يتذكر "العواجيز" أمثالي قصة
"عبده مشتاق" التي صورها الكاتب الكبير أحمد رجب ورسمتها ريشة الفنان
المبدع مصطفى حسين، والتي كانت تجسد شخصية المسئول الذي يجلس في لهفة رهيبة بجوار
"التليفون"، طبعا لم يكن المحمول قد ظهر بعد، في انتظار مكالمة تهنئة
بمناسبة وقوع الاختيار عليه لمنصب وزير إحدى الحقائب.. بكل أسف هذه الصورة لم يعد
لها وجود في مصر.
حيث بات تولي أي مسئول لحقيبة وزارية مهمة محفوفة
بالمخاطر بل ملغومة وذلك بسبب طبيعة المرحلة الغاية في الحسم التي تمر بها مصر
والتي عبر عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الاحتفال بعيد الشرطة حيث قال
بالحرف الواحد: "إن الاقتصاد المصري في وضع حرج بات لا يحتمل المسكنات"..
ولعل هذا ما يفسر ظاهرة "الاعتذارات" عن المنصب المفخخ.
ورغم أن الحديث عن التعديل الوزاري أشبه بوجبة
إجبارية على جميع مجالس المصريين.. فلا يكاد يخلو حوار بين اثنين أو أكثر من
التطرق إلى الحكومة المنتظرة من حيث المهام الموكلة إليها والأشخاص الذين تناط
إليهم المسئولية ومدى أهليتهم لإيجاد حلول عبقرية للأوضاع الحاسمة التي يعيشها
المصريون.. إلا أن الغموض ما زال هو سيد المشهد.
وبدون التقليل من دور أي مسئول تولى حقيبة وزارية في
حكومة المهندس شريف إسماعيل.. إلا أننا يجب ألا ننسى التحديات الرهيبة التي تواجه
أي وزير قادم.. فعقب الإجراءات الاقتصادية المؤلمة، كما وصفها رئيس الوزراء بنفسه،
يشع رجل الشارع البسيط آمالاً غير محدودة على الحكومة الجديدة، وهذا في حد ذاته تحد
خطير حتى لا نفاجأ بتعديل وزاري محدود لا يملك رؤية شاملة لطبيعة الأوضاع الحالية.
ففي ظل موجة الغلاء الشديدة، التي أتعبت من يملكون
المال أنفسهم، حيث تضاعفت أسعار السلع ربما عدة مرات خلال شهرين فقط لدرجة أن من
يتجول بالأسواق يلاحظ ارتفاع سعر السلعة ذاتها بشكل يومي.. إضافة إلى اختفاء
الكثير من الأدوية مما زاد معاناة المرضى وذويهم.. بخلاف النقص الحاد في بعض السلع
التموينية مثل السكر الذي وصل به الحال إلى بيعه سراً وبالسعر الذي يحدده التاجر..
وكل هذه الأزمات وغيرها يمكن وضعها في خانة واحدة تتعلق بأزمة تدني، أو بالأدق
تدهور، الجنيه المصري أمام باقي العملات الأجنبية.
وهنا يطفو على السطح الحديث عن جدوى التعديل الوزاري
الذي تتردد أنباؤه في كواليس المشهد السياسي.. فربما يكون من الوجيه قياس جدواه
خصوصاً أن كثيراً من وجهات النظر ترى ضرورة أن يكون التعديل شاملاً حتى تتوافر له أقوى
ضمانات النجاح .. ويرى مؤيدو وجهة النظر هذه أن التغيير يجب أن يشمل السلم الإداري
من أوله لآخره ثم نجدد لمن ثبتت كفاءته ، وهم كثيرون بالمناسبة، ونتحلل ممن لم
يثبت نجاحه فهذا معيار عادل للتقييم.
ولعل هذه التحديات وغيرها تضعنا أمام خيار وحيد لا
ثاني له هو ضرورة اختيار وزراء على مستوى المسئولية وأن تكون معايير اختيارهم
"على الفرازة" ، كما يقول رجل الشارع البسيط، وأن يكون المواطن هو
شاغلهم الأول وأن يضعوا مصالحه في صدارة اهتماماتهم وأن تكون أول نصيحة بل توجيه
مباشر لهم أن يستمعوا لصوت الشعب.. لأنه بمنتهى البساطة يحتاج إلى من يسمعه.