جسد معنى المثقف الحر والملتزم بقضايا شعبه والمدافع عن امته.
وحتى اللحظة الأخيرة وفي ذروة ويلاته لم يتخل خالد الأسعد عن مدينة تدمر التاريخية بعد ان تركها "العالم الكسيح" وعواصم القرار الدولي نهبا لدمار جاء به تنظيم داعش الارهابي ولتتحول آثارها لأشلاء تبكي تاريخا تليدا وحضارة عظيمة وتسامحا بناء.
ويعد خالد الأسعد الذي تعرض للذبح وصلب جثمانه على يد عناصر داعشية ظلامية من رواد علوم الآثار في سوريا وحصل على اوسمة الاستحقاق من تونس وفرنسا وبولندا فيما ذاع ذكره "كحجة ومرجع في كل مايتعلق بتاريخ مدينة تدمر وآثارها" وله العديد من الكتب والطروحات مثل دراسته التي صدرت بعنوان:"زنوبيا ملكة تدمر والشرق".
وخالد الأسعد الذي اصدر نحو 20 كتابا مابين تأليف وترجمة في مجال الآثار هو صاحب الاكتشاف الآثري لمنحوتة "حسناء تدمر" وكان قد انهمك في سنواته الأخيرة في ترجمة نصوص تتعلق باكتشافات اثرية في تدمر.
ولاريب أن جريمة قتل خالد الأسعد بعد تعذيبه على يد تنظيم داعش تجسد مقولة "التتار الجدد الذين يستهدفون كل مايتصل بالثقافة والحضارة والتراث" فيما عمل الراحل العظيم على مدى يناهز النصف قرن في مجال الحفاظ على الآثار وترميمها وشغل منصب مدير آثار مدينة تدمر وحقق عدة كشوفات اثرية هامة في المدينة التي وهبها حياته.
وولد خالد الأسعد في الأول من يناير عام 1932 وشغل منصب المدير العام للآثار ومتاحف تدمر في عام 1963 وكان يتقن اللغة الآرامية فضلا عن كونه احد الخبراء السوريين في مجال السياحة الثقافية واحد اصحاب الأقلام في "مجلة الحوليات الأثرية السورية".
وكان خالد الأسعد الحاصل على إجازة في التاريخ ودبلوم في التربية من جامعة دمشق قد تقاعد عن العمل في السلك الوظيفي الحكومي عام 2003 بعد ان اكتشف قبل ذلك بعامين نحو 700 قطعة نقد فضية يرجع تاريخها للقرن السابع الميلادي بمدينة تدمر التي كانت من المراكز التجارية المهمة على "طريق الحرير التاريخي".
وفيما ادمت الجريمة الشنعاء قلوب الكثيرين من اصحاب الضمائر في العالم كان اتحاد الكتاب العرب قد ادان الجريمة البشعة لتنظيم داعش الارهابي بذبح عالم الآثار السوري خالد الأسعد الذي تجاوز ال 82 عاما وقطع رأسه وتعليقها في مكان عام لرفضه التعاون مع عناصر التنظيم التي تسعى لهدم الآثار او بيعها والتربح منها.
وحق لهذا الاتحاد ولكل مثقف عربي ان يدعو الأمة العربية للتوحد ضد الجماعات الاجرامية والظلامية مثل تنظيم داعش لالحاق هزيمة ساحقة بتلك الجماعات المناهضة لتعاليم الديانات السماوية الداعية للرحمة والتسامح وحماية الضعفاء من العزل والشيوخ والنساء والأطفال وقبول الآخر.
ورغم الجنون الظاهر لعناصر داعش المنهمكة في تدمير الآثار فان خبراء في هذا المجال يؤكدون على ان هذه العناصر منهمكة ايضا في عمليات سطو وسلب ونهب لبعض النفائس الأثرية ومن بينها قطع لم تظهر في اشرطة الفيديو التي يبثها التنظيم الارهابي لعمليات تدمير الآثار.
وكان خالد الأسعد قد شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات العلمية لحماية الآثار في بريطانيا والهند وايطاليا واليونان وايران والنمسا واشرف على عملية ترميم 400 عمود اثري من اروقة "الشارع الطويل" في تدمر وكذلك ترميم قلعة فخر الدين واعمدة مدخل حمامات زنوبيا وترميم الأسوار الخارجية والأبراج في "قصر الحير الشرقي".
وتعد سوريا من الدول الغنية حقا بالآثار حتى ان المقولة الشائعة هناك:"يمكن للمرء ان يحفر فى اى مكان ويجد آثارا" توضح اشرطة فيديو ومقاطع على موقع "يوتيوب" الإلكترونى عمليات نهب الآثار فى خضم المواجهات الدموية الراهنة فيما كانت منظمة "اليونسكو" قد اعربت عن قلقها البالغ حيال مصير المعالم التاريخية فى هذا البلد العربي الجريح.
وإذا كان الأضرار بتراث بلد هو "اضرار بروح الشعب وهويته" كما اعلنت منظمة اليونسكو فى سياق تناولها للأوضاع فى سوريا فان جريمة الدواعش لايمكن ان تمر بلا عقاب رادع.. لقد حان الوقت لانتصار الحضارة وسحق قطعان التتار الجدد!.