١٠٠ من أتباعه حصلوا على «نوط الامتياز» من الطبقة الأولى لدورهم البطولى فى حرب أكتوبر
الفريق أول محمد صادق ذهب له متخفيًا لشكره وتبادل الآراء حول مقاومة المحتل
٢٠ من رجاله تعرضوا للتعذيب على يد المخابرات الإسرائيلية
سجل البطولات والتضحيات فى تاريخ أهل بادية سيناء، ملىء بالأسرار والمواقف البطولية، التى كان الدافع منها حب الوطن، وكان لأبناء سيناء الدور الأبرز فى انتصارات أكتوبر المجيدة، خاصة خلال فترة حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، من بين تلك البطولات التى شهدتها سيناء خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجاهد الشيخ الصوفى «عيد بن سليم أبو جرير» الذى كان هو وأتباعه أحد ركائز منظمة سيناء العربية، التى أزعجت العدو الصهيونى فى حرب الاستنزاف من خلال استهداف المقرات العسكرية للاحتلال، ورصد تحركات العدو قبل حرب أكتوبر بأيام.
هذا الطود العظيم كان من كبار رجال الصوفية فى سيناء، إلا أن التاريخ المكتوب لم يذكره، فى حين أن اسمه مدون بماء الذهب فى ملفات المخابرات المصرية، نظرا للبطولات التى قدمها للوطن مع أتباعه، والتى كلفتهم بأن يكونوا درعا للوطن يقدمون النفس والنفيس من أجل دحر الاحتلال الإسرائيلى عن أراضيهم.
خطى الشیخ فى البادیة
ظهر هذا الولى المبارك إلى الوجود فى أرجح الأقوال عام ١٩١٠ ميلادية فى بيداء سيناء بجمهورية مصر العربية، من أسرة تقية من عشيرة الجريرات المعروف عنها إنجاب العديد من الصالحين، والتى تنتمى فى أصلها إلى الصحابى الجليل عكاشة بن محصن، وفى محاولة منا فى للتعرف على حياة العالم الجليل، ودوره فى الدعوة الإسلامية نستعرض هذه السطور التى لن تزيد على قطرة من بحور يستحقها تاريخ هذا العالم البدوى.
عاش هذا العالم فى بيئة لا تعرف للين العيش طريقا، فنشأ والشدائد حوله مترجلا مع قومه إلى منابت الكلأ، فلا يكاد يستقر فى مكان إلا ويؤذن مؤذن الرحيل إلى مكان آخر، يفترش الأرض ويلتحف السماء، ويستقر حيث يوجد الماء، فغرست فيه هذه البيئة كغيره من أبناء البادية عزة النفس والإباء والشمم، لا يرى لأحد عليه أى فضل إلا المولى جل وعلا، وكان إذا ضنت السماء بمائها وخلت الأرض من نباتها وكثيرا ما يحدث ذلك يرتحل مع قبيلته وغيرها من القبائل إلى فلسطين، حيث الكلأ والماء فيقيمون فيها إقامة المجبر، فإذا ما لاح برق جهة ديارهم أو تلقوا نبأ امتطار أوطانهم حملوا أمتعتهم على ظهور رواحلهم، ومع السير يحدوهم الشوق والحنين، ويحوطهم الأمل فى استقرار ولو إلى حين.
هكذا أراد الله سبحانه وتعالى حل وارتحال، واستقرار وانتقال، فأتاح له ذلك أن يتصل بالحواضر فى سيناء، وفلسطين ويجالس الشيوخ الأجلاء، وحملة العلم فى المساجد والمجالس العامة، فوجد عندهم الوعظ والإرشاد، وكان ذا حافظة قوية وذكاء وقْاد وروح مأخوذة بحب بارئها، وحب قيم الإسلام النقية وتعاليمه السمحة، وإرشاداته السامية على فطرة الله، ونفس متعطشة للسمو وهمة لا تعرف الكلل.
رأى ذلك كله فلمس هول الواقع المر، وقرر العزم الوطيد على أن يدعو قومه وغيرهم لله تعالى، فشرع مستهلا دعوته بتأدية فريضة الحج، وهو دون الخامسة والثلاثين من عمره، ثم نادى بإصلاح المجتمع من خلال إحياء أثر النبى صلى الله عليه وسلم، وأخذ يدعو الناس فرادى وجماعات للعودة إلى أهداف الدين الحنيف، ويوضح للناس أن الدين ليس طقوسا تؤدى، وحركات تؤتى وترانيم تتلى فحسب، وإنما لا بد من إصلاح القلب قبل إصلاح القالب، وأخذ يبين أن طاعة الله لا تجتمع مع هوى النفس الأمارة بالسوء، ولقد وهبه الله سبحانه وتعالى حسن سمت وقوة حجة، تأخذ بمجامع القلوب، باهر الكرامات، أصبح لا يجلس مجلسا إلا وتوفيق الله حليفه، فأطاعه الناس عندما دعاهم للصلاة والصيام وسائر شعائر الدين ونبذ الخصومة والمشاحنة بين المسلمين، ونادى فى كل تجمع سكانى فى البوادى أو فى الحواضر أن يتخذوا لهم مسجدا يؤدون فيه فرائض ربهم، وبجواره دار للضيافة وللاجتماع تكون دارا لضيفهم وضعفيهم ولو سياجا من حطب، وسرعان ما استجاب الناس لدعوته راغبين، فشرع ينظمهم على أساس جديد يوافق تعاليم الدين، فجعل لكل تجمع مسئولا يقوده فى أمور الدين والدنيا معا، فيحث القوى على رعاية الضعيف، والغنى على مساعدة الفقير، والمتعلم على تعليم الجاهل ابتغاء مرضاة الله تعالى، وتعاونوا جميعا فأنشأوا العديد من الكتاتيب فى أنحاء البادية الشاسعة، والكثير من المساجد ودور الضيافة والإيواء.
وبيّن رحمه الله أن عبادة الله ليست عادة يتعودها المرء، بل إن محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة إخوانه فى الله محبة صادقة خالصة تكون فى جميع التصرفات والأقوال ترجمة لها، فأخذت الحساسيات والحزازات التى كانت موجودة بين الأفراد والقبائل تتلاشى رويدا رويدا، وتستبدل بالمؤاخاة والمودة والألفة، وصارت ترجمة صادقة للقول الخالد (رب أخ لك لم تلده أمك)، وأصبح الناس على أرض سيناء فى غالبيتهم كأبناء الرجل الواحد.
وركز رحمة الله عليه على احتياج الناس للغذاء الروحى بقدر احتياجهم للماديات، فلا بد من عمران القلوب بقوة الإيمان، ولا بد من تهذيب النفوس، والانقياد لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يبايعهم على كتاب الله ألاّ يفرطوا فى حق من حقوق الله وهم قادرون عليه، وأن يطيعوا جميع تعاليم الإسلام السمحة بقدر الجهد والطاقة، وصدق الهمة والعزم.
ولما انتشرت دعوته وأصبح يستجيب له القاصى والدانى فى طاعة الله ورسوله استقر فى مدينة العريش عاصمة سيناء، وبنى مسجدا هو الأكبر من نوعه فى هذه المدينة، وبنى دارًا للضيافة بجهود أتباعه ومخلصيه، منارة فى حلقات العلم يؤمها المتعطشون إلى دروسه ومواعظه، ونصائحه، وإرشاداته، فأصلح الله به قلوب الكافرين، وغيّر به وجه التاريخ لسيناء من مساره الخاطئ إلى مساره الصحيح، فأرسى قواعد نهضة حضارية عمادها قواعد الدين والنفع المبين.
ولما كانت قبائل سيناء فى تلك الحقبة من الزمن تنظر للسلطة الحاكمة نظرة ريبة، ونفور، تأثرا بجبروت الحكام الأتراك، ومن بعدهم الإنجليز إبان سيطرة الاستعمار على هذه البقاع الطيبة، وأصبح من الصعوبة بمكان مد جسور الثقة بين هذه القبائل والسلطة الوطنية المصرية حين آل الأمر إليها، بعد رحيل المعتدين، فكان الشيخ بمثابة حلقة الوصل الأمنيّة بين الحكام والرعية، فبرهن على وطنيته الصادقة، التى نقلت النفوس من حال النفور والكراهية للسلطة الأم، وأذكى روح الانتماء الوطنى والوعى القومى لدى الأفراد والعشائر من قبائل شبه جزيرة سيناء، وبرهن شيخنا مرة أخرى على أنه من الصالحين القلائل الذين كانت آثارهم على أوطانهم أوضح من الشمس فى وضح النهار، وذلك حين حارب المخدرات حرب لا هوادة فيها، حيث أبان للناس أنها حرام شرعا، ومفسدة للدنيا وللدين، فأقلع جميع أتباعه عن التعامل فيها لا للخوف من العقوبة، ولكن للتزام بأمر الدين الحنيف.
مواقفه الوطنية في 56
ولعل من أقوى الدلائل وأوضح البراهين على إيمان المرء، هو حبه للجهاد فى سبيل الله حين تدْهَم الأمة الأخطار، وينادى الوطن على أبنائه المخلصين، ولو نظرنا إلى مواقف هذا الشيخ البدوى الجليل رحمه الله، فى هذه النقطة بالذات، لتجلت لنا أسمى آيات الفداء، والتفانى، والعطاء الإنسانى، المجرد من أية غاية أو هدف سوى رضا الله، والدفاع عن الوطن العزيز، والذود عن ترابه الطاهر، فكانت له فى كل الحروب التى شهدتها أرض سيناء مواقف بطولية رائعة، فما كاد العدوان الثلاثى على مصر فى عام ١٩٥٦م يبدأ، وتصدر الأوامر إلى الجيش بالانسحاب من سيناء إلى غرب قناة السويس، حتى هب يأمر أتباعه من العشائر والقبائل المختلفة لتغطية انسحاب قواتنا المسلحة، وحملهم ومعاونتهم على الوصول إلى غرب القناة، وتم نقل الآلاف من الجند والضباط فى ملحمة وطنية جعلت العدو الإسرائيلى يفقد صوابه، ويرسل رتلا من المدرعات إلى محل إقامة الشيخ الجليل فى قلب صحراء سيناء، للقبض عليه، ولكن الله رد كيدهم فى نحورهم، ولم يتمكنوا منه فأعلنت سلطات العدو الإسرائيلى عن مكافأة مالية ضخمة لمن يأتى بهذا الشيخ حيا أو ميتا، فارتحل الشيخ إلى أرض الكنانة مصر بعد أن اطمأن على إتمام انسحاب قواتنا المسلحة، ليجد القائد العام للقوات المسلحة فى استقباله يهنئه بسلامته ويقدم له شكر القيادة السياسية والعسكرية على الدور الوطنى الشجاع الذى قام به هو وأتباعه، تجاه الوطن الأم، وقواته المسلحة.
دوره في 67
وفى عدوان ١٩٦٧م، تجلت أسمى آيات الكفاح والجهاد لدى الشيخ الجليل، وأتباعه المخلصين، حيث إن أغلب من انضموا تحت علم المقاومة خلف خطوط العدو كانوا من أتباعه، وقدموا صورا وطنية وبطولات خارقة أذهلت المخابرات الإسرائيلية، وقضت مضاجعهم، وأصبح أتباعه فى سيناء المحتلة رمزا للصمود الوطنى، والتحدى البطولى لقوات الاحتلال الإسرائيلى، التى حاولت جاهدة، أن تنال من صمودهم، مستخدمة كل وسائل الترهيب والإغراء، ولكنها فشلت، وأعلنت عن ذلك صراحة فى أكثر من مناسبة، وقد منح أكثر من مئة رجل من أتباعه نوط الامتياز من الطبقة الأولى من السيد رئيس جمهورية مصر العربية، تقديرا لأدوارهم البطولية الفذة، فى حرب أكتوبر رمضان الخالدة.
يقول أحد مريديه الكاتب يوسف أبو جرير: «كان الشيخ الجليل قد انتقل بعد حرب ١٩٦٧م، مهاجرًا إلى جزيرة سعود مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، واستقر بها وبنى مسجدًا كبيرًا فى تلك البقعة، وأخذ يواصل دعوته فكثر أتباعه، ومحبيه، وظل بها حتى وافته المنية يوم ٩/٩/١٩٧١ سنة، عن عمر نيف ستين، قضاها داعيا لله، ومجاهدا فى سبيله، دون العقيدة والوطن، وطيرت الإذاعات المختلفة خبر وفاته عبر الأثير، وكان أحبابه تحت نير الاحتلال الإسرائيلى، يزدادون صمودا وشموخا، ويكتبون على صفحات التاريخ العربى والإنسانى أعظم سطور البطولة والفداء».
وأضاف: «كان أتباع الشيخ أبطالا بلا طبول، ولم يطلبوا يوما ما يستحقونه من تقدير، لأنهم جميعا ما كانوا يريدون إلا ثواب الآخرة ورضى الله عنهم، وتقبل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم»، وقد قال المدعى العام العسكرى الإسرائيلى فى جلسة محاكمة بعض من أتباعه، موجها كلامه لرئيس المحكمه الصهيونى قائلا: «لا تنخدع سيدى بهيئة هؤلاء البدو البسطاء فهؤلاء على أكتافهم قامت حرب كيبور».
«أكتوبر» وما قاله الرئيس الراحل أنور السادات: «أنا لست فى احتياج صور الأقمار الصناعية للمواقع الإسرائيلية... أنا عندى الصور الحقيقية».
شهادة ضابط مخابرات
وذكر المرحوم اللواء عادل فؤاد، ضابط المخابرات الحربية المخضرم: «كان مقر قيادة المخابرات الحربية فى بورسعيد يقف على قدم وساق فى انتظار نتائج إحدى العمليات النوعية والاستثنائية للمخابرات الحربية المصرية فى سيناء المحتلة، كان ينفذها رجال الشيخ عيد أبوجرير (١٩٧٠)، ولصعوبة المهمة وللأهمية القصوى للأهداف المنتظر تحقيقها، فإن التقديرات العسكرية كانت ترجح عدم نجاح هذه العملية، وبينما كانت قيادة المخابرات الحربية ببورسعيد فى انتظار أخبار ونتائج العملية النوعية فوجئوا بحضور الفريق محمد أحمد صادق، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، للاطمئنان على العملية ونتائجها بنفسه، وجاءت الأخبار من سيناء المحتلة.. «الحمد لله نجحت العملية نجاحا منقطع النظير، وتحققت الأهداف كاملة، وفوق ما كان متوقع لها»، وبينما كان الفريق صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة يتلقى التهنئة من ضباطه بهذا النجاح الباهر، إذ بأمر صادر له من القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس جمال عبد الناصر يطلب منه فورا التوجه إلى قرية جزيرة سعود بالشرقية، لتقديم شكر وتقدير القوات المسلحة للشيخ عيد أبو جرير ورجاله، ولكن الحرس الخاص لرئيس الأركان اعترض على الزيارة خوفا على حياة الفريق صادق الذى لا بد أن العدو الإسرائيلى قد أحس بوجوده فى منطقة القناة، ولكن الفريق صادق أصر على إتمام الزيارة، وفى هذا المساء على وجه التحديد، وبالفعل تم تجهيز سيارة جيب بلوحات معدنية مدنية، وبدون أى نوع من أنواع الحراسة، ومع مغيب الشمس تحركت السيارة، كنت أقودها وبجوارى جلس رئيس الأركان مرتديا جلبابًا أبيض.. ووصل الفريق صادق إلى ساحة جزيرة سعود، واستقبله شيخنا بالترحاب العربى الأصيل، وقد استمر اللقاء لمدة ساعة، منها نصف ساعة اجتمع فيها الفريق صادق بالشيخ على انفراد، وعلى إثر هذا اللقاء أوصت القيادة العليا للقوات المسلحة بوضع خطة تأمين لجزيرة سعود باعتبارها القاعدة الرئيسية التى ينطلق منها رجال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى فى سيناء».
وقال يوسف أبو جرير: «من أبرز أتباع الشيخ فى منظمة سيناء العربية، الذى كان لهم دور كبير فى انتصارات أكتوبر المجيد، ووضعوا أرواحهم على أياديهم من أجل الوطن تكليفا من الشيخ أبو جرير المجاهد الشيخ «أسليم شريف أبو جرير»، الذى كان يقود المجاهدين بالأراضى المحتلة، ورصد تحركات العدو فى شبه الجزيرة من خلال انتشار أتباع الشيخ فى كل بقعة من بقاع الأراضى المحتلة، ونقلها إلى القيادة العليا بمصر، وكان الشيخ أسليم مطلوب حيا أو ميتا لدى سلطات الاحتلال، وقد قامت سلطات الاحتلال برصد مبلغ مليون ليرة مكافأة لمن يدل على مكان تواجد الشيخ، إلا أن قوات الاحتلال فشلت فى التوصل إلى أى معلومة عنه، وظل يقاوم الاحتلال من خلال شبكة الاستخبارت المصرية الذى كان يقودها فى الأراضى المحتلة حتى انتصارات أكتوبر ١٩٧٣م».
وأضاف الكاتب يوسف أبو جرير: «إن من أبرز القيادات الاستخبارية التى كانت تتواجد فى الأراضى المحتلة المجاهد «عبدالله خويطر»، الذى كان يتواجد بسيناء المحتلة لأكثر من ٨ شهور لقيادة الشبكة الاستخبارية من أبناء الشيخ أبوجرير لنقل المعلومات حول المقرات العسكرية لسلطات الاحتلال، وقوة العتاد للعدو، وقد وصل إلى رتبة مقدم بالمخابرات حينها، وتمكن من خلال الشبكة التى يقودها إلى رصد جميع المقرات والمعسكرات الهامة للعدو، ليتم تدميرها فى أول طلعة جوية فى حرب أكتوبر، والتى كانت الشرارة لانتصارات أكتوبر، بالإضافة إلى أن أتباع الشيخ رصدوا جميع المعدات التى وصلت إلى الجبهة بالقنطرة قبل أن تبدأ الحرب، حيث كانت جبهة العدو كتابا مفتوحا للقوات المسلحة المصرية».
ويروى لنا المجاهد عبدالله سويلم أبو جرير، أحد أعضاء منظمة سيناء العربية: «إن أعضاء شبكة الاستخبارات المكلفين من الشيخ «عيد أبو جرير» كانوا يتلقون التعليمات من قيادة المخابرات من خلال رسائل تشفيرية على الراديو بالإذاعة المصرية، وأثناء حرب أكتوبر كانت أجهزة اللاسلكى تعمل بشكل مفتوح وغير مشفرة بين رجال الشيخ أبو جرير والقيادة ببورسعيد، فكانت كل تحركات قوات العدو مرصودة لدى المخابرات المصرية أثناء الحرب».
وأضاف: «إن مهمة رجال الشيخ كانت بمثابة أقمار صناعية تحركها إدارة المخابرات المصرية بغرفة العمليات غرب القناة، وحين دقت طبول حرب أكتوبر كان أمام قيادة القوات المسلحة المصرية وصف تفصيلى ودقيق لمراكز وقواعد وانتشار قوات الاحتلال الإسرائيلى، الذى استهدفها الطيران الحربى فى أول طلعة جوية، لتنطلق الحرب التى كان لها الانتصار المدوى على الاحتلال الإسرائيلى».
وكشف المجاهد عبدالله سويلم، أن مجاهدى أبناء سيناء من أبناء الشيخ الجليل عيد أبو جرير كانوا ينتشرون فى كل مكان من شبه جزيرة سيناء، وموزعين على مجموعات لرصد لتحركات العدو، بالإضافة إلى مجموعات تقوم باستهداف مقرات الاحتلال الصهيونى بصواريخ كا تيوشا، وكانت ضربات موجعة للعدو حينها.
ويروى لنا المجاهد سليمان حسن أبو جرير، أحد أتباع الشيخ عيد أبو جرير الذى كان أحد أفراد شبكة الاستخبارات بالأراضى المحتلة خلال حرب أكتوبر: «كنت من المكلفين برصد تحركات الآليات العسكرية بالطريق الدولى العريش – القنطرة، كنت أقوم بتسجيل ورصد تحركات الآليات العسكرية للعدو ذهابا وإيابا وأبلغها لقيادة الشبكة الاستخبارية لإبلاغها للقيادة غرب القناة».
وكشف لنا عن اعتقال أكثر من ٢٠ مجاهدًا من أبناء الشيخ عيد أبو جرير من قبل قوات الاحتلال عقب انتصارات أكتوبر، حيث اعتقلت قوات الاحتلال فى عام ١٩٧٧م أتباع الشيخ عيد أبو جرير، كنت أحدهم وتعرضنا إلى سلسلة من التعذيب على يد المخابرات الإسرائيلية، وقد تعرض شيخ المجاهدين مبارك سويلم إلى أبشع أنواع العذاب لكى يعترف على أفراد الشبكة، إلا أنه كان يرفض تماما الكشف عن أسرار الشبكة، فتعرض لتعذيب لا يطيقه بشر، وتم ترحيله إلى سجون الاحتلال التى كانت أكثر شراسة فى التعذيب لكى يدلى باعترافات عن أفراد الشبكة، إلا أنه كان صامدا أمام كل عمليات التعذيب البشعة على يد المخابرات الإسرائيلية، وبعد أن فشلوا فى نزع أى اعتراف من شيخ المجاهدين، اعترف أحد المعتقلين حينها من شدة التعذيب، فتم اعتقال أكثر من عشرين مجاهدًا، وتمت محاكمتهم بمحاكم صورية فقضينا فى السجون الإسرائيلية أكثر من ٣ سنوات قبل أن يتم الإفراج عنا بعد اتفاقية السلام وتحرير سيناء فى عام ١٩٨٠م.