يعد الدكتور مجدى الداغر واحدًا من
الأساتذة القلائل الذين يجمعون بين العمل الأكاديمى والمهنى، فهو أستاذ تكنولوجيا
الإعلام والصحافة بجامعة المنصورة وله مؤلفاته العلمية وأبحاثه التى تجاوزت الثلاثين
بحثًا فى جميع فروع الإعلام تقريبًا، وكذلك هو الممارس والمهنى الذى يعمل بمهنة
البحث عن المتاعب منذ أن كان طالبًا ثم محررًا بالعديد من الصحف المصرية والعربية
ثم مؤسسًا ورئيسًا لتحرير أول جريدة مصرية تصدر بترخيص من الخارج "العرب
اليوم" فضلًا عن تأسيسه العديد من المواقع الإلكترونية، كما شارك فى تأهيل
وتدريب المذيعين بالقنوات الفضائية العربية المختلفة.
وحول دراسته الأخيرة والتى نشرت فى العدد الأخير
بالمجلة المصرية لبحوث الإعلام بجامعة القاهرة، والتى تناولت تمويل منظمات المجتمع
المدنى وخطورة هذا التمويل على الأمن القومى المصرى، وطبيعة الدور الذى تلعبه هذه
المنظمات فى التوعية وتقديم الخدمات ومساعدة الحكومة فى حل أزمات المجتمع، فبينما
يؤكد البعض أهمية هذا الدور خاصة فى إرساء مبادئ الحرية وتقديم الخدمات لفئات
مهمشة لا تصل إليها يد الحكومة، يرى آخرون أنها تعد أذرعًا لمنظمات عالمية تلعب
دورًا تخريبيًا فى مصر من خلال تلقى التمويل الأجنبى مؤكدين أنه لا يوجد تمويل دون
مقابل، وأن الكثيرين ممن ينتمون لهذه المنظمات قد ظهر عليهم الثراء السريع من خلال
منظماتهم التى من المفترض أنها تؤدى أدوارًا خدمية وإنسانية فى المجتمع، وحول هذه
المتناقضات.. "البوابة" حاورت د مجدى أستاذ الإعلام بجامعة المنصورة
وسألناه، عن طبيعة هذه المنظمات ودورها الحقيقى فى مصر، وبداية كان السؤال:
ماذا تقصد بداية من الربط بين الإعلام
ومنظمات المجتمع المدنى التى تعمل فى مصر؟
أجاب: الدراسة فى مجملها تتناول منظمات وجمعيات
المجتمع المدنى وكيف تم التعامل معها إعلاميًا إزاء ما تم نشره بالصحف وعبر برامج
الإذاعات والقنوات الفضائية مع التركيز على حركة 6 أبريل باعتبارها من الحركات
المدنية التى كان لها فى البداية دور إيجابى فى تحريك الشارع المصرى نحو المطالبة
بحقوقه من نظام احترف السطو على السلطة وضياع حقوق بسطاء هذا الشعب لصالح مجموعة
من رجال الأعمال المقربين لها، إلا أن بعض هذه المنظمات ومنها حركة 6 أبريل انحرفت
بالطبع عن المسار الصحيح، وأصبحت تمثل عبئًا على الدولة، ومن ثم كان من الطبيعى التعامل
معها وفق القانون واللوائح المنظمة لعمل المنظمات الأهلية فى مصر.
هل تقصد أنها استغلت الوضع فى مصر وحالة
عدم الاستقرار المجتمعى بعد ثورة يناير وحقق القائمون عليها مكاسب خاصة؟
بالطبع وليس سرًا فقد استغلت حركة 6 أبريل وبعض
منظمات ومؤسسات المجتمع المدنى البعد الإنسانى فى العمل الخيرى داخل مصر وذلك
لإنجاز بعض المهام السياسية المعادية لمصالح الدولة أحيانًا وللقوانين والدستور
أيضًا وتبنت بعض المبادئ الثابتة فى دستورنا مثل الحقوق والحريات والعدالة
الاجتماعية وحرية الرأى والتعبير فى العمل الإعلامى وغيره ولكن فى إطار ضوابط من
القانون وثوابت المجتمع وليس على النمط الأوروبى الذى لا يتناسب مع مجتمعاتنا
الشرقية.
ومن أين جاءت هذه المنظمات بالقوة التى
تتحدث عنها؟
بالطبع هى منظمات قوية تمتلك رأس مال ضخما إلى حد
كبير، كما تمتلك ترسانة من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية وعددا كبيرا من
الإعلاميين الذين يتعاملون معها لبث صور مغلوطة وتقارير غير صحيحة عن الوضع السياسى
والاقتصادي فى مصر بعد ثورتين، كذلك إشاعة الأخبار السيئة ونشر المعلومات الكاذبة
وتهويل الأزمة وإثارة الموضوعات حول إفلاس الاقتصاد المصرى وانهيار قطاع الصناعات
الوطنية فى مصر، بصورة تؤثر بالطبع على مستقبل الاستثمار فى مصر، كما تقوم على نشر
التقارير التى تشير إلى أن نقص مياه النيل إزاء سد النهضة فى إثيوبيا، والذى قد يكون
سببا فى وجود مجاعة طاحنة وموت الملايين فى الدلتا وصعيد مصر.
هل كل اعتماد هذه المنظمات على الإعلام
ووسائله الجديدة فقط؟
لا. بالطبع، بعض هذه المنظمات كانت تقوم بإشراك
مفكرين وسياسيين مصريين فى إعداد تقاريرها، وأذكر هنا مركز ابن خلدون للدراسات
الإنمائية وهو المركز الذى كان يديره الدكتور سعد الدين إبراهيم قبل ثورة يناير
والتى اعتمدت تقاريره على تشويه صورة مصر وقادتها واقتصادها فى الخارج، وكذلك مركز
القاهرة لحقوق الإنسان، ومركز ماعت ومنظمة التسامح وغيرها، والتى كان لها دور كبير
فى أزمة الطالب ليو ريجينى والحديث عن الاختفاء القسرى فى مصر، وتجارة الأعضاء،
وسرقة الأطفال وتصديرهم للخارج وأموال مبارك وأعوانه فى بنوك سويسرا وحريق القاهرة
وغيرها.
لكن الوقائع التى ذكرتها فيها جزء كبير من
الحقيقة؟
أنا لا أنكر.. أن بعضها حقيقى لكن ما يحدث فى مصر
شيء عادى، يحدث في أى دولة فى العالم لكن أن يتم الحديث عن المشكلات باعتبارها
حصريًا لمصر دون غيرها فهذا تجاوز غير مقبول، فهناك العديد من الدول لديها تجارة
بيع الأطفال أو بيع الأعضاء البشرية، بل قاموا بإنشاء بنوك لها، واستخدام الأسلحة
المحرمة دوليًا عندما يريدون الإبادة لشعب من الشعوب وهى محرمة إذا تم استخدامها
من غيرهم، فالعالم والدول الكبرى تحديدًا ليست منصفة عند تعاملها مع الوضع فى مصر.
هل لهذه المنظمات انتماءات دينية بجانب
دورها السياسى كما ذكرت؟
بالطبع تسلل الكثير من المنظمات والجمعيات اليهودية
إلى مصر فى غفلة من الزمن تحت غطاء الإغاثة الإنسانية والحقوقية وبأسماء مستعارة
والتأكيد على مبادئ عامة لا يختلف عليها اثنان وفى بعض الأحيان تستغل بعض هذه
المنظمات والجمعيات لبث سمومها وممارسة أنشطتها الهدامة عبر تقديم الرشاوى وإقامة
المستشفيات العلاجية فى أوساط الفقراء فى المجتمع، حيث تقوم بإرسال التقارير
الدورية عن النشاط الأمني والاقتصادي فى مصر وزرع بعض الأفكار المنحرفة ليقوم
عليها شيوخ وعلماء دين لهدم ثوابت المجتمع والغوص فى كتب التراث والإتيان
بالمتناقضات والمعلومات التى قد تكون غير موثقة، وتضر أكثر ما تنفع.
هل تقصد أن أفكار إسلام بحيرى وفاطمة
ناعوت وسحر الجعار أفكار هدامة؟
لا بالطبع.. أنا لم أقصد ذلك فمن حق الكل أن يؤمن
ويعتقد فيما يشاء، لكن الأسماء التى ذكرتها أتصور أنهم يأخذون ثمنًا لما يقولون
ويطلقون من أفكار وللأسف الأزهر لا يتحرك إلا عندما يهان أحد رموزه، لكن أن يتحرك
لصالح الدين فهذا شيء نادر الحدوث وأتذكر موقف الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ
الأزهر الأسبق من قضية إباحة الإجهاض فى المؤتمر الدولى للسكان 1994م كان موقفه وطنيا
على الرغم من أن الدولة وقادتها كانت مؤيدة له ورفض إباحة الإجهاض لأنه ليس من
الإسلام، وبالمناسبة تضامنت الكنيسة مع الأزهر وخرج بيان مشترك يؤكد أن قرارات
مؤتمر السكان ليست ملزمة للدولة التى ترفض عقيدتها الإجهاض دون سبب.
نريد تفصيلا أكثر؟
لقد قامت بعض هذه المنظمات وبعضها تابع للأمم
المتحدة تحت ستار العمل الإغاثى والخيرى بالعمل فى تجارة الأطفال والأدوية
المحرمة، وتجارة غسيل الأموال القذرة وغيرها دون ترخيص من باب أنها منظمات تنفق
الملايين داخل الدولة، وتعمل لصالح المصريين ومساعدة الحكومة، ولا تسعى للربح،
وفعلت فى إطار ذلك الكثير من الجرائم التى تستوجب محاسبة القائمين عليها مصريين
وأجانب.
ماذا تقصد أن تقول؟
أقصد أن هذه المنظمات سبب وجودها المكثف فى مصر وطول
إقامتها وعملها المتواصل وسط المواطنين الفقراء أعطاها نوعًا من الحصانة ضد السؤال
عما تفعل، وأصبحت أماكنها ومبانيها منطقة سياسية عازلة، الأمر الذى أفضى إلى تراجع
دور الدولة فى النهاية عند التعامل مع مثل هذه المنظمات التى لها امتداد بدول كبرى
مثل أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها.
هل يعنى ذلك عدم وجود هيبة للدولة بشأن
التعامل مع المنظمات الأجنبية؟
ليس كل هذا صحيحًا، لكن الثابت أن تآكل السياسة
الوطنية قد ظهرت بوادرها منذ أن اتجهت الدولة نحو انتقاء مشاركين لها فى تنفيذ
برامجها خارج الأطر السياسية متعللة بظروف مواجهات حالات الطوارئ التى تتطلب
بطبيعتها إجراءات سريعة بعيدة عن التعقيد والروتين الحكومى حيث لعبت الجمعيات
والمنظمات الأجنبية دورًا فى الإغاثة والمساعدات الإنسانية والاستجابة السريعة
لمواجهة الكوارث وغيرها.
هل كل المنظمات الأجنبية بهذا السوء؟
لا.. بالطبع فقد جاءت بعض هذه المنظمات على مستوى
المسئولية الإنسانية والأخلاقية دون التمسح فى دين معين، وعملت بإخلاص وتفانٍ فى مواجهة
الكوارث المختلفة، ووصلت إليها تحت أسوأ الظروف وقدمت الغذاء والدواء والكساء
للمتضررين ونجحت فى تقديم الإغاثة المطلوبة.
لكن هناك منظمات وصفتها فى حوارك بأنها
مشبوهة؟
نعم هناك منظمات وجمعيات حقوقية مشبوهة، حيث تقوم
بعض هذه المنظمات بدور استخباراتى خطير وتراقب وترصد ما يحدث فى الوطن عن كثب،
بالإضافة إلى حصولها على المعلومات التى تحتاجها من الجهات السيادية والرسمية حيث
استخدمت بعض هذه المنظمات أعمال الإغاثة والمساعدات وسيلة للضغط على النظام السياسى
وفرض سياسات على الحكومة اتباعها وأولويات عملها فى المرحلة القادمة.
ولكن هل فكرة منظمات المجتمع المدنى تقوم
على الأعمال الخيرية فقط؟
بالطبع أساس عمل هذه المنظمات تقديم مساعدات إنسانية
وخيرية ولا تهدف على الربح وهى مقابل ذلك تتمتع بامتيازات عديدة منها الإعفاءات
الجمركية على كل ما تستورده من معدات وأجهزة وماكينات وآلات تصوير وغيرها، كما أن
بعضها يحظى بحصانة دبلوماسية وعدم تعرضها للإجراءات الأمنية المعقدة أحيانًا،
والاتصال المباشر بالوزارات والمصالح والمؤسسات ذات الصلة بعمل وأهداف هذه
المنظمات الأمر الذى من شأنه الحصول على معلومات قد تضر بالأمن القومى مستقبلًا.
وماذا عن التحرك الشعبى لهذه المنظمات فى
الشوارع فى مصر؟
بالفعل هذه المنظمات والمؤسسات الدولية تتعامل بشكل
مباشر مع القواعد الشعبية ورجل الشارع وتستقطب الكثير منهم لورش التدريب فى مجال
الحقوق والحريات واستخدامهم فى أغراض سياسية بعيدة عن الأهداف الإنسانية التى قامت
على أساسها، وأتصور أن أجهزة الدولة الأمنية والاستخباراتية حاليًا على وعى
كامل بعمل هذه المنظمات داخل الوطن، وقامت بوقف نشاط بعضها والبعض للمحاكمات
العاجلة، وبينما يعمل البعض منها فى إطار الأهداف التى تم الموافقة عليها من
البداية وهى الأعمال الإنسانية والخيرية فقط.
وأين الحكومة من كل هذا؟
الواقع أن عدم قدرة الحكومة ومؤسسات الدولة الارتقاء
بالتزاماتها تجاه أفراد المجتمع وخاصة الفقراء ومحدودى الدخل هو الذى أغرى عشرات
الجمعيات والمنظمات الدولية لأن تأتى إلى مصر وتجوب شوارعها وقراها ومدنها دون
رقيب، والحصول على المعلومات التى يحتاجون لها دون الحاجة إلى أجهزة استخباراتية
أو عملاء تجندهم فى سبيل الحصول عليها.
ولماذا الأماكن الفقيرة؟
تقوم هذه المنظمات بالطبع بالتسلل للأماكن الفقيرة
والمناطق العشوائية والقرى والنجوع فى صعيد مصر وغيرها، حيث تقوم سياستها على دعم
هذه المناطق بالأموال والمساعدات والمشروعات الخيرية المختلفة والتى ترتبط بحياتهم
المعيشية وخصوصًا النساء والأطفال وكبار السن والمعاقين، وهذا بالطبع دليل على عجز
الدولة عن القيام بدورها تجاه هذه الفئات المهمشة داخل المجتمع أمام الهيئات
والمؤسسات الدولية التى تراقب تطور الوضع الاقتصادى فى مصر بعد ثورة يناير وثورة
30 يونيو2013م.
لكن طالما أن دورها خيرى بهذه الصورة ما
علاقة هذه المنظمات بالصراعات السياسية داخل المجتمع؟
بعض هذه المنظمات أصبحت فى الآونة الأخيرة وقبل ثورة
يناير 2011م أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول المانحة، حيث إنه ومن خلال هذه
المنظمات تحاول التأثير على توجهات الدولة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا بحيث
تؤدى فى النهاية إلى تحقيق مصالح الدول ذات السيادة فى العالم.
ولكن هل يستمر الحال طويلًا لعبث هذه
المنظمات داخل الوطن؟
لا بالطبع فقد اتخذت الحكومة ومؤسسات الدولة الرسمية
من القرارات ما تحافظ به على سيادتها والحفاظ على كيانها، والتحرى عن هذه المنظمات
قبل السماح لها بالعمل على أرض مصر بجانب مراقبة الأهداف والسياسات التى تقوم بها.