رغم مرور سنوات طويلة على رحيل سيدة الغناء العربى الست أم كلثوم، إلا أن صوتها مازال يوحد العالم العربى، فمازالت ذكريات الخميس الأول من كل شهر التي كانت تقيم فيها أم كلثوم حفلاتها عالقة بذكريات العرب جميعا، حيث كانوا يتجمعون وقتها بجوار المذياع للاستماع إليها، للتحول المنازل إلى مسارح عائلية مع كل حفل.
ولدت أم كلثوم في أوائل القرن العشرين وهي في مرحلة الطفولة اكتشف والدها المنشد إبراهيم البلتاجي صوتها الفريد واصطحبها لتغني معه في المناسبات الدينية المختلفة في القرى والنجوع.
وفي عام 1923 كان عمرها لا يتجاوز 20 عامًا قرر والدها الرحيل للقاهرة عسى أن يصل صوتها للملايين، وتبنى موهبتها الشيخ أبوالعلا محمد، وكان مقتنعًا تمامًا بموهبتها، وعلى مدى 4 سنوات علمها أصول الغناء والإلقاء، وفي تلك الأثناء تعرفت على العمالقة الملحن الشيخ زكريا أحمد والشاعر أحمد رامي والموسيقار محمد القصبجي، وعلى أيدي تلك المجموعة انتقلت الأغنية في مصر والعالم العربي لمرحلة جديدة تمامًا ومتطورة وراقية بعد أن كانت تعاني من حالة هبوط ومعان ركيكة جدًا، بظهور أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، استمع الناس لأول مرة لشعر راق وصوت لم يسبق له مثيل في تاريخ الغناء العربي، منها على سبيل المثال وليس الحصر.
الصب تفضحه عيونه.. النوم يداعب عيون حبيبي.. لو كنت أسامح.. على بلد المحبوب.
كان صوت أم كلثوم أول صوت غنائي يطلق من الإذاعة المصرية يوم 31 مايو 1934.
وفي منتصف الثلاثينيات قررت أم كلثوم الاتجاه للسينما وقدمت مجموعة من الأفلام منذ عام 1935 حتى عام 1947 وهي أفلام «نشيد الأمل» و«دنانير» و«سلامة» و«عايدة» و«فاطمة»، قدمت خلالها مجموعة كبيرة من الأغنيات الخفيفة، منها «غنيلي شوي شوي» و«الفوازير» و«جمال الدنيا» و«هاقبله بكرة» و«بكرة السفر» و«عن العشاق».
ولا ننسى أن أم كلثوم غنت في أوائل الأربعينيات رائعة أحمد رامي ومحمد القصبجي «رق الحبيب»، قالت عنها كوكب الشرق إنها أجمل أغنية غنتها في حياتها.
غنت أيضًا في تلك الفترة مجموعة رائعة من الأغنيات منها «أنا في انتظارك» و«حلم» و«أهل الهوى» و«ثورة الشك» و«قصة الأمس».
واعتبارًا من بداية الخمسينيات قدمت كوكب الشرق عشرات الروائع الغنائية الكلاسيكية، كان معظمها من ألحان العملاق رياض السنباطي، نذكر منها «سهران لوحدي» و«أروح لمين» و«عودت عيني علي رؤياك» و«أقولك إيه عن الشوق» و«الحب كده» و«ذكريات» و«ليلي ونهاري» و«هجرتك» و«أنا لن أعود إليك».
وفي عام 1960 قدمت أول أغنية من ألحان الموسيقار الفذ بليغ حمدي «حب إيه اللي أنت جاي تقول عليه»، تأليف عبدالوهاب محمد.
وقدمت في العام التالي رائعة زكريا أحمد وبيرم التونسي «هو صحيح الهوى غلاب» قبيل رحيلهما.
وفي أوائل الستينيات قدمت أيضًا روائع «للصبر حدود» ألحان محمد الموجي، و«كل ليلة وكل يوم» ألحان بليغ حمدي، ورائعة «سيرة الحب» كلمات مرسي جميل عزيز جواهرجي الأغنية، و«ظلمنا الحب».
واعتبارًا من عام 1962 تدخل بشكل شخصي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ليتم اللقاء الفني الأول بين العملاقين أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، حتى تم لقاء السحاب مساء الخميس 5 فبراير 1964 برائعة «أنت عمري» كلمات أحمد شفيق كامل، وحققت نجاحًا أسطوريًا.
قدمت بعدها العديد من الروائع ألحان عبدالوهاب وبليغ حمدي «أنت الحب» و«أمل حياتي» و«بعيد عنك حياتي عذاب» و«فات الميعاد» و«ألف ليلة وليلة» و«هذه ليلتي» و«فكروني».
ولا ننسى القصيدة الخالدة «الإطلال» تأليف الدكتور إبراهيم ناجي، ألحان رياض السنباطي، التي غنتها لأول مرة يوم 25 مارس 1966، كانت هذه القصيدة نقلة عملاقة في تاريخ القصيدة العربية المغناة.
وبعد نكسة 1967 ظهر بوضوح المعدن الوطني الأصيل لكوكب الشرق، حينما قررت التبرع بجميع إيرادات حفلاتها في الداخل والخارج لصالح المجهود الحربي، وأقامت حفلها الشهير في العاصمة الفرنسية باريس في أكتوبر 1967، وأقامت حفلات أخرى في معظم الدول العربية، حتى العاصمة الروسية موسكو أقامت فيها حفلات غنائية، ليصل صوت مصر للعالم كله، وغنت أيضًا في تلك الفترة مجموعة من الأغنيات الوطنية «مصر التي في خاطري» و«صوت الوطن» و«أنا الشعب» و«بالسلام إحنا بدينا».. ورغم محنة المرض كان عطاؤها غزيرًا للغاية.
في عام 1970 قدمت أم كلثوم، رائعتها «دارت الأيام»، تأليف مأمون الشناوي، ألحان محمد عبدالوهاب، لحن رائع للغاية، من جماله تمايلت أم كلثوم على المسرح وهي تقول «عيني عيني على العاشقين».
أصاب الحزن الشديد أم كلثوم عقب رحيل الرئيس جمال عبدالناصر في سبتمبر 1970، لكنها واصلت التألق بشكل هائل في العديد من الأغنيات رغم المرض وتقدم السن نسبيًا، قدمت العديد من الروائع «أغدًا ألقاك» تأليف الشاعر السوداني الهادي آدم، ألحان محمد عبدالوهاب، ورائعة «الحب كله» تأليف أحمد شفيق كامل، ألحان بليغ حمدي، وقصيدة «أقبل الليل» تأليف أحمد رامي، ألحان رياض السنباطي، والقصيدة الرائعة «من أجل عينيك عشقت الهوي» كلمات الأمير عبدالله الفيصل، ألحان رياض السنباطي، و«يا مسهرني» تأليف أحمد رامي، ألحان الموسيقار الشاب في ذلك الوقت سيد مكاوي.
وفي 7 ديسمبر 1972 قدمت رائعتها «ليلة حب» تأليف أحمد شفيق كامل، وألحان محمد عبدالوهاب.
وآخر حفلاتها كان مساء الخميس 3 يناير 1973 على مسرح جامعة القاهرة، غنت «ليلة حب» أيضًا، والرائعة الخالدة «القلب يعشق كل جميل» تأليف بيرم التونسي، ألحان رياض السنباطي، أغنية لا توصف في المعني واللحن والغناء الرائع الصادر من القلب.
وفي مارس 1973 سجلت آخر أغنياتها باستوديوهات الإذاعة «حكم علينا الهوي» تأليف عبدالوهاب محمد، ألحان بليغ حمدي.
وبعد ذلك تمكن منها المرض وتضطر للتوقف عن الغناء حتى رحيلها يوم الإثنين 3 فبراير 1975.