في الوقت الذي تسعى فيه مصر لتوفير القمح باستيراده بالعملة الصعبة في ظل
ارتفاع سعر الدولار وتأثير ذلك بالسلب على الاقتصاد المصرى، تفاجأ الفلاحون بصدو
قرار من وزارة الزراعة بعدم استلام الشون للقمح إلا من الفلاحين الذين يملكون
حيازة زراعية والتي تثبت ملكيتهم للأرض، ولم يعلم من أصدر هذا القرار أن أكثر من 70% من فلاحي مصر ليسوا ملاكا لأرضهم ولكنهم مستأجرون لها ولا يملكون حيازة زراعية،
وملاك الأراضى إما موظفون أو ذو مناصب عليا يسكنون بالمدن بعد تأجيرهم تلك
الأراضي، رصدنا تأثير هذا القرار على الفلاح وكيف يكون مصير القمح الذي يتم حصاده
هذه الأيام هل ستستلمه الشون التابعة لوزارة الزراعة أم سيلجأ الفلاحون لبيعه
للتجار في السوق السوداء بأبخس الأثمان؟
بوجه وصوت يخيم عليهما الحزن قال الحاج عبدالعال،
مزارع في العقد الخامس من عمره: "خربوا بيتنا وبيعنا القمح للتجار بأبخس الأسعار
يا ابنى"، مؤكدا أنه لا يملك حيازة زراعية لأنه يؤجر فدانا بإحدى قرى الجيزة
ليقتات منه هو وأولاده، وأن أغلب المزارعين الذين حصدوا القمح فعلوا مثله لأنهم
جميعا لا يملكون الحيازة.
بينما أكد الحاج عبدالحميد، أنه لم يحصد قمحه بعد وفى
انتظار ما يستجد من قرارات متمنيًا تراجع وزارة الزراعة عن قرارها حتى لا يلجأ إلى
بيعه للتجار بأسعار تصل لـ370 جنيها، حسب قوله، على عكس سعر الحكومة الذي يقدر
بـ420 جنيها.
* القرار مسيس للتضييق على
الفلاحين:
قال مجدى أبو العلا، نقيب فلاحين الجيزة: إن هناك
عددا من المشاكل تقابلنا في توريد القمح أولها أن الوزارة تطلب الحيازة الزراعية
من مورد القمح، والفلاح يؤجر الأرض من المالك وليس لديه حيازة زراعية، فهو مؤجر
يدفع الإيجار للمالك ويزرع فقط، مضيفا أننا كفلاحين ذهبنا إلى الشونة فوجدناها
مغلقة وقالوا لنا لأنها في حالة صيانة، متسائلا: لماذا تكون الصيانة في وقت
التوريد؟ فنحن نورد في أشهر أبريل ومايو ويونيو فكيف يقومون بالصيانة في الموسم،
وتركوا بقية أشهر العام، ولكن الغرض من هذا عمل مشاكل وعرقلة الأمور و"تطفيش" الفلاحين، إضافة إلى أنهم يطلبون من الفلاح أن يأتى ببطاقة ضريبية بدلا من الحيازة
لمن ليس معه حيازة، وهل الفلاح تاجر حتى يأتى ببطاقة ضريبية؟ متسائلا لماذا يطلب
موظفو البنك من الفلاحين إحضار بطاقة ضريبية أو سجل تجارى لو لم يحز حيازة زراعية
هل الفلاح تاجر أم فلاح ؟ مضيفا أن 5 % فقط من مالكي الأراضي و95 % هم المزارعين
المؤجرين لهذه الأرض.
وأضاف أبو العلا، أننا نذهب للبنك نطلب منه أجولة
لنعبئ فيها القمح فيقولوا لنا: ليس لدينا أجولة اشترى على حسابك، وهذا يكلف الفلاح
أكثر، وعند التوريد للبنك يقولوا لنا: لا بد أن يكون القمح منقى وجودته ونقاؤه
عاليا، ومن المفترض أن الوزارة بها قطاع الميكنة الزراعية وهذا القطاع غير مفعل أو
متوافر على أرض الواقع لدى المزارعين فنضطر كفلاحين نأتى بالجرارات الخاصة ليدرس
القمح بالأجرة فيخرج القمح نقى ولكن الموظفين يريدون رشوة حتى يستلموا القمح
والفلاح لا يعرف معنى الرشوة، مطالبًا وزير الزراعة ورئيس البنك بإعطاء تعليمات لموظفيه
بعدم التعنت في استلام القمح، إضافة إلى أنهم يتحدثون معنا على موضوع الرطوبة رغم أن الفلاح لم يخزنه أصلا ولكن هذا تعنت وتلاكيك.
ووصف أبو العلا قرار وزير الزراعة بأنه "عشوائى
وغير مدروس" لأنه لم يستشر الفلاحين، وأتى بعواقب وخيمة ضد الفلاحين، مضيفا أن
النقل أيضا مشكلة، ففى الجيزة هناك مناطق قريبة من الشونة ومناطق بعيدة، فالواحات
البحرية مثلا بعيدة جدًا عن الشونة، فكيف سننقل القمح لأن المكسب سيذهب للنقل،
فلماذا لا تقوم الشونة بتوفير النقل على حساب الوزارة لتوفير القمح والتيسير على
الفلاحين، إضافة إلى أننا نورد في أشهر أبريل ومايو ويونيو، وسمعنا أن الوزارة
تقوم باستيراد قمح مستورد في هذه الشهور وهذا شيء غريب جدا يضر بالقمح المصرى، فمن
المفروض أن يجعل المستورد في وقت معين والمحلى في وقت معين، متسائلا: من المستفيد
من عملية الاستيراد، وهل عليهم رقابة مشددة؟
الفلاحون يهددون بعدم زراعة القمح العام المقبل:
قال فريد واصل، نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين:
إن هذا القرار هو من ضوابط حصاد القمح، معتبرا إياه تضييقا على الفلاحين، مدللا
على ذلك بأن معظم شون القمح لم يتم فتحها هذا العام مثلما حدث في محافظة الغربية، حيث تم فتح أربع شون أسمنتية فقط تابعة لبنك الائتمان الزراعى، ومطحنين فقط أحدهما
في طنطا والآخر بالمحلة، بينما مركز سمنود لا يوجد به شونة ولا مطحن، فهل يصح أن
مزارعا لديه فدان قمح يحصده، ثم يذهب ليقف في الطابور أمام المطحن ليسلمه، فهذه
مسألة صعبة جدا عليه ولن ينفذه، مؤكدا أن الوضع في المحافظات القبلية والساحلية
أصعب، واصفا القرار بأنه يقصد به التضييق على الفلاحين بسبب أن سعر القمح 420
جنيها رغما عن أنف المجموعة الاقتصادية الموجودة بالحكومة، لافتا إلى أن تجمع
الحكومة كل عام من 3 ملايين إلى 3.5 مليون طن قمح، متوقعا ألا يتخطى توريد هذا
العام المليون طنا من الفلاحين، فيما ستذهب الكمية الباقية وهى 8 ملايين طن للسوق
السوداء بثمن بخس، وستذهب للحلويات ومصانع المكرونة والعيش الفينو في وقت نحن نحتاج
له.
وأضاف واصل أنه خلال العام الماضى كان مسموحا للتجار
بأن يرسلوا القمح للشونة، فكان الفلاح عندما يحصد قمحه يجد التاجر واقفا أمام حقله
ليأخذ القمح منه ويعطى له ثمنه كاملا، ولكن هذا العام بعد هذا القرار فإن الفلاح
هو من يذهب للتاجر لـ"يتحايل عليه"، والتاجر يملى عليه شروطه ويأخذه
بسعر أقل من سعره الحقيقى ويعطى له ثمنه بعد فترة، وليس في وقته؛ لأن التاجر الآن
ممنوع من دخول الشونة؛ لأنه ليس لديه حيازة زراعية، وهذا العام 70% من شون بنك
التنمية والائتمان الزراعى لم تفتح حتى الآن هدف التضييق على المزارعين لعقابهم،
وهذا يترتب عليه أن العام القادم المزارع لن يزرع القمح؛ لأن المواطن سيعانى في
تسويقه، وهذا حدث مع الفلاحين خلال العام 2008 في أيام يوسف بطرس غالى، وتم استيراد
القمح بالسعر العالمى والفلاحون لم يتمكنوا من بيع أقماحهم فامتنعوا عن زراعته في
العام التالي 2009.
اقتراح بعمل كشوف بأسماء مزارعي القمح من الجمعية
وتسليمها للشونة:
وأوضح
محمد فرج، رئيس الاتحاد العام للفلاحين، أن غرض الوزارة من هذا القرار هو عدم تربح
التجار من وراء الفلاحين وخلط القمح المصرى بالمستورد، ولكنه دمر الفلاح، مطالبا
بأن يتم إرسال كشوف حصر المزارعين التي أعدتها الجمعيات الزراعية بأسماء الفلاحين
الذين زرعوا القمح إلى الشونة التي سيسلم بها القمح، مؤكدا أن عامل الوقت مهم جدا
بالنسبة للفلاح، خاصة أن أكثر من 40% من الفلاحين ليس لديهم حيازة زراعية، لافتا
إلى أنه يوجد لجنة بالجمعية الزراعية تسمى لجنة الحصر، وهذا هو دورها، مطالبا
بمرونة أكثر في استلام القمح بدلا من التعقيدات والروتين الحكومي.
وأكد فرج
أن وزير الزراعة لا يعلم شيئا عن استلام القمح من الفلاحين، فمزارعوا الوجه القبلى
95% منهم حصدوا القمح وباعوه للتجار لأن الفلاحين ليس معهم حيازة زراعية، ونسبة
كبيرة بالوجه البحرى حصدوا أيضا القمح، متسائلا: لماذا لا يخرج قرار بعدم دخول قمح
مستورد في أشهر أبريل ومايو ويونيو، وهى أشهر حصاد القمح في مصر حتى لا يختلط
المستورد بالمصرى بتلاعب التجار، متابعا أن القمح المستورد نسبة البروتين به 8%
بينما المصرى نسبة البروتين به 18% وهم اشتروا الطن بسعر يتراوح من 100 إلى 150
دولارا وهو أغلى من القمح المصرى رغم أنه أقل جودة ولا أحد سيتكلم لأن المصالح
الشخصية تغلب على الجميع.