الحماس فى الدفاع عن ثوابت وضوابط الحقوق العامة حقيقة لاجدال حولها رغم أن العديد من الحقائق تغيرت بحكم التطور التكنولوجى الذى فتح الأبواب أمام اقتحام أدق خصوصيات الغير، ازدادت مساحة «المُعلن» من تفاصيل وأسرار الفرد على حساب انكماش «المستور».
تتبارى التقنيات فى التسلل وإعلان كل ما يدور بالصوت والصورة.. حتى أصبحت هذه المواد الأكثر تداولا على نطاق الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فى المقابل غابت جزئية دقيقة وفاصلة عن كل الذين مارسوا حقهم المشروع فى الدفاع عن حقوق الحريات الشخصية، حتى ضاع التقييم الدقيق والعادل عن نشر هذه التسريبات.
من المعروف أن أى شخصية عامة.. سواء سياسية،اجتماعية أو فنية، تترك الكثير من حرياتها الشخصية بين جدران المنزل وتصبح أنشطتها مادة «خبرية». الفنان مسئول عن كل حرف أو تصرف أمام الجمهور بعد ما أصبح من رابع المستحيلات عدم ظهور حتى المناسبات الخاصة إلى العلن. الأمر أكثر تعقيدا حين يتعلق بمن صدروا أنفسهم كوجوه سياسية بعد ثورة ٢٥ يناير. تسجيلات عديدة كشفت لمجموعة أطلت على المشاهد فى ثوب النقاء والبراءة.. صفات أكسبتهم مصداقية بين شريحة كبيرة من الناس.. وهو ما يمنحنا الحق فى معرفة رؤيتهم السياسية بصرف النظر عن التأييد أو الاختلاف معهم حين يتعلق الأمر بمصير وطن لا يملك الفرد اختيار خدمة «سيدان».. حقيقة وضعت تاريخيا كل من حاول الاستقواء بعناصر خارجية فى دائرة الشبهات.. عندها لا يحق لهم التحول إلى أيقونات للملايين التى خرجت دفاعا عن مستقبل أفضل.. لم تدفعها سوى الرغبة فى خدمة «سيد» واحد فقط هو الوطن.. مصر.
خيط دقيق فاصل لم يتوقف عنده حماس المدافعين.. هل الحوار الدائر بين أصحاب الأصوات التى اختارت أن تصبح شخصيات عامة اقتصر على صيغة تبادل حوار شخصى أو اجتماعي، أو حتى فيما يتعلق بمهنة أحدهم؟.. هذه الحالة الوحيدة التى يصبح فيها الاقتراب من انتهاك حقوق حريتهم الشخصية جريمة بحكم كل الأعراف. فى المقابل تسقط هذه الحقوق حين تكشف طبيعة الحوار أن أصحابها اختاروا اللعب على «سيدين».. اتصالات مع جهات أجنبية تدس أنوفها فى أدق تفاصيل التغييرات الجارية فى توقيت دقيق وخطير.. اتفاقات تجرد ثورة يناير من أنبل وأطهر مقوماتها كونها ثورة مصرية خالصة.. تحولت على أيدى تُجّار إلى «سلعة» لمن يدفع التمويل الأكبر. المؤكد أن هذه التسجيلات الصوتية تصبح من حق الرأى العام فور تجاوزها الحد الفاصل بين حُرمة كل ما هو «شخصى» إلى الحديث عن أدوارهم فى تغييرات سياسية مصيرية تشهدها مصر. من حق كل مواطن قد يكون منح إسراء عبد الفتاح، أسماء محفوظ، ماهر، عادل، دومة وكل من ارتدى عباءة نشطاء سياسيين، الثقة والمصداقية أن يعرف الحقيقة عن الجانب «العام» من هذه الشخصيات. أما إذا كانت عقيدتهم الوطنية اطمأنت إلى أن الاستعانة المادية والمعنوية بالغرب أمر مشروع فى إحداث التغيير السياسي، عندها لا يوجد مبرر للغضب بسبب تسجيلات تُوثِّق اتصالاتهم مع جهات أجنبية أو تكشف رؤيتهم التى يتداولونها بينهم عن الوطن وليس فقط تلك التى صدروها للمشاهد عبر الفضائيات.
لا تتوقف مطالبة أصحاب الأقلام الجادة عن ضرورة المكاشفة.. الشفافية.. حرية تداول المعلومة إذا ما كانت تمس الشأن العام.. فى المقابل تفرض الموضوعية، قبل إصدار الحكم، تصنيفا دقيقا لهذه التسجيلات التى لم تُعلِن أى معلومة شخصية عن حياة أصحابها. العدل يُقِر معرفة حقيقة الرؤى السياسية لكل الشخصيات التى أعطت لنفسها حق الاستحواذ على مساحة كبيرة من اهتمام الرأى العام والقيام بأدوار سياسية. ثوابت مبدأ الشفافية لا تُجزأ أو تتغاضى عن حقوق طرف فى مقابل موقف أكثر تشددا وصرامة مع الطرف الآخر. مبدأ الشفافية والمصارحة الذى يُطالب به الكتاب والإعلام من مؤسسة الرئاسة والحكومة يجب أيضا تطبيقه على الشخصيات التى تتصدى للعمل السياسى أو العام. انتهاك حقوق الحريات الشخصية التى تكفلها بنود الدستور لا تنطبق على صيغة الحوار الذى دار بين أصحاب هذه التسجيلات، إلا إذا صورت لهم حالة «الانتفاخ» الإعلامى آنذاك أن مصر هى ملكية شخصية خاضعة لأهوائهم «الأناركية» لا أقول لتعليمات تلقوها فى تحويل الوطن إلى حالة فوضى تديرها ميليشيات «عصابة البنا».. أخيرا إذا كانت الملفات التى سرِقت أثناء اقتحام مديرية أمن مدينة نصر أو غيرها، والخاصة بهؤلاء الناشطات والناشطين لا تحتوى إلا على معلومات حول نشاطهم السياسى المعارِض- طالما التزم هذا النشاط بخصوصيته المصرية ولم تحدد مساره اتصالات خارجية- فإن الكشف عن التفاصيل بديهيا يستدعى من جانبهم ردود أفعال الفخر والتباهى بمواقفهم الوطنية بدلا من موجات الغضب الحاد والتباكى على ما زعموا أنه انتهاك للحريات الشخصية.