"إني أعوم"، صرخة العملة الوطنية فجر اليوم، بعد قرار البنك المركزي وفاجأة تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه، طارق عامر محافظ المركز اختار الصعب، فضل المشي على الأشواك لدعم سياسة الإصلاح بالبلاد ومشوار الحكومة في نهضة الاقتصاد، الآراء تضاربت حول قرار "عامر"، اقتصاديون رأوا أن التعويم سيرفع سقف التضخم، وسيزيد من الغلاء، غير أن ماليين وخبراء نقد أكدوا العكس وقالوا: إنه سُينشط حركة البورصة، فيما عبر نشطاء تويتر على الأمر بـ" بشرة خير"، قائلين: خير ما عملوا ".
وتعويم للجنيه يقصد به، رفع البنك المركزي يده عن العملة بشكل كلي، بالإضافة لفك ارتباطها بأي عملة أخرى أو بالذهب وتركها عائمة ترتفع وتنخفض وفقًا لآليات العرض والطلب، وعلى هذا الأساس يتحدد سعرها في السوق الرسمية بالبنوك العاملة في السوق المحلية، ويهدف تعويم الجنيه الذي يعتبر أداة من أدوات السياسة النقدية للدول، إلى السيطرة على سعر الدولار في السوق السوداء ومواجهة المضاربين وتجار الصرف على العملة، وتكبيدهم خسائر كبيرة.
وهناك نوعان لسياسة التعويم، أولها: «التعويم المدى»، ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب مع تدخل البنك المركزي كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات، وذلك استجابة للتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية، ومؤشرات الفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف.
أما النوع الثاني: يُعرف بـ«التعويم الحر»، وفيه يقتصر تدخل البنك المركزي على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف وليس الحد منه، حيث يترك سعر صرف العملة يتغير ويتحدد حسب قوى السوق، وهذا النوع لا يكون مجديًا في الدول التي يعاني اقتصادها من العديد من الأزمات مثل مصر.
وتأتي حتمية اللجوء لتعويم الجنيه في مصر، في ظل اتفاقها مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، مقابل التزامها بتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي أحد بنوده تخفيض سعر العملة لتعكس قيمتها الحقيقية.
وتعود سياسية تعويم الجنيه في مصر إلى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي نفذها بطريقة غير مباشرة، من خلال السماح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء الاقتراض من الغرب.
وظهر مصطلح «تعويم الجنيه» للمرة الأولى في 2003، عندما أعلنه عاطف عبيد، رئيس الوزراء وقتها، وهو ما تسبب في ارتفاع سعر الدولار إلى نحو 50%، حيث ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من 3.70 جنيه إلى 5.35 جنيه.
هنا يقول هانى جنينة، الخبير المالي، رئيس قطاع الأسهم بشركة بلتون المالية القابضة: إننا توقعنا إجراء تعويم للجنيه في مذكرة بحثية، الشهر الماضي، بالتزامن مع رفع الفائدة 300 نقطة مئوية، وهو ما حدث بالفعل.
وتابع: لا يوجد خوف من أي ارتفاعات عنيفة للسوق السوداء، فالبنك المركزي أَقدم على تعويم كامل، دون النظر لاحتياطي النقد الأجنبي، والبنوك ستُسعِّر الدولار لعملائها الأفراد وفقًا للعرض والطلب، الأمر الذي يقضي على ما يسمى السوق السوداء تمامًا.
وكانت "بلتون" تتوقع أن يُقْدم البنك المركزي على تعويم العملة لتندفع قرب 13 جنيهًا، على أن تتم زيادة أسعار الفائدة بنحو 200- 300 نقطة مئوية.
وشهدت السوق السوداء مضاربات عنيفة على العملة خلال الأسابيع الأخيرة، دفعتها لمستويات تاريخية قرب 18 جنيهًا للدولار، قبل أن تهبط أمس لحدود 13 جنيهًا.
وتأتى ضربة "المركزي" بتعويم الجنيه؛ لتوحيد السعرين الرسمي والموازي، في إطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وتابع: " أنجزنا أول مطالب صندوق النقد الدولي، ويتبقى خطوة رفع الدعم خلال الشهر الحالي، مشيرًا إلى أن الحكومة قد تتفاوض لتنفيذها على مرحلتين، ليتم رفع الدعم أولًا بنسبة 12.5%، يليها بعد فترة اتخاذ خطوة مماثلة.
ورأى وليد هلال، نائب رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان: إن قرار تعويم الجنيه، جاء في وقته، بعد انهيار أسعار العملة الخضراء بالسوق السوداء مؤخرا، نتيجة الموقف الوطني، الذي اتخذه العديد من رجال الأعمال والصناعة والتجار، بتقليل الضغط على الدولار وطلبات الاستيراد.
وأضاف هلال، أنه من المتوقع أن تحدث ارتفاعات في أسعار السلع والمنتجات، خلال الفترة القليلة المقبلة، بسبب ارتفاع قيمة الرسوم الجمركية، التي كانت تحسب على سعر الدولار الرسمي 8.88 جنيه، والأن أصبح 13 جنيها، ليعوم بالكامل خلال أيام.
وأوضح أن وجود سعرين للدولار بالسوق المحلية، كان من أكبر المعوقات التي تواجه زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية والعربية الوافدة.
وأشار هلال، إلى أن هناك خطوة واحدة نحو قرض صندوق النقد، وهو ملف دعم المحروقات، مطالبا بضرورة إلغاء الدعم عليه بشكل تدريجي، مقسما على سنتين، حتى لا تحدث ارتفاعات حادة في الأسعار خلال فترة وجيزة.
وقال الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي والمالي وأستاذ التمويل: إن البنك المركزي استفاد من موجة القلق التي شابت المضاربين، أمس، ما بين أخبار حقيقية وشائعات مكملة، مشيرًا إلى أن الأخبار الحقيقية هي أن المستوردين أعلنوا تقليل الاستيراد لمدة 3 شهور والتوقف عن الطلبات لمدة أسبوعين، ما يعطي أثرًا كبيرًا، حيث إن مصر تستورد بقيمة 80 مليار جنيه فعليا في السنة الواحدة، لذلك تم إقرار تعويم الجنيه المصري.
وأضاف، أنه إذا تم التقليل بشكل معتبر يمكن تخفيض الاستيراد بقيمة 10 مليارات دولار، وهو رقم كبير جدا، موضحًا أن البنك المركزي استفاد من بعض الشائعات في اتخاذه قرار التعويم، نافيًا حدوث تعويم حر للجنيه المصري.
وأشار نافع إلى أن ما حدث هو وضع سعر استرشادي وهو 13 جنيهًا، وهي القيمة التي انخفضت ليتحرك بحرية كاملة وفقًا لآليات العرض والطلب، لكن بحدود سعرية صعودًا وهبوطًا، لافتًا إلى أنه يتمنى أن يحافظ الجنيه المصري على قيمته وألا يحدث انزعاج للمواطنين، وأن تلتزم الغرف التجارية بما ألزمت به نفسها، موضحًا أن رفع أسعار الفائدة جاء بسبب امتصاص غضب التعويم بقيمة 3%، ما يقلل الطلب والهجوم على الدولار عقب توافره بالبنوك والصرافة، حيث إن الفائدة ستصبح 15.75%، بزيادة 3% على أي وعاء ادخاري.
في السياق، تأثرت البوصة بقرار التعويم بـ"الإيجاب "، حيث قفز المؤشر الرئيسي لها، بنحو 8.25% بعد قرار تحرير سعر صرف بساعات، في إشارة إلى ترحيب بالقرار وارتياح بين المستثمرين بخطوة محافظ البنك المركزي المفاجئة والخاصة بتعويم الجنيه.
في المقابل قال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية: إن المواطن لا ولن يحتمل تعويم الجنيه، موضحا أن التعويم خطوة سيئة للغاية ولا يجب بأي حال من الأحوال أن تستمر الدولة فيها في ظل وجود سياسات اقتصادية فاشلة أسفرت عن وصول الدولار إلى السعر الحالي المبالغ فيه، مؤكدا أنه إذا ما تم تطبيق مراحل التعويم بالكامل سيؤدي الأمر إلى وصول سعر الدولار لـ 20 جنيها في الوقت الذي تستورد فيه مصر نحو 70% من منتجاتها الغذائية من الخارج وهو ما سيؤدي إلى رفع أسعار السلع بصورة كبيرة، كما سيصل التضخم إلى 24 و25% وهو ما سيصب ضد التنمية التي بدأنا أن نتحرك خطوات حاسمة تجاهها على حد وصفه، مكملا حينما يحدث التضخم ويؤثر ذلك على المواطن فستكون هنا المشكلة مشكلة حياة أو موت بالنسبة إليه لأنه لن يقدر على توفير طعامه وشرابه.
وأشار الدكتور أحمد حنفي الخبير والمحلل الاقتصادي، إلى أنه ليس مع التعويم خلال تلك الفترة تحديدا أو المرحلة التي تمر بها البلاد لاسيما مع وجود السوق السوداء ومع عدم وجود وضع مستقر في التعامل مع التجارة الخارجية، لافتا إلى أن تعويم الجنيه المصري بمثابة إعلان فشل البنك المركزي في محاولة السيطرة على العملة الأجنبية.
وأوضح حنفي أن تعويم الجنيه سيعود بالسلب على الاقتصاد المصري حيث سيؤدي لارتفاع الأسعار بشكل كبير، وذلك لأن العملة المصرية ستفقد قيمتها في الوقت الذي نعتمد فيه على الاستيراد من الخارج، مشيرا إلى أن الدولار للأسف تحول من وسيلة إلى سلعة تباع وتشترى داخل مصر وهو الأمر الأخطر الذي تواجهه الدولة على الصعيد الاقتصادي.
وأكد الدكتور مختار الشريف أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة والخبير الاقتصادي، أن السبيل لمواجهة وحصار الدولار يتمثل في زيادة الإنتاج وإعطاء مناخ جاذب لترويج السلع والمنتجات المصرية والعمل على تصديرها للخارج وخاصة أن مصر دولة مستوردة وهو الأمر الذي يؤدي إلى حدوث ارتفاع الأسعار باستمرار، مضيفا أن ارتفاع الأسعار يعود إلى سببين الأول وهو نقص السلع بالسوق وهو ما يعمل على رفع الأسعار والسبب الثاني يتمثل في جشع التجار وعدم وجود نظام رقابي يعمل على محاسبتهم الأمر الذي يجعلهم يتمادون في رفع أسعار السلع والمنتجات، مطالبا بوجود جهاز رقابي قوي يحاسب التجار، إضافة إلى زيادة الإنتاج داخل مجتمعنا المصري وزيادة معدل التصدير للخارج بدلا من الاستيراد وهو الأمر الذي سيعمل على إصلاح الميزان التجاري، واصفا قرار التعويم بـ" الشر الذي لابد نه "
على الجانب الاخر رحب جمهور تويتر بالتعويم، وقال أحد الرواد: "تعويم الجنيه المصري أفضل قرار بعيد المدى لتحرير الاقتصاد المصري فأي دولة متقدمة عملتها غير مقيدة.. ضربة معلم من السيسي"، وأضاف آخر: "جارٍ عمل الجلاشة للدولار".
وعلق آخر: "خطوة على الطريق الصحيح تأخرت كثيرًا"، وكتب آخر: "كده احنا ابتدينا خطوة عظيمة في طريق اقتصاد، قائلا " خير ما عملوا.. وعالبركة عوم يا جنيه ".